الثلاثاء، 3 أبريل 2012

"الدبدوب لعُوب وأمه " قصة للأطفال بقلم: عبد الرحيم الماسخ

الدبدوب لعُوب وأمه 
 عبد الرحيم الماسخ 
في الغابة العجيبة المغلقة على أسرارها تجري الأحداث وتستمر الحياة , الدبدوبة الأم توصي صغيرها قبل دخولهما الغابة : انتبه فالغابة بكل اتساعها واغتنائها تعيش حربا كبرى بين الكبار والصغار , الحاكم له سلطانه الواسع وجيشه الكبير الذي يحمي به هذا السلطان والخارجون على السلطة مطرودون من الرحمة , محكوم عليهم بالغربة أو الموت , هذا ما حدث لوالدك عندما أغضب الأسد وكنا نعيش في سلام وأمان , حضر إلينا رسول الأسد , استقبله والدك بالترحاب وأهدى إليه الموز , كان الرسول ثعلبا مكارا قال لأبيك : الملك علِم أن لك ابنًا صغيرا وهو يفضّل لحم الدبدوب الصغير , فإما أن تهرب بأهلك بعيدا عن الغابة وإما ………….
منذ ذلك اليوم لم ندخل الغابة وتقلبنا في الحياة الصعبة كما ترى و اليوم ندخل الغابة من جديد , فيا ترى بيتنا الذي كنا نسكنه ذات يوم مازال موجودا وخاليا وصالحا للسكن ؟ لسوف نرى !
سارت الدبدوبة وولدها الفتى وعند وصولهما طرف الغابة قال لها ولدها : أنا شاب فتي وأما أنت فعجوز ضعيفة فلو رأيتِ أن تبقي هنا وأدخل أنا الغابة وحدي فإذا وجدت فيها استقرارًا وأمنا دعوتك للدخول وأما إذا أحدق بي الخطر تمكّنتُ بقوّتي من الهروب فعدتُ إليك , اقتنعت الأم برأي ابنها وتركته يدخل الغابة بمفرده !
تقدم الدبدوب داخل الغابة متعجّبا مما يرى من أشجارها العالية وأرضها المعشبة ومياهها الجارية وثمارها المتناثرة على الأرض في كل مكان , نسي الدبدوب نفسه ولم يفكر في المخاطر المحيطة به حتى رأى قريبا منه مجموعة من الثعالب ينظرون إليه في صمت وجسارة فخاف خوفا شديدا وأسرع إلى شجرة عالية ركبها بسرعة , فقال ثعلب للثعالب : أنا ذاهب لإبلاغ الملك وعليكم بمحاصرة المكان ومنع الدبدوب من الهروب حتى أعود !
الدبدوب ظل يرتقي الشجرة حتى أصبح قريبا من الغيوم , والثعلب الذي ذهب مسرعا إلى الأسد دخل عليه ألقى التحية , فسأله الأسد في حضور النمر عما أتى به
الثعلب : في الطرف البعيد من الغابة يا جلالة الملك رأينا دبدوبا , فأمرت إخوتي بمحاصرته وأسرعت إلى جلالتكم
الأسد : غابتي محرّمة على الدباديب فهم نصف حيوان ونصف خيال ولا ننسى فعالهم التي أخلّت بنظام الغابة أيام حكم أبي
ـ نعرف يا سيدي ونعرف أيضا أنكم كنتم أصحاب القرار الحكيم بطردهم من الغابة وتحريمها عليهم , لذلك ما أن رأينا ذلك الدبدوب حتى اتخذنا اللازم نحوه !
الأسد صاح بالوزير : جهّز الجيش وانتظرني خارج العرين .. ثم قام الأسد لتناول طعامه الخاص بالقوّة اللازمة لمثل هذا الظرف , ثم خرج على رأس جيشه الجرّار إلى موقع الدبدوب المحاصر على قمة الشجرة العملاقة , كان الدبدوب مازال يغيظ الثعالب بصيحاته المستفزة , وقد عرف الجميع أنه لا سبيل للإمساك به فهو خفيف الحركة ,انسيابي الجسم سريع الإدراك !
أخيرا وصل الأسد ساحة المعركة , حيّاه قائد الثعالب وهو يتقدم مستطلعا الموقف ثم وقف وصاح بالدبدوب : انزل بسرعة قبل أن أصدر أمر الاقتحام !
الدبدوب باستهتار : أنا دبدوب , أنا لعوب
الأسد مغتاظا : ستموت حتما و ثم صاح في جيشه : تقدّموا واقتلِعوا به الشجرة من جذورها !
تقدّم الجيش تقوده الفِيلة , وبدأ اقتلاع الشجرة وبعد جهد كبير اهتزت الشجرة العملاقة وزلزلت الأرض بسقوطها المروع !
ولكن أين الدبدوب ؟ 
لقد نجح الدبدوب في القفز إلى شجرة أخرى أثناء اقتلاع الشجرة التي كان يركبها , وهو الآن يصيح : أنا دبدوب أنا لعوب !
الأسد صاح بمرارة : اقتلِعوا به الشجرة الثانية !
الوحوش تتقدم لاهثة ولقد أصيب بعضها بجروح أثناء المحاولة الأولى , وبدا تحريك الشجرة الثانية وخلخلتها شيئا فشيئا في محاولة لاقتلاعها , أخيرا وبعد جهد عظيم نجحت المحاولة وسقطت الشجرة العملاقة الثانية وبعدما ركد الغبار وهدأت الزلزلة تساءل الجميع عن مصير الدبدوب؟
 فصاح الدبدوب وهو يحتضن قمة شجرة عملاقة ثالثة : 
أنا دبدوب أنا لعوب !
الأسد استشاط غيظا وأمر الجيش بالتقدّم لاقتلاع كل الأشجار التي يستطيع الدبدوب الوصول إليها و هجم الجيش على كل الأشجار المحيطة بالشجرة التي يرتقيها الدبدوب وبدأ اقتلاعها واحدة واحدة , فاحتجّت الطيور التي فقدت أعشاشها وتجمّعتْ فشكلت مع بعضها سحابة حملت الدبدوب إلى خارج الغابة وهويصيح : أنا دبدوب أنا لعوب !
الدبدوبة الأم بحثت عن عيني ولدها في نور الفجر وبحثت عن همساته في زقزقة العصافير وبحثت عن دفئه في ضياء الشمس ولكنها عندما اقتربت من المطر وجدت ولدها ضاحكا يصيح : أمي أمي
روحي ودمي
أنا أفديك بأدبي وعلمي
احتضنت الدبدوبة ولدها ورقصا وغنّيا معا ثم عادت فتأمّلته فوجدت في عينيه حزنا وحيرة ودمعة تكاد تنفلت فاحتضنته من جديد هامسة : ما بك ياحبيبي ؟
ـ لا شيء , كل ما هنالك أنني متحيّر , لماذا يكرهنا من لا نكرههم ؟ 
 الناس يطاردوننا والوحوش يزدروننا 
 ونحن ضعفاء لا ننفع ولا نضر
ـ الدنيا كلها كذلك , فهناك الأقوياء الذين يحِبّون احتقار الضعفاء وإذلالهم واستعبادهم , كما أن هنال الضعفاء الذين لا تنقصهم الحيلة في سبيل الحصول على حقهم في الحياة الكريمة بجهدهم !
الدبدوب : إذن لابد لنا من حيلة حتى لا نتعرّض للمزيد من التعاسة والشقاء والظلم
الأم : هناك الجبل المجاور للغابة به مغارة أقمنا بها لبعض الوقت بعد هروبنا من الغابة بك وأنت رضيع
الدبدوب : هيا بنا إليها فربما كان الأسد مازال يبحث عني وقد يتبعني إلى هنا , فهو وجيشه ماهرون في قص الأثر , لكنهم قد يقتحمون علينا المغارة
ـ لا . فالمغارة بها مخبأ أعرفه جيدا وهم لا يعرفونه
ـ إذن هيّا بنا يا أماه
في المغارة ركب الدبدوبان على ُسلّم خشبي حتى وصلا إلى مصطبة جانبية واسعة قرب سقف المغارة , جلسا عليها ثم سحبا السلم ووضعاه بجانبهما وقبل نومهما سمعا صياحا صاخبا واقتحامًا للمغارة.
 احتضن الدبدوب أمّه وأمسكا بحجَرين من الحجارة الكثيرة المكوّمة بجانبهما على المسطبة وفور دخول الأسد المغارة ضرباه بحجرين في وجهه !
الأسد ثائرا : من ضربني ؟
ثم صاح بجنوده : ابحثوا عن الدبدوب في هذه المغارة
الجنود : بعد بحث دقيق : لا يوجد أحد هنا يا سيادة القائد
الأسد : رأسي ينزف دما وتقولون …………..
في هذه اللحظة ضربت الدبدوبة الأسد بحجر آخر , فأسرع الأسد هاربا من المغارة فتبعه كل الوحوش !
الدبدوب : أمّاه لقد هربوا ولكنهم قد ينتظروننا في الخارج
الأم : لا ..
فهم قليلو الصبر لا يطيب لهم العيش خارج الغابة , أما نحن ……..
الدبدوب : نعيش في أي مكان , المهم أن يتوافر لنا المأكل والمشرب
الأم : الآن سأنزل الُسلّم وأرى كل شيء ثم قامت بإنزال السلم ونصبته ثم نزلت عليه تاركة الدبدوب وحده في العتمة.
 وبعد لحظات عادت تبشّره بزوال الخطر فقد يئس الوحوش من العثور عليهما فعادوا من حيث أتوا !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق