الجمعة، 9 ديسمبر 2011

"فيل أبرهة " قصة للأطفال بقلم: عبد التواب يوسف

فيل أبرهة 
قصة من كتاب
 (حياة محمد (ص) في عشرين قصة)
عبدالتواب يوسف

أنا فيل لي خرطوم طويل ..
ولكنني لست فيلاً في غابة ، أو في حديقة الحيوان .
 بل عشت منذ زمن بعيد ، وكانت لي شهرةٌ كبيرة ، وحكاية غريبة أحب أن تعرفوها.
- بدأت حكايتي في بلاد الحبشة ، وكنت أعيش حراً بين الأشجار ؛ إلى أن اصطادني أهل الحبشة ، وعندما وجدوا أني فيلٌ عظيم .. ضموني إلى الجيش ،وسافرت مع الجيش إلى اليمن.
وكان الناس يخافونني ، ويرتعشون عندما يسمعون بقدومي ؛ لأني كنت أنشرُ الخراب في كل مكان أذهب إليه ،وكنت إذا خطوت فوق شيء كسرته وحطمته ،وتمكنت بذلك من أن أجعل أهلي الأحباش يحتلون بلاد اليمن.
وأكرمني القائد ( أبرهة ) وجعلني الفيل الخاص به ،ورفض أن أحمل الأحجار والأخشاب للمعبد الكبير الذي كان يبنيه ؛فقد كان يبني معبداً كبيراً ليصبح أعظم من ذلك المعبد الموجود في مكة ،والذي يزوره الناس من كل مكان.
وقد أقام أبرهة في معبده الكبير ..
كعبةً من الذهب حتى يحج الناس إليها بدلاً من أن يحجوا إلى كعبة مكة ..
غير أن الناس لم تأتِ إلى كعبة أبرهة ،واستمروا في الذهاب إلى مكة.وضاق أبرهة بذلك وغضِب،وقرر أن يهدم كعبة مكة ؛ وبذلك لا يجد الناس أمامهم غير الكعبة التي بناها من الذهب فيأتون إليها.
أعد أبرهة جيشاً كبيراً لكي يحارب به مكة وأهلها ..
وكنت ـ أنا فيل أبرهة ـ ضمن هذا الجيش ؛وبالطبع .. ليركبني القائد أبرهة الذي سيسير في أول الجيش ؛وكان أبرهة ينوي أن أحمله حتى الكعبة ..
كعبة مكة ،وعندما أميل عليها بجسمي الضخم سوف أهدمها ..
وكثيراً ما فعلتُ هذا في بيوت أعداءِ أبرهة.
والحقيقة ..
أنني لم أكن راضياً عن هذا العمل ؛ولكن لم أستطع أن أرفض الذهاب معهم ،وقد سِرتُ وجيش أبرهة حولي ،والجنود يتكلمون عن مكة وأهلها ، وعن الكعبة وحكاياتها.
وعرفتُ أن الذي بناها نبيٌ اسمه - إبراهيم - عليه السلام ، وأن ابنه - إسماعيل - عليه السلام اشترك معه في البناء ، وقالوا إن إبراهيم كان صاحب معجزات ؛ فقد رماه قومه في النار ولم تحرقهُ.
وعرفت أن هذه الكعبة شريفة ، وأنها هي بيت الله الحرام ، وأن هذا البيت الحرام بيتٌ آمن ..
يدخله الناس فلا يمسهم أحد بضررٍ أو سوءٍ ، ويهبط فيه الحمام فلا يصطاده أحدٌ ولا يقربه أحد ..
إنه مكانٌ آمنٌ ومقدسٌ يحبه الناس ويحتمون به ويُصلُّون فيه.
وعرفتُ من الجنود أن أهل مكة خافوا
عندما سمعوا عنِّي وعندما عرفوا أني ذاهبٌ إليهم ..
لأنهم سمعوا عن قوتي وقدرتي على هدم كلِّ مافي طريقي.
ولم يكن قد بقيَ لنا لكي نصل إلى مكة سوى ليلة واحدة ،
وبعدها تنهدم الكعبة وتنهدم مكة كلها ، ولم يكن هناك جيش يعترض طريقنا أو يمنعنا من التقدم ..
الطريقُ مفتوحةٌ ولا أمل في أن تنجو مكة أو تفلت منا الكعبة ،وكان كل من في الجيش ينظرُ إليَّ في إعجابٍ ،وكثيراً ما قال لي بعضهم :
تقدم يا بطل .. سِر يا ( فيل أبرهة ) يا أعظم الأفيال!
وفيما نحن نتعجل الوصول إلى مكة ..
تجيئُنا رواية عن ( عبد المطلب ) زعيم مكة ..
تجعلنا جميعاً نفكر في معناها ،وتجعلنا جميعاً نهتزُ منها.
قالوا إن عبد المطلب لمَّا عَلِمَ أن أبرهة وجيشه وأنا الفيل الشهير سنهدم الكعبة ..
لم يخف ؛ بل قال :
" للبيتِ ربٌّ يحميه ".
هذه الكلمة الكبيرة التي قالها عبد المطلب جعلتني أخاف ..
لقد أصبحت أخاف !! ..
أنا الفيل الرهيب الذي أمُرُّ وسط أيةِ مدينة ، وفي لحظة أجعلها خراباً ولا يبقى منها بيتٌ واحدٌ قائمٌ في مكانه ...
نعم خِفْتُ من هذه الكلمة التي قالها عبد المطلب.
وبدأتُ لا أقدرُ على السير ، شعرت بتعبٍ شديد ،ولم أكن وحدي الذي أحسُّ بهذا ..
بل كل الأفيال ، وكل الخيول ، وكل الجمال ، وكل الجنود ..
أصبحوا غير قادرين على السير.
ولم ألبثْ أن وجدتُ نفسي أقفُ مكاني ..
لم أقدر على التحرك ؛ كأن أرجلي التصقت بالأرض .
. تسمَّرَت فيها ..
لا أستطيع نقلها من مكانها خطوة واحدة في الطريق إلى مكة.
انزعج أبرهة والجنود ..
أداروني إلى الخلف فتمكنتُ من السير، أداروني إلى اليمين استطعت المشي، أداروني إلى اليسار خطوتُ ببساطة!
لكن .. عنما جعلوني في اتجاه الكعبة وقفتُ ولم أتحرك ! ...
وفجأةً ...
حدث شيءٌ غريبٌ عجيبٌ ..
رأيتُ بعينيَّ طيراً تغطِّي السماء كلها ، لا تُظهِرَ منها شيئاً ..
حتى أنَّ الدنيا أظلمت ، ولم أعُد أستطيع أن أعرف هل أنا في حُلم، أم أنا صاحٍ أرى ما حولي!
وسمعتُ الجنود يصرخون :
هذه طيرُ أبابيل ، ترمي بحجارةٍ من سجيل ..
وتساقطت علينا حجارةٌ صغيرة ، ربما لا تزيد على حبة الفول أو القمح ..
ينزلُ الحجرُ الواحدُ منها على أضخم فيلٍ من زملائي ؛فإذا به يرقد على الأرض ..
يسقط على أكبر جملٍ فإذا به يبرُكُ على التراب ..
يسقط على أضخم رجل فإذا به ينتهي ويموت ..
ووجدتني أنا الفيل الشهير أنظرُ إلى ما حولي وأرتعش ؛فلقد دمرتُ الكثير في حياتي، ولكنني لم أشاهد مثل هذا الذي أراهُ يحدث ..
ووجدتني أركعُ وأنا أرى من بعيدٍ نوراً يمتدُ بين الأرضِ والسماء ..
كان هذا النور حول مكة كلها ، ورأيت عبد المطلب زعيم قريش يقفُ ليتقبل التهنئة من الناس ،وكلمة ( مبروك ) تتردد على ألسنتهم ..
لأن جيش أبرهة قد انتهى ،ولن يستطيع أن يدخل مكة أو يهدم الكعبة!
وكان عبد المطلب يحكي لمن حوله ما رآه في المنام ..
فلقد رأى وكأن سلسلةً من الفضة خرجت من ظهره ، لها طرفٌ في الأرض وطرفٌ في السماء ..
وظهرت هذه السلسلة بعد قليل كأنها شجرة ، وعلى كل ورقةٍ منها نور وتعلق بها كل الناس.
وفسر السامعون الرؤية لعبد المطلب على أن ابنه - عبد الله - سَيُرْزَقُ ابناً يتعلق به الناس في الشرق وفي الغرب ..
وبشروه .. وهنأوه ... وسألوه :
ــ ماذا تسميه ؟ ...
فأجاب :
أسميه ( محمداً ) ..
ليحمدَه من في الأرض ومن في السماء.
وكانت مع بشرى مولدِ محمدٍ
نهايتي
– أنا الفيل الشهير –
ونهاية أبرهة وجيشه الكبير ...
وبقيت مكة ، وبقيت الكعبة ، وستبقى إلى آخر الدهر .. خالدةً عزيزةً ، تتجه إليها أمةُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – خمس مراتٍ كل يومٍ وهي تصلي لله .. الذي أرسل إليهم نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق