الأربعاء، 13 يونيو 2012

ما بين المعوقات والطموحات" تنمية الوعي السياسي لدي الأطفال "بقلم: محمد الشافعي


ما بين المعوقات والطموحات"  تنمية الوعي السياسي لدي الأطفال "

ورقة قدمت للحلقة البحثية حول

الثورة وحقوق المواطنة للطفل المصري
محمد الشافعي
تؤكد كل الدلالات والمؤشرات علي أن مصر دولة شابة وفتية ..وذلك لأن الغالبية العظمي من الكتلة السكانية ..تقع في المرحلة السنية التي تضم الناشئة والشباب .. ومثل هذه المؤشرات تدعو إلي التفاؤل ..وذلك لأن الأمة التي تمتلك هذه الميزة تصبح قادرة علي العمل والانجاز .. ولن يتبلور أو يتحقق هذا الانجاز إلا بزيادة (الوعي )..على كافة المستويات السياسة ـ الاقتصاد ـالثقافة ..الخ .
وحتى لا يصبح هذا الوعي مثل الحرث في البحر .. فلابد من أن يبدأ منذ الطفولة الواعية .. وخاصة الوعي السياسي لأنه القاطرة التي تسحب خلفها كل أنواع الوعي الأخرى فمثل هذا الوعي يعني معرفة الحقوق والوجبات على المستوي الشخصي والعام .. ويعني أيضا معرفة المكان والمكانة لهذا الوطن العظيم الذي نعيش علي أرضة ..الخ .. ورغم ارتفاع سقف الطموحات بالنسبة لتنمية الوعي السياسي لدي الأطفال .. إلا أن هناك العديد من المعوقات والتي تقف مثل الكوابح العملاقة في وجه هذه الطموحات ..وعلينا أولا أن نستعرض أهم هذه المعوقات لنتعرف علي كيفية التخلص منها .. لتنطلق بعدها الطموحات في آفاق رحبة من القدرة علي الفعل ..والإرادة علي تحقيق هذا الفعل ..
وتتلخص أهم هذه المقومات فيما يلي :
أولا : ظاهرة أطفال الشوارع :
تؤكد البحوث حول هذه الظاهرة بأن هؤلاء الأطفال قد بلغوا ثلاثة ملايين طفل ..أي ما يوازي عدد سكان مجموع من دول الخليج ...!!وقد تفاقمت هذه الظاهرة ..وبدأ الجيل الثاني من أطفال الشوارع في الظهور ..بعد التزاوج ما بين الشباب والفتيات بصور وأشكال مختلفة ..وتحوي هيه الكتلة البشرية كل أنواع وصور الموبقات والمحرمات مما يجعل مجرد التفكير في تنمية الوعي السياسي لديهم رفاهية ساذجة ..خاصة وهم يعيشون بلا سكن أو أسرة أو رعاية من أي نوع .. ومن هذا المنطلق .. فعلينا أولا أن نعمل علي وضع الحلول الجذرية لهذه الظاهرة البغيضة ..علي أن تؤدي هذه الحلول إلي تحويل كل طفل من هؤلاء الأطفال إلي صورة (المواطن الصالح )..ومثل هذا المواطن لابد وأن يكون لديه (و عي سياسي ).
ثانيا : مشكلة الأمية :
تتراوح نسبة الأمية في مصر من 25 ـ 40 % من إجمالي عدد السكان .. وللأسف الشديد فإن غالبية هذه النسبة المرعبة .. تقع في مرحلة الناشئة والشباب كنتيجة طبيعية للتسرب من التعليم . وبالطبع فإن الهم الأول بالنسبة لتلك الملايين التي تعاني من الأمية الأبجدية لن يكون زيادة الوعي السياسي .سيكون مجرد (فك الخط ) أي معرفة القراءة والكتابة .
ثالثا : مشكلة الفقر :
تؤكد الدراسات الاقتصادية علي أن 40% من إجمالي الشعب المصري يعيشون تحت أو عند خط الفقر ..وان 40% أخري من إجمالي السكان يعيشون عند الحد الأدنى من (الكفاية ) ومثل هؤلاء جميعا ـ أطفالا وكبارا ..لن يكون زيادة الوعي السياسي همهم الأول ..ولكن كيفية الحصول علي (لقمة العيش ) هي الهم الأكبر والأهم .
رابعا : مأساة مناهج التعليم :
يعيش الطفل المصري مأساة حقيقية مع المناهج الدراسية التي تقدم له في المدارس .. والتي تعتمد علي الحفظ والتلقين ..والمليئة بالحشو والنفايات ..ومثل هذه المناهج تدفع الطفل إلي كراهية (القراءة والثقافة ) .. ولم يكتف المسئولون عن التعليم بجريمة هذه المناهج البغيضة .. ولكنهم ارتكبوا جريمة أخرى بإلغاء(حصة المكتبة) ..وإلغاء كل الأنشطة التي تحبب الطفل في الثقافة والإبداع ..ومثل هذا الطفل لن يكون مهموما بتنمية الوعي السياسي حيث ستجذبه ألعاب الكومبيوتر والأنشطة الترفيهية .
خامسا : متاهة وسائل الإعلام :
تندفع وسائل الإعلام ..وخاصة الفضائيات ..خلف (برامج التناطح )..في محاولة لجذب الجماهير إلي (حلبة مصارعة الثيران ) وليس مهما الموضوع الذي يتم حوله الصراع ..ولكن المهم هو الصراع نفسه ..ومثل هذه الفضائيات لن تفكر أبدا في تنمية الوعي السياسي لدي الأطفال ..وأن كان بعضها (يتعطف ) بتقديم مجموعة من البرامج الساذجة والبلهاء .. والتي يدعون أنها (برامج أطفال ) .
سادسا : غياب الأحزاب :
تحول الأحزاب السياسية في كل الدول الديمقراطية إلي مدارس حقيقية لتعليم السياسة .. وتنمية الوعي السياسي .. وفي تاريخنا المعاصر لدينا تجربتان يمكن التوقف عندها وهما (منظمة الشباب ) التي أنشاها الرئيس جمال عبد الناصر ..واستطاعت من خلال رؤية حقيقة .. وجهد كبير أن تستوعب عشرات الآلاف من الشيبة والشباب ..لينهلوا من الثقافة السياسية بلا حدود ..
أما التجربة الثانية فتمكن في جماعة (الأخوان المسلمين ) ..والتي استوعبت هي الأخرى الآلاف من الشباب لينهلوا من فكر الجماعة ..والذي يقدم الرؤية الدينية علي الرؤية السياسية ..وبذلك تصبح تجربة منظمة الشباب أكثر تأثيرا .. والأكثر إلحاحا في استنساخها ..ورغم أن لدينا ألان أكثر من سبعين حزبا ..إلا أن كل هذه الأحزاب لم تلتفت إلي فكرة تنمية الوعي السياسي لدي الأطفال والشباب ..لأنها جميعا تتعامل مع ما هو (آني ) ..وتنظر تحت قدميها .. ولا تتعامل أو تنظر إلي المستقبل .
سابعا : المؤسسات الدينية :
تدعو كل الأديان السماوية إلي العلم والثقافة والتحاور مع الآخر .. وفي القرآن الكريم مثلا مئات الكلمات تدعو إلي (العلم ـ التفكر ـ التدبر ـ النظر ـ التعقل ـ العمل ..الخ ).
ولكن المؤسسات الدينية ـ سواء إسلامية أو مسيحية ـ تركز فقط ـ علي ممارسة الطقوس الدينية .. رغم أن الأديان فيها الكثير من السياسة ..والمؤسف أن بعض الدعاة ـ سواء مسلمين أم مسيحيين ..يدعون إلي الانغلاق ورفض الآخر ..مما يقتل أفكار الحوار والتنوير .. وبالتبعية يقتل فكرة تنمية الوعي السياسي ..
وبعد هذا السرد السريع لأهم المعوقات التي تقف أمام تنمية الوعي السياسي لدي الأطفال .. فإن وسائل القضاء علي هذه المعوقات .. وتحقيق الطموحات المأمولة .. ليست صعبة وليست مستحيلة ..ولكنها تحتاج إلي إرادة صلبة .. ورؤية مستقبلية مستنيرة ..ويمكن سرد بعض هذه الوسائل فيما يلي :
أولا : رأس الدولة :
يجب أن تتحول الطفولة .. وزيادة الوعي لدي الأطفال ..إلي مشروع قومي للدولة .. ويجب أن يحتفي دستور مصر بالطفولة ..وتنمية مواهب الأطفال ..وتشجيعهم علي الإبداع .. كما يجب تفعيل كل القوانين جديدة ..تحقق فكرة (المشروع القومي ) برعاية الأطفال كنوع من الاستثمار المضمون للمستقبل .
ثانيا : وسائل الإعلام :
إلزام كل وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة والمقرؤة ) ..بتقديم مواد تحمل كل أسباب الجاذبية والحيوية وتهدف إلي زيادة الوعي بشكل عام لدي الأطفال ..وزيادة الوعي السياسي بشكل خاص ..ويقوم علي إعداد هذه المواد مجموعة من المتخصصين المحترفين الذين يعملون علي تحقيق الأهداف العليا للدولة .
ثالثا : مناهج التعليم :
لابد من تخفيف مناهج التعليم بأساليب جاذبة ومشجعة للأطفال .. ولابد من تقديم منهج كامل يهدف إلي نشر (الثقافة الوطنية ) لدي الأطفال مما سيعمل حتما علي زيادة الوعي السياسي .. وفي هذا الإطار لابد من سد كل الثغرات التي يتسرب منها الأطفال من التعليم .
رابعا : بذل جهد حقيقي ومخلص للتخلص من ظاهرة أطفال الشوارع . والأهم هو مقاومة كل الطرق التي تؤدي إلي وجود هذه الظاهرة البغيضة .
 خامسا : العمل بكل الوسائل علي جعل الإنسان المصري يعيش حياة كريمة .. مما يدفعه إلي إيجاد مساحة من حياته يخصصها للثقافة والإبداع والفنون مما سيعمل حتما علي زيادة الوعي لدي كل أفراد الأسرة ..بما فيهم الأطفال .. وهذا لن يتم إلا بوجود مشاريع حقيقية لمقاومة الفقر .
سادسا : التوسع في فكرة (البرلمان الصغير ) علي أن تتم بشكل حقيقي ومؤثر .. علي أن يتواجد هذا البرلمان الصغير بداية من الفصل الدراسي الواحد ..ثم علي مستوي الإقليم ..وأخيرا علي مستوي الجمهورية علي أن يتواجد هذا البرلمان الصغير في كل المراحل الدراسية ..مع وضع خطط علمية مدروسة ليؤدي هذا البرلمان دوره في زيادة الوعي السياسي لدي الأطفال .
سابعا : الأحزاب السياسية :
علي الأحزاب أن تهتم بمستقبلها +ومستقبل الوطن من خلال زيادة الوعي السياسي لدي النشء والشباب ..مع الوضع في الاعتبار أن تتسامي هذه الأحزاب عن الأهداف السياسية الصغيرة ..وأن ترتفع إلي مستوي (المشروع القومي ) بما يعني عدم حشو عقول شباب هذه الأحزاب بأفكار أحادية الجانب تعمل علي رفض الآخر ..ونبذ الحوار ..
ثامنا : المؤسسات الدينية والدعاة :
علي المؤسسات الدينية أن تخرج من شرنقة الدعوة إلي ممارسة الطقوس الدينية فقط .. وعليها أن تدعو إلي الفكر الديني المستنير .. لأن هذا الفكر المستنير سيعمل حتما علي زيادة الوعي لدي الأطفال والشباب وخاصة الوعي السياسي ..وعلي الدعاة الذين يمثلون المنابر الإعلامية أن يضعوا مصلحة الوطن فوق أي مصلحة أخري لأن سلامة الوطن من سلامة الدين .
عاشرا : المؤسسات الثقافية : لعبت المؤسسات الثقافية خلال فترة الخمسينيات والستينيات دورا حيويا في زيادة الوعي .. وتراجع هذا الدور خلال فترة السبعينيات وما بعدها .. ثم تحول هذا الدور إلي مجرد إنشاء مباني عملاقة تخلو من أي فكر وتفتقد إلي الكوادر صاحبة الرؤية لإدارتها ..ولذلك فلابد من تفعيل هذه المباني العملاقة من خلال وضع الكوادر المستنيرة لإدارتها .. ولو تم ذلك لزاد الوعي بشكل عام لدي كل المصريين .. ولدي الأطفال والشباب بشكل خاص ..وبالتبعية سيزيد الوعي السياسي .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق