السبت، 2 يونيو 2012

"تمرد موجة " قصة للأطفال بقلم: شهاب سلطان


تمرد موجة
شهاب سلطان
مالت شمس الظهيرة تجاه الغرب ولم تعد أشعتها تلسع ماء النهر وترتف حرارة سطحه، وتحوله الى بخار ماء يصعد الى اعلى حتى يصل الى السحاب.
        وهبت نسمة العصارى، طرية منعشة. داعبت وجه الماء فأحس بالفرحة وراج يتماوج فى خفة ورشاقة.
كانت الموجات تتراقص فى نعومة ساحرة، تنعكس على قممها أشعة شمس الأصيل الصفراء الذهبية ، فتبدو الموجات كما لو كن راقصات ترتدين تيجانا مشرقة.
ولما سحبت الشمس ضوئها وإختفت ، حل اللون الرمادى على سطح الماء، وهدأت حركة الأمواج وإنتابها الكسل والخمول، وهدأت حركتها كثيرا.
وحين أطل قرص القمر البدرى فى السماء، أرسل أشعته لتبد رمادية الحياة وتمد الأمواج بالقوة والحيوية فتزداد حركتها ونشاطها.
وتحول سطح النهر الى ملايين الملايين من قمم الأمواج الفضية، تتحرك صعودا وهبوطا كما لو كانت حبات مسبحة تداعبها أشعة القمر تسبح عليها لله الخالق العظيم.
وكان هناك شجر صفصاف على جسر ترعة من ترعات النهر، منعت أشعة القمر من الوصول الى إحدى الموجات التى تحتها، ولم تمدها الأشعة بالنشاط ولا الحيوية. فأحست بالتعب والإرهاق.
قاومت الموجة إحساسها بالتعب، حاولت أن تستمد بعض من القوة من جارتها فوجدتها فى حركة عكسية معها. كلما كانت هى فى القمة كانت جارتها فى القاع. وكلما كانت هى فى القاع ، كانت جارتها فى القمة، وبالرغم من ذلك.. فإن فى حركتهما تواصل غريب. كل منهما تأخذ من جارتها لترتفع الى القمة، ثم تهبط لتعطى جارتها لتأخذ دورها فى الإرتفاع . وكان فى ذلك سبب حياتهما.
حاولت الموجة أن تفكر فى أى شيئ ينسيها إحساسها بالتعب. فكرت فيما مر بها من أحداث طوال اليوم، كم مرة داعبت جانب قارب نزهة لم يهتم بوجودها. كم مرة لطم خدها مجداف صياد ومزجها بجيراتها ولم تغضب بل أسرعت بالتماسك بهم والحركة معهم، كم مرة .. شقت إنسيابيتها ونعومتها سمكة بلطية فضية وهى تمرح. كم مرة حركها بعنف حجر ألقاه طفل يعبث وتعود تدريجيا الى طبيعتها.. كم .. وكم .. وكم؟.
فكرت الموجة فى الإنتقال بعيدا عن ظل شجرة الصفصافة لتأخذ نصيبها من الحيوية والنشاط من أشعة القمر، إكتشفت أنه من المستحيل عليها تخطى جاراتها أو القفز من فوق رءوسهن أو التسلل من أسفلهن ، كل ذلك لأن حركتها محدودة بالصعود الى القمة والهبوط الى القاع وهى فى مكانها.
زاد إحساس الموجة بالتعب، وزادت رغبتها فى التزود بالقوة من نور القمر، تمنت أن تبتعد الصفصافة التى تحجبه عنها.. تذكرت أنها موجودة فى هذا المكان من سنين.. وتأكدت من أنها لن تتحرك من مكانها وستظل تحجب عنها حر الظهيرة ونور القمر.
قررت الموجة أن تستريح، تكف ولو قليلا عن الصعود الى القمة والهبوط  الى القاع. أسرت برغبتها الى جارتها.. نصحتها الجارة بالإستمرار فى الحركة ففيها الوجود والحياة. طالبتها بالتأمل فى حركتها .. كيف تتجمع ذراتها وتعلوا.. ويف تنبسط وتهبط الى أسفل. ثم تعاود الحركة من جديد. وقالت لها:
ـ أليس فى ذلك شيئ جميل؟.
سخرت الموجة من حديث جارتها.. ماذا يفيد التغير فى الشكل وهى فى مكانها لا تبرحه؟. وأصرت على السكون والراحة فى ظل الصفصافة. وقررت أن تنفذ رغبتها.
وفى لحظة واحدة.. كانت الموجة قد تلاشت لأنها قررت أن تستريح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق