اليوم الأول في المدرسة
د. إيمان سند
(1)
استيقظت من نومي علي أصوات كثيرة:- أشياء تسقط...أصوات أقدام...صوت التلفاز يذيع تمارين الصباح الرياضية.
تركت فراشي...لافائدة...لن أستطيع النوم،فاليوم هو اليوم الأول في المدرسة...ولدي"مهند" يستعد للخروج....
* * *
رأيت "مهنداً" يجري وأمه تمسك به...كان يدق الأرض بقدميه...يعلن بصوته العالي: لا أريد الذهاب إلي المدرسة
تذكرت يومي الأول في المدرسة أنا الأستاذ ضياء الدين المحامي...........
(2)
"كانت أمي تناديني...استيقظ يا ضياء..... ضياءءءءءءء
لم أرد...جاءت إلي فراشي...أخذت تهزني...قالت لي:هذا
ميعاد المدرسة...هل تحب أن تتأخر في أول يوم؟قلت لها: أنا لا أحب أن أذهب أبداً...
* * *
اضطرت أمي إلي حملي...وضعتني في الحمام أمام الصنبور... لم أحرك يداً أو قدماً...قامت هي بغسل وجهي ويدي وشعري... ثم حملتني مرة أخري إلي حجرتي... بدأت تلبسني ملابس المدرسة... قالت لي: ستكون أجمل طفل في المدرسة... لم أرد....
* * *
أغلقت أمي الأزرار...رفعت يدي...وضعتها في كم القميص...وأنا واقف كالتمثال... وعندما قامت بتسوية شعري أعدته بيدي إلي وضعه القديم ... قالت أمي: تريد شعرك للأمام؟ فعلاً... ذلك أفضل...وألبستني الجورب، ثم الحذاء...كان الحذاء جديداً يلمع... نظرت في المرآة...فرأيت نفسي أنيقاً لكني لم أتكلم أو أبتسم...
* * *
أخذتني أمي إلي حجرة الطعام...وضعت أمامي بعض الطعام،وكوب اللبن... وذهبت إلي حجرتها لترتدي ملابسها...حين عادت وجدت الطعام كما هو...قالت: لماذا لم تأكل؟ قلت: لست جوعاناً.. قالت: فلتشرب كوب اللبن لأجل خاطري...شربت اللبن... سكبت بعضه علي ملابسي...جرت سريعاً إلي المطبخ... أحضرت فوطة، ونظفت ملابسي... وضعت أمي الحقيبة خلف ظهري... لم تكن الحقيبة ثقيلة،ولكني رفضت حملها...قالت: سأحملها أنا...وأخذتني إلي المدرسة...
* * *
في المدرسة...كان كل شئ جميلاً...دخلت مبني الصغار...وجدت لوحات علي الحائط وبالونات...كل المعلمات يبتسمن...صوت الموسيقي يرتفع بأغاني أطفال أحبها...ولكني لا أريد ترك أمي...أنا لا أعرف هذه المدرسة...لا أعرف هؤلاء المعلمات...أريد العودة للمنزل...
* * *
حاولت المعلمة أن تأخذني...تمسكت بثياب أمي...قلت لها: لا تتركيني هنا...أريد العودة للمنزل... قبلتني أمي...أعطت المعلمة حقيبتي،وانصرفت...
* * *
تلفت حولي...رأيت كل الأطفال يبكون...أخذتني المعلمة بحنان إلي داخل الفصل... قالت لي: اختر المكان الذي تريده...جلست إلي مائدة صغيرة...بها مربعات حمراء وزرقاء...وحولي أربعة أطفال يبكون ثم ينامون من التعب، ثم يستيقظون فيعاودون البكاء من جديد...
* * *
كان الطفل الذي بجواري يبكي بكاءً شديداً حتى انتفخت عيناه...ضحكت فقد كان شكله مضحكاً...
* * *
قالت المعلمة: من يريد مشاهدة الأراجوز؟ ذهبت معها إلي الفناء...كان الأراجوز لطيفاً وأعطاني هدية...
* * *
بدأت أغني مع الموسيقي، ثم قلت: أنا جوعان... أعطتني المعلمة حقيبتي...وجدت فيها الطعام الذي أحبه...شكراً يا أمي أن تركت لي طعاماً...
* * *
عدت إلي الفصل،وجلست في مكاني،الطفل الذي بجواري مازال يبكي...حاولت المعلمة أن تهدئه...رفض كل المحاولات...خلع نظارته الطبية...مسح عينيه،ثم لبسها من جديد، وعاود البكاء..... ترددت قليلاً... ثم وضعت يدي علي يده...رَبًّتُ علي كتفه. فتوقف عن البكاء فجأة...سألته عن اسمه...قال: "محمد" ...قلت له: أنا ضياء الدين...نظر إلي طويلاً فقلت له: سأكون معك يا"محمد" كل يوم...قال لي: لن تتركني مثل أمي، وكان صوت نحيبه يتقطع أثناء الحديث حتى هدأ تماماً عندما قلت له: لا..لن أتركك أبداً.
* * *
في اليوم التالي...استيقظت...ذهبت إلي حجرة أمي...هززتها كي تستيقظ...قلت لها: أريد أن أذهب إلي المدرسة...فرحت أمي وقالت: مازال الوقت مبكراً...لماذا تريد الذهاب اليوم... قلت أمس أنك لا تحب المدرسة...قلت لها: "محمد" هناك...أنه يحتاج إليًّ، وأنا وعدته أن أذهب إلي المدرسة كل يوم.......
(3)
أفقت علي صوت ولدي"مهند" وهو يبكي.... كان كل شئ في هذا اليوم يذكرني بيومي الأول بالمدرسة، وبصديقي "محمد" الذي بدأت صداقتى به منذ اليوم الأول فى المدرسة، وكانت صداقتنا هي الدافع الوحيد لى للذهاب إلى المدرسة في ذلك الوقت، فقلت لمهند: لا تبكي...ستقابل "محمداً" في المدرسة...نَظًّرَ إليًّ....وقال: ما شكل "محمد"؟... قلت:في نفس طولك... أسمر اللون.... يلبس نظارة... سيكون صديقك الجديد... وافق"مهند" علي الفور أن يذهب إلي المدرسة (هو مثل أبيه يقدس الصداقة منذ الصغر، ويدرك أهميتها فى حياتنا).
(4)
وصلنا إلي المدرسة...بمجرد دخول "مهند" إلي الفصل بدأ يسأل عن "محمد"...يبحث عنه...يتطلع إلي العيون...جلس ينتظر وقد نفذ صبره...ونسيت أني وصفت له "محمداً" القديم، صديقي أنا...
* * *
ظل "مهند"يبحث بين الوجوه حتى دخل الفصل طفل صغير...أسمر اللون...يلبس نظارة...عندئذ أفلت "مهند" من يدي...جري إلي الطفل وهو يقول لي:يمكنك الذهاب الآن يا أبي...جاء "محمد"...
انصرفت سعيداً فقد وجد "مهند" محمداً آخر.... أو أى كان اسم ذلك الطفل... المهم أن هذا الطفل قد جعله يحب الذهاب إلي المدرسة.
جميلة القصة اوى واتمنى لكى التوقيق .انجى الريدى
ردحذف