التلميذ الطماع
ف. غاربوك
ترجمة: د. رشا الجديدي
تأبط رومان حقيبة كتبه وانطلق إلى المدرسة وهو يلوح بيده مودعاً والدته التي رافقته حتى الباب.
ما أن قرع الجرس معلناً نهاية الدرس الأول حتى أسرع رومان بفتح محفظته وأخرج منها لفافة من الورق كانت والدته قد وضعت في داخلها أقراصاً من البسكويت اللذيذ صنعتها بيديها.
رأت ناديا التي كانت تجلس خلف رومان أقراص البسكويت فاشتهت أن تأكل منها وانحنت نحو رومان وهي تهمس في أذنه:
ـ دعني أتذوقها.
فأجابها رومان بصوت منخفض:
ـ هل تشترين بعضاً منها.
تساءلت التلميذة باستغراب:
ـ بكم ستبيعني القرص؟
فرح رومان لأنه اكتشف فجأة أنه يستطيع بيع ما صنعته أمه بالسعر الذي يراه مناسباً.
أجابها:
ـ القرص الواحد بخمسة قروش.
فصاحت ناديا بأعلى صوتها:
ـ رومان يبيع أقراصاً لذيذة من البسكوت.. هيا يابنات... أسرعن...
وسرعان ما تحلق التلاميذ حول البائع الصغير ،اشتروا كل ما بحوزته.
شعر رومان بالسعادة لأنه استطاع جمع قطعاً نقدية كثيرة .
فأخذ يحدث نفسه: ترى لو كنت قد طلبت عشرة قروش ثمناً للقرص الواحد فهل كانوا سيدفعون؟ .
ثم انتابه فجأة شعور بالندم لأن بضاعته كانت قليلة فنفدت سريعا.
في اليوم التالي طلب من والدته أن تعطيه كمية أكبر من البسكويت غير أنه لسوء حظه لم يتمكن هذه المرة من ممارسة تجارته المحببة فقد دفعه أحد التلاميذ بقوة أطاحت بالحقيبة بعيداً فتناثرت كل محتوياتها.فأسرعت ناديا تجمع ما تبقى من أقراص البسكوت السليمة ثم عدتها وتناولت من جيبها قطعة نقدية وتقدمت من رومان وهي تقول:
ـ خذ ثمنها.
غير أن رومان أجاب بامتعاض:
ـ يجب أولاً أن تسألي : كم ثمن القرص.
أجابته ناديا وهي تقضم البسكوت بتلذذ:
ـ لكنني أعرف ثمن القرص.
ـ لن أبيع اليوم بسعر الأمس.
ـ صاحت به ناديا وقد أخذتها الدهشة:
ـ أنت تاجر ماكر إذن!.
فأجاب رومان وهو يشعر بحزن عميق:
ـ لقد صنعت والدتي هذه الأقراص بيديها!
ـ مهما يكن فأنت تاجر طماع!.
عاد رومان ظهراً إلى البيت حزيناً يائساً على غير عادته وما أن دخل إلى غرفة الجلوس حتى أدرك بأن هناك شيئاً ما حدث... فقد كانت والدته تنظر إليه بإمعان من رأسه حتى قدميه، وتراقب بصمت حركاته وهو يخلع ثيابه وينضد كتبه فوق الطاولة.
ثم سألته:
ـ هل ستتناول طعام الغداء؟
حسب أنها لا تعلم شيئاً فشعر بالاطمئنان وأجابها، نعم.
بعد أن انتهى من تناول طعامه سرعان ما سألته الأم بلهجة حازمة:
ـ هيا حدثني عم فعلت بأقراص البسكوت.
ـ بعض رفيقاتي في الصف طلبن تذوقه، ثم...
ـ ثم ماذا؟..
ـ وجدوه لذيذاً.. فدفعوا ثمنه.
ـ هكذا إذن!.. أصدقاؤك اعترضوا طريقي بعد عودتهم من المدرسة وقالوا لي:
ياخالة ليزا ابنك يبيع البسكوت في المدرسة.
ثم قالت له: يا للعار .. أعطني الدراهم هيا!
ـ ليس لدي شيء منها..
ـ ماذا فعلت بها إذن؟
ـ لقد اشتريت بها مجموعة من الصور الملونة.
ـ ألم تخجل من نفسك وأنت تبيع البسكوت لأصدقائك؟!. كان عليك أن تقدمه لهم ضيافة دون مقابل!..
احمرت وجنتا رومان خجلاً إذ تذكر كلمات زميلته ناديا.
ثم سألته أمه:
ـ لقد وصفوك بالطماع، أليس كذلك؟.
ـ أجل..
ـ تستحق ذلك! .
عسى أن تستفيد في المستقبل من تجربتك الفاشلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق