الأربعاء، 9 مايو 2012

"سؤال الحيران" قصة للأطفال بقلم: توفيق الحكيم


سؤال الحيران
توفيق الحكيم
يا أطفالي الصغار‏..‏ هذه حكاية أحب أن أحكيها لكم فاستمعوا لها جيدا لأنها عن طفل مثلكم يناقش أباه في موضوع صعب‏.‏

تدور الحكاية الثالثة بين أب وابنه الصبي الصغير‏,‏ الأب رجل طيب صافي القلب‏,‏ والابن طفل ذكي فصيح اللسان‏,‏ وكانت أمتع لحظات الأب ساعة أن يجلس مع ابنه يتحادثان كأنهما صديقان‏,‏ كأن فارق السن بينهما غير موجود‏,‏ كأنهما من عمر واحد‏..‏ متفقان متفاهمان لهما نفس العلم ونفس الجهل بالأشياء‏.‏

وفي ذات يوم نظر الأب إلي طفله‏,‏ وقال‏:‏
شكرا لله‏..‏ أنت لي يا بني نعمة من الله‏.‏
قال الطفل‏:‏ أنت يا أبي تتكلم كثيرا عن الله‏.‏
قال الأب‏:‏ نعم‏..‏ لأنه أعطاني خيرا كثيرا‏.‏
قال الابن‏:‏ أريد أن أري الله الذي تتكلم عنه كثيرا وأعطاك الخير الكثير‏.‏
قال الأب‏:‏ ماذا تقول يا بني؟
قال الطفل‏:‏ أقول يا أبي‏..‏ أرني الله‏.‏
تعجب الأب لقول ابنه وطلبه الغريب‏,‏ ولم يعرف كيف يجيب‏,‏ ثم التفت إلي ابنه‏,‏ وقال وكأنه يخاطب نفسه‏:‏تريد رؤية الله‏..‏
قال الطفل‏:‏ نعم أريد رؤية الله‏..‏ أرني الله يا أبي‏.‏
قال الأب‏:‏ كيف أريك ما لم أره أنا نفسي‏؟
‏ فقال الطفل‏:‏ وهل أنت لم تره‏,‏ فقال الرجل‏:‏ لا لم أره أبدا‏.‏
 قال الطفل‏:‏ ولماذا يا أبي لم تره؟
قال الأب‏:‏ لأني لم أفكر في ذلك‏.‏
قال الابن‏:‏ وإذا طلبت منك يا أبي أن تذهب لتراه بعد ذلك تأتي وتريني إياه‏؟.‏
وفكر الرجل ثم قال‏:‏ سأفعل يا بني‏..‏ سأذهب‏.‏
ذهب الأب‏,‏ يطوف بالمدينة ويسأل الناس:
 ـ هل فيكم من يدلني أين أري الله؟
لم يلتفت إليه أحد‏..‏ كان الناس مشغولين بأعمالهم وهمومهم ومن التفت إليه حسبه من الشحاذين يطلب حسنة فكان يصرفه بلطف لايخلو من الحزم‏,‏ وفهم احد الناس قصده فنصحه أن يذهب لرجال الدين‏..‏ وذهب الرجل ولكنه لم يجد بغيته عندهم‏,‏ وأخيرا مر بشيخ طيب قال له‏:
‏ـ اذهب إلي طرف المدينة تجد شيخا مؤمنا من الأولياء الصالحين‏,‏ لا يسأل الله شيئا إلا استجاب له‏..‏ فربما تجد عنده طلبك‏..‏
 ذهب الرجل في الحال إلي الشيخ المؤمن وقال له‏:‏ جئتك في طلب أرجو ألا تردني عنه خائبا‏.
رفع الشيخ المؤمن رأسه وقال بصوت لطيف‏:‏ اسأل حاجتك‏,‏ قال الرجل‏:‏ أريد أن أري الله.
 امسك الشيخ المؤمن لحيته البيضاء بيده وقال له:
 ـ أتعرف معني ما تقول؟!
‏ قال الرجل:
 ـ نعم‏..‏ أريد أن تجعلني أري الله‏.‏
قال الشيخ المؤمن بصوته العميق اللطيف:
 ـ أيها الرجل إن الله لا يمكن أن نراه بعيوننا الضعيفة‏..‏
قال الرجل: لماذا؟ قال له الشيخ المؤمن‏:‏ تريد ان تعرف لماذا‏..‏ انظر الي الشمس‏..
‏نظر الرجل إلي الشمس كانت تسطع في السماء بنورها القوي‏,‏ قال الرجل ـ نور الشمس يخطف بصري‏.‏
قال له الشيخ:
 ـ ثبت نظرك عليها‏..‏ حدق فيها طويلا بعينيك‏..‏ طويلا‏..‏ طويلا‏.‏

 فرك الرجل عينيه متألما وقال‏:‏ نور الشمس يحرق عيني‏.‏
قال الشيخ المؤمن‏:‏ استمر في النظر الي نور الشمس‏..‏ استمر‏..‏ استمر‏.‏
قال الرجل‏:‏ لا استطيع‏..‏ نور الشمس حارق وسيعمي بصري‏..‏ سأغمض عيني‏.‏
قال الشيخ‏:‏ إياك أن تغمض عينيك استمر في النظر إلي الشمس‏..‏ استمر‏..‏ استمر‏.‏
قال الرجل وهو يتألم‏:‏ لم اعد أري شيئا‏.‏
قال له الشيخ:
 ـ الم تعد تري الشمس‏؟
‏ قال الرجل:
 ـ لا أري الشمس ولا أري شيئا‏..‏ النور اعمي بصري‏..‏ حرق عيني‏.‏
قال الشيخ المؤمن‏:‏ إن نور الشمس الذي حرق عينيك هو شئ قليل ضئيل بالنسبة إلي نور الله الذي خلق هذه الشمس وملايين غيرها من الشموس والنجوم‏,‏ أعرفت لماذا لايمكن رؤية الله بعيوننا هذه‏؟
‏ قال الرجل‏:‏ نعم عرفت‏..‏ لا يمكن لعين بشر أن تري نور الله‏.
‏قال الشيخ المؤمن‏:‏ مادمت قد اقتنعت بان رؤية الله بالعين غير ممكنة فلا بأس أن نتكلم عن طريقة أخري‏.
‏ قال الرجل‏:‏ أرجوك اخبرني عن هذه الطريقة الأخرى‏.‏
قال الشيخ المؤمن:
 ـ الطريقة الأخرى هي الإحساس‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق