الاثنين، 28 مايو 2012

"الوزير الصغير " قصة للأطفال بقلم: مصطفى البلكي


الوزير الصغير
مصطفى البلكي
دخلت الأم علي ولدها الأمير فوجدت وجهه ينطق بالحزن, اقتربت منه, وجلست بجواره, فلم ينتبه لها, فلما مدت يدها ولمست كتفه برفق, عاد من شروده, وأعتذر لها لأنه لم ينتبه إليها فور دخولها, هونت الأم الأمر علي ولدها وسألته عن سبب شروده وحزنه,فقال  بعد أن تنهد :
ـ الرعية يا أمي .
ـ ما ذا حدث لهم ؟ .
قال لها إنه كلما مر موكبه ونظر في وجوههم رأي الحزن يحط عليها, ويزيد حزنه  حينما يمر بجوار الأكواخ التي يسكنون فيها .. والتي لم يصادف فيها دخاناً, يدل علي الخبيز أو طهي طعام ..
قاطعته أمه وقالت له إن التقارير التي يرفعها وزير الإمارة كلها تقول إن أمور الناس علي أحسن ما يكون, وكل شئ متوفر, وما دامت الأحوال وصلت للحد الذي وصفه لها, فيجب تغيير الوزير ...
ـ وحتى إن غيرت الوزير فمن يضمن لي أن يكون مختلفاً عن الوزير الحالي ..
قال الأمير, فردت عليه أمه بهدوء:
ـ عليك بالمشورة, والتفكير السليم الذي يقوم علي الدلائل والبراهين, ولن يفيدك في هذا الأمر إلا حكيم المدينة  ..
وافق الأمير علي ما قالته أمه, وبعث في طلب الحكيم, في موعده المحدد جاء, فداست قدماه أرض القصر وشمس الصباح الطالعة تصبغ أشجار الممر بأشعتها, لمحه الأمير من شرفته فهرع لملاقاته علي باب القصر خلافاً للأعراف المتبعة, تقديراً لمكانة معلمه لديه ..
عرض الأمير الأمر علي الحكيم, وطلب منه المشورة, فتكلم الحكيم  قائلاً:
ـ الأمر بسيط
ـ كيف .. ؟
ـ نختار وزيراً
أظهر الأمير استغرابه من رد الحكيم, وقال له إنه يعلم أن حل المشكلة يكمن في الوزير الجديد, وأن ما يؤرقه ويجعل النوم لا يقترب من جفونه كيفية الاختيار,ضحك الحكيم وطلب منه إعداد ملابس تنكرية, واقترح أن تكون لتجار ..
نطق وجه الأمير بالتعجب, وقال بلهجة بها بعض الحدة :
ـ  ليس هذا هو الوقت المناسب للتنزه .
ـ ومن قال لك إنها سوف تكون رحلة للترويح عن النفس
قاطعه الأمير متسائلاً :
ـ وإن لم تكن لذلك فلم هي  ؟
ـ  لاختيار الوزير المناسب  .
وطلب من أن يأمر بإعداد الملابس,وأوصاه بسرية المهمة .
تم كل شئ كما أراد الحكيم  وفي الموعد المدد خرجا, وعلي أبواب السوق قال  للأمير:
ـ السوق مسرح كبير, هنا البيع والشراء وهنا المكسب والخسارة, وهنا تظهر معادن البشر, والسوق أيضاً بمثابة البحر الذي تتبدل أحوله بين لحظة وأخري .
ونظر الحكيم في وجه الأمير, فكشف له عن عدم ارتياحه  لتلك الجولة, لكنه لم يطلب منه إلا الصبر علي صحبته وتحمل كل ما يقوم به من أفعال .
في وسط السوق حيث الضجيج في أشده, مال الحكيم علي متجر يبيع الغلال, وامتدت عينه  لجوف الدكان فلمح اللافتة المكتوب عليها : القناعة كنز لا يفني .وقف صاحب المتجر مرحباً, وعرض  خدماته, نظر الحكيم,فوجد المتجر خاوياً, لا يوجد فيه إلا بعض الأجولة الملقاة في أحد الأركان, فقال الحكيم يحدث نفسه : هنا تكون بداية الرحلة,وأقترب من التاجر الذي قال بصوت خفيض :
ـ لكل شئ ثمنه .
فهم الحكيم أن التاجر يخفي بضاعته ويبيعها لمن يدفع أكثر, فضحك وقال له إنه علي استعداد لدفع ما يطلبه ولكن بشرط أن يحمل الغلة بنفسه وأن يأتي بها خلف الجبل الكبير, وافق التاجر وأخذ الثمن ..
بعد الخروج من عند التاجر وصلت إليهما رائحة الخبز قادمة من فرن تقع عند فتحة حارة جانبية, فما كان من الحكيم إلا أن مال ناحيتها, طالباً من الأمير أن يتبعه . لم يجدا بداخلها إلا صبياً بالكاد وصل لسن البلوغ, فتقدم منهما  وعلي وجهه ابتسامة عذبة, وعرض خدماته قال الحكيم إنه وصاحبه من عابري السبيل وليس معهما المال الكافي لشراء  الخبز, وكل ما يطلبه رغيفاً واحداً وهذا لن يكلفه أي عجز,  ابتسم الصبي, فسأله الحكيم عن سبب  ابتسامه,فأخبره الصبي أنه لا يملك في الفرن إلا عشرة أرغفة هي أجرته نظير عمله اليوم بطوله, وسوف يأخذ من نصيبه رغيفاً وسوف يدونه في دفتر الفرن, أخذ الحكيم الرغيف وطلب من الصبي أن يلاقيه في صباح اليوم التالي خلف الجبل الكبير  ..
وبنفس الطريقة فعل الحكيم مع عدد  كبير من تجار السوق,أراد الأمير أن يسأل عن سبب ما قام به الحكيم, لكن الحكيم لم يخبره وطالبه بالصبر .
ولما جاء الصباح توجه الحكيم وبصحبته الأمير إلي الجبل,  هناك وجدا  التجار ومعهم الصبي في انتظار, فوزع عليهم الحكيم مالاً كثيراً, وقال لهم إن عليهم التصرف في المال بالطريقة التي يراها كل واحد وبعد أسبوع سوف يجتمعون في نفس المكان, وأن هناك هدية كبيرة سوف تمنح لمن يصرف ماله في أشياء مفيدة .
في الموعد المحدد حضر التجار ومعهم الصبي, وحينما  أكتمل جمعهم أطبق الجند علي المكان,وحضر الحكيم برفقة الأمير الذي أخذ مكانه في مكان أعد له, ثم أمر الحكيم الجند ببناء ما يشبه الكانون, ووضع صينية كبيرة فوقه, وأمرهم بإشعال النار تحتها ..
 وأقترب من التجار والصبي, وأمر أول التجار بالوقوف فوق الصينية وأخذ يسأله عن المال وما فعل به, الوقت يمضي والتاجر يتلوى وهو يسرد ما اشتراه من قصور وضياع, وحينما انتهي  كانت النار قد أكلت جزءاً من قدميه, فرفعه الجند و بنفس الطريقة فعل مع أنداده,وحينما  جاء الدور علي الصبي,  قال إنه لم يصرف من المال إلا ما اشتري به خزين أسبوع والباقي معه, ونزل من فوق الصينية,فابتسم الحكيم وقال للأمير أقدم لك يا مولاي وزيرك الذي يجيد التوفير.  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق