الجمعة، 2 ديسمبر 2011

"لن نبكى بعد اليوم أبداً" قصة للأطفال بقلم: د. أميمة جادو

لن نبكى بعد اليوم أبداً
د. أميمة منير جادو
كانت تئن من الوجع تحت دثارها السميك فى الركن البعيد من الحجرة فوق مكتب قديم مُهَمل مثلها.
كانت زميلتها لا تقل أوجاعاً عنها – أيضا – تحت دثارها السميك فى الركن البعيد من الحجرة فوق الطرف الآخر من ذات المكتب المهمل مثلهما.
كانتا تتحاوران معا بالدمع والأسى ويفيض من صوتهما حزن بالغ وقد اعتادتا الفرح معا حين كانتا تهتزان بنشوة عندما تجلس خلود وياسمين إليهما تكتبان بعض الأوراق المهمة ومثلما فعل والدهما الذى علمهما النقر على أزرارهما.
قالت الأولى للثانية : ومن ينسى ؟
تنهدت الأولى : كانت أيام.. هل تعتقدين برجوع أيام مجدنا وعظمتنا ثانية ؟
تحسرت الثانية : ولا .. فى الأحلام.. الزمن لا يعود للوراء ... لكن من يدرى رُبَّ طفرة !
- انظري كيف وضعنا أصحاب البيت فوق هذا المكتب القديم المهمل وكيف احكموا الدثار علينا ... بالكاد نتنفس من فتحة ضيقة بالدثار ولولاه لاختنقنا ومتنا كمداً وغيظاً !
- وهل تظنين أننا أحياء الآن لمجرد أننا نتنفس كما تدعين ... إننا ميتتان، انظري هذا الذى اخترعوه بعدنا .. الذى احتل مكاننا ودعاهم لأن يركنوننا هكذا فوق المكتب القديم بينما هو يتألق فوق المكتب الجديد ! أنى أكاد أحقد عليه .. أريد أضربه وأكسر شاشته ولوحة المفاتيح والسماعات والفأرة ... انه السبب أنه الذى فعل بنا هذا !
- معك حق ... لكنه بصراحة يستحق هذه المكانة ... لا داعى للحقد عليه، انه لا ذنب له على آية حال بل نحن السبب .. إن المهندسين المخترعين راحوا يطوروننا شيئا فشيئا حتى صرنا هو ... صدقيني هى الحقيقة .. انه برئ من اتهامك فنحن الأصل .. لو كنا نؤدى ذات المهمات التى يقوم بها لما أعفونا من الخدمة ! انظرى .. كم هو جميل بشاشته مثل التلفاز ؟ انظرى كيف تجلس ياسمين إليه بالساعات لتلعب الألعاب الإلكترونية ؟ وكيف تشغل ياسمين الأغنيات التى تحبها فتنطلق أصوات المطربين والمطربات من السماعات؟ هل نسيت كيف دخلت خلود من خلاله كثيرا على الانترنت وبحثت فى مواقع مهمة عن معلومات فى غاية الأهمية ... هل نحن نستطيع تقديم هذه الخدمات.
علينا أن نسلم بالتطور ولا نحقد عليه إنه سمة العصر ونحن بقايا عصر انتهى ..
- يعنى هل صرنا حفريات؟
- لا .. بل ذكريات جميلة، كانت لنا أيضا صولات وجولات فى زماننا ... لن ننساها ولن ينسوها ..
حينئذ دخل الأستاذ سالم عبد الدايم المحامى والد خلود وياسمين ، قال لابنتيه فى نبرة وفاء وهو ينظر للآلتين اللتين كم كتب عليهما عرائض الدعوى والمرافعات : كانتا لهما أفضال كثيرة علىَّ لا أنساها أبداً ... كم اسعفتانى بكتابة كل ما أريد ، كنت أريح واحدة لأكتب على الأخرى بالتبادل كنت اسميتهما " خلود " ، و " ياسمين " على اسميكما، وفتح الله علىَّ من أبواب الرزق كلما كتبت عليهما تفاءلت بما أكتبه انهما كانتا سبب رزقى وسعادتى ... لايمكن أنسى أيامى الحلوة معهما وسهرى عليهما وكتابة أحلامى وطموحاتى ودفاعاتى عن المظلومين لا أنسى كيف كنت أدق بأصابعى بمهارة عازف فوق أزرارهما وكل زر منها كتب عليه حرفاً عربياً أو أجنبياً.
كتبت بالعربية وكتبت بالإنجليزية .. كنت ماهراً وكنت أتبارى مع أصدقائي فى سرعة الكتابة وأنا مغمض العينين .. لذا قررت أن أهبهما للمتحف الجديد كى يعرف كل الأطفال أنه لولا الآلة الكاتبة ما كان الكمبيوتر الآن .. !!
ستجلس الآلة الكاتبة شاهدة على العصر مثلها مثل كل التحف واللوحات الشهيرة لكبار الفنانين والاختراعات الأولى التى مهدت للتطور والابتكار وكانت ذات يوم علامة حضارة تمهد لحضارة تليها.
حينذاك زغردت الآلتان الكاتبتان، وأدركتا أنهما سيمتعان الأطفال فى المتحف ولن ينساهما أحدُ .. ولن يغيب دورهما أبدا على مر التاريخ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق