الأربعاء، 23 مارس 2011

"الأمير الجبان" حكاية شعبية للأطفال بقلم يعقوب الشاروني

الأمير الجبان
من كتاب" أجمل الحكايات الشعبية"
يعقوب الشاروني
يحكى أن ملكاً كان يعيش في أحد البلاد الواقعة على مجرى نهر النيل العظيم، حيث يتدفق النهر خلال الغابة الواسعة. وكان لهذا الملك ابن وحيد اسمه" سامبا".
كان الملك في شبابه محارباً شجاعاً، لكنه الآن أصبح عجوزاً.
وحين كبر سامبا وأصبح قوياً وسيماً، صار الملك يفخر دائماً بابنه الذي عرفه الناس طيباً لطيفاً، وأحبوه جميعاً.
لكن الملك كان قلقاً لأن ابنه يخاف من أشياء كثيرة. فعندما كان سامبا صغيراً، كان يجري مبتعداً إذا سمع وقع خطوات فيل، ويصرخ إذا شاهد آثار أقدام أسد، وكان الناس يقولون: " إنه لا يزال طفلاً ، وعندما يكبر سيصبح شجاعاً ولا يخاف من شيء، وسيأتي يوم يعينه والده قائداً لجيشه ".
وكم شعروا بالفرح عندما جاء اليوم، وتولى سامبا قيادة الجيش.
قال الناس: " سوف نعيش في أمان، فإن سامبا قويٌ يستطيع أن يحمينا من اللصوص، ويدافع عنا ".
وكان الأب يتابع في سعادة قوة ابنه ومهارته في أشياء كثيرة، إلا أنه ظل قلقاً، فقد كان يرى ابنه يتجنب الاشتراك في الألعاب التي تعرضه للخطر، كما تبين له أن سامبا لم يكن من بين الأعضاء البارزين في الفريق الذي يخرج للصيد تحت قيادته.
وذات صباح، استيقظ الناس فوجدوا اللصوص قد سرقوا مواشيهم وأغنامهم، وأخذوا بعض الرعاة عبيداً لهم.
وبحث الناس عن سامبا ليسترد لهم الرعاة والحيوانات، لكنهم لم يجدوه. لقد اختفى، وكان على الملك، رغم كبر سنه، أن يركب فرسه، وأن يتقدم على رأس المحاربين ليقاتل اللصوص، ويسترد ما سرقوه.
وبعد عدة أيام، ظهر الأمير سامبا، وأخذ يردد قصة يحكي فيها كيف خاطر بحياته وهو يطارد أسداً كبيراً في الغابة.
وقال إنه قتل الأسد، لكنه كان أسداً ثقيل الوزن جداً، لذلك لم يستطع حمله وإحضاره معه.
لكن الناس لم يصدقوا هذه القصة !!
قال أحدهم: " لماذا اختفى سامبا في هذا الوقت بالذات ؟
إنه جبان ! ".
وسرعان ما ترددت هذه الكلمات بين الناس.
وكان سامبا يسمعها أينما ذهب، والأطفال يصيحون خلفه في سخرية عندما يشاهدونه في الطريق، حتى أن أباه لم يعد يعطف عليه بسبب جبنه وخوفه.
لم يستطع سامبا أن يتحمل كل هذا، فاستيقظ في صباح أحد الأيام، وركب حصانه الأسود، وقد عقد العزم على أن يذهب إلى بلد لا يعرف شعبها الحرب ولا العنف.
وكانت رحلة طويلة شاقة، لازم الفزع فيها سامبا.
ففي النهار كان الخوف يقلقه خشية أن يقابل لصوصاً أو أعداء، وفي الليل لا يستطيع النوم خوفاً من أن تهجم عليه الحيوانات المفترسة، التي كانت تزأر في الظلام.
وبعد أن عانى سامبا كثيراً من المخاوف الرهيبة، وصل إلى مدينة عظيمة، ترتفع أسوارها إلى جوار النهر.
استعاد سامبا مظاهر النبل والسلطان، ودخل عبر بوابات سور المدينة، وهو يركب فرسه في عظمة ومهابة.
ومر أمام القصر الملكي، وقد رفع رأسه في اعتداد.
وبينما كانت ابنة الملك تتطلع من نافذتها، رأت الغريب الوسيم يمر من أمام القصر، فقالت لخدمها: " اذهبوا وتعرفوا على هذا الفارس الشجاع، الذي لم يسبق أن رأيت من يماثله في الوسامة والقوة ".
وعاد أحد أتباعها بعد قليل، وقال: " أيتها الأميرة العظيمة، إنه الابن الوحيد لملك عظيم".
فقالت له: " عد إليه، وادعه لمقابلتي".
وشاهد سامبا الأميرة الجميلة، فأعجب بها كما أعجبت به.
وطلبت الأميرة من والدها أن تتزوج سامبا، رغم أنها رفضت قبله ملوكاً وأمراء كثيرين.
ونظراً لأن الأميرة كانت الابنة الوحيدة لأبيها، فقد وافق على هذا الزواج.
وتزوج سامبا من الأميرة في احتفالات عظيمة.
وكان سامبا زوجاً محباً ذكياً، عاش مع زوجته في سعادة وهناء.
وكانت الأميرة فخورة بزوجها القوي الوسيم، وملأتها الرغبة في أن يكون زوجها محبوباً بين شعبها، كما تحبه هي وتقدره.
وفي يوم من الأيام قالت لزوجها:
" منذ زمن بعيد لم يهاجم الأعداء بلدنا. إذا حدث وجاءوا لتهديد أمننا، فسأشعر بالفخر الحقيقي حين أراك، يا زوجي الحبيب، وأنت تقود شعبنا في المعركة. وهذه فرصتك لتكسب شهرة واسعة كمحارب شجاع، ولتتغنى المدينة بأعمالك وبطولاتك".
ونظرت الزوجة إلى زوجها وعيناها تلتمعان بالحماس، لكن البريق اختفى من عينيها عندما رأت زوجها يتراجع في فزع إلى الخلف، ويقول محذراً اياها: " لا تتكلمي ثانية في مثل هذه الأشياء. لقد تركت بلدي حتى أتجنب وحشية المعارك ورؤية الدماء. وإذا طاردتني الحروب هنا، فسوف أترك هذه المدينة أيضاً إلى الأبد".
وظنت الأميرة أن زوجها يمزح، فقد كان شيئاً مستحيلاً أن يتصور إنسان أن فتى قوياً ذكياً مثل سامبا يخاف من المعارك.
لكن الأميرة أحست أخيراً ، من نظرات سامبا، أن زوجها لا يمزح ..!!
ولم يمض وقت طويل، حتى أغار لصوص من الأعداء على المدينة في أثناء الليل، وقتلوا الرعاة، وسلبوا عدداً كبيراً من قطعان الماشية.
وعند اكتشاف الخسارة في الصباح، أصدر الملك أوامره بقرع طبول الحرب، وبأن يتولى الأمير سامبا زوج ابنته قيادة المعركة، فارتفعت هتافات المقاتلين مرحبة بذلك القرار.
لكن سامبا لم يسمع هتافاتهم، فقد اختفى عن الأنظار، وعندما بحثت عنه زوجته الأميرة، وجدته مختبئاً في أحد مخازن القصر المظلمة، وبذلت معه جهداً كبيراً لكي يترك مخبأه، ويأخذ مكانه في مقدمة القوات.
لكنها فشلت في إثارة خوفه على شرفه، وفشلت في أن تجعله يشعر بالخجل من نفسه. وأخيراً حذرته من الخطر الذي سيلحق به إذا علم الشعب بما يملأ نفسه من مخاوف.
ومع ذلك لم تستطع أن تجعل سامبا يركب حصانه ليقود المعركة.
وأخيراً قالت الأميرة في صوت بارد قاس: " إذن أعطني سلاحك".
وتلفت الأمير حوله، ولم يجد مفراً من تنفيذ طلبها، فنزع عن صدره الدروع الذهبية الجميلة المرصعة بالأحجار الكريمة، فثبتتها حول صدرها، ثم ناولها سيفه وقوسه وسهامه.
وعندما وضعت الأميرة الخوذة فوق رأسها، وأنزلت مقدمتها على وجهها، أصبح واضحاً أن أحداً لن يستطيع اكتشاف حقيقتها، خاصة في أثناء انشغال الجميع بالقتال.
وخرجت الأميرة تسير بخطى ثابتة إلى فناء القصر، ثم قفزت إلى ظهر حصان زوجها الأسود، وانطلقت كالرعد من بوابات المدينة على رأس المقاتلين. ولم يكن من الصعب هزيمة المعتدين، واسترداد كل ما سرقه اللصوص.
وعادت الأميرة المنتصرة إلى غرفتها مباشرة، حيث كان ينتظرها " سامبا " في قلق، لكنها لم توجه إليه كلمة لوم أو عتاب، بل قالت له:
" ساعدني في نزع هذه الدروع". ثم طلبت منه أن يرتديها بسرعة.
والغريب أن الأمير سامبا أطاعها بغير مناقشة، ثم ذهبت معه إلى الشرفة الخارجية، التي تجمع تحتها الناس.
واستقبلته الهتافات المدوية من أفراد الشعب المتحمسين لبطلهم وقائدهم الجديد. وابتسم لهم سامبا، ولوح لهم بيده، لكنه لم يقل شيئاً، ولم يعرف أحد أن الأمير سامبا لم يكن هو الذي قادهم إلى النصر.
إلا أن شقيق الأميرة الأصغر كان يشعر أن شقيقته هي التي كانت تلبس الدروع وتقود المعركة.
وعندما أخبر أخوته بشكوكه، ضحكوا من تصوراته، لكنه قال: " إذا جاء المعتدون ثانية، سأثبت لكم صحة ظنوني. سوف أحاول أن أترك علامة خاصة على القائد".
غضب المعتدون اللصوص لهزيمتهم، وما أن جمعوا حولهم عدداً أكبر من رجال العصابات، حتى عادوا مرة أخرى للهجوم على المدينة.
ورفض سامبا مرة أخرى أن يقود قواته، وترك زوجته تقود المحاربين إلى المعركة، وهي متخفية في دروعه.
وفي أثناء خروجها إلى الفناء لتركب حصان زوجها، راقب شقيقها الأصغر طريقة مشيتها، فبدأت شكوكه تتزايد.
ولكي يكتشف الحقيقة ويتأكد تماماً، اقترب من أخته في أثناء المعركة، وأصابها بجرح صغير في ساقها.
كانت المعركة حامية جداً، فلم يكن لدى الأميرة وقت لتفكر في الألم، لكن عندما عادت إلى القصر، أحست بالضعف والمرض بسبب الدم الذي فقدته، ومع ذلك قالت لسامبا وهو يرتدي الدروع التي كانت ترتديها:
" إنه مجرد جرح بسيط في ساقي، والناس ينتظرون لتحيتك. ولكن قبل أن تخرج إليهم، اجرح ساقك برفق في نفس المكان، حتى لا يشك أحد في أنك أنت الذي كنت تقود الرجال في المعركة".
وانتفض سامبا وقال في فزع: " ماذا؟ أجرح نفسي؟ لا يمكن .. لا أستطيع.. هذا هو السبب الوحيد الذي يبعدني عن المعركة ".
تنهدت الأميرة في أسى ولم تقل شيئاً.
لكن في اللحظة التي استدار فيها الأمير ليخرج إلى الشرفة، انحنت بسرعة، وجرحته برمحه في ساقه المكشوفة، وبينما كان يصرخ، غطت الأميرة جرحها، وأسرعت تنادي طبيب الملك ليعالج الأمير الجريح.
وفي الحال، انتشرت بين الناس أخبار إصابة " سامبا " .
وظل الناس يذهبون إلى باب القصر، يسألون عن أخبار قائدهم الشجاع.
قال أكبر الإخوة لشقيق الأميرة الأصغر: " لعلك تأكدت الآن، أن سامبا هو الذي قاد المعركة فعلاً، وحقق لشعبنا النصر، وأنك كنت مخطئاً في ظنك ".
وشعر شقيق الأميرة الأصغر بالحيرة.
وعندما دخل الحجرة التي كان يرقد فيها سامبا وهو يئن، وجد أنه لا يستطيع الشك في الدليل الذي يراه أمام عينيه.
وبعد يومين، تجمعت كل عصابات الأعداء مع زعمائها، وعادت إلى مهاجمة المدينة للمرة الثالثة، وكلهم يأملون في أن تكون عودتهم السريعة المفاجئة سبباً في إحراز نصر سريع على أهل المدينة غير المستعدين لملاقاتهم.
وعندما دوت طبول الحرب، نهضت الأميرة وذهبت إلى زوجها وقالت: " سامبا.. إن جرحي أسوأ مما كنت أظن، ولم أعد أقوى على السير. سيكتشف المحاربون مرضي عندما أحاول ركوب الحصان أمامهم فلا أستطيع، لا يمكنني في هذه المرة أن أحل مكانك، يجب أن تذهب بدلاً مني".
تنهد سامبا وقال: " إن الملك له ثلاثة أبناء، ألا يقدر واحد منهم أن يقود المعركة؟" .
أجابت الأميرة: " إنهم صغار السن، ولن يطيعهم الرجال".
صاح الأمير: " لن أستطيع الذهاب !!".
قالت الأميرة: " إذن ارتد دروعك واركب حصانك واخرج مع الرجال ، وسألحق بك عند حافة الغابة من أقصر طريق، وهناك نستبدل أماكننا ".
ووافق سامبا على هذه الخطة، فقد كان على استعداد لأن يفعل أي شئ مادام لا يعرضه للخطر.
ولكن ما أن جلس سامبا على سرج حصانه، حتى ضربت الأميرة الجواد بالسوط ضربة قوية، فانطلق كالريح خارجاً من أبواب المدينة، وخرج خلفه كالسهم كل المحاربين. وبعد لحظة، كان الأمير وسط المعركة.
ولأول مرة وجد نفسه محاطاً بالخطر.
كانت السيوف تلمع عن يمينه ويساره.. تضرب وتقاتل، والحراب من أمامه ومن خلفه .. تطعن وتدافع. وكان لابد أن يقاتل من أجل حياته.
وهكذا حدثت المعجزة .. لقد وجد سامبا شجاعته حين أيقن أنه لا مفر من أن يقاتل، واكتشف أن الشئ الذي كان يخشاه هو الخوف نفسه وعندما وجد نفسه يقاتل من أجل حياته، نسي الخوف، وتغلب على نفسه، وانهال بسلاحه على أفراد عصابات اللصوص من حوله، تساعده قوته البدنية الهائلة، وأخذ أفراد اللصوص يفرون من أمامه.
وانتشرت بسرعة أخبار شجاعته وبطولته، فألهمت رجاله الجرأة والتصميم على النصر ، بينما نشرت الرعب والفزع في نفوس الأعداء.
وسرعان ما انتهت المعركة، ليس فقط بهزيمة اللصوص، بل بالقضاء عليهم حتى لا يعودوا مرة أخرى...
وكان النصر في هذه المرة هو نصر سامبا حقاً.
وعندما عاد إلى المدينة، كان هتاف الشعب أعلى مما كان في أي مرة سابقة.
واستقبله الملك بنفسه عند بوابة القصر.
وبينما كان سامبا يضع غنائم النصر الثمينة عند قدمي الملك، صاح الملك: " يا بني ... كم أنا فخور بك .. كيف أستطيع أن أعبر عن شكري لشجاعتك وتضحياتك دفاعاً عن شعبي ؟! إنني مدين لك بالعرفان، لأنك قضيت على أعدائنا قضاء نهائياً".
قال سامبا، الذي وجد أخيرا شجاعته: " في الحقيقة أنت لست مديناً لي بشيء ، إنما أنا المدين .. مدين بكل شيء لابنتك ، زوجتي العزيزة، لأنها حولت رجلاً جباناً إلى قائد شجاع، وجعلته يحرز انتصارين في هذا اليوم .. الانتصار الأول على نفسه، والانتصار الثاني على أعداء الشعب ".


هناك تعليقان (2):