السبت، 21 يناير 2012

"دموع اللون الأصفر" قصة للأطفال بقلم: خالد جمعة

دموع اللون الأصفر
خالد جمعة
لأن أصدقاء هاني يعرفون أنه يحب الرسم، فقد حضروا إلى حفلة نجاحه وهم يحملون الهدايا المغلفة بالأوراق الملونة، ولم يكن أحد يعرف ما يوجد داخل علبة الآخر، وبعد انتهاء الحفلة لم يتمكن هاني من النوم قبل أن يفتح الهدايا كلها، وهنا، كانت تنتظره مفاجأة.
كانت الهدايا كلها عبارة عن ألوان للرسم بأحجامٍ وأشكالٍ مختلفة، ولكن هاني رغم محبته للرسم، لم يكن يحب اللون الأصفر، والسبب في ذلك أنه يذكّره بالليمون، وإذا تذكر الليمون فإن عينه تغلق وتفتح بطريقة تزعجه كثيراً، لهذا فقد بدأ هاني يفتح علب الألوان وينزع اللون الأصفر منها ويلقي به في سلة المهملات.
ذهب هاني إلى النوم، وما إن غفا حتى سمع صوتاً يشبه البكاء، فراح يبحث عن مصدر هذا الصوت، كانت علب الألوان مفتوحة كما تركها، لكن الألوان لم تكن مكانها، كان الصوت يأتي من سلة المهملات، فنظر هاني داخلها، كان اللون الأصفر يبكي وبقية الألوان تحاول التخفيف عنه.
قال الأصفر ودموعه الصفراء تسيل على أرضية السلة:ما الذنب الذي ارتكبته أنا حتى يعاملني هاني هذه المعاملة السيئة؟ لقد خرجت من المصنع وكنت أصفر، وكنت سعيداً لأنني أملك لوناً براقاً، لكن ما فعله هاني سبب لي الحزن.
قال الأحمر يواسيه:ما رأيك أن أعطيك قليلاً مني، سيصبح لونك برتقالياً ولن يلقيك هاني بعد ذلك في سلة المهملات.
فقال الأصفر وقد ازداد حزنه: ومن قال لك أنني أريد أن أصبح برتقالياً؟ أنا أحب نفسي أصفر كما أنا، فلماذا عليَّ أن أغير نفسي كي أعجب الأستاذ هاني؟ أريده أن يتخيل فقط لو أنهم في المدرسة لم يسمحوا له باللعب لأنه قصير أو لأنه صغير السن أو لأي سبب آخر، هل يستطيع أن يكبر فجأة أو يزيد طوله لكي يتمكن من اللعب؟ ماذا سيفعل لو قالت له قطته أن عليه أن يتحول إلى قط لتلعب معه؟
فتدخل الأخضر قائلاً:يجب على هاني أن يعرف أن الرسام لا يمكن أن يستغني عن اللون الأصفر لأنه مهم في أية رسمة.
تنهد الأصفر وقال: أنا لا يهمّني إن كنتُ مهماً أو غير مهم، ليس من حق هاني أن يلقيني في القمامة مهما كان السبب، وحتى لو لم يرسم شيئاً أصفر، هل أنا قلت له ألا يحبني؟
إنه يعرف أن الولد الذي يسكن في المنزل المقابل لا يحبه لأن هاني يضحك منه كلما رآه بسبب بطئه في الكلام، هل يقبل هاني أن يقوم هذا الولد برميه في القمامة لأنه لا يحبه؟
دهش هاني من هذا الحوار العجيب، وقال في خجل موجهاً كلامه إلى اللون الأصفر: لم أكن أعرف أنني أسبب لك الحزن أيها الأصفر.
رد الأصفر وهو يبتلع دموعه: كثير من الناس والأشياء يحزنون بسبب أشياء تفعلها يا هاني، ولكنها لا تستطيع الكلام لتخبرك بذلك، ونحن كنا نظنك نائماً وإلا لما تحدثنا أمامك.
قال هاني في حزن: لكني لم أفعل شيئاً يسبب الحزن لأحد ...
فقال الأصفر: لا يا هاني، فعلت، فعندما رفضت أن تلعب مع أختك الصغيرة لأنها بنت، فقد حزنَتْ ولكنها لا تستطيع الكلام فلم تخبرك، وعندما قطعت شجرة الليمون الصغيرة وأبقيت على شجرة الورد فقد أحزنت شجرة الليمون كذلك، إن شجرة الليمون لا يمكنها إلا أن تكون شجرة ليمون، ولا تريد أن تصبح شيئاً آخر لأن واحداً لا يحبها، لقد بكت الشجرة لأنك ميزت بين الأشجار.
ردد هاني في تساؤل ودهشة: ميّزت؟؟
فأكمل الأصفر: نعم ميزت، يجب أن تساوي بين الأشياء، هل تظن أنك تُعْجِبُ كل عائلتك؟ بالطبع لا، لكنها تساوي بينك وبين أخوتك في الحلوى وفي النقود والأشياء الأخرى، إنكم أيها البشر لا تعرفون المساواة مثلنا، فهل سمعت مرة عن لون يكره لوناً؟ أو يمنعه من أن يلون أي شيء؟
أما أنتم، إذا كان واحد لون جلده مختلف عن لون جلدكم فإنكم تشعرون بأنه بعيد عنكم مع أنه إنسان مثلكم، ولو جاء ولد من ديانةٍ غير ديانتكم ليلعب معكم، فإنكم ترفضون مصادقته واللعب معه، والشيء المحزن أكثر أنكم تعتبرون البنات في مرتبة أقل من الأولاد، مع أننا نحن الألوان لا يوجد لدينا جنس، فليس فينا ذكر أو أنثى،وحتى لو كان هناك واحد من نفس دينكم ونفس لونكم وجنسكم ولكنه يتكلم لغةً مختلفة عن لغتكم فإنكم تتعاملون معه بنفس الطريقة التي تشعره بأنه غير مرغوب فيه، ولا تقفون عند هذا الحد فلو أن أحداً قال رأياً يختلف عن رأيكم أو أحب شيئاً لا تحبونه فإنكم تقومون بإزعاجه وكأنه ارتكب جريمةً كبيرة، وبعد هذا كله تأتي أنت لتلقي بي في القمامة دون أن تفكر أن هذا الأمر يمكن أن يجرحني.
كان الأصفر يتحدث في غضب وحزن، فيما دموعه تنهمر مثل حنفيةٍ مفتوحة على آخرها، وهاني غير قادر على الرد لأنه شعر أن ما يقوله الأصفر حقيقة، وأخذ يتذكر ما كان يفعله هو وأصدقاؤه حين يقابلون ولداً يمشي وهو يعرج، لقد كانوا يضحكون منه حتى يجعلوه يبكي، وشعر هاني بالخجل لأنه كان يفعل ذلك، ومرت في خاطره مجموعة من المواقف المشابهة، حين جاءهم مدرس جديد لونه أسود، وكيف كانوا يتسابقون في عمل المقالب فيه رغم كونه طيباً معهم، وكيف كان عندما يغضب من أحد أصدقائه، يقول له وهو يقصد التقليل من قيمته: أنت بنت.
وفي هذه اللحظة فقط فهم هاني أن أي شيء أو أي أحد لا يمكن أن يشكِّل نفسه كما يريد، فالإنسان والأشياء تخلق هكذا، وتذكر بحزن كم كان الأولاد يرفضون مصادقته عندما دخل المدرسة لأول مرة فقط لأنه كان قصيراً، كان يتمنى أن تطول قامته قليلاً ولكن هذا لم يحدث لأن الأشياء لا تحدث بالأمنيات.
فتّح هاني عينيه جيداً، كانت الألوان تجلسُ في العلب كما هي، وحده اللون الأصفر كان يجلس حزيناً في قاع السلة، مدَّ يده ليخرجه من هناك، ولا يعرف إن كان حلماً أم حقيقة أن اللون الأصفر كان يبتسم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق