الأحد، 29 أبريل 2012

"سعيد الحظ و سيء الحظ " قصة للأطفال بقلم: منيرة بوكحيل

سعيد الحظ و سيء الحظ
منيرة بوكحيل/ فرنسا 
سعيد طفل في العاشرة من العمر , و فعلا هو إسم على مسمى إذ كان له نصيب من إسمه , و كان له حظ وافر من السعادة و الحظ
إذ كان ينعم بالدلال من كل أفراد عائلته و حتى الجيران و الأصدقاء و كل من يراه , و ليس هذا و فقط بل كان له حظ وافر من الذكاء و الفطنة و التفوق الدراسي
على عكس رضوان ذلك الطفل المسكين هو من عمره كذلك و لكن للأسف فهو تعيس الحظ , لأنه منذ ولادته لم يرى نور والدته لأنها توفيت أثناء ولادته , كبر التعيس المسكين في حضن بؤس و شقاء زوجة أبيه ممزوج مع الفقر و الحرمان , حتى أنه كان يتوسل العطف و الحنان من كل الناس لكن للأسف لا يحصل على ما يشبع طفل صغير تائه هي زمن قاسي لا يرحم , و بالرغم من كل هذا كان يتسلح بالصبر و الصلاة و الدعاء و الإستغفار و هذا ما تعلمه مع أمه التي لم تلده في مدرسته مع بقية زملائه
الليلة ليلة مميزة , لأنها ليلة رأس السنة الميلادية و العالم كله يحتفل بها مودعا عاما بكل ما يحمل من أفراح أو أحزان , متفائلا بالأماني السعيدة و الأحلام الجميلة مع إنتظار الهدايا من الأحباب و الأصدقاء
سعيد رغم أنه سعيد الحظ فالليلة هو يحتفل بقدوم العام الجديد , في دفىء العائلة و حنانها و محبة الأصدقاء و الأحباب , و بعد تناول العشاء الفاخر و اللذيذ و الحلوى الشهية حان وقت فتح الهدايا فخاطبه والده قائلا : حبيبي سعيد افتح هديتك
بدون تردد و دون انتظار انطلق سعيد كالسهم صوبها و كم كانت كبيرة , و بلهفة الأطفال ممزوجة بالفرحة فتحها , و الجميع كان ينظر و ينتظر ما هي هدية أب فاحش الثراء لإبنه المدلل
و لكن للأسف طارت فرحة سعيد في السماء حين اكتشف أن هديته ما هي إلا علبة كبيرة مملوءة برسائل بريدية مغلقة و لا شيىء مكتوب عليها يفسر غرابة هذه الهدية لم يفهم و لم يرد أن يفهم , و لم يسأل لأن دلاله المفرط أنساه أن يحترم أباه في ساعة الغضب
خرج إلى الشارع مسرعا في ساعة مأخرة جدا من الليل , أسرعت الأم محاولة اللحاق به لكن الأب أمسك بيدها ليمنعها من الخروج وراءه فردت منزعجة بصوت يخنقه الخوف و القلق معا : هو صغير جدا و غاضب البرد قارص و الظلام , ااااااااااااااااااااااااااه إنه يخاف من الظلام , البرد, إنه لم يأخذ المعطف أخاف أن يمرض حبيبي الغالي
رد الأب غاضبا : لا تقلقي سوف يعود لأنه تعود على الرفاهية و العيش الكريم و الحنان و الشارع الذي لجأ إليه لا يملك كل هذا , بل يملك ما لا يتوقعه
سعيد الآن يركض في الشارع غاضبا , سلك طريقا مؤلوفا و لاكن لا يدري إلى أين يذهب و لا يريد أن يعرف مكانه أحد و هكذا ظن سعيد أنه عاقب والده لأنه لم يشتري له هدية ثمينة و جميلة كالعادة
هو الآن في آخر الشارع الذي سلكه , كم هو فعلا سعيد الحظ لقد وجد مأوى بجانب مخبزة و هذا المأوى بالتحديد سوف يكون دافئا رغم البرد الشديد , كما لحسن حظه وجد رفيقا ينام إلى جانبه لانه يخاف أن ينام في الظلام , و لم يتعود النوم لوحده طوال حياته لأنها المرة الأولى التي يفارق أهله فيها
و هل تعلمون من هذا الرفيق الذي وجده سعيد؟
نعم هو بالذات
للأسف هو رضوان تعيس الحظ , لأن زوجة أبيه رمت به إلى الشارع دون رحمة أو شفقة للأن والده فارق الحياة اليوم يا لها من هدية مؤلمة جدا , ليلة رأس السنة
كم كان سعيد سعيد الحظ حين إلتقى رضوان تعيس الحظ و عرف مأساته , و تلقن درسا دسما و عرف ما معنى قيمة العائلة و عرف أن هناك أشخاص لا يجدون خبزا يسد جوعهم و هو يبحث عن أغلى هدية و عرف أنه هناك من لا مأوى له في هذا البرد القاتل , و أدرك أنه كان يعيش في عالم آخر عزله عن معرفة الحقيقة التي يعيشها غيره من الاطفال و ما أكثرهم في هذا الزمان
أمسك سعيد بيد رضوان و خاطبه قائلا
منذ اليوم لست وحيدا , و منذ اليوم لست تعيس الحظ و إذا زوجة أبيك طردتك من رحمتها فرحمة الله واسعة , فبيتي هو بيتك و أهلي هم أهلك اللذين فقدتهم و الآن هيا بنا إلى منزلنا فأهلنا بإنتظارنا
عاد سعيد إلى منزله رفقة أخيه رضوان حيث وجد والديه لا يزالان مستيقظين في إنتاظاره على أحر من الجمر , و دون مقدمات إعتذر سعيد من والديه للقلق الذي سببه لهما ثم شرح لهما قصة رضوان , و كم كانت فرحة والد سعيد كبيرة بسماع ما قاله ابنه المدلل و قال له : اسمع يا بني هذا هو الدرس الذي قررت أن أعطيك إياه الليلة و لكنك لم تمنحني الفرصة , فغضبك أفسد كل شيء , حبيبي تلك الهدية و هي عبارة عن رسائل بريدية مغلقة ما هي إلا صدقات مالية كنت أقدمها في الخفاء لأمثال أخيك رضوان ممن هم بحاجة لها , حبيبي هناك من لم يجد قطعة خبز أما بالك بأشياء أخرى أنت تتمتع بها لأن الله منحك اياها و غيرك حرمه إياها و هذه مشيئة الله لا يعلمها إلا هو سبحانه و تعالى , و لكن كم انا سعيد لأنك تعلمت الدرس وحدك و طبقته بدليل أنك احضرت رضوان أخوك للعيش معنا و هذا يجبرني على مسامحتك رغم أنني قررت معاقبتك و بقرارك منح أخيك رضوان العيش في النعمة التى تنعم بها فإنك  بهذا تطبق كلام الله المنزل في الآية 92 من سورة آل عمران و هي

{
لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) آل عمران92 )و معناها يا حبيبي الصغير , لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون , و أي شيء تتصدقوا به مهما كان قليلا أو كثيرا فإن الله به عليم , و سيجازي كل منفق بحسب عمله , ثم خاطب رضوان بكل لطف و حنان : منذ اليوم هذا بيتك و هذا اخوك و انا والدك و تلك المرأة الطيبة الحنونة أمك , و أنت أيضا منذ الساعة سوف تساعد أخوك سعيد في توزيع الصدقات , لم يصدق ما سمعه رضوان التعيس و في هذه اللحظة بالذات لأول مرة يبكي من الفرحة لا من الألم و الحسرة , لم يجد العبارات الكافية لشكر عائلته الجديدة و التي بدورها رفضت أي شكر , لأن هذا واجب كل مسلم و مسلمة
و منذ اليوم أصبح تعيس الحظ على غير العادة فهو سعيد الحظ , و كان كل يوم يدعوا الله أن كل طفل تعيس حظ يجد أخ رائع مثل أخوه سعيد , قولوا يا صغار آآآآآآآآمين
ليعم الحب والخير و السلام في كل مكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق