الأربعاء، 18 أبريل 2012

"لصوص المتحف المصري" قصة للأطفال بقلم: محمد عاشور هاشم


لصوص المتحف المصري
من مجموعة : ريم تقابل شهداء 25 يناير
هيئة الاستعلامات المصرية
محمد عاشور هاشم 

أنا المتحف المصري .
لقد كنت شاهدا على ما حدث خلال هذه ثورة 25 يناير المباركة ، وكنت مشاركا فيها ، بإرادتي أو رغما عني – لا يهم ذلك الآن ، المهم أنني كنت مشاركا فيها ، وكنت ضلعا مهما دارت حوله الأحداث عبر أيام تلك الثورة المجيدة ! وأزعم أنه كان لي فصل مثير ، ربما لا يكون فاعلا أو حاسما في دفع الأحداث ، ولكنه ساهم بصورة أو بأخرى في رسم ملامح هؤلاء الشباب الذين خرجوا للمطالبة بحقوق شعبهم ، وأرادوا أن يغيروا أحوال بلادهم للأفضل !
بداية ، وكما تعرفون ؛ فإنني – وبلا شك – من أهم متاحف الـعالم ، قد تقترب مكانتي من مكانة متحف اللوفر ، بباريس ، الذي يُعد أهم متحف في العالم ، فبالأرقام وبأهمية القطع الأثرية ، أصبح من أهم المتاحف في الدنيا ! وتعرفون أن أقل قطعة أثرية مما هو معروض في قاعاتي وحجرات العرض بداخلي تعتبر ثروة قومية ، لا تُقدر بثمـن ، ولهذا فالحكومة المصرية توليني اهتماما كبيرا ، وتقوم بحراستي بمنتهى اليقظة ، حتى لا تتم سرقة أيّ من محتوياتي الثمينة . وقد حدث أكثر من مرة أن تعرضت لعمليات سطو ، ومحاولات للاستيلاء على كنوزي ، ولكنها غالبا ما كانت تنتهي بالفشل !
ياه .. ماذ حدث أثناء ثورة 25 يناير ؟ وما هي الأخطار التي كانت محدقة بي ؟ وكيف استطعت أن أنجو منها ؟ .. إنها أشياء كثيرة وأحداث متعاقبة ، حدثت لي ، وكلما تذكرتها أشعر بمدى خطورة ما كان يتهددني ، والمصير السيئ الذي كنت سائرا إليه ، لولا أن الله حفظني !
الحمد لله .. كل ذلك مضى الآن ، ولكن بعد أن قاسيت أهوالا وصعابا أعتبر نفسي محظوظا لأنني نجوت منها !
دعوني أتذكر معكم أول أيام الثورة ، وما حدث خلالها من احتدام الصراع بين أبنـاء مصر الأوفياء الذين خرجوا للمطالبة بحقوق الناس ، التي لطالما سلبت منهم ، وبين أبناء مصر الآخرين ، المأمورين ، الذين كانوا يُمثلون – للأسف – الجانب الآخر الذي كان يُسيطر على مُقدرات مصر والمصريين ، دون إحساس أو تقدير للمسئولية الملقاة على عاتقهم !     
أقول حينما احتدم الصراع بين هاتين الفئتين ، وانتصرت الفئة التي تنتمي وتمثل غالبية الشعب ، لم يكن أمام الفئة الأخرى ( التي لم تكن سوى الشرطة وأفراد الأمن ) سوى الانسحاب وترك الساحة ؛ ليحدث فراغا أمنيا كبيرا ، لم تشهده مصر من قبل ، على الأقل لقرون طويلة مضت !
قد يسأل أحدكم : ماذا حدث بالضبط في هذه الأيام ؟ ولماذا اختفت الشرطة على ذلك النحو ؟ وقد يسأل آخر : من السبب وراء ذلك ؟
وسأجيبكم بأنه ليس من المهم لماذا اختفت الشرطة ، أو من هو المسئول عن اختفائها . المهم : ماذا ترتب على اختفائها المفاجئ ؟ وماذا حدث خلال هذه الأيام الكالحة السواد ، التي مرت على المصريين كأسوأ ما يكون ؟!
لقد عانى شعب مصر في هذه الأيام القليلة التي تلت انسحاب الشرطة من أماكن عملها ، وعانيتُ أنا الآخر مثلهم تماما ، بل ربما كانت معاناتي أشد وطأة ، فحيثما يوجد العسل توجد الدببة !
حينما ترك أفراد الشرطة المكلفون بحراستي مواقعهم أصبحت الطرق المؤدية إليّ خالية . لم يفطن أحد إلى هذا الأمر في البداية ، وكان هناك هرج ومرج كبيران بالخارج في ميداني التحرير وعبد المنعم رياض ، وكذلك في الشوارع المحيطة بي . وكان يمكن بسهولة أن تتم سرقتي !
كانت صورة متحف العراق ماثلة في ذهني . هل سيحدث لي نفس ما حدث لهذا المتحف العريق ؟!!
كان المتحف العراقي يحوي – مثلي – الكثير والكثير من الذخائر والكنوز ( آثار الحضارات البابلية والسومرية والآشورية ) لكن الأسوأ حدث له ، حينما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق ، ودخلت بغداد ، فقد اختفى كل أفراد الأمن من الشوارع ، وتركوا الأماكن المهمة والحيوية دون حراسة . تركـوا المتحف العراقي ، فاجتاحه العشرات والمئات  ، وتم نهبه وسرقة محتوياته بالكامل ، وبهذا ضاعت ثروة ذلك البلد العريق !
هل سيكون مصيري مشابها لمصير ذلك المتحف ؟ هل سيحدث لي ما حدث له ؟ ستكون خسارة كبيرة ، ولا شك !
تساءلت وأنا في شدة الغضب والحزن : كيف تركوني هكذا ؟ كيف غفلوا عني ؟ أنا لا أستحق هذه المعاملة ، وذلك المصير لا تستحقه حضارة عظيمة كالحضارة المصرية القديمة التي تعيش آثارها بداخلي .
مرت علي أوقات عصيبة ، لم أشهد مثلها منذ أن ظهرت للوجود سنة 1906 م . أين المسئولون ؟ أين أفراد الشرطة ؟ أين حرّاسي ؟ أين ... ؟ أين ... ؟!
لحسن الحظ مر الوقت دون أن يفطن أحد إلى ما يحدث . ولكن إلى متى ؟ إلى متى سأظل بعيدا عن أنظار اللصوص ؟
ظلت حالة الخوف والقلق مسيطرة عليّ ، وكانت تتزايد باستمرار . كان المتظاهرون الذين في ميدان التحرير – وهم الذين أطمئن إليهم وأثق فيهم – بعيدين بعض الشيء ، والذين كانوا بقربي هم أولئك ( المجرمون ) الذين كانوا يعتدون عليهم ، ويحاولون الفتك بهم ، ولا شك لو أنهم فطنوا إليّ فلربما سطوا عليّ ونهبوا ما بداخلي من كنوز !
ماذا أفعل ؟ وكيف ستمر هذه المحنة العصيبة ؟
****
من يخاف من العفريت يطلع له ، وهكذا حدث ما كنت أخشاه . هناك من تسلق جدراني ،  ووصل إلى السقف .
( طخ ... كراك ... بوم )
ما هذا ؟ إنهم عدة أشخاص ، كسروا زجاج نافذة إحدى قاعاتي العلوية ، وأنزلوا حبلا عبر النافذة ، وها هما اثنان منهم يهبطان إلى داخل القاعة بواسطة ذلك الحبل . فيما وقف الباقون بالأعلى . ماذا ستفعلون أيها اللصوص ؟ إياكم وأن تمدوا أيديكم إلى أيّ من آثاري العظيمة ! إياكم أن تأخذوا شيئا من هذه النفائس التي لا تُعوّض .. اتركوني وشأني .. ألا يوجد من ينقذني من هؤلاء اللصوص ؟ أين أنتم يا حراسي ؟ أين أنتم أيها المسئولون عني ؟ أين أنتم أيها المصريون ؟ هل تشاغلتم عني ؟ هل نسيتوني ؟ عار عليكم لو حدث لي مكروه ، لو سرقت إحدى آثاري ! عار عليكم !
اقترب اللصان من إحدى فاترينات العرض التي تحتوي على الكثير من القطع الأثرية الذهبية ، و ( طااااخ .. طوووخ .. طاااخ ) ، كسرا زجاج الفاترينة ومدّا أيديهما نحو القطع المتلألئة ببريق الذهب . ما هذا ؟ ماذا ستفعلان ؟ لن تأخذا شيئا من كنوزي ! لن أترككم ولو اضطررت لأن أوقفكما بنفسي ، ستريان ما سأفعله ، ستريان ما سيحل بكما نظير تطاولكما عليّ . سوف أهزّ الأرض مـن تحت أقدامكم ، سأضربكم بجدراني وأعمدتي ، لن أدعكم تنجحوا في عملكم القبيح !
قبل أن أفعل شيئا ، تصاعد صوت مألوف ، ضرب نار ، رصاصات تطلق صوب اللصوص في الأعلى . فزع الجبناء بشدة . أسقطوا الحبل من أيديهم ، وبادروا بالفرار . اللذان كانا بالداخل لم يعرفا ماذا يفعلان ؟. أصبحا محاصرين ، أسقطا ما في أيديهما من قطع أثرية ، ومضوا صوب باب القاعة ، ففتحاه ، وهبطا إلى الأسفل ، لكي يجدا لهما مهربا ، كسرا زجاج إحدى النوافذ ، وقفزا إلى الخارج ، ركضا عبر حديقتي الخلفية ، وغابا في الظلام !
الحمد لله .. الحمد لك يا رب ، نجوت من السرقة ، وباء سارقيّ بالفشل .
ترى من أين جاءت تلك الرصاصات ؟ ومن أطلقها ؟
 شكرا له على أيّ حال ، لقد أنقذني من براثن هؤلاء اللصوص المعتدين !
هاأنذا أرى بعض الأشخاص يقفزون عبر أسواري إلى الداخل ، يتفقدون جنباتي مستطلعين جلية الأمر ، لا أعرف من يكونون على وجه التحديد ، ولكن لابد وأنهم الذين أطلقوا النار على اللصوص ! شكرا لهم .
شكرا لكم أيها الأبطال الأوفياء !
إنهم يحاولون حمايتي الآن ، بعضهم وقف على بوابتي الأمامية ، والآخرون تفرقوا يمينا ويسارا مطوقين مبناي من كل اتجاه !
ياه .. آن لي أن أتنفس ، وأشعر بالاطمئنان . لم أعد بمفردي . هناك من فكر فيّ وجاء لحمايتي .
****
لم يمض وقت طويل حتى سمعت أصواتا هادرة ، ورأيت أناسا كثيرين يتجهون صوبي ، يحوطونني من كل جانب ،  هاتفين بأعلى أصواتهم :
- سنحمي المتحف المصري بأنفسنا !
العشرات والمئات ثم الألوف .
يمسكون أيدي بعضهم البعض صانعين دائرة كبيرة حولي ، كأنهم يطمئنونني ، ويبعثون إليّ برسالة مفادها :
- سنحميك حتى ولو بأجسادنا !
لا شك عندي أنكم أنتم المصريون الحقيقيون ، أنتم من وقفتم في ميدان التحرير ، ها أنتم أولاء تحمونني الآن . هاهي صورتكم الحقيقية تتكشف للجميع . يا لها من صورة جميلة ، ترتسم فيها أشكال البطولة والفداء وحب الوطن والحرص على الصالح العام . هذه المحنة وإن كانت شديدة عليّ ، وعلى المصريين كلهم إلا أنها ساعدت في الكشف عن  أمثالكم ، أصحاب المعدن الأصيل .
****
جاء الجيش بعد ذلك وتسلم مهمة حراستي ، وأنا الآن في مأمن من أن أكون هدفا للصوص .
 ولكني لن أنسى أبدا ما فعله المصريون ، سوف أستمد دوما أمني وأماني من الله ثم منهم !
هنيئا لهم بعملهم ، وهنيئا بثورتهم المجيدة ، ثورة 25 يناير 2011 م .
    
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق