أذن سوداء .. أذن شقراء
خالد جمعة
في قريةٍ بعيدة عاشت مجموعة من القطط، نصف هذه القطط كان لونه أسود، ويعيش في أعلى النهر الذي يفصل القرية من وسطها، والنصف الثاني كان أشقر اللون ويعيش طبعاً أسفل النهر، وكان يحكم هذه القرية قطّان، قطٌّ من أعلى النهر ويستمر حكمه طوال أشهر الصيف والخريف، ثم يعطي الحكم للقط الآخر من أسفل النهر ليحكم في الشتاء والربيع، وكان هناك جسر خشبي يقطع النهر من ضفة إلى أخرى، لكن القطط لم تكن تستعمل هذا الجسر كثيراً لأن العلاقات بينها كانت مشوشة.
وكثيراً ما كانت المشاكل تحدث بين القسمين إما على مجموعة فئران تهرب من أعلى النهر إلى أسفل النهر فيطالب بها سكان الضفة الأخرى على اعتبار أنها تعودُ لهم، وإما تكون المشكلة على اليوم الذي ينتهي فيه الفصل، فيطلب القط الأشقر من القط الأسود التنحي عن الحكم فيدعي الآخر أن الفصل لم ينتهِ بعد لكي يزيد في مدة حكمه يوماً أو يومين.
وذات يوم ولدت قطة شقراء قطاً رمادياً، وكان لونه جميلاً إلا أنه لا يشبه أي قطٍّ في قسمي القرية، ولهذا فقد كان هذا القط موضع إعجاب القسمين، فكانوا يتسابقون لملاعبته وإطعامه لأنه عدا عن كونه جميلاً فقد كان ذكياً كذلك، وشجاعاً أيضاً حتى أنه لم يكن يتردد في قطع الجسر فيبيت مرة عند أصدقائه في أسفل النهر أو عند أصدقائه أعلى النهر.
ومرت الأيامُ وكبر القطُّ الرماديُّ في الوقت الذي كان فيه القطان الحاكمان يهرمان، فاتفق الجميع ولأول مرةٍ على أن يجعلوا القط الرمادي حاكماً عليهم ولم يجدوا من يعترض على هذا الاقتراح لأن القط الرمادي كان محبوباً من الجميع.
وبعد أيامٍ قليلةٍ من حكم القط الرمادي كانت مجموعة من القطط أسفل النهر تطارد مجموعةً من الفئران من أجل الإفطار، وحدث أن هربت الفئران إلى أعلى النهر، فقام سكان أسفل النهر بمنع القطط السوداء من الاستمرار في مطاردة الفئران داخل منطقتهم، وبعد عراك طويل قرروا أن يذهبوا إلى القط الرمادي ليحكم بينهم، ولما دخلوا عنده طلب من أحدهم أن يشرح له ما حدث، فبدأ القط بالحديث إلا أن جميع القطط من القسمين صاروا يتحدثون بصوتٍ عالٍ في وقتٍ واحد، فلم يتمكن القط الرمادي من سماع المشكلة، ورغم جميع محاولاته إلا أن القطط لم تسكت، فانتظر القط الرمادي حتى تعب الجميع من الصراخ ثم أصدر قراراً عجيباً.
لقد أمر كل قطٍّ أن يسلّمه أذنيه، وقامت القطط بتسليم آذانها للقط الرمادي وهي لا تعرف ما الذي سيفعله بها، وعندها أشار لهم القط بالإنصراف.
وبمرور اليوم الأول شعرت القطط جميعها بالإنزعاج، فلم تكن تسمع صوت الفئران وهي قادمة، ولم تستطع سماع نداءات أطفالها الصغار، وحتى عندما يأتي أحدها ليتحدث إلى الآخر فلم يكن يسمعه، كان الأمر غريباً ومزعجاً.
وفي اليوم التالي قام القط الرمادي باستدعاء القطط من القسمين، وأخذ يوزع الآذان عليهم، ولكنه عمل حيلةً صغيرة.
فقد وزع آذان أسفل النهر على سكان أعلى النهر، وفعل العكس مع سكان أعلى النهر، وبمجرد أن فعل ذلك قال لهم:
أظن أنكم تسمعون جيداً الآن، لو أن كل واحد سمع ما سيقوله الآخر لما كانت هناك مشاكل، فكل مشاكلكم تأتي لأنكم لا تسمعون إلا ما تريدون سماعه.
أحنت القطط رؤوسها وخرجت من عند القط يملؤها الخجل، ولكن الأمر الجميل في الحكاية أن القطط صارت تستمع إلى بعضها، ولكن ليس بسبب الخطاب الذي ألقاه القط الرمادي، ولكن لأنها كلما واجهتها مشكلة، نظرت إلى بعضها، فإذا كان القط أسود فإن أذنيه شقراوان، وإذا كان أشقر فإن أذنيه سوداوان، وكلما شاهدوا ذلك تذكروا حكاية الفئران، ولكنهم كانوا دائماً يتساءلون: هل كنا بحاجةٍ إلى أذنين مختلفتين حتى نصغي إلى بعضنا؟؟؟
ما اسم دار النشر
ردحذف