الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

"خيال الوقت " قصة للفتيات والفتيان بقلم: حياة الياقوت

خيال الوقت
حياة الياقوت
يقال أنّ لكلٍ من اسمه نصيب، و كان لـ"خيال" من ذلك نصيب وافر
كانت تتدرّع وتتذرع بقول عالم الفيزياء آينشتاين أن" الخيال أهم من المعرفة" لتبرر شرودها الدائم وأحلام اليقظة التي ترافقها كظلها. ولا ندري حقيقةً هل هذا نتيجة لمرحلة المراهقة التي تمر بها، أم أنه طيف اسمها يلاحقها ويرمي عليها بعباءته، أم هو سوء إدارتها لحياتها. لكن ما نعلمه يقينًا عن خيال هو أنها لا تعلم الكثير عن نظريات آينشتاين سوى تلك المقولة التي حفظتها عن ظهر قلب لتتخلص بها من إلحاحات والديها وشقيقها التوأم يُوسُف.

كانت ذات يوم في خلوتها تمارس هوايتها الفضلى؛ تضييع الوقت! لا تتصفح من الإنترنت إلا تفاهاتها، معلّقةً سمّاعتي جهاز الـ"آيبود" كما لو كانتا قرطين يشنّفان أذنيها اللتين أتخمتهما بإزعاج نشازيّ لا ينتهي، وتشردُ بين الفينة والأخرى تتأمل زخارف السقف وتفكر في اللاشيء، أو ربما في شيء لا تريد البوح به!
طرق توأمها يُوسُف الباب واستأذن. أزالت أحد قرطيها، عفوا إحدى سماعتي الـ"آيبود" على مضض، وهي تعلم سلفا بالموشّح الذي ستسمعه منه. هي بدورها جهّزت المعزوفة المعتادة التي ترد بها على موّشحه. ومن يراهما هكذا يعجب من كونهما توأمين.
- ماذا تفعلين يا لولو؟
- توقف عن مناداتي بهذا الاسم.
- أيضيرك أن يناديك شقيقك باسم الدلع؟
- لا، لكني أعلم أن وراء موجة التدليع هذا خطبة عصماء، وقد حفظتُها عن ظهر قلب
فوفّر على نفسك التعب
- أجل، كيف لا تعرفين وأنتِ توأمي وتقاسمتِ معي ظلماتٍ ثلاث لمدة تسعة أشهر.
- لا تنسَ يا يوسف أني خرجت قبلك، أي أني أكبر منك.
- أجل، أجل طبعا. وتعلمين أكثر مني بسنة ولا تحتاجين إلى نصائحي!
- أصلا ما كنت لأخرج قبلك وأضحي بالبحبوحة والراحة في بطن أمي لولا "حنّتك" المستمرة ومواعظك.
- سامحكِ الله. على العموم، هل تحتاجين مساعدةً في الدراسة؟
- كما ترى فإني منهمكة في شحذ همتي قبل الدراسة، ولذا لا أحتاج إلى مساعدتك الآن.
- لولو، أنت تضيعين الوقت، لقد مر شهر على بداية الدراسة، ونحن في السنة النهائية.
- كلا، أنا أتسلى حتى تُفتح شهيتي للدراسة.
- بل تتهربين.
- أنا من مواليد برج الحوت، ومواليده مشهورون بالهروب من الواقع وبالركون إلى الخيال. وآينشتاين كان من مواليد هذا البرج بالمناسبة.
- آه، عدنا للخزعبلات! حسنٌ، أين أنتِ من إنجازات آينشتاين إذا؟ ثم هل نسيتِ أني أنا أيضا من مواليد البرج ذاته ولا تفصلني عنك سوى دقائق، فلم لا أسلك سلوكك؟
- لا أدري، اسأل نفسك. "يسّوف"، لقد أكثرت جدالي وضيّعت وقتي، هيا اخرج من غرفتي!
- ضيعتُ وقتك؟ من يسمعك يقل أنك كنت منشغلةً باختراع صاروخ يعمل على طاقة البقدونس!
- هل تعلم؟ مشكلتي أنه ليس لدي الوقت الكافي، ولو كان اليوم 34 ساعة بدلا من 24، لكنت الأولى على الصف!
- عُدنا للأفكار الخيالية!

كان الباب مفتوحا فسمعت والدتهما الجمل الأخيرة من الحوار، فانضمت إليهما قائلة:
ما رأيك يا خيال لو استعملتِ خيالك واخترعتِ لك ولنا طريقة تحول اليوم إلى 34 ساعة فتكوني الأولى على الصف؟
إن شاء الله، بعد أن أتخرّج من الثانوية هذا العام.
"هذا إذا تخرجتِ أصلا!" قال يوسف.
"أمي، هل سمعتِه؟!" صاحت خيال.
"أمي، ما رأيك أن تخبري خيال عن هديتي إذا ما تفوّقت في الثانوية العامة. أخبريها أن تلك السيارة التي رأيناها في المعرض الصيف الفائت ستكون من نصيبي. أما هي فلتنفعها أحلام اليقظة!" أردف يوسف.
"مهلا، مهلا! السيارة الرياضية إياها؟ وأنا ما ستكون هديتي؟".
"الأمر يعتمد على المجموع" قالت الأم.
"ها ها ها. يسمونه التناسب الطردي، كلما زاد المجموع زادت قيمة الهدية. افتحي كتاب الرياضيات لتعرفي." شاكسها يوسف. "ويبدو أنك لا تعلمين عن أمر الجامعة الخاصة المرموقة التي خططت للالتحاق بها إن شاء الله بعد التخرج!"
مهلا، كيف ناقشتما كل هذه الأمور مع يوسف ولم تناقشاها معي؟!
"لم نركِ مهتمة بأمور مستقبلك كثيرا" أجابت والدتها.
ثم انسحبا وتركاها.
تركاها تلملم شعث نفسها، تركاها تشهق كغريق نجا للتو من لجة بحر أجاج فأخذ يعبُ هواء الحياة العذب كما لو كانت المرة الأولى التي يتنفس فيها. تركاها وأغلقا الباب خلفهما، لكن ثمة باب، ثمة كوّة ولج منها النور ووصل إلى خيال كما لم يصل من قبل.
***
أمضت ليلتها تتقلب على جمر الغضى. لم يكن أمر الهدايا أو الجامعة هما ما يقلقانها بقدر ما آلمها إحساسها بأنها كمٌ مهمل، وأنها ليست إنسانة راشدة تستحق أن تُناقش معها أمور المستقبل. يُقال أن قلوب المراهقين حساسة، ويبدو أن ما حدث ضرب على وتر حساس، ومسّ عصبا مكشوفا، والتقى الكلام على أمر قد قُدر.
لم يغمض لها جفن ليلتها، وأخذت تفكر في وسيلة لتثأر لكرامتها. كيف يمكنهم أن يعاملوها هكذا كما لو كانت كيس قمامة غير ذي نفع! لكن ضميرها قرصها إذ تذكرت غفلتها عن الحياة.

تلك الليلة، تبدّت لها الحياة كساعة رملية تنساب حبيباتها بشكل خلاب أمام الساذج قصير النظر. أما ثاقب البصر والبصيرة، لن ينشغل بجمال الحبيبات الذهبية، بل سيرى الساعة الرملية كاملة، سيرى كم انقضى منها، وكم تبقّى.
بكت حتى تسربت الدموع المالحة إلى أذنيها المتخمتين لتغسلهما من درن سنين الشرود، بكت وبكت حتى غفت كالطفل الوديع. استيقظت وقت صلاة الفجر لأول مرّة من تلقاء نفسها، استيقظت من غفوتها ومن غفلتها. توضأت بالماء وبالنور وبالعزم. ركعت ودعَت كما لم تدعُ من قبل، دعَت بصدق هذه المرة.
عقصت شعرها بعزم، ولفت حجابها بشكل مختلف هذا اليوم، لم يعد متراخيا متراجعا مثلما كان دائما. إنه مشدود اليوم، مشدود كروحها العازمة.
لم تلتفت لاستغرابات أبيها من استيقاظها المبكر ومن تغير سَمْتِها، إذا كانت طوال الطريق شاردة، لكن شرودها هذه المرة لم يكن كأي شرود. كانت تدعو أن تصل إلى المدرسة مبكرا لتلقى معلّمة الفيزياء لتفاتحها بما يعتمل في روحها. واستجاب الله لدعائها.

لم تكن تخطط وحسب لتغيير مستواها الدراسي، بل كانت تريد أن يكون لها نشاط ما، شيء تحس أن لها قيمة بسببه، شيء يجعلها تشعر أنها حقا خليفة لله على هذه الأرض. واختارت أن تخبر "أبلة رواء" بالأمر، فهي لسبب ما تحب هذه المعلمة رغم أنها تخجل من مستواها المتواضع في مادتها، وتحب الفيزياء لأنها تلامس بشكل أو بآخر نزعة الخيال التي لديها.

اقترحت عليها معلمتها الكثير من الأمور، وطلبت منها أن تعود إليها في الغد لتعطيها دفترا يساعدها في تنظيم وقتها بعدما لمست أن خيال التي تكلمها إنسانة مختلفة، إنسانة قررت أن تتغير، قررت أن تنجز، إنسانة علمت أنه لا طائل من تمني أن يزيد اليوم بضع سويعات، بل إنسانة قررت أن تتعامل مع ساعاته كما هي. فالوقت ثابت، فكلٌ لديه 24 ساعة، لكن تعاملنا معها نسبي، والفائز هو من يعرف كيف يتعامل مع الوقت بأصابع ماهرة.

طفقت خيال تدرس ما عليها أن تدرسه، وفي الوقت نفسه تراجع بعض ما مر معها في السنوات الماضية إذ أن الأمور العلمية تراكمية. لكن عزيمتها المشحوذة لم تقف عند هذا الحد، ولم تستمع لوسوسات نفسها بأن عليها أن تركز في دروسها فقط فهذه سنة مفصلية، بل التحقت بالنادي العلمي وتلقت دروسا إضافية في الفيزياء، وبعد فترة يسيرة بدا عليها -ويا للغرابة- تميز في مجال "فيزياء الوقت"! الفتاة التي كانت تحترف تضييع الوقت، صارت اليوم تدرس الوقت من منظور فيزيائي وتبرع في نظرياته!

لم يكن الأمر سهلا البتة، فالانسحاب من حياة التبلد واللهو والشرود أمر غير
يسير. لكن كلما تراءت الساعة الرملية للحياة أمام خيال وهي تثعبُ وقتا، كلما اكتنزت روحها برغبة في التعويض عمّا فات، وكلما ثبّتت نفسها بالقول "الوقت ثابت، تعاملنا معه هو النسبي، وأنا قررت أن أكون من النخبة في تعاملي مع الساعة الرملية لحياتي".
تعلمت خيال كيف تضع خيالها في خدمة الوقت وفي خدمة الإنجاز، لا أن تضع الوقت وتضيّعه في خدمة خيالها الجامح. تعلّمت أن الخيال –إن وضع في موضعه الصحيح- قادر على تمديد الوقت واختصار المسافات! هذا هو "خيال الوقت"، أي الخيال في خدمة الوقت.
***
وفي يوم من أيام شهر يونيو الدافئ رنّ الهاتف بالبشرى. كلا، لا يزال الوقت مبكرا على إعلان نتائج الثانوية. تلك المكالمة كانت من النادي العلمي، اتصلوا ليهنؤوا خيال ويدعوا أهلها لحضور حفل تكريم لحصولها على جائزة أحسن بحث علمي لهذا العام بين طلبة الثانوية في مجال الفيزياء!
وجاء بشير آخر بعد بضعة أيام؛ مكالمة أخرى تبشر يوسف بالتفوق الباهر، وتبشر خيال بنتيجة زاهرة ما كان لأحد أن يتوقعها.
التفتت إلى توأمها يوسف قائلة:
- أنت مدعو لأكلة هامور أو زبيدي -تخيّر ما شئت- احتفاءً بتخلصي من شبح الأبراج، واحتفالا بنجاحي الباهر، وببحثي الفائز، وطبعا بتفوقك.
- إذا "حنّتي" آتت أكلها؟ لكن ألا يمكننا أن نتناول "فيليه" الحوت نكاية ببرجنا الذي تخلصتِ من وهمه؟ كما أن الحوت يليق بالمقام الرفيع لسيارتي الجديدة!
- هاه، لا تفرح كثيرا، فأنا أيضا سأحصل على هدية تتناسب طرديا مع مقدار تطوري. وربما فاقت هديتي هديتك روعة!
- لا أكاد أصدق أن التي أمامي خيال!
- صدّق يا "يويو" صدّق، فأنا شقيقتك التوأم.
- يويو؟
- دلع "يوسف". أيضيرك أن تناديك شقيقتك باسم الدلع؟
- ظننتك تتكلمين عن لعبة "اليويو" بما أنكم تستخدمونها لإجراء البحوث الفيزيائية على الوقت!
وضحك الاثنان ملء رئتيهما. ضحكا ضحكة الفائزين، فقد فاز، من حياته إنجاز!

الأحد، 27 نوفمبر 2011

"ديك الدويكه" قصيدة للأطفال بقلم: عبده الزراع

ديك الدويكه
عبده الزراع

أنا ديك الدويكه
فى الفجر أصحيكا
واكوكو وأصيح
وأنغَّم مزيكا
* * * * * *
أنا ريشى متلوّن
من قبل ما أتكوّن
ولا أرسم وأكوّن
ولا أمسح بأستيكا
* * * * * *
أنا شاطر شطور
ف المدرسة دبور
وراح أركب حنطور
وأوصل بيه قبليكا
* * * * * *
أنا بأحفظ ف دروسي
وبأذاكر مع لوسى
وأنا والقطه بوسى
راح نأكل كيكا كيكا


"وَرَقَةَ التُّوتِ الخَشِنَةِ " قصة للأطفال بقلم: طارق البكري

وَرَقَةَ التُّوتِ الخَشِنَةِ
طارق البكري 
شَعَرَتْ وَرقةُ توتٍ صَغيرةٍ بالخَجَلِ منْ خُشونةِ مَلمَسِهَا، وَصَارَت تَحْسُدُ زُهُورً الحقلِ المتنوعة على نعومتها.
لم تكنْ ورقة التُّوت سعيدة بشكلها، رغم لونها الأخضر الجميل، وعروقها المتناسقة.. فهي تتمنى أن تكون ناعمة شفافة، تتمايل مثل الأزهار.
وفي يومٍ شاهدتْ وَرقة التوت دودة قزٍّ كبيرة بالسن تسير على الأرض تَحاول صعود شجرةِ التُّوتِ لتأكل بعضَ أورَاقها الطرية.. لكنَّها لم تستطع.. فاقتربت الدودة من وردة صغيرة جميلة ناعمة الأوراق..
ظنَّت وَرقة التوت أنّ الدودة سوف تأكل أوراقَ الورْدَةِ وَتستمتع بها..
اقتربتِ الدودة من أوراق الوردة وقضمت بفمها قضمة صَغِيرة.. لكن الدودة رَمتِ القطعَة فقد كَان طعمُهَا مُرّاً.. وَلَمْ يَعْجبها.. فاسْتَسْلمِت الدُّودة لمَصِيرها..
أدركت ورقة التُّوت أن الدودة العجوز سوفَ تَمُوتُ منَ الجُّوع.. رق قلبها.. فاهتزت بعنف حتى قطعت عنقها وسقطت أمام الدودة المِسْكينة..
عنْدها بَذلت الدُّودة جُهداً كبيراً وزحفت نَحوها ثم بدأت تلتهمها مِن شدَّة جُوعِهَا..

كانتْ ورقة التوت فخورة بنفسها وهي تقدِّم نفسها فداء للدودة.. وكانتْ الدُّودة تأكل الورقة بلذة.. فشعرت الورقة عنْدَها أنَّ خشونتها التي كانت تخجل منها أطيبَ عند الدُّودَةِ منْ نُعُومَةِ الوَرْدَةِ.. وَكانَتْ سَعيدَةً جِداً وَهِيَ تنقذُ الدُّودَة مِنَ المُوتِ..


السبت، 26 نوفمبر 2011

"ترمومتر الزمن" قصة للأطفال بقلم: أحمد محمد عبده

ترمومتر الزمن
أحمد محمد عبده

كان حسام يضع اللمسات الأخيرة " للتجربة " – يعاير المقادير ويضبط الأنابيب والمحابس ، جائزة كبري في انتظاره . إذا نجحت التجربة .
كانت الوزارة قد منحته – جائزة قيمة – علي تركيبة كيميائية جديدة تنفع في عالم الحشرات .
خرج من المعمل موعده معها بعد ثلاثة أيام .
أو المقرر لها اثنتان وسبعون ساعة .
أو بالضبط " السادسة والربع مساء يوم 20 ديسمبر ".
هكذا كتب علي " الكارت " الذي ثبته علي باب المعمل .
ركن صغير في غرفته – أعده للتجارب .
ذكرته أمه بأن عيد ميلاده قد اقترب ، بعد ثلاثة أيام . يوم 20 .. ..
اضطرب حسام ، مسح القلق تقاطيع وجهه .
- نسيت .. ليتني أجلت التجربة يوما أو قدمتها يوما .
ولان أمه هي التي ذكرته بالمناسبة السعيدة ، ابتسم لها . قبلها ، تنهد وقال :
- يا ااا ه – اثنا عشر عاما يا أمي ..
نوع من الفرح سري في عينيه – مع شئ من الثقة بالنفس .
لكن إحساسا غريبا شعر به فجأة
- بعد ثلاثة أيام – سأكمل اثنتي عشرة سنة ، في كل سنة اثنا عشر شهرا ، في كل شهر ثلاثون يوما ، في كل يوم أربع وعشرون ساعة ، في كل .. .. ..
- ماذا حققت في هذا العمر الطويـ ـ ـ ـ ـ ل .. ؟؟ !
- حفظت عواصم العالم ؟
- تعلمت كيف أتعامل مع الكمبيوتر ؟
- عرفت متي يكون المثلث قائم الزاوية ومتي يكون متساوي الأضلاع ؟
- لا يكفي .. لا يكفي ؟
- وكم في العمر من اثنتي عشرة سنة ؟؟
قال أبوه :
- أتكلم نفسك يا حسام ؟؟ !!
- وكأنه أراد أن يدخل عليه شئ من البهجة قال :
- سنقيم لك حفلا جميلا . أدع زملاءك في الفصل .
فقال حسام لأبيه :
- يوم ميلادي .. من اثني عشر عاما .. كم كانت الساعة حينما جئت إلى هذه الحياة . أتذكر ياأبي ؟
قال الأب :
- كل ما أتذكره أنك ولدت ساعة أذان العشاء .
قال حسام :
- كنتم تقدرون الوقت بالظهر والعصر والعشاء يا أبي ؟
لم يرد الأب ..
فقال حسام :
- 20 ديسمبر أي كنا في الشتاء " أقصد كنتم " أليس كذلك يا أبي ؟
- فعلا يا حسام .. وكانت ليلة ممطرة .
- إذا كانت الساعة السادسة تقريبا .. ..
** ** **
وفي الفصل دعا حسام زملاءه . قال لهم في لهجة آمره ، مغلفة بخفة الدم :
- وإليكم برنامج حفل عيد ميلاد الأمير حسام . تناقلت علي وجوههم ضحكات بيضاء.
- الساعة السادسة إلا خمس دقائق .. الحضور.
- الساعة السادسة بالضبط .. إطفاء الشموع .
- في السادسة وعشر دقائق ، نكون قد أكلنا " التورتة " .
بعدها الانصراف " فورا " فعندي ارتباط مهم في السادسة والربع .
تركهم حسام وانصرف .
راحوا يعلقون علي طريقة " زميلهم " معهم ، وأن ما بينهم من زمالة " وعشم " ينبغي أن يلغي المواعيد والتكلف .. !!
قال توفيق :
- أنا راكب المترو عشرون محطة لزيارة قدرها ربع ساعة .
وقال هانى :
وأنا استقل التاكسي . لحفل لا يزيد عن عدة دقائق ..
أما أحمد فقد كان له راية الخاص :
- حسام صديق غير عادي . وجدير بالاهتمام ، ثم إنه حر في تنظيم وقته .
قالت له أمه :
كل شئ جاهز ويمكننا .. ومعنا خالتك وأولادها .. أن نبدأ الحفل ..
فقال لأمه :
- يا أمي . حين نزلت " من بطن أمي " كانت الساعة السادسة عشاء ،ألا تذكرين .؟ إنني اذكره جيدا ..!! لم تكن الثانية ظهرا . أنسيت يا أمي ؟ هذه الساعة .. ؟
ضحكت أمه معه .
** ** **
وفي السادسة إلا خمس دقائق رن جرس التليفون .
- أنا أحمد يا حسام .. أعتذر لك عن الحضور فقد جاء لي – علي غير موعده مدرس العلوم .
وفي السادسة وخمس دقائق دخل توفيق ..
اجتمع الحاضرون علي إطفاء الشموع .
" هابي بارز داي تيو .. .. "
ظهر علي وجه حسام قلق مفاجئ
"سنة حلوه يا حسام "
ثم انهمكوا يأكلون التورتة "
عقارب الساعة تقزح ولا تهتم بأحد .
السادسة و أحد عشر دقيقة ..
رن جرس الباب .. دخل هاني – اعتذر متعللا بأنه كان يشتري " هذه الهدية "
وفجأة – انفجار مدو – رج أركان المنزل .
هرعوا جميعا .. كل في اتجاه بحثوا عن مصدر الانفجار .
منهم من ظنه انفجار أنبوبة الغاز .
ومنهم من راح يخمن علي أنه انفجار إطار سيارة ..
أما حسام فقد هرول مسرعا الي المعمل .
دفع الباب .. كانت الغرفة معبقة بالدخان الأصفر والأخضر والأحمر ..

"الأسد ووزيره الحمار " حكاية شعرية بقلم أحمد شوقي

الأسد ووزيره الحمار
أحمد شوقي

الليث ملك القفار
وما تضم الصحاري
سعت إليه الرعايا
يوماً بكل انكسار
قالت: تعيش وتبقى
يا دامي الأظفار
مات الوزير فمن ذا
يسوس أمر الضواري؟
قال: الحمار وزيري
"ماذا رأى في الحمار؟"
وخلفته، وطارت
بمضحك الأخبار
حتى إذا الشهر ولى
كليلة أو نهار
لم يشعر الليث إلا
وملكه في دمار
القرد عند اليمين
والكلب عند اليسار
والقط بين يديه
يلهو بعظمة فار!
فقال: من في جدودي
مثلي عديم الوقار؟!
أين اقتداري وبطشي
وهيبتي واعتباري؟!
فجاءه القرد سراً
وقال بعد اعتذار:
يا عالي الجاه فينا
كن عالي الأنظار
رأي الرعية فيكم
من رأيكم في الحمار!


الجمعة، 25 نوفمبر 2011

"الحمامة الذهبية "قصة للأطفال بقلم: عز الدين جلاوجـي

الحمامة الذهبية
عز الدين جلاوجـي-الجزائر
ما إن فرغَ جدُّنا من صلاة العشاء حتى أحطْنا به وأمسكنا بعنقه نُلِحَّ في أن يقصَّ علينا قصة طريفةً كما تعود كل ليلة…وجدُّنا طيب القلب لا يمكن أن يرفض لنا طلبا… ضحك من أعماق قلبه… عدل كوفيته جيدا فوق رأسه وقال وقد علا وجهَهُ حزنٌ عميقٌ:
-سأقص اليوم عليكم ياأحفادي الأعزاءَ قصةَ الحمامةِ والقردِ والخنزير …
يُروَى أن حمامة بيضاءَ ناصعةَ البياض لها رأس ذهبيُ اللونِ وجناحان خضراوان، وهي كما تلاحظون تحفةٌ عجيبةُ لم ترَ الخليقةُ مثلها قطُ وكانت هذه الحمامة تعيش آمنةً مطمئنةً في حضن شجرة زيتون وارفة الظلال كثيرة الثمارِ، ولم يكن لتلك الحمامةِ ما يشغلها غير الهديلِ والتحليق على التلال والتمتعِ بروعة الطبيعة أو كانت تقضي وقتها مع فراخها الصغارِ، تناغيها وتداعبها أو تقص عليها القصص الطريفةَ الجميلةَ، وحدث ذات يومٍ أن فاجأها قرد أبيضُ وجدته ممددا على فروع شجرة الزيتون النضرةِ، وهاجت الحمامةُ ذاتُ الرأس المذهَّبِ وصاحت في القرد: الشجرةُ شجرتي، عشت فيها منذ طفولتي، وفيها عاش آبائي وأجدادي، فما الذي جاء بك إليها؟
أظهر القرد غضبه الشديدَ وقال: ما ينبغي لك أيتها المعتوهة أن تنطقي، أنت ضعيفة وأنا قوي ولا حيلة لك سوى أن تغادري هذه الشجرة .
وهزت الدهشة الحمامةَ فرفرفت قريبا منه وقالت:
-أنت تهددني ظلما وعدوانا أيها المغتر بقوته، ولكن لا تنس أنني أقوى منك.
ضحك القرد حتى ظهرت أضراسه المسوسة وقال: كم أنا نهم إلى رأسِكِ المذهب وجناحيك الخضراوين.
خشيتْ الحمامة على نفسِها فحملت أولادها ورفرفت بهم بعيدا إلى أعلى غصن في الشجرة، وباتت مرتجفة بعيدة عن عشها… ولكنها باتَتْ تفكر في كيفيةِ الخلاصِ من هذا القرد اللعين، واهتدت في الليل إلى حيلة ذكيةٍ قررت أن تنفذها في تلك الليلة.
و ما كاد الظلام يخيمُ ويشتد حتى تركت الحمامة فراخها حيث هيَ، ونزلت إلى الأرض فاختارت صخرةً كبيرةً، وراحت تحدد منقارها عليها حتى إذا تأكدت من حدَّتِه رفرفت بهدوء إلى حيث يغط القرد في سبات عميق، واختارت عينَه اليمنى وبقوة نقرتها نقرة حادةً، وارتفع عويل القردِ وصياحُه يشقُّ عتَمَةَ الليلِ متألما، وقفزَ إلى الأرض …
فرِحت الحمامةُ المذهبةُ الرأس بهذا الانتصارِ وصاحت: أرني قوتَك أيُّها المُغترُّ بنفسه وبضخامة جثتِه...وراح القردُ يتمرغُ ويهدد، فلم تجبه الحمامة المذهبة الرأس، ورفرفت بجناحيها الخضراوين إلى قمة الزيتونةِ، فحملت فراخَها، وعادت بهم إلى عشِّها الهادئِ الآمنِ.
في الصباح حين أشرقت الشمسُ الذهبية استيقظت الحمامة من نومها، وأيقظَت فراخها الصغيرةَ ليبدؤوا جميعا يوما جديدا سعيدا لكنَّهم فوجئوا بصياح القرد مهددا:
- لن أدَعَكِ تهنئين بهذه الزيتونة المباركة، وإني عائدٌ إليك لا محالةَ، كل حلمي أن أحصل على رأسِك المذهب وجناحيك الخضراوين.
ضحكتْ منه الحمامةُ وقالت: لقد أشفقت عليك ففقأتُ أحدَ عينيك، وتركت لك الأخرى، فإنْ عاندت وعدتَ فقأتُ عينك الثانيةَ وتركتك أعمى لا تبصر شيئا، فلا تفكرْ في العودة أيها الشقيُّ.
و لم يبرحِ القردُ المكانَ إلا وهو يهددُ الحمامةَ بالويل والثبورِ، وأنه عائدٌ لا محالةَ لينتقم منها ويستوليَ على الشجرةِ المباركةِ.
فكَّر القردُ كثيرا حزينا منكسرَ البالِ والدمُ ينزفُ من عينهِ المفقوءةِ، ولمعتْ في ذهنِه فكرةٌ جهنميةٌ فصرخَ بأعلى صوتِه: قضيتُ عليكِ أيتُها الملعونةُ، قضيتُ عليك.
وراح يحدِّث نفسه، لا حيلة لي إلاَّ أن أستعينَ بصديقي العزيزِ في تحقيقِ هدفي، هو لنْ يردَّ لي طلبا إذْ طالما خدمتُه خدَماتٍ جليلةٍ.
وانطلق القردُ يطوي الجبالَ والوديانَ حتى وصلَ إلى بيتِ صديقِه، دقَّ البابَ مرةً وثانية وثالثةً، فلما يئِسَ ولَّى راجعا، وإذا بالباب يُشقُّ ببطءٍ شديدٍ وحذرٍ كبيرٍ، ويطلُّ منه رأسُ الخنزيرِ الأسودِ، وماكادَ يتعرفُ على الطارقِ حتى خرجَ إليه وارتمى في حضنِه قائلا:
-لا تلُمْني ياصديقي أنتَ تعرفني كثيرَ الحرصِ والحذرِ، ضحكَ القردُ متناسياً آلامَه وقال:
-أهو الحذرُ أمِ الجبنُ أيها الرِّعديدُ؟
ثم سكت فجأةً، ووضع يدَه على عينه المفقوءةِ، وراحَ يئِنُّ ويتألمُ قائلا: أنا في ورطةٍ ياصديقي العزيزَ، تصورْ مجردُ حمامةٍ لعينةٍ فقأتْ عيني بهذا الشكلِ المَشينِ، لقد ذهبْت إليها، أتَرَجاها مرةً، وأُرْهِبُها مرةً، كي تتنازلَ لي عن شجرةِ الزيتونِ المباركةِ التي تسكنُها في أعلى الربوةِ، فرفضتْ ذلك وقابلتُ أنا الأمرَ باستهزاءٍ وإذا بها تباغِتُني ليلاً فتفقأ عَيني.
صاحَ الخنزيرُ هلعًا وقال: ما أشرسَها ! ، حمامةٌ هذه أم أفعى سامةٌ؟ وأنتَ يا صديقي العريزَ ما الذي قرَّبَك من هذه الملعونةِ؟
حزنَ القردُ لما سمعَ هذا الكلامَ وقال بغضبٍ:
- تَعسًا لك أيُّها الجبانُ، وأنا الذي قلتُ لن يأخذَ بثأري، ولن يشفيَ غليلي إلا صديقي العزيزَ الخنزيرُ الشجاعُ الجميلُ.
وأحسَّ الخنزيرُ أن القردَ يغريهِ كيْ يحققَ بهِ حلمَه، ففتحَ فاهُ ليرفضَ فكرةَ صديقِه، لكن القردَ قاطعَه مواصلا كلامَه: ولقدْ أشفقتُ عليك لا تنسَ أنك لا تملكُ بيتاً، وأنت مطاردٌ في الأرضِ، منبوذٌ محتقرٌ، وهذا الغارُ الذي تسكنُه الآن ليسَ ملكَك، وقد تُطردُ منه في أيةِ لحظةٍ.
كان الخنزيرُ يستمعُ إلى صديقِه والحزنُ يجلِّلُه، حقيقةٌ أنه يعيشُ من زمنٍ طويلٍ مشرداً منبوذاً هائماً كأنَّ لعنة الله قد حلَّتْ به … وفطنَ من شرودِه والقردُ يكملُ حديثَه بقوله:
-أما إذا تغَلبتَ على الحمامةِ المذهبةِ الرأسِ الخضراءِ الجناحينِ فإنك ستأخذُ بثأري أولاً، وتعيشُ في شجرةِ الزيتونِ المباركةِ هانئاً آمناً يحترمُك الجميعُ ويقدرونَك.
ردَّ الخنزيرُ وقد اختلطَ عليه الطمعُ والخوفُ: فكرةٌ جميلةُ ياصديقي العزيز ولكنَّ فرائصِي تصطَكُّ من شدةِ الخوفِ، لقد فقأتُ عينَك، وأخشى أن تفقئَ لي عينيَّ الاثنتين.
طمأنَه القردُ وأكَّدَ له أنه سيمُدُّه بالدعمِ الكاملِ مادياً ومعنوياً، وأنه سيكونُ إلى جانبِه في السرَّاءِ والضراءِ مادامَ عدوُهما مشتركاً، وانطلق القردُ من ساعته قاصدا التلةَ الجميلةَ التي تعرشُ فوقها الزيتونةُ المباركةُ، حينما وصلَها لم يجد فوقها الحمامةَ، فصعدَ بسرعةٍ، وقام برميِ الفراخِ بعيدا عن العشِ، ثم قام ببناء بيت محصنٍ فوق الشجرةِ التي بدت حزينةً كئيبةً.
عادتِ الحمامةُ في المساءِ منسابةً في الهواء، محلقةً في الجوِّ، حالمةً بعشِّها الدافئِ وبفراخها الصغارِ، وماكادت تقتربُ حتى هزتها المفاجأةُ، لقد رأتْ عشَّها متناثرا، وفراخَها على الأرض العراءِ يبكون، اشتد غضبُها حين علمتْ بالحقيقةِ، وزاد غضبُها حين خاطبها الخنزيرُ من داخلِ بيتِه الذي ابتناه فوق الشجرةِ قائلا:
-انتهى أمرُكِ أيتُها الحمامةُ المغرورةُ، لقد أصبحتِ الشجرةُ مِلكي، ولا تعتقدينَ أنني سهلُ المأخذِ كالقردِ فقأتِ عينه اليمنى بِيُسْرٍ، اذهبي بعيدا وابحثِي لك عن مكانٍ آخرَ تعيشين فيه … انتبهتِ الحمامةُ إليه والشررُ يتطايرُ من عينيها وصاحتْ فيه: إنك أجبنُ من القردِ وإلَّا ما كنتَ تحدثني من داخلِ البيتِ، انزلْ وسترى ما أفعلُ بك.
لم ينطقِ الخنزيرُ ولم يخرجْ إليها، سلامتُه في الاحتماءِ بجدرانِ بيته الحصينِ، وحينَ يئستِ الحمامةُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحين حملت فراخَها واختارَت لهم مكاناً آمنا في سفح الجبلِ، ثم ضمتْهم تحت جناحَيها وهم يرتعدُون من البردِ والخوفِ، وقضتِ الحمامةُ ليلَها تواسيهُم وتشجعُهم وتعِدُهُم بالعودةِ.
ومضتِ الأيامُ الطويلةُ، تذهبُ الحمامةُ إلى الشجرةِ تصيحُ في الخنزيرِ القذرِ أن يخرجَ إليها، لكنه كان يرفضُ، يُرهبُها مرةً، ويبصقُ عليها مرةً ثانية، ويُغْريها أحياناً بأن يسمحَ لها بالعيْشِ في أسفلِ الشجرةِ مع فراخِها شريطةَ أن تخضعَ له وتكفَّ عن معاداتِه، وتعودَ الحمامةُ كلَّ مساءٍ إلى فراخِها الصغارِ يائسةً حزينة، تقصُّ عليهم وتواسِيهم، وتزرعُ في قلوبهم أملَ العودةِ إلى الشجرةِ المباركة.
وانصرفتِ الحمامةُ عن الذهاب إلى الشجرةِ، واكتفتْ بالبقاءِ ليلا ونهارا مع فراخِها لعلَّها يئستْ وصرفتْ تفكيرَها في الأمرِ.
تنهضُ الحمامةُ كلَّ صباحٍ باكرا فتوقظَ أطفالها، فتصعدَ بهم إلى الجبلِ تعلمُهم الطيرانَ والعملَ والقدرة على مواجهةِ المصاعبِ والشدائدِ.
مرتْ الأيامُ، غَدَتْ بعدَها الفراخُ قويةً تحسنُ الطيرانَ والتحليقَ والعملَ ومواجهة المتاعبِ كلِّها … ومساءً ذاتَ يومٍ جمعتهم جميعا في سفحِ ذاك الجبلِ، وراحت تذكرُهم أن بيتهم الحقيقي هو شجرةُ الزيتونِ التي اغتصبَها الخنزيرُ القذرُ، وأن الواجبَ يدعوهم إلى أن يعودوا إليه، وأن يسترجعوها، ولو كلَّف ذلك موتَهم جميعا.
وذكَّرَها أحدُ فراخها أن الخنزيرَ القذرَ ضخمَ الجثةِ، وأنه لا يخرجُ من حصنِه الذي أقامَه، وبالتالي فإن استردادَ الشجرةِ أمرٌ مستحيلٌ، ولا حلَّ إلا أن نبقى حيثُ نحن في عراءِ هذا السفحِ خاصةً وقد تعودْنا عليه، أو أن نقبلَ بفكرةِ الخنزيرِ فنعيشَ في أسفلِ الشجرةِ معه.
ولم تمتلِكِ الحمامةُ نفسَها فصفعَتْ ابنَها حتى أسقطتْه أرضاً، فلزمَ إخوانُه الصمتَ، ولم ينطقْ هو ثانيةً، بل قامَ من مكانِه ووقفَ صامتاً معهم.
صمتَتِ الحمامةُ لحظاتٍ تتجرعُ حزنا غاضباً وقالت: اسمعوا يا أولادي سنذهبُ هذه المرةَ جميعا، ولن نعودَ حتى ننتصرَ، فإن الله لا يخيِّبُ كلَّ مطالبٍ بحقِه … صمتتْ برهةً ثم واصلَت: لقد استقرَّ تفكيرِي على حيلةٍ، إن الخنزيرَ في الشجرةِ ينزلُ ليلا لينالَ طعامَه، وطعامُه يوفرُه له القردُ اللعينُ، وأنا أخطأتُ أولَ الأمرِ حينَ حاربتُ الخنزيرَ نهارا ونسيتُه ليلا، وحين حاربتُ الخنزيرَ ونسيتُ القردَ.
واستبشرَ الأولادُ خيرا، وانطلقوا مع أمِّهم، وكلُّهم إصرارٌ على النصرِ، وماكادوا يقتربونَ من الشجرةِ المباركةِ حتى كَمَنوا ينتظرونَ الليل، وماكادَ يظلمُ حتى لمحوا من بعيدٍ القردَ الأعورَ يتعثرُ في مِشيتِه، يسقطُ وينهضُ، وهو معبأُ بأكياسِ الطعامِ، وأعطتِ الحمامةُ إشارةَ الانطلاقِ فانطلق أبناؤها بكلِّ عزمٍ صوبَ القردِ الأعورِ، ونزلوا فيه ضرباً مبرحاً، وهو يصيحُ ويستغيثُ حتى أسقطوه أرضاً جثةً هامدةً لا حراك بها.
وانتظرَ الخنزيرُ صديقَه القردَ تلك الليلةَ فلم يحضرْ، وثانية وثالثة حتى يئسَ واشتدَّ به الجوعُ فتحَ البابَ بحذرٍ شديدٍ، وتسلَّل خارجا، لكنه ما كادَ يحسُّ بوجودِ حركاتٍ غريبةٍ حتى عادَ وأغلقَ البابَ خلفَه وهو يصيحُ:
-أين أنت ياصدِيقي القرد أنقذنِي.. كدت أموتُ جوعا؟ أين أنت ياصديقي لقد وعدْتني بالمساعدةِ فلماذا تخليتَ عني؟
ولم يجبْه أحدٌ، عندَ ذاك نطقتِ الحمامةُ وهي تحلقُ قريبا منه: إما أن تخرجَ لنقتلَك أيُّها القذرُ، أو أن تبقى خلفَ جدرانِ حصنِك لتموتَ جوعاً …
وانفجرَ الخنزيرُ القذرُ باكياً نادباً حظَّه التعيسَ صائحا: أين أنت أيها القردُ الحقيرُ؟ تبا لك لقد ورَّطْتَنِي أين أنت أيها القرد الحقير؟
الكلُّ كان يسمعُه، وكانت الجبالُ المحيطةُ ترددُ صياحَه وصراخَه ونداءه لكن القردَ لم يكن يسمعُه أبدا.
ضحكتِ الحمامةُ البيضاءُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحينِ وقالتْ لأبنائها:
-هل رأيتم جزاءَ الظالمِ المغترِّ بقوته؟ تستطيعون قهرَ كلِّ الظالمين بإصرارِكم وإرادتِكم.
بقيَ الخنزيرُ أياما بلياليها سجيناً يتألمُ من شِدةِ الجوعِ منتظرا قدوم صديقه القردِ، ولما يئسَ وخارتْ قوَاهُ لجأَ إلى الحيلةِ فطلبَ من الحمامةِ أن تسمح له بمغادرة البيتِ، وأقسم بأغلظِ الأيْمان أنه لن يعودَ إلى فعلته أبدا، بل سيكونُ صديقا حميماً وسيعوضُها عن كلِّ ما لحق بها.
فرح الفراخُ بهذا العرضِ وطالبوا أمَّهم أن تقبَله لمِاَ يعودُ عليهم مِنه من الفائدةِ الجَمَّةِ.
غضبتِ الحمامةُ غضباً شديداً، وردَّتْ على أبنائها: إياكم أن تنتظروا من عدوٍّ خيرا وإياكم أن تثقُوا بماكرٍ مخادع.
صمتَ الأبناءُ مقتنعينَ بقولِ أمِّهم، وفي هذا الوقتِ فتحَ الخنزيرُ القذرُ باب حصنِه بهدوء تامٍ، وتسلَّل منه دون أن يفطنَ إليه أحدٌ، ثم رفعَ جثتَه الغليظةَ إلى الأعلى وقفزَ ليسقطَ فوق الحمامةِ وأبنائِها فيسحقَهم جميعا، ياله من ماكر ! غيرَ أن الحمامةَ كانت يقظةً فدفعتْ أبناءَها بعيدا وطارت محلقةً.
كانت السقطةُ قويةً جدا تكسرتْ معها عظامُ الخنزيرِ وسال دمُه … اجتمعَ الفراخُ حولَ الخنزيرِ والغضبُ يتطايرُ من أعينِهم، وطلبوا من أمهم التعجيلَ بقتلِه، لكن الحمامةَ المذهبةَ الرأسِ الخضراءَ الجناحين قالت في هدوء: الدفاعُ عن الحقِّ لا يعني الحقدُ دعوه لقد نال جزاءَه.
تدحرجَ الخنزيرُ بعيدا والدماءُ تنزفُ من جسدِه كلِّه إلى أن وصل إلى حافةِ الوادي فهوى إلى أعماقِه حيث قضى نحْبَه.
حلقتِ الحمامةُ مع فراخِها سعداءَ باسترجاع الزيتونةِ المباركةِ وكلُّهم عزمُ على تنظيفِها والاعتناءِ بها والدفاعِ عنها بكلِّ ما يملكون.


الخميس، 24 نوفمبر 2011

"البقرة سعيدة " قصة للأطفال بقلم: حيدر غازي سلمان

البقرة سعيدة
حيدر غازي سلمان 

تَمنَحُ البقرة (سعيدة) لبنها للجميع، فلا يبخلونَ عليها الطَّعام، لتنعم بحياتها التي ألفتها مثلما أُلف وجودها. وبعينيها السوداوين الكبيرتين نظراتٌ مطمئنة، فلا تعادل الأمان بين أحباءها حياة مهما زَهت، وهذا جوابها حين سألها طائرٌ مهاجرٌ حطَّ بقربها يلتقط حبّات الشعير المتناثرة قائلاً:
- ألا تضجرين في هذه البيئة؟
- أنا سعيدة.
أجابت الطائر، وهزَّت رأسها بنشوةٍ فرنَّ الجرس المعلّق برقبتها، فأكمل الطّائر حديثه قائلاً:
- اني أسافر منذ خلقت، رأيت أجمل المناظر، وشربت من أعذب الأنهار، وأكلت أطيب الثمار، وحين اسأل عن أفضل حياةٍ سأختار أجملَ وأعذبَ وأطيبَ ما جربت. وها أنتِ لم تغادري مكانكِ منذ ولدتِ فكيف عرفتِ بانَّ حياتكِ لا تعادلها حياة؟
أجابت (سعيدة) بثقة:
- القناعة يا صديقي المهاجر.
فتساءل الطائر محاولاً الانتصار:
- وان مرَّ بكِ الجوع؟
قالت (سعيدة) وسعادةٌ تغمرها:
- نحن نتشارك بالضراءِ والسَّراءِ.
رفَّ الطّائر المهاجر وحلَّق مبتعداً بعد أن هزمته (سعيدة) التي انشغلت بطعامها لتمنحَ لبنها للجميع.


السبت، 19 نوفمبر 2011

أسس كتابة القصيدة الحديثة للأطفال وتقنياتها (3/7) بقلم: صهيب محمد خير

أسس كتابة القصيدة الحديثة للأطفال وتقنياتها (3/7)
صهيب محمد خير يوسف

* مع شاعر الأطفال (تتمة):

- يسعى الشاعر ليجعل من قصيدته أساساً ينطلق منه الطفل إلى عوالم أرحب ومفاهيم خاصة.

- ويراقب التفاصيل والأفكار التي تتكرر في حياة الطفل بشكل يومي.

- وهو يبحث عما يدفع الطفل إلى قراءة الشعر، ثم يحاول إشباع هذا الدافع بتقديم أدب يفيده.

- شاعر الأطفال يعلِّم النشء كيف يحبون ويقرؤون الشعر والأدب؟ وكيف يتعمقون في معانيه؟ وهو يخاطب مشاعرهم وعقولهم وقلوبهم.

- دور الشعراء في تقريب الجيل الناشئ إلى الأدب هو تقديم (كَم) من المواد المتميزة فنيًّا، والتي تتضمن العديد من المواضيع والمضامين المناسبة، ليختار الطفل ويردد منها ما يحب ويعبر بها عن مشاعره وانفعالاته.

- يمكن للشاعر أن يضع له برنامجاً للكتابة في كل مرحلة من مراحله الإبداعية، فيركز في مرحلة على الوعي والعقل، وفي مرحلة أخرى على المجتمع والأسرة، ويركز في أخرى على المهارات والقيم العامة، أو على التعلم. وبذلك يكون قد قدم لمكتبة الطفل مجموعاتٍ مهمة ونوعيَّة.

- في الشعر يكتشف الطفل ذاته، ويقارن، ويردد ما أحبته نفسه. وتأتي هنا مهمة الشاعر لدراسة ما يريده الطفل في ذاته، ولمعرفة صورته الصحيحة، قبل أن يدخل عالمه وأحلامه. إذاً فالشاعر يحيط معرفيًّا بعوالم الأطفال، ويتمتع بالانفتاح الذهني نحوها، وهو يعرف الأطفال قبل أن يكتب لهم، لأن الجهل بعالمهم يتسبب في انخفاض مستوى النص.

- يصل تعداد الأطفال إلى ثلث سكان الأرض! لذلك فالشاعر يرتب أفكاره متذكراً ملايين الأطفال الذين ينتظرون الاستمتاع والفائدة، فهو لا يكتب قصيدة الأطفال لمُجايليه، بل لأجيالٍ مقبلة. وقد يحتاج أحياناً إلى توسيع قاعدة الخطاب في كل نص، لكي لا يقتصر على بلد معيَّن، ويحاول أن يجمع مختلف الأذواق والأعراق في نص واحد.

- وشاعر الأطفال الحديث يبتعد عن النمطية والسير على نسق واحد، ويتخلص من الفتور ومن تحجيم تجربته، فيحرص على تطوير تجربته واكتشاف الجديد فيها، بحيث ينتقل من مرحلة شعرية إلى مرحلة أقوى في كل إصدار.

- وهو لا يستسهل الكتابة للطفل، ويتحلى بالصبر وطول التأمل. لذلك لا تتعجب إذا سمعت أحدهم يقول: من النادر أن نقرأ لشاعر أطفال محترف، نعم هناك متخصصون في الكتابة للأطفال، ولكن كم نسبة المحترفين والمبدعين البارعين من بينهم؟

- عند الكتابة للطفل "يتخيل" الشاعر أنه يرسم لوحة ملونةً يخاطب فيها طفلاً لم يتقن القراءة والكتابة، ولم يكتمل نموُّه العقلي والجسدي بعدُ، ويساعده على تنمية مهاراته في طرق التعبير والفهم والقراءة والاستماع والكتابة والملاحظة والتحليل والتركيب الإبداعي والابتكار والتأمُّل والتعلُّم.

- يهم الشاعر أيضاً الإلمام بالخصائص العمرية والمعرفية والفروق بين مراحل نمو الأطفال وخصائصها، ومراعاة الفروق الذاتية والنفسية بين المراحل العمرية في أثناء الكتابة.

- التعبير الفني مطلوب حتى لأطفال ما قبل الدراسة، وكل مرحلة عمرية لها ما يناسبها من تعابير وأخيلة. لذلك فإن شاعر الأطفال يكون دقيقاً في التعبير، ومحدداً لمدى مناسبة الأخيلة والأساليب والتعابير والألفاظ والأوزان للمرحلة العمرية.

- وجود مجموعات مختصة بفئات عمرية محددة هو الأفضل بالطبع؛ ومن هنا تأتي أهمية معرفة الشاعر لخصائص الخطاب الشعري لهذه المراحل من خلال معرفة الخصائص النفسية ودراسة النماذج الشعرية. ولكن ربما نضطر إلى قبول مجموعات الأناشيد التي تحتوي على نصوص مقدمة لمراحل مختلفة من مراحل نمو الأطفال، لأن كتاب الطفل يبقى معه لسنوات، وينمو معه، ولأن كتابة مجموعة خاصة بفئة عمرية محددة قد تكون متعذرة على البعض.

- للشاعر أن يتابع أخبار أدب الطفل أولاً بأول، فذلك يسهم في تطوير تجربته. وله أيضاً أن يطلع على الكتب والدراسات المتخصصة في أدب الأطفال، ويدعمها بقراءات في علم نفس الأطفال والنمو واللغة، مع قراءة جديد أدب الأطفال من نصوص شعرية ونثرية وقصص ومسرحيات وروايات، من الإنتاج العربي والمترجَم.. ليلاحظ أنه يحيط شيئاً فشيئاً بالمعنى الحقيقي لأدب الأطفال، ويعلم موقعه وموقفه من هذا الأدب.

- ومن المفيد أن يتواصل الشاعر مع المربين وأدباء الأطفال ويناقشهم حول ما يجدُّ في أدب الأطفال، ويبحث معهم طرق تطويره، فالفكر يقدح الفكر.

- وقد يخصص وقتاً للجلوس إلى الأطفال والتحدث معهم في بعض الشؤون الأدبية!

- إذاً فشاعر الأطفال يحقق ماهية هذا الأدب ، ويطمح إلى تحقيق "الإنتاجية" الأدبية من خلال وصوله إلى الطفل بأدب يناسبه ويستمر معه.

- يقترح لمن يعرف أنه ينظم (نظماً) أن يستمر في تطوير (تجاربه)، مع التريث في نشرها حتى يتأكد من أنه يكتب شعراً ملائماً، وإن لم يستطع امتلاك القدرة الأدبية والتمرس في الكتابة للطفل فيفضل أن يحاول تنمية ذلك، لكي لا يقدم له نصًّا دون المستوى المطلوب.

يتبع (4/7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* للتواصل مع الكاتب:  suhaibmy@hotmail.com

قضية حرف "لا" قصة للأطفال بقلم نانيس خطاب

قصة : نانيس خطاب                 رسوم : إياد عيساوي  
نانيس خطاب
جَاءَ حرفُ (لا) إلَى مملكة حُرُوفِ الهجَاءِ وقال بحزن: " لقد رفضت الحروف إنضمامى إلى مملكة  الحروف من قبل؛ لأنى حرفان متشابكان، لكنى أريد الانضمام إلى مملكة الحروف الآن، وأريد أن أرفع مظلمتى إلى القضاء العادل فى المملكة ليحكم فى الأمر.
تجَادَلَتْ الحُرُوفُ مَا بينَ مَوافقٍ ومُعارضٍ، وصارَتْ مُناقَشةٌ حادَّةٌ بينَهُم، فتجمَّعَتْ حرُوفُ (ق - ا - ض ) لِيُكَوِّنُوا كلمةَ (قَاضِِ) لِيحْكُمَ بينَ أطرافِ النِّزَاعِ، دخلَ حرفُ (لا) لِيحْضُرَ القضيَّةَ.
ثم قالَ بغضبٍ: أنَا أُطَالبُ بالانضِمَامِ إلى حُرُوفِ الهجَاءِ؛ فأنَا منْ أَهَمِّ الحُرُوف في اللغَةِ العَرَبيَّة، وقد كنت أدرس من قبل فى الكتاتيب وكان لى شأنى ومقدرتى؛ لأنى أُقَالُ في وجهٍ الظُّلْمِ والحَرْبِ والدمار وسُوء الخُلُقِ وعدمِ التَّديُّنِ، وقفَتْ بعضُ الحُرُوفِ مُعتَرِضَةً وهِيَ (ن - ع - م) وقالتْ: سيِّدى القَاضِي أنَا أُمَثِّلُ كلمةَ نَعَمْ: ولا أجِدُ ضرَورَةً لحَرْفِ: " لا " في حُروفِ الهجَاءِ فهُوَ حرفٌ عُدْوَانِيٌّ غيرُ مرغُوبٍ فيهِ لا يقال إلا فى وجود الظلم والعدوان، أمَّا أنَا فحُرُوفٌ محبوبة تُقال فى وجه الحَقِّ والخَيْرِ والسَّلامِ والحُبِّ والعَدلِ والجهَادِ والإيمَانِ.
أسرع الحرفَان (ل- ا) يقُولانِ: يَا سيَادةَ القَاضِى إنَّنا نمثِّلُ حرفَ (لا)، وإنْ كانَتْ كلمَةُ: " نَعَمْ " تُقَالُ للسَّلامِ والحقِّ، فبحقِّ اللهِ انْظُرُ حَوْلَكَ، هلْ تجِدُ سلامًا؟! وإنْ وجدتَهُ، هَلْ هوَ فِعلاً قائمٌ على الحَقِّ والحُبِّ أمْ... ؟! اغْرَوْرَقَتْ عينا الحَرْفيَنْ ِفى صمتٍ، وقالَ حرفُ (لا) وقَدْ كستْ الدُّمُوعُ عَيْنَيْه َوهُوَ يقُولُ: سَيِّدِى القَاضِى: إنَّهُم يريدُونَ نَفْيِى؛ حتَّى يُخْرِسُوا الألسَنَةَ ويُقَيِّدُوا الكلماتِ فى أفواهِنَا، ولا نقُولُ في وُجُوهِهِم: " لا " حَتَّى الحُرُوف يريدُون وَأْدَهَا داخِلَ الأجسَامِ العليلةِ المُستكَينَةِ.
ابتْسَمَ الجَميعُ في حُزْنٍ وتجمَّعَتِ الحُرُوفُ وقالتْ في حَمَاسٍ: يَا سيَادَةَ القَاضِي، نحنُ نطَالِبُ بانضِمَامِ حَرْفِ " لا " إلَى حُرُوفِ الهجَاءِ؛ لِيُدافِعَ عنَّا ويحمِينَا، ويُقَالُ في وجُوهِ الظَّالِمِينَ والمَاكِرِينَ والغَادِرِينَ فابتسمتْ كلمةُ القَاضِى في تَفَاؤُلٍ وقَالَتْ: إذًا ينضمُّ حرفُ  " لا " إلى حُرُوفِ الهجَاءِ بعْدَ موافقَة رجال اللغة. 

 http://www.al-fateh.net/fateh-d/fa-09-166/kadiya.htm

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

"الأَرْنَبُ الَّذي لَمْ يُعْجِبْهُ اسْمُهُ " قصة للأطفال بقلم: خالد جمعة

الأَرْنَبُ الَّذي لَمْ يُعْجِبْهُ اسْمُهُ
خالد جمعة
حُلْمٌ واحِدٌ كانَ يدورُ في رأسِ الأرْنبِ الصَّغيرْ، وسَبَبٌ واحِدٌ أيضاً لهذا الحُلْمْ، أما الحُلمُ، فكانَ رغبَتَهُ الشديدَةُ في أن يكبُرَ في دقيقةْ واحِدةْ، وأما السَّبَبْ فكانَ أنَّهُ لم يكُنْ يُحِبُّ ما يناديهِ بهِ الأطفالُ الذينَ يزورونَ حديقةَ الحيوانِ يوميَّاً: الخَوَرْنَقْ.

بَدَأت الحِكايةْ بعدَ أن وُلِدَ بيومَينْ فقط، فقد أهدى أصحابُ الحديقةِ بقيَّةَ أخوَتِهِ الذين وُلِدوا معَهُ إلى حديقةِ حيوانٍ أخرى، بسبب كثرة الأرانبِ في الحديقةْ، وبعدَها قرَّرَ أصحابُ الحديقةِ أن يجعلوهُ يخرجُ من العلبةِ الكبيرةِ التي كان يسكُنُ فيها مع أمِّهِ، إلى القفصِ الكبيرِ لكي يُشاهِدُهُ الأولادْ، طمأنَتْهُ أمُّهُ، قالتْ لهُ إنَّ الخروجَ جميلٌ، لأنَّ الأولاد لطيفون وسيقدِّمونَ لهُ الجَزَرَ والخسَّ ويلعبونَ معَهُ، فهم يحبُّونَ الأرانبَ الصَّغيرةْ.

أولُ مجموعةٍ من الأولادِ جاءتْ لتتفرَّجَ عليه، كانَ يُرافِقُهُم شخصٌ كبيرٌ يناديهِ الأولادُ "أُستاذ" وكانَ واضحاً أنَّ الأستاذ هو من يقودُهُم، وكانوا يسمعونَ كلامَهُ.

كانَ الأرنَبُ الصغيرُ يشعرُ بالسعادةِ، فكلُّ شيءٍ جميلٌ كما قالت له أمُّهُ بالضبط، وكان سعيداً بشكلٍ خاص حينَ سمعَ الفتاةَ الصغيرةَ التي ليس لها أسنان في مقدِّمَةِ فمِها وهي تقول: [أرنب ثغير] وهي تقصد بالطبع أرنبٌ صغير.

لكن الأستاذ نظرَ إليها وقالَ مصحِّحَاً كلماتِها: حين يكونُ كبيراً نسميهِ أرنباً، أما حين يكون صغيراً فإنَّ اسمُهُ خَوَرْنَقْ، وهنا ضحِكَ الأطفالُ وصاروا يردِّدونَ الكلمةَ من وراء ظهرِ المدرِّسْ، وكلما رددوها ازداد غيظ الأرنب الصغير، حتى وصلَ به الأمرُ إلى حدِّ البكاء، وما أن انتهى ميعادُ زياراتِ الحديقةِ حتى جرى إلى حضنِ أمِّهِ وهو يبكي، ويحكي لها عمّا فعلَهُ الأولادْ، وأنَّهُ يكرهُ أن يكونَ اسمهُ خَوَرْنَقْ ويفضِّلُ عليه اسم الأرنب الصغير كما كانت تحكيه تلك الفتاة.

حاولتْ أمُّهُ أن تواسيهُ، وقالت: غداً ستكبُرُ وينادونَكَ بالأرنبْ، كل ما عليك هو أن تنتظرَ حتى تكبُرْ.

لكنَّ ذلكَ لم يُقنِع الأرنب الصغير، فهو لن ينتظرَ حتى يكبُرَ وهو يسمعُ عشراتِ الأطفالِ ينادونَهُ كلّ يوم خَوَرْنَق، فهذا النداء كان يخنُقُهُ لدرجةِ أنَّهُ تمنّى لو وُلِدَ بغيرِ أُذُنين، كي لا يسمعَ هذا الإسم.

في اليوم التالي، أخذَ الأرنبُ الصغيرُ بيتَ سلحفاةٍ قديم، ووضعَهُ على ظهره قبلَ أن يخرُجْ، لكن الأولادَ صاروا يقولون: أنظروا، خَوَرْنَق يضعُ بيتَ سلحفاة، وحين وضع ورقةَ خسٍّ على رأسِهِ كي لا يعرِفوه، قالوا أيضاً: أولُ مرَّةٍ نرى خَوَرْنَقاً يرتدي قبّعَةَ خس، وهكذا كلّما وضع شيئاً كي يتنكَّرَ، يكشِفُهُ الأولادْ.

كان يتمنّى لو أنَّهُ يستطيعُ الكلامَ لكي يُخبِرُهُم أنّهُ لا يحبُّ هذا الإسم، وهم يبدونَ لطيفين، ولكنَّهُمْ لا يفهمونَ كلامَهُ، بل لا يسمعونَهُ أصلاً.

ولكنَّ الأرنبَ الصغيرَ خطرَتْ لهُ فكرةٌ رائعةْ، فمَنْ قالَ إنَّ المشاعرَ تصلُ فقطْ بالكلماتْ؟ لذلكَ فقدْ قرَّرَ أن يوصِلَ مشاعِرَهُ بطريقةٍ أخرى.

في الصباحِ التالي، خرجَ الأرنبُ الصغيرُ سعيداً، وصارَ يستجيبُ لمداعباتِ الأطفالْ، وكلَّما قالَ أحدُ الأطفالِ كلمةَ خَوَرْنَقْ، أدارَ ظهرَهُ ووضع رأسَهُ بين قائمتيه الأماميتين، وكلما قالَ ولدٌ كلمةَ أرنب صغير، كان يعودُ للَّعبِ معهم، وبعدَ أن كرَّرَ الأرنبُ هذه الحركة عشر مرات، انتبه أحدُ الأولادْ إلى الأمرْ، وقال: يبدو أن الأرنب الصغير لا يحبُّ كلمةَ خَوَرْنَق، ولكي يؤكِّدَ للأولادِ أنَّهُ على حقّْ، صارَ يردِّدُ الكلمة، فيستديرُ الأرنبُ ويضعُ رأسَهُ بين قائمتيه الأماميتين، وعندما يقولُ الأرنبُ الصغير، يعودُ الأرنبُ يقفزُ وهو سعيد، لقد نجحَتْ خطَّةَ الأرنب.

وقبلَ أن ينصرِفَ الأولادُ من الحديقةْ، تأخَّرَ الولدُ الذي اكتشفَ أمرَ الأرنب الصغير، وابتسمَ، وأخرجَ من جيبِهِ طبشورةً واتجه إلى لوحةٍ معلقةٍ على بابِ القفص، وخربش عليها، ثم لوّحَ للأرنب الصغيرِ بيدِهِ وغادرَ مع أصدقائه.

في الحقيقة، أن ما فَعَلَهُ الوَلَدُ هو أنَّهُ شطبَ كلمة خَوَرْنَقْ التي كانت مكتوبة على اللوحة، وكَتَبَ فوقَها: أرنبٌ صغير.

قراءة نقدية لمهند التكريتي في تجربة نانيس خطاب في مجال أدب الطفل


قراءة في تجربة نانيس خطاب في مجال أدب الطفل
مهند التكريتي
يخيل لنا أن التوغل في نقد أي عمل أدبي للأطفال ، يكتبه كاتب عربي أو غربي ؛ ستثير وبلا أدنى شك عدة اشكالات وحواجز كالافتقاد إلى تقاليد منهجية لفك طلاسم هذا العمل على الرغم من كل تجاربنا الواعية والطويلة في هذا المجال ومن خلال الاطلاع على ما كان يدون وينشر في أدبياتنا المقروءة خلال أعمارنا المبكرة .

وعلى الرغم من أن الدراسات النفسية والثقافية التي تنحى منحى ً ترسيخيا ً لمجموعة القيم المراد تعليمها للطفل الناشئ فأن النقد سيظل بعيدا ً عن النص والأنماط الإبداعية المتصلة بها للدخول إلى عالم الطفل الحلمي ، إذن كيف سنستطيع أن نتوغل في دراسة هكذا نصوص إذا ما طرحت على طاولة النقد ، من دون أن نمتلك المعرفة المؤهلة لذلك ، إذ أننا ولاشك سنعتمد على تذوقنا الخاص فنحاول أن نؤسس لبنية تجريبية تقودنا إلى سن أسلوب معين نستخدمه بشكل أو بآخر كوسيلة لتحقيق نوع من التقارب البسيط للولوج إلى داخل النص ومحاولة حصر مدركاته وموجهاته من خلال وضع محطات إضاءة تمهد لترسيخ ميول الكاتب قبل وضعه لحجر الأساس الأول له ومراحل تضخم عقدة الحدث خلال مرورها بمراحل البناء القصصي المعروفة من ( شخصيات ، حبكة ، لغة توصيل ، نهاية ) .

لذلك قد يبدو السؤال قائما ً عن سبب اختياري لمجموعة سارق السعادة للقاصة نانيس خطاب للدراسة فأقول بأن جَرْس الإيحاء الداخلي لدي وأنا أطالع نصوصها المكتوبة بنظرة فاحصة لمعالجة الأحداث التي تمر فيها مصر حاليا ً ، ومن خلال اتخاذ بنائها السردي الموظف لهذا الغرض ، بما يكشف عن انفعالات النص ، نراهن على مقاربة ما كان مسكوتا عنه في الماضي القريب مما يلائم ومتغيرات الثورة المطروحة على أرض الواقع المصري على نحو خاص ، والعربي بشكل عام .

ان فاعلية البنى القصصية وعناصرها الداخلية وما تجيش به عبر علاقات منفتحة على مرجعيات خفية من الفكر الجمعي والشخصي الموروث ، حفزني لكتابة هذه الورقة النقدية البسيطة عنها ومحاولة تناولها بعين النقد .
× × ×
فعلى الرغم من عدم اطلاعي على أي نتاج قديم للكاتبة ، الا أنني ومن خلال تفرسي في مجموعتها الأخيرة الصادرة ضمن سلسلة قطر الندى عن هيئة قصور الثقافة العامة في مصر ، ومن خلال سبري لأغوار هذه العوالم ، وجدت بأن الكاتبة تكاد أن تتفرد بذكاء وحساسية بدخولها اليها ، وبالتقاطاتها البارعة ، وباستحضارها ذهنية تتصل بعمق بذهنية عالم الطفولة في أشد أواصرها حين تقع على موضوعات تحاول غرسها ضمن المناخ العام لعقولهم الجمعية وهذا ما يذكرنا بالأدب التعبوي الذي حاولت الكثير من أنظمتنا تأسيسه في منطقة اللاوعي الجمعي من عقول ناشأتهم ، إلا أن لكاتبتنا رؤية بعيدة عن هذه الرؤية الضيقة التي قد يبدو للبعض أنها تحصر نصوصها فيها ، من خلال تضمينها لمرجعيات تتعلق بالأدب الحكائي ، وتأثيرات الحضارة اليونانية في جوهر البناء الرمزي للموروث الشفاهي لدى الشعب المصري على نحو خاص . كل هذا أسس لمفاهيم انغلقت عليها نصوص قاصتنا المتسمة بسحرية القص الحكائي وحكميتها وإرشاديتها واستنطاق كائنات قريبة من الطفل تتصل برؤية فنتازية مرة ، وأخرى برؤية واقعية تقع على الفعل الاحتمالي والتجريبي من خلال ثنائية تربط بين عالم الانسان والموجودات القابلة للأنسنة في محاولة لبث روح الفكر والعاطفة ، في أشد علاقة وأقوى خيال واستيحاء الكثير من الرموز القريبة من المشهد اليومي الفعلي للطفل ، أو المشاهد التي ستؤسس تغيرات اللحظة الراهنة في مصر ، وتفرعات عناصر المشهدين الى بنى ورؤى وأخيلة وانطباعات وأفكار وأحلام منسوبة لهذا الخزين الذي يثري مشهد القص ، بغية استقدام الآراء الثقافية والاجتماعية والمعرفية والحكمية لقيام التجربة الكلية لها كل هذا بعيدا ً عن الجاهزية والمباشرة الفوتغرافية الجامدة.
المجموعة تتألف من 31 صفحة من القطع المتوسط ، ضمت بين طياتها 4 نصوص مميزة وضعت لتخاطب عقلية من هم بين الـ(( 6 – 12 )) عاما ً ولتواكب مايجري على الساحة المصرية من احداث انتقالية .
وتفتتح القاصة مجموعتها بمقدمة مستقاة من النسق الحكائي والميثلوجي اليوناني الذي يبدو في نبراته اللفظية تأسيسا ً يوتوبيا ً لتستل مقدمة أول قصصها ( حائكة الأماني ) ، وهي قصة تم نسجها بأسلوب إطاري متطور ، تجسدت فيه شخصية حفيدة الحائكة المتوفاة( سارة ) ، والتي كانت تغدق على أهالي بلدتها بأمنيات تزرعها في أصيص طيبتها لتبعثها مادة لخلق أبجديات جديدة تؤثث لحياة جديدة ، كان من شأنها أن توانى أهل قريتها عن العمل ليستلقوا على فراش الأماني الوثير المبعثر بلغة الكسل والخمول إلى أن استطاعت ( سحر ) الحفيدة المنتخبة وعبر تشرذمات حلمية أن تعيد أهل قريتها إلى طبيعتهم عبر زرع أمنياتهم المنسوجة على نولها الذكي بخيوط النواتج العرضية التي قد تصيب المتمنين الجدد ، مشيرة إلى تغير زمن الركود والاتكال على الأماني إلى زمن الجد والعمل لتشكل معادلاً موضوعيا ً يقتنص أبجديات اللعبة .
وفي( عيون الجمل ) القصة الثانية تأخذنا القاصة برؤية فنتازية انتهجتها مبتدئة ً من جملة الاستهلال الأولى وحتى بلوغها خط منتهى السرد ، حيث نلاحظ ذعر الملك الأسد الذي كان يعامل أفراد غابته بالحديد والنار ،من فقدانه لبصره وأمره لأحد أفراد حاشيته بجلب طبيب الغابة ، الذي يدبر مع أفراد الحاشية الملكية مخططا ً لردع مقدار الظلم والقهر الذي سقاه هذا المستبد لجميع من يخضع تحت حكمه ، فما كان من طبيب المملكة إلا أن يعالج عيون حاكمه الظالم بزرع عيني جمل نافق ليحقق مفارقة مدروسة وظفتها القاصة عبر منح كنايات الخطاب الشعاري لبعض الأمثال الشعبية سطوة الضربة التي حققتها والمتمثلة بخوف الملك من الجميع واختبائه خلف ستارته ، نتيجة لرؤيته الموجودين ضخاما ً وتقزم الحلقات التي كان يحيط بها نفسه ليعزلها عن براثن من كان يظن أنهم سيأتون يوما ً ليقتلعوا منه عرشه .كما وتبين لنا ومن خلال تناغم الحدث عن الكيفية التي ستؤدي الى تصادق كل المخلوقات المغيبة فيما بينها عبر مساحة حياتية ليتحقق حلم الكاتبة في سياحتها اللغوية المعتدلة ولتحقق نقلة تساؤليه مقبلة أمام المتلقين اليافعين
أما في قصتها الثالثة ( انتحار قلم ) فتتعرض الى مشكلة ما قد تمثله الكلمات التي يمكن أن تنجزها الأقلام ، فهي المرشد الأول للتعلم والتدوين وهي التي يًخط فيها وتتخذ القرارات ، وهي التي تتغنى بكتاباتنا عن مشاعل الحلم في انتهاج مسارات لحلم وردي ، مبني على غيوم أمالنا بوطن حر ، مزدهر ، وهو الذي تناط به مهمات الاقصاء والتدمير الذي قد يمارسه بعض المتنفذين على سلطة الخطاب اللغوي أو السياسي ، حيث تشعرنا وعبر انتقالاتها البسيطة إلى وصول أحد الأقلام إلى حالة من التيقظ ، تجبره على الوقوف فوق جبل الحرية ، ليعلن أمام كل الأقلام التي نسيت أدوارها ، من خلال مزاولة مايمليه عليها ماسكوها ، وعبر اشتقاقات لأحالات مؤنسنة ، أسقطتنا فيها لتعبر عن ارهاصات طالما حلمنا في التعبير عنها كمثقفين واعين ومؤمنين بأصالة الدور الذي ننتهجه للنهوض بواقع مجتمعاتنا الموبوءة بعقد من يحكموننا ويفرضون علينا أساليب وصاياتهم الفكرية ، التي لن تجر على بلداننا ومجتمعاتنا إلا الخراب ما لم ننهض من غيبوبتنا هذه ، لنعيد الأمور إلى نصابها ، ولنثقب هذا الواقع المر ، ليمر النور للأجيال القادمة .
وفي قصتها الأخيرة ( الكلب الدمية ) قامت بطرح معاناة مدينة الطيور ، التي تم السيطرة عليها من قبل جيش من قراصنة الثعالب ، الذين يشترطون على أهالي المدينة المغلوب على أمرها أن يتنازلوا عن مساكنهم وممتلكاتهم الثمينة ، لحكامهم الجدد ، وأن يهموا بالتخطيط لمرحلة جديدة تتضمن رسم خارطة لحلم جديد نازف على أكتاف نزوح قادم ، وأمنيات العثور على أرض تستحق أن تكون بلدا ً ومسكنا ً جديدا ً ، إلا أن فطنة ثلاثة من كتاكيتها (( جهاد وحكيم و حرية )) ، استطاعت أن تقلب الطاولة على خطة الثعالب الماكرة ، من خلال التفكير بسحب دمية لكلب قديمة ، وضعها رجل عجوز أمام منزله ، ليقوم بافزاع الضيوف المتطفلين وغير المرغوب فيهم ، إذ وظفوه لإفزاع الثعالب المحتلة ، وهنا تباغتنا القاصة بانهاض بنية لتشكيل سردي – مؤنسن مجبول بتجسيدات استعارية تستخدمها كاسقاطات مدروسة لتبيين أمام القارئ ، عظم الهوة التي تعمل على سقوط الشعوب النائمة في آبار العصر الاستعماري المتربص بمناطقنا المنتهكة ، وبوجوب شحن الجيل المقبل بآليات تمكنه من التخطيط للحفاظ على رمزية الإرث الثوري الذي أوصلته إليه الأجيال السابقة .
ورغم أن الكاتب محمد عبد الرحمن شحاتة قد قدم للمجموعة تقديما ً جاء فيه { يعد كتاب سارق السعادة للكاتبة / نانيس خطاب . والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة . إضافة جديدة في أدب الطفل . ففكرة الكتاب تقدم نظرة مختلفة غير التي اعتدنا عليها . الفكرة معبرة عن الواقع جداً . وبخاصة تفاصيل بعض الأحداث التي رأيناها في السنين السابقة . كما أن القصص تعرض الكثير من المواقف المشجعة . والتي بلا شك معرفتها تلعب دوراً هاماً في حياة الطفل .
الكتاب يتكون من أربعة قصص " حائكة الأماني ، عيون الجمل ، انتحار قلم ، الكلب الدمية " .
بالنسبة للأولى " حائكة الأماني " . فهي ترسخ في ذهن الطفل ضرورة العمل والسعي له . وتنمي لديه الحافز للتقدم والانتاج . وتعرفه بأن الصحة لابد وأن تستثمر في عمل مفيد .

أما القصة الثانية " عيون الجمل ". فهي تعلم الأطفال عدم الاستسلام للظلم وإن كان حاكماً ويمتلك السلطة . وأعتقد أن هذه الفكرة لابد وأن نرسخها جيداً في عقول أطفالنا حتى لانبني أجيالاً تقبل الظلم والاستبداد . وهاهي الكاتبة نانيس خطاب تقدمها لهم على طبق من فضة.
أما القصة الثالثة " انتحار قلم " . فهي تجربة من نوع خاص . تسعى لتعليم الطفل أهمية القلم . وأهمية حريته . وأن يصوب كلماته في هدم الباطل . وأن يكون محايداً لاينحاز إلى أحد . وأن يكون في إنصاف الحق دائماً .
أما الرابعة " الكلب الدمية " . فرغم أنها نوع من المشاكسة . إلا أنها عميقة المعنى . تعلم الطفل أن لاداعي للاستسلام وإن استسلم الكبار. وأن يستخدموا ذكاءهم الفطري لدفع الشر بأبسط الوسائل . بمجرد استخدام الشيء الذي يخشاه العدو .
الكتاب يعطي للطفل خطوطا عريضة مفيدة في الحياة . بينما هو يستنتج منها ما يجب أن يفعله . وما يجب أن يتصرف به في مواقف عديدة . كما أن الرسوم الذي استطاع الفنان / إبراهيم البريدي أن يوظفها فهي مطابقة لأحداث الكتاب . تلعب دوراً كبيراً في توصيل مضمون الفكرة إلى الطفل . وتجعله وكأنه يعيش الحدث . وكأنه هو الذي يتصرف وقرر ويستنتج . وهكذا نريد دائماً الإبداع . أن يضيف ماهو جديد .ومفيد }
الا أنه أهمل التحدث عن تغييب الأماكن خلف تراسلية فعالية النص من تعقيد ترتيب عناصره عبر اعادة ترتيب فعالية النسيج القصصي والحوار ومكونات القص والاستهلال وعناصر العقدة والحوار المبني بلغة بسيطة وموجهة ليتواءم ونفسية الطفل المتلقي في أدق علائقه الذهنية والحسية وعبر سلسلة من الألفاظ السلسة المبنية لتثوير الأفكار الموضوعة من خلال استنطاق غاياتها واهدافها .

الخميس، 17 نوفمبر 2011

"بينَ السَّاعةِ والعنكبوتِ" قصة للأطفال بقلم: سامر أنور الشمالي

بينَ السَّاعةِ والعنكبوتِ
سامر أنور الشمالي
رنَّتْ ساعةُ المنبّهِ.. ولكنّ هشاماً لم يرغبْ في النهوضِ، واكتفى بِفَتْحِ عينيهِ قليلاً.
نظرتْ إليهِ السَّاعةُ بِعَتَبٍ، ولكنَّهُ لم يأبَهْ لها، وأغمضَ عينيهِ. فصاحَتْ بهِ السَّاعةُ:
- قُمْ أيُّها الكسولُ.. فالعُطلةُ انتهتْ صَباحَ اليومِ.
نظرَ هشامٌ إلى السَّاعةِ، ثم قالَ وهو يتثاءبُ:
- أنتِ كسولٌ أيضاً.. فمنذُ سنواتٍ لم تتحرَّكي من مكانِكِ.
كلامُ هشامٍ فاجَأَ السَّاعةَ، فأطرقَتْ مُفكِّرةً، حتى إنَّها نَسِيَتْ أنْ تُحَرِّكَ عَقربيها لدقائقَ عدّةٍ. ثم خَطَرَتْ لها فِكرةٌ ما، فصاحَتْ قائِلةً، وقدْ عادَ عَقرباها إلى الدوران:
- عليكَ أن تُدرِكَ جيّداً.. أنَّ عَملي يقتصرُ على الإشارةِ للوقتِ.
قالَ هشامٌ، وهو يتمطَّى في فراشهِ:
- عملُكِ مُمِلٌّ.
ثم صَمَتَ وهو مُستلقٍ على ظهرهِ، فرأى عَنكبوتاً صغيراً في زاويةِ حُجرتِهِ، فقالَ للساعةِ:
- ربَّما العنكبوتُ الذي يظلُّ في مكانِهِ لمدّةٍ طويلةٍ يُشبِهُكِ.
صرخَتِ السَّاعةُ مُحتجَّةً:
- العنكبوتُ كائِنٌ لا يُقَدِّمُ أيَّةَ فائدةٍ للإنسانِ.
- لكنَّهُ كائنٌ حيٌّ.. يَغزلُ الخيوطَ.. ويَصيدُ الذُّبابَ.
قالَ هشامٌ، وهو ينظرُ إلى العنكبوتِ. فنظرَتِ السَّاعةُ حيثُ ينظرُ هشامٌ، ثم قالَتْ:
- لا يحتاجُ الإنسانُ للعناكبِ.. ولكنَّهُ لا يستطيعُ التخلّي عنِ السَّاعاتِ.
حكَّ هشامٌ شَعْرَهُ، ثم أَمْسَكَ السَّاعة بيدِهِ، وقالَ وهو يتأمَّلُها:
- ومعَ ذلكَ فأنتِ تُشبهينَ العناكِبَ كثيراً، وإنْ كُنتِ أكبرَ حجماً، فكلُّ البيوتِ فيها ساعاتٌ وعناكبُ.
لم تجدِ السَّاعةُ ما تقولُ، فصمتَتْ مُحْرَجَةً، واكتفَتْ بإصدارِ صوتِها الرتيبِ المعهودِ.. تِكْ.. تِكْ.. تِكْ..
قامَ هشامٌ عن سريرِهِ، وهوَ يقولُ:
- كانَ الأمرُ مُسَلِّياً.. لو كانتِ السَّاعاتُ تصيدُ الذبابَ، ولو كانَ للعناكبِ عقاربُ.
وجدَتِ السَّاعةُ كلامَ هشامٍ غريباً، فضحكَتْ كثيراً، حتى إنَّها لم تَقدرْ على مَنْعَ نَفْسِها من الرَّنين.
* * *
غسلَ هشامٌ وجهَهُ، وتناولَ فطورَهُ، ثم بدأَ يُرَتِّبُ كُتُبَهُ في حقيبتهِ المدرسيّةِ، وهو يقولُ مُتأمِّلاً:
- صحيحٌ أنَّ السَّاعاتِ والعناكبَ لا تذهب إلى المدرسةِ.. ولكنَّ هذا لا يَعني أنَّهُ ليسَ في المدرسةِ عناكبُ وساعاتٌ.
نظرتِ الأمُّ إلى ولدِها، وسألَتْهُ بِحَيرةٍ:
- ما هذا الكلامُ الغريبُ؟!.
قالَ هشامُ، وهو يضحكُ:
- المهمُّ أنَّهُ ليسَ في منزلِنا أو المدرسةِ ضفادعُ وقطاراتٌ.. فكلاهما يُصدرانِ أصواتاً قوّيةً ومزعجةً.. تَمنعُنا من الدِّراسة والنومِ.
وضعتِ الأمُّ يدَها على رأسِ ولدِها، وسألَتْهُ:
- هل أنتَ مريضٌ؟.
- أنا بخيرٍ.. ولكنّني أُفَكِّرُ بطريقةٍ جديدةٍ.
أجابَ هشامٌ.
* * *
خرجَ هشامٌ من بيتهِ قاصداً المدرسةَ، وهو يُغَنِّي أغنيةً عن الشَّمسِ التي تُشرِقُ باكِراً كي تذهبَ إلى المدرسةِ حتَّى في أيامِ العطلِ.
كانَتْ أغنيةً غريبةً حقَّاً، والسَّببُ أنَّ هشاماً هوَ مَنْ قامَ بتأليفِ تلكَ الأغنيةِ.