الأحد، 8 يناير 2012

"أغلى الأشياء " قصة للأطفال بقلم: هيثم عبدربه السيد

أغلى الأشياء
هيثم عبدربه السيد

فى مملكة من الممالك القديمة العظيمة.. عاش ملك ذو حكمة وذكاء وعندما شعر الملك بقرب نهايته خشي أن يتصارع أبناؤه الأربعة على كرسي العرش وحكم البلاد فأرسل إلى الحكماء والمستشارين والمفكرين فى كل أنحاء المملكة يطلب منهم الرأي والمشورة.
قال أحدهم للملك: رأيي يامولاى أن تسلم أمور المملكة إلى ابنك الأكبر.
فسأله الملك: لماذا؟ 
قال الحكيم : لأنه يا مولاى الأكبر سنا بين إخوته وقد مر بخبرات طويلة فى الحياة تؤهله أن يكون الأحق بمنصب الملك.
فكر الملك قليلا ثم قال: ولكن أيها الحكيم ليست الأمور بالسن والدليل أن معظم الملوك والسلاطين العظام لم يكونوا هم الأكبر سنا.
فقال مفكر آخر: أنا سيدي الملك أرى أن ابنك الثاني هو الأحق بمنصب الملك.
فسأله الملك: لماذا؟ 
قال المفكر: لأنه خاض معارك كثيرة مع الجيش ويمتلك من القوة ما يؤهله أن يكون حاكما قويا.
فكر الملك قليلا ثم قال : ولكن أيها المفكر الشعوب لاتحكمها القوة.
قال مستشار: ابنك الثالث سيدي الملك هو الأحق بمنصب الملك.
سأل الملك: لماذا؟ 
أجاب المستشار: لأنه يمتلك فصاحة اللسان مما يؤهله أن يكون مقنعا قوى الحجة. رد الملك : ولكن كثرة الكلام تجلب الملل والشعب فى حاجة إلى أفعال لافلسفة وكلام فقط.
قال حكيم : لم يبق إذا سوى الابن الأصغر.
رد الملك : صمته أكثر من كلامه وذلك لايجعلنى افهمه جيدا وأخشى أن لايفهمه الناس أيضا..
وبدت الحيرة تكسو الوجوه.
وفجأة وقف حكيم عجوز ذو لحية بيضاء وقال : أيسمح لي مولاي الملك بالحديث ؟
قال الملك : تفضل ياشيخنا الكريم.
قال الحكيم العجوز: إذن ليسمح لي مولاي الملك أن يرسل ويحضر أبنائه الأربعة.
على الفور أرسل الملك إلى أبنائه الأربعة ..دقائق معدودة وحضر الأبناء الأربعة.
تقدم الحكيم منهم ووقف أمامهم مباشرة وشرح لهم باختصار ما يسعى له أباهم الملك وشرح لهم ما كان من حيرة فى الأمر وحتى ينتهي الأمر بعدالة ويتولى احدهم الملك برضا بقية الأخوة... لن يترك الأمر للآراء وذكر مزايا كل أخ منهم ..فجميعهم سواء وكل منهم يصلح أن يكون ملكا ولكن لابد للملكة من ملك واحد ..عاد الحكيم إلى جلسته ثم واصل كلامه : ولذلك سأعرض على مولاي وأباكم الملك أمرا إن رضيه.. أدعو الله أن يجعل فيه خيرا وان لم يرتضيه فها قد أديت واجبي وقدمت مشورتي.
قال الملك: قله إذن. 
قال الحكيم: نطلب من الأبناء الأربعة أن يبحث كل منهم فى أرجاء المملكة عن أغلى شئ فيها ويقدمه لمولانا الملك ومن يقدم منهم أغلى الأشياء يستحق أن يكون ملكا ..
هللت أسارير الملك وبدت عليه علامات الرضا وابتسم ابتسامة خفيفة وهو يهز رأسه للحكيم العجوز وكأنه فهم أمرا خفيا من وراء ما قاله الحكيم العجوز.
وعلى الفور أمر الملك أبنائه أن ينطلقوا فى أرجاء المملكة وان يبحثوا عن أغلى الأشياء فيها واشترط عليهم أن يعودوا إليه بعد شهر واحد.
تفرق الأبناء فى المملكة وفى أول أيام الشهر الجديد عاد الابن الأكبر حاملا بين يديه صندوقا كبيرا وبعد أن ألقى التحية وضع الصندوق أمام الملك ثم أخرج مافيه.. ياقوتة حمراء كبيرة تلألأت عند انعكاسات أضواء القصر عليها وخطفت أنظار الجاسين ..تقدم الابن بين يدي والده الملك قائلا هذه ياقوتة لا يوجد مثيلها فى الدنيا فى حجمها وجمالها حصلت عليها من تاجر عجوز فى أقصى جنوب البلاد.
فى اليوم الثاني عاد الابن الثاني حاملا بين يديه زجاجة صغيرة وبعد أن ألقى التحية وضع الزجاجة أمام الملك ثم فتحها ففاحت منها رائحة ذكية سحرت عقول الجالسين ..تقدم الابن بين يدي أبيه الملك حاملا الزجاجة قائلا: هذا يامولاى وأبى عقار طبي حصلت عليه من طبيب عجوز فى أقصى شمال المملكة.
شربة منه تطيل العمر مائة عام ويظل من شربه عطرا طيلة حياته.
فى اليوم الثالث عاد الابن الثالث حاملا آلة صغيرة ..ألقى التحية ثم وضع مايحمله أمام الملك ووصف ماجاء به قائلا : هذه الالة مولاى الملك هى آخر ماتوصل إليه العلماء فى مملكتنا ..تلك الالة تحول التراب إلى ذهب ومن جيبه اخرج حفنة من التراب ووضعها فى فتحة صغيرة بالآلة فخرجت على الفور ذهبا من الجهة الأخرى فانبهر الحاضرون وعلت وجوههم الدهشة.
مر اليوم الرابع ولم يحضر الابن الرابع ثم مر اليوم الخامس وبعده السادس والسابع حتى انتهى شهرا جديدا ولم يعد الابن الأصغر.
انطلقت الجياد بالجنود والفرسان يجوبون القرى والمدن ويبحثون فى المزارع والغابات ويتفقدون الأماكن العامة والأسواق..حتى وجدوه فى منطقة منعزلة بعيدة فوق قمة أعلى جبال المملكة.
وعندما طلبوا منه العودة الديار رفض وقال لقائد الحرس: أخبر الملك أن أغلى الأشياء التي وجدتها لاأستطيع أن احملها إليه للقصر ،لذلك على الملك أن يأتي إلى هنا.
أخبر قائد الحرس الملك بالأمر فاستغرب الملك ولكنه قرر أن يذهب ليرى أغلى الأشياء وعندما وصل الملك إلى قمة الجبل الأعلى فى مملكته احتضن ابنه بفرح ثم سأله عن أغلى الأشياء فأشار الابن الاصغرالى أسفل الجبل وقال :هنا ..بالأسفل. 
نظر الملك ودقق النظر جيدا ثم سأل ابنه -أين بالتحديد يابنى ؟ قال الابن : انظر ياأبى إلى السهول الخضراء والوديان المحيطة بالنهر العذب والمحاصيل المنتشرة فى الحقول وانظر إلى البحيرات الغنية بالأسماك وانظر إلى البحار الجميلة التي تحيط بنا وتلطف مناخنا وانظر إلى الصحراء الغنية بالمعادن والى المزارع الممتلئة بالطيور والحيوانات وانظر إلى المصانع المنتجة فى المدن وانظر إلى الطبيعة الساحرة فى القرى وانظر إلى المدارس التي تعلم الأطفال ودور العبادة التي يعبد فيها الناس الله ...
انه الوطن ياأبى أغلى الأشياء. 
امتلأت عينا الملك بالدموع واحتضن ابنه فرحا وهو يصيح - نعم العقل عقلك يابنى ..هذا ماكان يبحث عنه الحكيم العجوز...العقل
اجمع الجميع أن الابن الأصغر هو من يستحق أن يكون ملكا وأقسم له إخوته بالولاء.


فاقوس - الشرقية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق