الأربعاء، 23 مايو 2012

"وللمال قيمة أخري" قصة للأطفال بقلم: مصطفى البلكي


وللمال قيمة أخري
مصطفى البلكي
يحكي أن ملكاً, كان يحكم إحدى الممالك القديمة, أراد أن يحصي أرض مملكته, فحشد من أجل ذلك كل رجال بلاطه, الذين خرجوا تلبية لأمره, لكنهم كما خرجوا عادوا, بدون أن ينجزوا المهمة التي كلفوا بها, حزن الملك, وأعتكف في حجرته. ولما نام, شاهد نفسه في الحلم, يسير في حديقة جميلة, كل شئ فيها مبهج, سعد بهذا الجو, لكنه بعد عدة خطوات, رأي حماراً, وديكاً, وقرداً, تبدوا علي وجوههم علامات التعاسة,فأقترب منهم, فأفسحوا له مكاناً, فجلس معهم, وشرع في معرفة حكايتهم, فقال للديك :
ـ كيف أحوالك ..؟
نظر الديك إلي الملك وقال له إنه امتنع عن الأذان في وقت الفجر  خوفاً  من ناس المملكة أن يذبحوه لأنه يجعلهم يستيقظون  مبكراً ..
ضحك الملك وقال :
ـ وهل هذا الأمر يجعك حزيناً ؟
قال الديك :
ـ الناس هنا لا تجيد تحديد الوقت, فأصبحوا ينامون حتى وصول الشمس لمنتصف السماء, وبذلك عرف الناس الكسل, وأهملوا أعمالهم ..
ولما سكت الديك, وجه الملك نفس السؤال إلي القرد, الذي قال إنه ما عاد يقوم بعجين الفلاحة, لأن الوباء حل بحقول القمح ولم يفلح رجال الزراعة في التوصل إلي مبيد مناسب .
تنهد الملك, وراح ينظر إلي الأرض, ولما طالت لحظات شروده وهو يفكر فيما قاله الديك والقرد, كان لابد من إعادته إلي الواقع, من أجل ذلك قال له الحمار :
ـ وأنا يا مولاي .. لماذا لم تسألني ؟
ابتسم الملك ابتسامة غير كاملة, وقال للحمار :
ـ  وأنت كيف أخبارك ....؟
قال الحمار :
ـ قبل أن أتكلم, هل توعدني ألا تزعل
قال الملك :
ـ نعم .
قال الحمار : أنا مثلك يا مولاي لا أعرف من أمور الدنيا إلا بقدر ما تتيحه لي الطرق التي أمشي عليها, وأنا أحمل فوق ظهري أثقل الأشياء, وإذا ما تركني صاحبي عدت إلي البيت لوحدي, إذا كان الطريق محفوراً في ذاكرتي ...
حاول الملك الوصول إلي تفسير للحلم, لكنه لم يستطع, فأمر باستدعاء الوزير, الذي جاء علي وجه السرعة, فوجد الملك حزيناً, وعلامات الأرق تحط علي ملامحه, وقبل أن يتكلم راح الملك يقص رؤياه علي الوزير الذي سمع, ولما أنتهي الملك من حلمه, قال له الوزير :
ـ يا مولاي الحلم يفسر نفسه ..
ـ كيف ... ؟
قال الوزير :
ـ قبل أن أفسر لك لا بد أن نخرج أنا وأنت في جولة
وافق الملك وخرج مع الوزير الذي تعمد أن يسلك بالملك كل الطرق التي تؤدي إلي الأحياء الفقيرة, فرأي الأطفال وهم يلعبون بقطع الطين, أو يسرحون في الحقول, رأي الملك فظهر علي وجهه الغضب, وقال :
ـ أين هم من التعليم ..؟
أخبره الوزير إنه لا توجد مدارس تصلح لهذا الفعل, حزن الملك أكثر, ولما عاد إلي القصر, طلب منه الوزير أن يفتح خزائن المملكة, فطلب الملك من أقوي رجال القصر قوة بحمل المفاتيح الخاصة بالخزائن ..
وتم فتح الخزائن فرأي الوزير الأموال الكثيرة المكدسة, فقال للملك  إن الحلم الذي يزوره في منامه ما هو إلا صورة من صور الجهل, وإن الحل في يده ..
قال الملك : ما هو ..؟
قال الوزير :
ـ التعليم, وبما أن التعليم يحتاج إلي مال, والمال موجود فلا مشكلة ..
ثم قال إن المال لا يجمع ليوضع في خزائن, بل يجمع ليصرف في مجالات تدر الخير علي الرعية ..
أمر الملك ببناء المدارس, وجمع الأطفال, بل وعين لكل طفل مبلغاً من المال,يعينه علي التعليم, فلم تمض إلا سنوات قليلة وكانت المملكة من أحسن البلاد تقدماً في كل المجالات, وكان الملك ينام, فيري الديك يؤذن, والقرد يعجن ويخبز, والحمار سعيد بعمله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق