الحلزون وشجرة الورد القصيرة
هانس كريستيان أندرسون
ترجمة : نظيرة اسماعيل كريم
كان سياج من أشجار البندق يحيط بالحديقة ، وعلى الجانب الآخر منها تمتد حقول ومروج ترعى فيها أبقار وأغنام.
لكن في وسط الحديقة كانت شجرة ورد تقف في ريعان تزهرها هناك، وتحتها ، يعيش حلزون مكتفي ذاتياً للغاية ، لأنه يتحكم بنفسه.
" أنتظري " ،
قال الحلزون : ستأتي فرصتي أنا أيضاً ، وسوف اعمل اكثر قليلاً من تفتح الورد أو حمل ثمار البندق أو اعطاء الحليب مثل الأبقار والأغنام.
أجابت شجرة الورد قائلة " نحن نتوقع منك الكثير، هل يمكن أن أسأل متى سيكون ذلك ؟"
قال الحلزون:" إني أتأنى ، ولكنكم تستعجلون دائماً ، بينما يحب الناس ان يبقوا متشوقين."
بعد عام من ذلك الوقت، كان الحلزون مستلقياً يتشمس في نفس البقعة تقريباً ، تحت شجرة الورد، التي كانت مستمرة في عطاءها للبراعم وتفتح الورود، طرية، ومتجددة على الدوام، بينما الحلزون زاحف نصف زحفة خارج صدفته، يمد قرنيه ثم يسحبهما مرة أخرى.
قال: " كل شيء يبدو مماثلاً للعام الماضي، لم يحدث أي تغيير يذكر، شجرة الورد تواصل تزهرها، لكن هذا كل مايحدث ".
مر الصيف ، وانتهى الخريف ، وشجرة الورد مستمرة في توليد براعمها وتزهر ورودها، الى أن جاء الشتاء. واصبح الجو رطباً وعاصفاً، أنحنت شجرة الورد نحو الأرض وزحف الحلزون تحت التراب.
والآن ، بدأ فصل جديد ، وأزهرت الورود ، وخرج الحلزون أيضاً.
خاطب الحلزون شجرة الورد قائلاً : " أنت الآن شجرة ورد عجوز تماماً، وعليك بعد فترة وجيزة التفكير بالرحيل... لقد منحت العالم كل ما في وجودك.
وماجدوى كل ذلك؟
أمر لم يكن لدي وقت لمنحه الاعتبار الكافي.
لكن واضح جداً أنك لم تفعلي شيئاً لتطوير ذاتك داخلياً، والإ كنت ستحصلين على نتائج مختلفة تماماً لكي تريها لنا.
كيف تفسرين ذلك ؟
لماذا ؟
انك ستتحولين الى لا شيء، مجرد عود جاف؟ هل ترين ماذا اقصد بكلامي؟"
اجابته الشجرة " أنت تخيفني، أنا لم افكر بذلك مطلقاً"
قال الحلزون : " كلا ، انتي لست ابداً من النوع الذي يفكر، هل فكرتي؟ هل تحققتي ولو مرة لماذا أزهرتي وكيف ستنتهي فترة توردك؟ هل امعنتي التفكير بذلك الشيء، ولا اقول باشياء اخرى؟"
" كلا "
اجابت شجرة الورد " لقد أزهرت بابتهاج تام. لأني لم استطع أن افعل غير ذلك. كانت الشمس دافئة جداً، والهواء متجدد للغاية. وشربت من قطرات الندى النقية والامطار الغزيرة، تنفست وكنت حية. ومن هناك، جائتني القدرة من الأرض تحتي، وقدرة اقوى مما فوقي، شعرت بالسعادة المتجددة والعميقة دائماً وعليه كان علي ان أكون متزهرة على الدوام.
تلك كانت حياتي.
وهو الشيء الوحيد الذي كنت استطيع ان اقوم به "
اعقب الحلزون على كلامها قائلاً : لك حياة سهلة للغاية.
اجابته شجرة الورد : نعم ، لي حياة سهلة بالطبع ، تم تيسير كل شيء لي ، ولكنك انت حتى اكثر حظاً مني، فأنت واحد من الكائنات الحية المفكرة والموهوبة التي ستدهش العالم يوما ما.
قاطعها الحلزون قائلاً " كلا ، كلا مطلقاً ، العالم لا يعني لي شيئاً، ماذا اريد ان افعل بالعالم أنا؟ أنا عندي بقدر تدبر نفسي – وفي نفسي."
ردت شجرة الورد: ولكن ، اليس علينا جميعاً ان نمنح ونقدم افضل مالدينا للآخرين؟ صحيح أنا منحت الورود فقط، ولكن انت، وانت الموهوب جداً ماذا اعطيت للعالم؟ وماذا ستعطي في المستقبل؟.
قال الحلزون: ماذا اعطيت وماذا سأقدم للعالم؟
أنا ابصق على العالم، ما جدواه؟
استمري، واصلي منحك للورود، فهو العمل الوحيد الذي تستطيعين القيام به، ولتحمل شجرة البندق ثمار البندق ولتمنح الابقار والأغنام حليبها فلكل منكن شهرتها، وأنا لي خاصيتي أيضاً، سوف انسحب الى داخلي وأبقى هناك.فالعالم لا شيء بالنسبة لي ."
بعد ذلك انسحب الحلزون الى داخل منزله وقفله على نفسه.
قالت شجرة الورد: كم يدعو ذلك للأسف، لم يقدر لي أنا الانسحاب الى داخلي، وكم حاولت ان افعل ذلك ولكن، لم يكن امامي الإ الظهور ومنح الورود.
تسقط تويجاتها وتطير مع الرياح بعيداً، ومع ذلك، رأيت إحدى ورودي وضعت في كتاب التراتيل الدينية لإحدى ربات البيوت، بينما اخرى وجدت مكاناً لها على صدر فتاة جميلة، والثالثة حازت على ارق قبلة من شفاه طفل.
وكان ذلك عملاً مقدساً نادراً، اشاعت الغبطة في نفسي، أمر سوف اتذكره عمري كله.
استمرت شجرة الورد في تفتح ازهارها ببراءة، بينما الحلزون كان لازال غافياً في منزله.
فالعالم لم يكن يمثل شيئا له.
وتوالت السنون .....
اصبح الحلزون تراب للتراب... وشجرة الورد تراب وعادت للتراب... ووردة الذكرى المحفوظة في كتاب التراتيل الدينية اختفت هي الأخرى...
لكن، نبتت في الحديقة شجيرات ورد جديدة كن في عنفوان عطاءهن... وصغار الحلزون يكبرون, الذين كانوا يدخلون في بيوتهم واصدافهم ولا يعني العالم لهم شيئاً.
هل علينا ان نروي لكم القصة مرة أخرى من البداية؟
سوف لن تكون مختلفة أبداً.
قصص غاية في الروعه
ردحذف