الأربعاء، 30 مارس 2011

"قوس قزح سر نجاحك" قصة للفتيان والفتيات بقلم فاطمة هانم طه محمد

قوس قزح سر نجاحك
 فاطمة هانم طه محمد
دقات خافته علي باب مكتبي، دخل بعدها شاب في مقتبل العمر يرتدي ملابس ضباط الشرطة تلمع علي كتفيه نجمة صفراء، وعلي ملامحه بسمة تريح النفس، شعرت لأول وهلة أني اعرف تلك الابتسامة العذبة وهذا الوجه الأسمر أطلت النظر إليه في محاولة لتذكره ابتسم وقال : أما تتذكرينني؟
قلت في تردد : ربما تكون أنت من خطر علي بالي ألان ولكني غير متأكدة
قال : نعم عبد الله أنا عبدا لله ماسح الأحذية الصغير
هتفت في فرح وأنا اشد علي يده: عبد الله .. أهلا وسهلا ما هذا أصبحت ضابطا؟
قال وهو يشر إلي كتفيه في فخر : كما ترين حضرتك .. حققت أملي وحلم أمي رحمها الله
قلت في حماس: اجلس اجلس يا عبدا لله أهلا وسهلا أنا سعيدة أن أراك هكذا .. مبروك
تذكرة الآن أول يوم رأيت فيه عبد الله كان هذا منذ حوالي سبع سنوات لمحته يومها يمر عبر ممرات الهيئة التي اعمل بها تعجبت من وجوده في جهاز حكومي، صبي صغير يحمل صندوقا خشبيا ويمر علي مكاتب الموظفين يعرض عليهم تنظيف أحذيتهم ، ابتسمت وأنا مشفقةعلي سنه الصغيرة
عدت إلي ما كنت أنجزه من أعمال ونسيت أمره و بعد قليل وجدته أمامي يبتسم في هدوء ابتسمت أنا الاخري أشجعه علي الحديث قال : هل ترغبين في تنظيف حذائك؟
نظرت إلي حذائي ..أنه نظيف .. ولأني لا أريد أن اترك الفرصة تمر دون ان اعرف قصة هذا الصبي قلت بسرعة : نعم نعم تعال .. ادخل..
دخل وأغلق الباب خلفه بهدوء ..خلعت حذائي .. أسرع يتناوله من علي الأرض قبل أن تصل إليه يدي ..جلست علي مكتبي أكمل عملي لاحظت يديه تعملان في سرعة عجيبة كان يعمل في نشاط وإتقان وبراعة، فراشاته سريعة، تعمل علي جلد حذائي حتي اصبح للحذاء بريق عجيب زاد إعجابي ببراعة الصبي فبدأت أتجاذب معه الحديث
قلت أشجعه علي الحديث : ألا تشعر بالتعب ؟
قال : كلا انه عملي وانا احبه اريد ان يكون متقنا جدا حتي اكون راضيا عن نفسي
قلت في دهشة : هل اتقانك لعملك يريحك ويسعدك؟
قال وهو يبتسم ويعرض علي الحذاء: جدا فعندما يلمح الحذاء في يدي هكذا اشعر بالراحة
أعجبتني كلماته تأملته، كان صبي في حوالي الرابعة عشر من عمره ، صحته جيدة ، فارع الطول اسمر البشرة يرتدي جلبابا ، كأهل الريف ، يبدو من لهجته انه من أهالي وجه قبلي بصعيد مصر، زاد فضولي لأعرف المزيد قلت بماذا أناديك يا ..؟
قال وهو مستمر في عمله:عبد الله
قلت : هل أنت من وجه قبلي ؟
قال في اعتزاز : نعم من محافظة أسيوط
قلت : تعيش مع أهلك هنا في القاهرة ؟
قال : لا إنهم هناك في قريتنا أما انا واخي عبد الرحمن نعمل هنا
ازدادت دهشتي وفضولي وقلت : هل أخوك اكبر منك ؟
قال : نعم انه يبيع الذرة المشوية
كان مازال مستمرا في عمله دون توقف قلت : وأين تسكنان يا عبدالله ؟
قال : نحن نسكن مع عشرة من أبناء قريتنا نعمل جميعا هنا في القاهرة
قلت : عشرة تسكنون معا في حجرة واحدة؟
قال في اسي : لا ليس حجرة نحن نسكن علي سطح المخبز فيسعنا جميعا
قلت استوضح الامر :تسكنون السطوح؟
قال: نعم نحن ننام فوق سطح المخبز..صاحبه يؤجره لنا كل منا يدفع عشرة قروش في الليلة وفي الصباح يذهب كل منا الي عمله
ابتسمت في اسي وسألته :جميعكم تعملون في مسح الاحذية وبيع الذرة المشوية؟
قال :لا بعضنا يبع التين ألشوكي أيضا
قلت : وهل انتم مستريحين علي سطح المخبز؟
قال في ابتسامة راضيه : لا يهم الصيف حار ونوم السطح متعه كلها شهران ونعود الي بلدتنا
سرني تفاؤله و نضج تفكيره رغم صغر سنه .. قلت : تعودون في زيارة لبدتكم؟
قال : لا نعود قبل دخول المدارس انا في الاعدادية واخي في الاول الثانوي جميعنا ندرس ونحضرالي هنا في الاجازة لنعمل وندخرارباحنا لنعود بها الي القرية
قلت في دهشة : ولماذا تعملون وانتم تدرسون هل اسركم فقراء الي هذا الحد؟
قال في فخر: لا انهم مستورون ولكننا نعمل في الاجازة الصيفية لنعول أنفسنا ونعفي اهلنا من مصاريف الدراسة ..نحن الآن رجال ويجب ان نعتمد علي أنفسنا
قلت وانا ابتسم : وماذا تتمني ان تكون عندما تنتهي من دراستك يا عبد الله ؟
تنهد في ياس وقال : ضابط شرطة امي تريد ذلك .. تردد دوما ..املي ان اري عبد الله ضابط شرطة كبيرا
قلت : ولماذا تقولها هكذا في يأس.
لمحت الدموع تتجمع في عينيه وهو يقول : انه امل بعيد المنال يا سيدتي فقريتنا كلها ليس فيها ضابط واحد من اهلها .
قلت اشجعه : لا يوجد مستحيل .. ربما تكون انت هذا الضابط في يوم من الايام.
عاد الي عمله وهو يردد في ياس : لا اظن .. لا اظن
قلت اسمع مني نصيحه ربما تعينك علي تحقيق املك
تطلع الي في لهفة وهو صامت
قلت : تخيل الوان قوس قزح في قلبك تجد الحياة مبهجة تشرح صدرك وتعينك علي النجاح والوصول الي ما تريد
قال في دهشة : كيف اجعل الوان قوس قزح في قلبي ؟
قلت : حب دراستك وتمسك بها كما تتقن عملك الان ولا تدخر مجهودك لعمل اخر ربما لا يجيء ابدا ولا
تخف من الفشل فالخوف منه غالبا ما يكون السبب الذي يمنعك من الاندفاع بكل طاقتك الي طريق
النجاح .. ابتسم عبد الله يومها وهو ينصرف شاكرا
تأملته ثانيا وقلت وانا انظر اليه في دهشة : ياه مرت الايام بسرعة .. مبروك انا سعيدة جدا ان رايتك يا عبد الله
قال وهو يجلس : الله يبارك فيك .. ولكن هذا كله يرجع إلى تشجيع حضرتك لي كانت كلمات حضرتك عن قوس قزح دائما تعينني علي مواجهة المتاعب والأحزان ، خاصة بعد أن ماتت أمي وأنا في الثانوية العامة ،فكنت أتخيل ألوان قوس قزح تملأ نفسي وتبهجني فأتغلب علي ما يعترضني من مشاكل قلت : فعلا يا عبد الله هذا شعاري ، دائما اعمل به قلتها لك يومها حين رأيت الدموع تتجمع في عينيك كنت يومها صبيا صغيرا يأسا من تحقيق املك
قال : طوال تلك السنين الماضية كنت اشعر بالحنين لمقابلة سيادتك ولكني أجلت الحضور لحين تخرجي .. اليوم فقط تخرجت من كليه الشرطة ، وجئت إلى هنا مباشرة.. اشعر أنني أزف هذا الخبر السعيد إلى آمي يرحمها الله ، كنت دائما اشعر أن الله دبر مقابلتي مع حضرتك في ذلك اليوم ، لأكون كما انا ألان، كانت كلماتك قوة تدفعني من نجاح إلى نجاح، راح عبد الله يقص علي كيف كان يقسم وقته بين المذاكرة والعمل في الإجازة حتى حصل علي الثانوية العامة.
قال : بكيت يومها كثيرا وأنا أتقدم بأوراقي إلى كلية الشرطة تذكرت حلم أمي رحمها الله ، يومها شعرت بالخوف وخيبة الأمل ، تقدمت بأوراقي وليس عندي ادني أمل أن أكون ضابطا، ترددت في بادئ الأمر ولكني تذكرت كلمات حضرتك ، فشعرت بالاطمئنان، بعد أن شاعت الوان قوس قزح المبهجة في نفسي ، يومها صممت علي ألا ادع شيئا يمنعني عن تحقيق أملى وأمل أمي رحمها الله.
حين قام مودعا ، ابتسمت وأنا أ شد علي يده متمنية له حياة سعيدة تذكرت أخاه عبده الرحمن سألته عنه قال : الحمد لله اصبح معلما في مدرسة قريتنا .
ذهب عبد الله وجلست أنجز عملي يملؤني نشاط عجيب وكأن ألوان قوس قزح قد انتشرت حولي في كل أركان الحجرة .

الاثنين، 28 مارس 2011

"الكتابُ وأنا " قصيدة للأطفال بقلم أحمد سويلم

الكتابُ وأنا
شعر: أحمد سويلم
رسم: مجدي نجيب 

فوقَ رفوفِ المكتبةِ
تَراني..
أحتلُّ مَكَاني
لستُ كما يَحتلُّ البشرُ الأرضَ
بأسْلحةِ العُدوانْ
لكنّي كالوردة في البُستانْ
أو كالحجر الذهبىِ يضيء على الجُدرانْ
تَراني..
أتبادلُ معكَ النظراتْ
فتمدُّ إليَّ أصابَعكَ وتُخرجُني
تقرأ في صمتٍ عُنواني
تصحبني حتى تصلَ إلى مقعدِكَ
وتجلسُ مُرتاحاً
تفتحُ في شوقٍ أوراقي
تقرأُ.. تقرأُ
تستمتِعُ بالمعنى
وكأنك تجلسُ في البستانِ
تشمُّ الريحانْ
وتَقطُفُ فاكهةَ الأغصانْ
وتبتسمُ قليلاً أو تعبسُ
أو تُدهشُ أو تتوتَّرْ
أو تسْعَدُ أكثرْ
وتعيشُ اللحظةَ ممتدة
تَسرحُ في التاريخ الماضي
أو تقرأُ شعراً أو قصَّةْ
أو تسبحُ فى بحرِ خيالٍ علمي
أو أصحبُك لتعرفَ شعباً آخرَ
مثل الهندِ.. أو السند
أو مثل الصينِ..
أو اليابانْ..
أو دولِ الغربِ المتقدمْ
وتعرف كيف يعيشُ هناكَ الإنسانْ
فإذا أشبعتَ العقلَ أو الوجدانْ
أغلقتَ غُلافي
لأعودَ إلى المكتبةِ.. مكاني.

نقلا عن موقع مجلة العربي الصغير

الأحد، 27 مارس 2011

"القلم الساحر" قصة للأطفال بقلم السيد نجم

القلم الساحر
السيد نجم
ما أن تستضاء الأرض في مطلع كل نهار, حتى ينهض "توما" من النوم, ويمسح بجبهته التراب, تحية لله, ثم يجمع أدوات الكتابة ..القلم المصنوع من أعواد الغاب, وأحبار سوداء صنعها من نبات النيلة,وملف كبير من أوراق البردي.
بعدها يذهب إلى مدخل سوق القرية, فيكتب للفلاحين الشكاوى والمظالم, وما جعل الجميع يحبونه كثيرا, كما أحبهم.
في صباح كل يوم جديد , يتربع "توما" في جلسته فوق المقعد الحجري. فهو صاحب لقب "حامل القلم", بعد أن درس الحكمة وفنون الكتابة في "بيت الحياة" وهو الملحق بمعبد مدينة "طيبة" عاصمة الدولة. 
في هذا الصباح بالذات, شاف "توما" علامات الفزع على وجوه الناس, علم أن اللصوص هاجموا كل حظائر القرية في ليلة الأمس, وسرقوا البهائم وأيضا القمح والشعير من المخازن.

حزن "توما" حزنا شديدا, وبينما جلس يفكر ويبحث عن حل مناسب, دخل عليه ثلاثة رجال يعرفهم..شيخ البلد, شيخ الخفر, أحد أشراف القرية. 
رحب بهم, وبدؤا جميعا في حديث طويل.
قال شيخ البلد:
"يا "توما"..إن المسافر يجئ إلينا بالحمير المحملة بالتوابل والملح والأخشاب.
أما أنت فقد سافرت وعدت إلينا بالعلم والمعرفة والحكمة..وميزك الله بالقلم"
تابع شيخ الخفر:
"أعترف أني عاجز عن مواجهة هؤلاء الأشرار, لم تعد قوة رجالي تكفى, أنا وكل الخفر في حاجة للاستماع إلى حكمة قلمك"
شارك الشريف قائلا:
"أهل قريتنا طيبون, ليس فينا من يسئ إلى آخر, ونحن معا نطعم الجائع, ونكسو العاري, ونحترم المسن, ونساعد الأرامل واليتامى"
بانفعال قال شيخ الخفر معلقا:
"ليس عندي غير الرمح والسهم, نمزق بها أجسادهم.. ماذا يفعل "القلم" المصنوع من الغاب الضعيف؟ الناس في القرية خائفون من اللصوص!"
وقف "توما" وكأنه اكتشف الفكرة الساحرة, والحل العجيب المدهش, قال لهم:
" وجدت الحل.. لن نقضى على الأشرار قبل أن نقضى على الخوفا لذي يملأ قلوب الناس"
فنظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض في دهشة!!.. 
من جديد تابع "توما" قائلا:
"من يحاول أن يخرس القلم, سوف يخرسه الله إلى الأبد"
ففهموا ما يعنيه حامل القلم "توما", وانتظروا تفاصيل الفكرة التي يريد تنفيذها.
...... ....... ...... ....
وفى اليوم الجديد, سمع أهل القرية غواق الغربان كلها (صوت الغراب), تساءلوا في حيرة وقلق:
"هذا الصوت نذير سؤ, ماذا حدث ليلة الأمس؟؟"
وخرج شيخ الخفر ورجاله يبحثون عما حدث, فعلموا أن الفلاح الفقير الأخرس "نو" اختفى في ليلة الأمس !. 
فلما كانت زوجته ممن يتكلمون وليست خرساء, أخبرتهم بالتفاصيل كلها.. وقالت وهى حزينة حزنا شديدا:
"بعد منتصف ليلة الأمس, دخل علينا ثلاثة لصوص ملثمين, يضعون قطعا من الكتان
فوق وجوههم..هددوا زوجي المسكين الأخرس, ثم سرقوا كل ما نملك. 
سرقوا الصندوق الخشبي الأسود الذي نحتفظ بداخله بكل ما نملك"
وبعد أن فر اللصوص بالصندوق, خرج الفلاح الأخرس الفقير "نو" ولم يعد حتى الصباح.
..... ....... ....... ......
وبينما جلس الفلاح "نو" عند ضفة النهر يبكى, منذ شروق الشمس وحتى غروبه , ظل الرجل يبكى وهو يبتهل إلى الله.. أن يسمع شكواه, وأن يستجيب إلى دعواته في التخلص من اللصوص.. وعودة ثروته القليلة التي يملكها.
وفجأة لمح سطح مياه النهر يعلو.. نعم, يرتفع إلى أعلى , ثم تنشق المياه إلى نصفين. وإذا بحورية جميلة تخرج من الشق الذي رآه في النهر..كانت جميلة ورشيقة, ولها شعر أسود طويل يصل إلى نصفها السفلي , نصفها الذي هو على هيئة زعنفة سمكة.
بكل ما يملك من قوة حاول "نو" أن يبدو قويا, وأشار لها بيده وهو يرجوها ألا تؤذيه. فضحكت الجميلة, وقالت له:
" لا تخف يا عم نو...جئت كي أراك وأطلب منك الاطمئنان لأن الله يحمى الضعفاء , وأنت قاومت اللصوص , لكنهم كانوا أقوى منك"
ثم اختفت بسرعة, وعادت مياه النهر إلى سابق حالها, وكأن شيئا لم يكن..!
من شدة الخوف , بدأ الفلاح المسكين الأخرس "نو" يدعو الله قائلا في نفسه:
"أنت الله , سيد السماء والأرض, ولا تشرق الشمس إلا بأمرك....
أدعوك أن تبدد شقائي, وخوفي, وتعيد لي الصندوق الخشبي"
بينما هو هكذا, إذا بسطح مياه النهر تنشق ثانية, وتخرج العروس الجميلة مبتسمة. اقتربت منه, وأعطته قطعة صغيرة من الغاب , صفراء اللون, ذهبية المظهر مع ضوء القمر الساطع في كبد السماء.
أمسك "نو" بقطعة الغاب دهشا, ومن جديد بدأ يبكى. وكلما سقطت دمعة فوق قطعة الغاب تشكلت بشكل القلم الذي يشبه قلم "حامل القلم توما"!!
أسرع عائدا إلى زوجته التي فرحت بعودته, أخبرها بطريقته بكل ما حدث, وفهمت كل الحكاية. معا خرج إلى بيت شيخ البلد فورا.
قصت الزوجة المخلصة كل تفاصيل الحكاية, حكاية القلم السحري هذا. ولم ينتظر شيخ البلد طويلا, استدعى شيخ الخفر وشريف القرية, وأسرعوا جميعا إلى دار توما".
قالوا جميعا لتوما:
"الآن حان الوقت ليبرز دورك يا حامل القلم.. أنها رسالة الله إليك في هذا القلم,
وعلى يد هذا الفقير "نو"."
...... ....... ....... ........
في الصباح الجديد, جلس "توما" عند رأس السوق, فوق المقعد الحجري كعادته..يكتب على الورق البردي, ثم يدور بين لناس في السوق يوزعها عليهم.
كتب في اليوم لأول يقول: (أهلي قريتي الأحباء..كل صباح ومساء قولوا معي.. أيها اللصوص ستصيرون شعلة من النار, وستغرقون , بسبب شروركم)
لفترة تجاهل الناس ما يقرأون, ويديرون وجوههم أمام نظرات "توما" المعاتبة لهم كلما التقى بهم داخل السوق أو خارجه.
في يوم آخر كتب "توما" يقول: (أنت يا من تقرأ تلك البردية.. لا تجعل وجهك يعبس مما حدث وحسب, يجب أن تدبر أمرك في هدوء وبسرعة)
فبدأ الناس يتساءلون , ويتناقشون معا:
" ماذا نفعل واللصوص أقوياء وأشرار؟"
" كيف نواجههم ؟؟"
فرح "توما" بالأسئلة, وقال لهم جميعا:
"الخطوة الأولى , أن تقلعوا الخوف من قلوبكم, وأن تزرعوا الشجاعة مكانها)
رويدا بدأ الجميع يردد أقوال توما , وحفظها الأطفال الصغار, وحتى إن لم يفهموا معناها. 
وفى الأسواق وفى كل مكان بدأ الجميع يغنى, بقلع الخوف وزرع الشجاعة !!
وأصبحت كلمات "توما" تردد في الأفراح , وأيام تحنيط موتاهم.
....... ...... ....... ......
كانت السيدة العجوز "حور" تجمع البيض في السلة كل أسبوع , لتبيعها في السوق وتشترى ما تحتاجه من قمح وفاكهة وغيرها. 
وهى في طريقها إلى السوق, قابلها اللصوص واستولوا على السلة الممتلئة بالبيض!!
الحقيقة لم يكن الأمر هكذا ببساطة وسهولة, لأن السيدة العجوز لم تستسلم للصوص. فقد قال لها كبيرهم :
"أعطنا السلة أيتها العجوز "
فقالت لهم:
" أنا سيدة عجوز, وبهذا البيض سوف أحضر طعامي لأسبوع كامل...
أرجوكم , اتركوه لي ..."
فضحك اللصوص, وسخروا منها ومن دموعها, حتى قال أحدهم:
" لماذا العناد أيتها العجوز, سوف تنفذين أوامرنا فورا؟ "
فلما لمحت العجوز أحد شباب القرية, قادم من بعيد, تشجعت, وصرخت في اللصوص بصوت مرتفع, قالت:
" لن يحدث, لن أعطيكم طعامي لأسبوع كامل..."
فلموا ضحك اللصوص ثانية, قالت:
" لن يرحمكم الله لو حاولتم استخدام القوة معي..."
أحد اللصوص صرخ فيها:
" دعك من الحكمة التي يصيح بها "توما" ليل نهار"
فهمس أحد اللصوص إلى كبيرهم:
" يبدو أننا سوف نعانى كثيرا بعد كلمات "توما" هذا"
وما أن بدأ أحدهم انتزاع السلة من يد العجوز بالقوة, بدأت العجوز في المقاومة, وضمت السلة إلى صدرها بقوة, وبدأت تصرخ بكل قوتها:
"لن أدعكم تسرقوني .... اقتلوني ولا تأخذوا طعامي"
ما بين الشد والجذب بين اللصوص والعجوز..سقطت السلة إلى الأرض, وتحطم البيض!
وكانت لحظة وصول شباب القرية, اندفعوا جميعا نحو اللصوص, للمرة الأولى يفاجأ اللصوص بمقاومة شباب القرية, فأسرعوا يجرون في كل اتجاه, وفى كل مكان بعيدا عن العجوز والشباب القوى !
للمرة الأولى يعدو اللصوص, ويرجون النجاة من أحد أفراد القرية!
..... ...... ..... ......
بسرعة وصل اللصوص إلى المغارة البعيدة القاطنة في قلب الجبل القريب من القرية, بدأ كبيرهم الكلام محذرا من المستقبل وهو يتساءل:
" ما حدث اليوم خطير يا رجالي..يجب أن نبدأ خطة جديدة"
علق آخر:
" بل يجب أن ننزل بكل سكان القرية العقاب الشديد على ما بدر من شبابهم اليوم..."
وبعد مناقشات طالت, علق كبيرهم في حسم قائلا:
"اسمعوا.. يجب تنفيذ كل كلمة أنطق بها الآن.
إن سر ما حدث كان بسبب كلمات الكاتب "توما", ولا حل إلا أن نسكت هذا القلم."
فعلق الجميع في دهشة:
" وماذا نفعل مع الكلمات أو هذا القلم المصنوع من الغاب؟؟!"
جادا علق كبيرهم:
" نعم.. سوف نسرق هذا القلم, مهما كلفنا ذلك من جهد أو مشقة"
ردوا عليه بصوت متردد:
" موافقون!!!"
...... ....... ....... .......
بينما كان صاحب القلم الساحر "توما" خارج داره, يتأمل السماء الصافية والنجوم المتلألئة ليلا في منتصف الليل. إذا باللصوص يتسللون إلى داره , يبعثرون كل شئ, يبحثون عن القلم الساحر. 
ولم يشعر بهم "توما" لفترة طويلة, حتى نجحوا في مهمتهم الشريرة !
في الصباح انتشر الخبر, وعلم أهل القرية بما حدث مع "توما" وقلمه السحري. ومع ذلك ردد الجميع, وقالوا لتوما:
"كلماتك الآن في قلوبنا, لسنا في حاجة إلى القلم المسروق"
فرح "توما " بما سمع, ولم يعلق.
وبينما شيخ القرية وشيخ الخفر وشريف القرية , كلهم معا يتحدثون مع "توما". سمع الجميع بعض الضوضاء في مؤخرة السوق هناك.
اندفعوا ...
كلموا اقتربوا أكثر من مصدر الهرج والمرج والضجيج, كلما اتضح الموقف أكثر..لقد حاول اللصوص سرقة الماشية كعادتهم في الأسواق..لكن ما حدث اليوم, أن قاومهم الجميع..الصغير والكبير, الرجال والنساء.. كل أهل القرية الموجودون في السوق قاوموا اللصوص. أنزلوا بهم إصابات شديدة, وعجز كل اللصوص عن الفرار!!
وبدأت مهمة الخفر, ليعلن شيخ الخفر أنه تم القبض على كل اللصوص. وبعده أعلن شيخ القرية عن شكره إلى الجميع, وقبلهم كلهم "توما" الكاتب المخلص الأمين.. وابتسم وهو يقول:
"بل كل الشكر إلى قلمه الساحر العجيب"
هلل الجميع, وزغردت السيدات, ثم طلبوا أن يسمعوا كلمات "توما" إليهم, بعد انتصارهم على اللصوص, فقال:
"سوف يهلك كل من يحاول سرقة أهل قريتنا ....
ليس بسبب القلم الساحر كما تقولون.. لأنه سرق!!"
فعبر الجميع عن خوفهم, وانزعجوا, ليتابع "توما" قائلا:
" الآن القلم الساحر أصبح في قلوبكم.. وكل كلمة أنتم قادرون على تنفيذها
قبل أن يكتبها, لأنكم أصحاب حق, ولا تقولون أو تفعلون إلا الحق"
ومن جديد هلل الجميع فرحا بعد خوف وقلق. وقضت القرية ليلة من أسعد الليالي, ما بين الغناء والرقص والأفراح في كل مكان.

الخميس، 24 مارس 2011

"غنَّيْتُ للزَّهَـر " قصيدة للأطفال بقلم خالد الجبور

غنَّيْتُ للزَّهَـر
شعر: خالد الجبور

غنّيْتُ للزَّهَرْ

في حقلِنا ازدَهَرْ

وخبّـأَ الرَّحيقْ

فـي كِمِّهِ الرَّقيقْ

ومالَ وانثنى

بعودِهِ الرَّشيقْ

يُلاعبُ السَّنا

في ساعةِ الشّروقْ

ويرشُفُ النّدى

بثغْرِهِ الدَّقيقْ

فتَخفِقُ النَّسْماتْ

بالعِطرِ والشَّـذا

تبوحُ للغيماتْ

بسرّهِ العميـقْ

وتجذِبُ النّحْلاتْ

من آخر الْمَدى !!

الأربعاء، 23 مارس 2011

"الأمير الجبان" حكاية شعبية للأطفال بقلم يعقوب الشاروني

الأمير الجبان
من كتاب" أجمل الحكايات الشعبية"
يعقوب الشاروني
يحكى أن ملكاً كان يعيش في أحد البلاد الواقعة على مجرى نهر النيل العظيم، حيث يتدفق النهر خلال الغابة الواسعة. وكان لهذا الملك ابن وحيد اسمه" سامبا".
كان الملك في شبابه محارباً شجاعاً، لكنه الآن أصبح عجوزاً.
وحين كبر سامبا وأصبح قوياً وسيماً، صار الملك يفخر دائماً بابنه الذي عرفه الناس طيباً لطيفاً، وأحبوه جميعاً.
لكن الملك كان قلقاً لأن ابنه يخاف من أشياء كثيرة. فعندما كان سامبا صغيراً، كان يجري مبتعداً إذا سمع وقع خطوات فيل، ويصرخ إذا شاهد آثار أقدام أسد، وكان الناس يقولون: " إنه لا يزال طفلاً ، وعندما يكبر سيصبح شجاعاً ولا يخاف من شيء، وسيأتي يوم يعينه والده قائداً لجيشه ".
وكم شعروا بالفرح عندما جاء اليوم، وتولى سامبا قيادة الجيش.
قال الناس: " سوف نعيش في أمان، فإن سامبا قويٌ يستطيع أن يحمينا من اللصوص، ويدافع عنا ".
وكان الأب يتابع في سعادة قوة ابنه ومهارته في أشياء كثيرة، إلا أنه ظل قلقاً، فقد كان يرى ابنه يتجنب الاشتراك في الألعاب التي تعرضه للخطر، كما تبين له أن سامبا لم يكن من بين الأعضاء البارزين في الفريق الذي يخرج للصيد تحت قيادته.
وذات صباح، استيقظ الناس فوجدوا اللصوص قد سرقوا مواشيهم وأغنامهم، وأخذوا بعض الرعاة عبيداً لهم.
وبحث الناس عن سامبا ليسترد لهم الرعاة والحيوانات، لكنهم لم يجدوه. لقد اختفى، وكان على الملك، رغم كبر سنه، أن يركب فرسه، وأن يتقدم على رأس المحاربين ليقاتل اللصوص، ويسترد ما سرقوه.
وبعد عدة أيام، ظهر الأمير سامبا، وأخذ يردد قصة يحكي فيها كيف خاطر بحياته وهو يطارد أسداً كبيراً في الغابة.
وقال إنه قتل الأسد، لكنه كان أسداً ثقيل الوزن جداً، لذلك لم يستطع حمله وإحضاره معه.
لكن الناس لم يصدقوا هذه القصة !!
قال أحدهم: " لماذا اختفى سامبا في هذا الوقت بالذات ؟
إنه جبان ! ".
وسرعان ما ترددت هذه الكلمات بين الناس.
وكان سامبا يسمعها أينما ذهب، والأطفال يصيحون خلفه في سخرية عندما يشاهدونه في الطريق، حتى أن أباه لم يعد يعطف عليه بسبب جبنه وخوفه.
لم يستطع سامبا أن يتحمل كل هذا، فاستيقظ في صباح أحد الأيام، وركب حصانه الأسود، وقد عقد العزم على أن يذهب إلى بلد لا يعرف شعبها الحرب ولا العنف.
وكانت رحلة طويلة شاقة، لازم الفزع فيها سامبا.
ففي النهار كان الخوف يقلقه خشية أن يقابل لصوصاً أو أعداء، وفي الليل لا يستطيع النوم خوفاً من أن تهجم عليه الحيوانات المفترسة، التي كانت تزأر في الظلام.
وبعد أن عانى سامبا كثيراً من المخاوف الرهيبة، وصل إلى مدينة عظيمة، ترتفع أسوارها إلى جوار النهر.
استعاد سامبا مظاهر النبل والسلطان، ودخل عبر بوابات سور المدينة، وهو يركب فرسه في عظمة ومهابة.
ومر أمام القصر الملكي، وقد رفع رأسه في اعتداد.
وبينما كانت ابنة الملك تتطلع من نافذتها، رأت الغريب الوسيم يمر من أمام القصر، فقالت لخدمها: " اذهبوا وتعرفوا على هذا الفارس الشجاع، الذي لم يسبق أن رأيت من يماثله في الوسامة والقوة ".
وعاد أحد أتباعها بعد قليل، وقال: " أيتها الأميرة العظيمة، إنه الابن الوحيد لملك عظيم".
فقالت له: " عد إليه، وادعه لمقابلتي".
وشاهد سامبا الأميرة الجميلة، فأعجب بها كما أعجبت به.
وطلبت الأميرة من والدها أن تتزوج سامبا، رغم أنها رفضت قبله ملوكاً وأمراء كثيرين.
ونظراً لأن الأميرة كانت الابنة الوحيدة لأبيها، فقد وافق على هذا الزواج.
وتزوج سامبا من الأميرة في احتفالات عظيمة.
وكان سامبا زوجاً محباً ذكياً، عاش مع زوجته في سعادة وهناء.
وكانت الأميرة فخورة بزوجها القوي الوسيم، وملأتها الرغبة في أن يكون زوجها محبوباً بين شعبها، كما تحبه هي وتقدره.
وفي يوم من الأيام قالت لزوجها:
" منذ زمن بعيد لم يهاجم الأعداء بلدنا. إذا حدث وجاءوا لتهديد أمننا، فسأشعر بالفخر الحقيقي حين أراك، يا زوجي الحبيب، وأنت تقود شعبنا في المعركة. وهذه فرصتك لتكسب شهرة واسعة كمحارب شجاع، ولتتغنى المدينة بأعمالك وبطولاتك".
ونظرت الزوجة إلى زوجها وعيناها تلتمعان بالحماس، لكن البريق اختفى من عينيها عندما رأت زوجها يتراجع في فزع إلى الخلف، ويقول محذراً اياها: " لا تتكلمي ثانية في مثل هذه الأشياء. لقد تركت بلدي حتى أتجنب وحشية المعارك ورؤية الدماء. وإذا طاردتني الحروب هنا، فسوف أترك هذه المدينة أيضاً إلى الأبد".
وظنت الأميرة أن زوجها يمزح، فقد كان شيئاً مستحيلاً أن يتصور إنسان أن فتى قوياً ذكياً مثل سامبا يخاف من المعارك.
لكن الأميرة أحست أخيراً ، من نظرات سامبا، أن زوجها لا يمزح ..!!
ولم يمض وقت طويل، حتى أغار لصوص من الأعداء على المدينة في أثناء الليل، وقتلوا الرعاة، وسلبوا عدداً كبيراً من قطعان الماشية.
وعند اكتشاف الخسارة في الصباح، أصدر الملك أوامره بقرع طبول الحرب، وبأن يتولى الأمير سامبا زوج ابنته قيادة المعركة، فارتفعت هتافات المقاتلين مرحبة بذلك القرار.
لكن سامبا لم يسمع هتافاتهم، فقد اختفى عن الأنظار، وعندما بحثت عنه زوجته الأميرة، وجدته مختبئاً في أحد مخازن القصر المظلمة، وبذلت معه جهداً كبيراً لكي يترك مخبأه، ويأخذ مكانه في مقدمة القوات.
لكنها فشلت في إثارة خوفه على شرفه، وفشلت في أن تجعله يشعر بالخجل من نفسه. وأخيراً حذرته من الخطر الذي سيلحق به إذا علم الشعب بما يملأ نفسه من مخاوف.
ومع ذلك لم تستطع أن تجعل سامبا يركب حصانه ليقود المعركة.
وأخيراً قالت الأميرة في صوت بارد قاس: " إذن أعطني سلاحك".
وتلفت الأمير حوله، ولم يجد مفراً من تنفيذ طلبها، فنزع عن صدره الدروع الذهبية الجميلة المرصعة بالأحجار الكريمة، فثبتتها حول صدرها، ثم ناولها سيفه وقوسه وسهامه.
وعندما وضعت الأميرة الخوذة فوق رأسها، وأنزلت مقدمتها على وجهها، أصبح واضحاً أن أحداً لن يستطيع اكتشاف حقيقتها، خاصة في أثناء انشغال الجميع بالقتال.
وخرجت الأميرة تسير بخطى ثابتة إلى فناء القصر، ثم قفزت إلى ظهر حصان زوجها الأسود، وانطلقت كالرعد من بوابات المدينة على رأس المقاتلين. ولم يكن من الصعب هزيمة المعتدين، واسترداد كل ما سرقه اللصوص.
وعادت الأميرة المنتصرة إلى غرفتها مباشرة، حيث كان ينتظرها " سامبا " في قلق، لكنها لم توجه إليه كلمة لوم أو عتاب، بل قالت له:
" ساعدني في نزع هذه الدروع". ثم طلبت منه أن يرتديها بسرعة.
والغريب أن الأمير سامبا أطاعها بغير مناقشة، ثم ذهبت معه إلى الشرفة الخارجية، التي تجمع تحتها الناس.
واستقبلته الهتافات المدوية من أفراد الشعب المتحمسين لبطلهم وقائدهم الجديد. وابتسم لهم سامبا، ولوح لهم بيده، لكنه لم يقل شيئاً، ولم يعرف أحد أن الأمير سامبا لم يكن هو الذي قادهم إلى النصر.
إلا أن شقيق الأميرة الأصغر كان يشعر أن شقيقته هي التي كانت تلبس الدروع وتقود المعركة.
وعندما أخبر أخوته بشكوكه، ضحكوا من تصوراته، لكنه قال: " إذا جاء المعتدون ثانية، سأثبت لكم صحة ظنوني. سوف أحاول أن أترك علامة خاصة على القائد".
غضب المعتدون اللصوص لهزيمتهم، وما أن جمعوا حولهم عدداً أكبر من رجال العصابات، حتى عادوا مرة أخرى للهجوم على المدينة.
ورفض سامبا مرة أخرى أن يقود قواته، وترك زوجته تقود المحاربين إلى المعركة، وهي متخفية في دروعه.
وفي أثناء خروجها إلى الفناء لتركب حصان زوجها، راقب شقيقها الأصغر طريقة مشيتها، فبدأت شكوكه تتزايد.
ولكي يكتشف الحقيقة ويتأكد تماماً، اقترب من أخته في أثناء المعركة، وأصابها بجرح صغير في ساقها.
كانت المعركة حامية جداً، فلم يكن لدى الأميرة وقت لتفكر في الألم، لكن عندما عادت إلى القصر، أحست بالضعف والمرض بسبب الدم الذي فقدته، ومع ذلك قالت لسامبا وهو يرتدي الدروع التي كانت ترتديها:
" إنه مجرد جرح بسيط في ساقي، والناس ينتظرون لتحيتك. ولكن قبل أن تخرج إليهم، اجرح ساقك برفق في نفس المكان، حتى لا يشك أحد في أنك أنت الذي كنت تقود الرجال في المعركة".
وانتفض سامبا وقال في فزع: " ماذا؟ أجرح نفسي؟ لا يمكن .. لا أستطيع.. هذا هو السبب الوحيد الذي يبعدني عن المعركة ".
تنهدت الأميرة في أسى ولم تقل شيئاً.
لكن في اللحظة التي استدار فيها الأمير ليخرج إلى الشرفة، انحنت بسرعة، وجرحته برمحه في ساقه المكشوفة، وبينما كان يصرخ، غطت الأميرة جرحها، وأسرعت تنادي طبيب الملك ليعالج الأمير الجريح.
وفي الحال، انتشرت بين الناس أخبار إصابة " سامبا " .
وظل الناس يذهبون إلى باب القصر، يسألون عن أخبار قائدهم الشجاع.
قال أكبر الإخوة لشقيق الأميرة الأصغر: " لعلك تأكدت الآن، أن سامبا هو الذي قاد المعركة فعلاً، وحقق لشعبنا النصر، وأنك كنت مخطئاً في ظنك ".
وشعر شقيق الأميرة الأصغر بالحيرة.
وعندما دخل الحجرة التي كان يرقد فيها سامبا وهو يئن، وجد أنه لا يستطيع الشك في الدليل الذي يراه أمام عينيه.
وبعد يومين، تجمعت كل عصابات الأعداء مع زعمائها، وعادت إلى مهاجمة المدينة للمرة الثالثة، وكلهم يأملون في أن تكون عودتهم السريعة المفاجئة سبباً في إحراز نصر سريع على أهل المدينة غير المستعدين لملاقاتهم.
وعندما دوت طبول الحرب، نهضت الأميرة وذهبت إلى زوجها وقالت: " سامبا.. إن جرحي أسوأ مما كنت أظن، ولم أعد أقوى على السير. سيكتشف المحاربون مرضي عندما أحاول ركوب الحصان أمامهم فلا أستطيع، لا يمكنني في هذه المرة أن أحل مكانك، يجب أن تذهب بدلاً مني".
تنهد سامبا وقال: " إن الملك له ثلاثة أبناء، ألا يقدر واحد منهم أن يقود المعركة؟" .
أجابت الأميرة: " إنهم صغار السن، ولن يطيعهم الرجال".
صاح الأمير: " لن أستطيع الذهاب !!".
قالت الأميرة: " إذن ارتد دروعك واركب حصانك واخرج مع الرجال ، وسألحق بك عند حافة الغابة من أقصر طريق، وهناك نستبدل أماكننا ".
ووافق سامبا على هذه الخطة، فقد كان على استعداد لأن يفعل أي شئ مادام لا يعرضه للخطر.
ولكن ما أن جلس سامبا على سرج حصانه، حتى ضربت الأميرة الجواد بالسوط ضربة قوية، فانطلق كالريح خارجاً من أبواب المدينة، وخرج خلفه كالسهم كل المحاربين. وبعد لحظة، كان الأمير وسط المعركة.
ولأول مرة وجد نفسه محاطاً بالخطر.
كانت السيوف تلمع عن يمينه ويساره.. تضرب وتقاتل، والحراب من أمامه ومن خلفه .. تطعن وتدافع. وكان لابد أن يقاتل من أجل حياته.
وهكذا حدثت المعجزة .. لقد وجد سامبا شجاعته حين أيقن أنه لا مفر من أن يقاتل، واكتشف أن الشئ الذي كان يخشاه هو الخوف نفسه وعندما وجد نفسه يقاتل من أجل حياته، نسي الخوف، وتغلب على نفسه، وانهال بسلاحه على أفراد عصابات اللصوص من حوله، تساعده قوته البدنية الهائلة، وأخذ أفراد اللصوص يفرون من أمامه.
وانتشرت بسرعة أخبار شجاعته وبطولته، فألهمت رجاله الجرأة والتصميم على النصر ، بينما نشرت الرعب والفزع في نفوس الأعداء.
وسرعان ما انتهت المعركة، ليس فقط بهزيمة اللصوص، بل بالقضاء عليهم حتى لا يعودوا مرة أخرى...
وكان النصر في هذه المرة هو نصر سامبا حقاً.
وعندما عاد إلى المدينة، كان هتاف الشعب أعلى مما كان في أي مرة سابقة.
واستقبله الملك بنفسه عند بوابة القصر.
وبينما كان سامبا يضع غنائم النصر الثمينة عند قدمي الملك، صاح الملك: " يا بني ... كم أنا فخور بك .. كيف أستطيع أن أعبر عن شكري لشجاعتك وتضحياتك دفاعاً عن شعبي ؟! إنني مدين لك بالعرفان، لأنك قضيت على أعدائنا قضاء نهائياً".
قال سامبا، الذي وجد أخيرا شجاعته: " في الحقيقة أنت لست مديناً لي بشيء ، إنما أنا المدين .. مدين بكل شيء لابنتك ، زوجتي العزيزة، لأنها حولت رجلاً جباناً إلى قائد شجاع، وجعلته يحرز انتصارين في هذا اليوم .. الانتصار الأول على نفسه، والانتصار الثاني على أعداء الشعب ".


الأحد، 20 مارس 2011

"العصفور الأمـير" قصيدة للأطفال بقلم أحمد قرني

العصفور الأمـير
شعر: أحمد قرني محمد

لأنه عصفــور
مثقفٌ جسور
يسعى إلى الطعامِ
في رحلةِ البكــور
ويقرأُ الكتابَ
ويعرفُ الكثير
ويحفظُ القرآن
ويعرفُ التفسير
وخاشعاً يصلي
لربنا القــدير
لأنه عصفورٌ
مثقفٌ جسور
يطيعُ والديهِ
في كافـةِ الأمور
ينظفُ المكانَ
يرتبُ السرير
كأنه إنسانٌ
لا يعرفُ التقصير
يساعدُ المحتاجَ
ويُطعمُ الفقير
يقومُ في احترامٍ
ليجلسَ الكبير
يعودُ في المساءِ
بخيرِه الوفير
ينامُ في هدوءٍ
من راحةِ الضمير
كأنه سلطانٌ
كأنه الأمير


الجمعة، 18 مارس 2011

"أسئلة نشوان" قصة للأطفال بقلم آصف عبد الله

أسئلة نشوان
آصف عبد الله

جلس نشوان، جانب النّافذة المغلقة، يلعب بألعابه، إنّه لا يستطيع الخروج إلى الشّارع؛ فالمطر يهطل في الخارج! 
اكتشفَ نشوانُ شيئاً أعجبهُ! 
اكتشفَ صوت حبّات المطر المتساقطة برتابة وكأنّها تغنّي، وراح يُصغي بفرح إلى هسيس الماء المنساب من الأسطحة أيضاً، فجأة قطعت عليه أصواتٌ قويةٌ إصغاءَهُ؛ وكانت غير مألوفة لنشوان، فخاف وركض إلى المطبخ حيث كانت أمُّهُ تحضّر الطّعام، وصاح:
-"ماما.. ماما.. ماهذه الأصوات القويّة؟! أنا خائف.."
لكنّ ابتسامةَ أمِّه هدَّأت من خوفه واضطرابه
-"لا تخف يابني.. هذه أصوات الرّعد".
-"ماهو الرّعد؟"
-"الرّعد أصواتُ الغيوم في السّماء".
-"ولماذا تصرخ الغيوم بأصوات مخيفة.. هل تتشاجر الغيومُ يا أمّي؟"
-"نعم، إنّها تتشاجر قليلاً، ولكنّها تخجل من تصرفها فتصمت وتنزل مطراً".
-"ماما، هل المطر هو دموع الغيمات؟".
-"طبعاً إنّه دموع الغيمات ذرفتها ندماً على الشّجار".
-"ماما من أين تأتي الغيمات؟".
-"من البحر يا بني".
عاد نشوان إلى جانب النّافذة، وأصغى طويلاً إلى حبّات المطر؛ وهي ترقص على السطوح، وفي الشّارع، وكان يسمع، أحياناً، صوت الرّعد، فيضحك لأنه يعرف أنّ الغيمات تتشاجر قليلاً، وأنّ دموعها تسقي الأرض والأزهار والعصافير.
http://www.syrianstory.com/a.asseffe.htm

الخميس، 17 مارس 2011

"صندوق وفاء" قصة للأطفال بقلم محمد عاشور هاشم

صندوق وفاء
فائز بالمركز الأول فى مسابقة هيئة قصور الثقافة
 محمد عاشور هاشم
وفاء بنت جميلة اقترب موعد دخولها الحضانة .. اشترى لها ابوها ملابس جديدة وحقبية صغيرة وقال لها :
غدا ستذهبين إلى الحضانة يا وفاء؟
إيه الحضانة دي يا بابا ؟
هتعرفي بكرة لما تروحيها
لأه يا بابا .. أنا مش هاروح الحضانة دي
لم تكن وفاء تعرف ما هي الحضانة ولهذا فقد رفضت مجرد الحديث في أمر ذهابها إليها، كانت تبكي وتصرخ وتجري مبتعدة كلما كلمها أحد في شأنها . . .

مرّ أسبوع وهى على هذه الحال ولم يكن أبوها أمها يعرفان كيف يحببان إليها الأمر.. ولما عرف الأستاذ سليم ، مدير الحضانة طلب ترك الموضوع له فذهب إليها وجلس معها وجعل يلاعبها ويلاطفها حتى أنست إليه وظل هذا هو دأبه معها عدة أيام ، يأتيها بعد انتهاء، اليوم الدراسي في الحضانة فيجلس معها ويلاعبها ويأتيها بالهدايا والنقل والحلويات . . . وبمرور الأيام أحبته وفاء حبا كبيرا ولم تعد تستطيع أن تتحمل يوما يمر من غير أن تراه.

وذات يوم تخلف الأستاذ سليم عن الحضور ، فافتقدته وفاء وحينما حضر في اليوم الذي يليه عاتبته بشده وطلبت منه ألا يغيب عنها مرة أخرى، لكن الأستاذ سليم تخلف عن الحضور من جديد وهذه المرة أطال في غيابه ، فحزنت ( وفاء ) وظلت تلح على أبيها أن يحضره لها :
لو عايزه تشوفيه روحيله إنت . .
فين يا بابا ؟..
في المكان اللي بيبقى فيه
طيب ياللا خدني وديني ليه..
أخذها أبوها إلية .. ولم تجد وفاء الأستاذ سليم وحدة وإنما وجدت أقرانا لها كثيرين في نفس عمرها، راحت تلعب معهم وتضحك وتمرح طول النهار .. وحينما عادت إلى البيت طلبت من أبيها أن يأخذها إليهم مرة أخرى في الغد.

ولكن يا وفاء
عشان خاطري يا بابا
بس

وأخذها أبوها إلى الحضانة في اليوم التالي ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي يأخذها فيها فقد تكرر الأمر كثيرا وعرفت وفاء أساتذة آخرين غير الأستاذ سليم ،عرفت الأستاذ عادل والأبله كريمة و الأستاذ أيمن.

كانت تلعب معهم وترسم وتصنع العرائس الجميلة وتشاهد أفلام الكرتون والأفلام التعليمية وذهبت معهم مرة إلى حديقة الحيوانات ورأت الفيل والزرافة والقرد والطيور والغزالة والأسد
قضت يوما جميلا مع أقرانها الصغار اللذين بدأت تصادقهم وتتعرف عليهم.
عارف يا بابا..
إيه يا وفاء..
أنا بحب الأستاذ سليم والأساتذة كلهم و عايزه أروح هناك على طول
واستمرت وفاء في الذهاب إلى الحضانة دون أن تدري أنها الحضانة
واقترب نصف العام. 
وسألها أبوها : إيه رأيك في الحضانة بقى يا وفاء
وتساءلت وفاء باستغراب : حضانة ؟ حضانة إيه؟
وضحك أبوها قائلا : الحضانة .. اللي أنت بتروحيها..
هي هي دي بقى الحضانة ؟
وزادت ضحكة أبيها : أيوه يا ستي..?
ووضعت وفاء يدها على فمها وضحكك ..
يأتي نصف العام وتستعد الحضانة لإقامة حفل كبير .. تجرى ( وفاء) نحو أبيها وتطلب منه صندوقا كالذي اشترى لها فيه عروستها الجميله وقطارها الكبير!
لماذا يا ( وفاء ) ؟
عايزاه يا بابا !!
ليه يا ( أفأف )؟
هاحط فيه هدية لأبلة كريمة والأستاذ عادل وأستاذ طلعت و... للأستاذة كلهم!!
وتعرف الحضانة : ( وفاء ) ستقدم هدية يوم نصف السنة ! ويحاول الأساتذة معرفة الهدية لكن (وفاء) ترفض إخبارهم وتستمهلهم إلى يوم الحفلة !?
ويأتي اليوم ويحتفل الجميع وتقبل (وفاء) حاملة بين يديها صندوقها الصغير الذي يبدو في شكل جميل ، فقد غلّفته بورق (سيلوفان) ذهبي وفضّي وربطته برباط على هيئة ( فيونكة) حمراء ...
وينتبه الجميع وتقف (وفاء) وسط زملائها ومدرسيها .
وتضع صندوقها على منضدة صغيرة وسط الجميع وتشير إليه وتقول للأستاذ سليم :
إتفضل يا أستاذ أفتح الصندوق وخد هديتك إنت والأساتذة !!

ويقرب الأستاذ سليم من (وفاء) وينحني عليها ويطبع قبلة رقيقة على رأسها ثم يمسك الصندوق ويفتح غطاءه وتتوجه الأنظار إلى الصندوق ويفاجأ الأستاذ سليم ويفاجأ الجميع بأن الصندوق خال ليس به شيء وترتفع الأصوات: ما هذا يا (وفاء)؟ أين الهدية؟!!
وتأخذ وفاء الصندوق وهي تضحك وتقول :
إيه ده مش شايفنها ؟!!
لأ .. هي فين ؟
طب أستنوا
وتجمع زملاءها حول الصندوق وتقول بصوت عال : قمر !!
فيحني الأطفال كلهم على الصندوق ويخفونه تحت رءوسهم ويضعون فيه أشياء وتسمع ضحكات وشقشقه عصافير تغلق ( وفاء ) الصندوق وتقول وهي منحنية : شمس!!
فيعدل الأطفال أجسامهم وهم يرفعون أيديهم لأعلى يهزونها وهم يصيحون : هيييه !!
وتبتعد ( وفاء ) هي وزملاؤها عنه وتطلب من الأستاذ سليم فتحه من جديد

ويبتسم الأستاذ سليم من الأعماق وتهزه نشوة كبيرة وحينما يفتح الصندوق هذه المرّه يفاجأ هو والحاضرون بهذه القبلات الكثيرة التي امتلأ بها والتي راحت تخرج منه طائرة بأجنحة ذات ألوان فسفورية .. تحلق عالياً ثم تعود وتقترب منه ومن المدرسين طابعة نفسها على خدودهم ويضحك الجميع وتسود البهجة المكان وتتجه الأنظار كلها صوب (وفاء) التي تسرع ناحية الصندوق وقد تبقت به قبلة واحدة كبيرة ذات ضياء وألوان لامعة طيّارة فتحبسها فيه وتغلق عليها الغطاء وتقول ودي لبابا .... هاهديها له عشان هو اللي جابني هنا وعرفني إيه هي الحضانة !!
http://misrelmahrosa.gov.eg/NewsD.aspx?id=152

الأربعاء، 16 مارس 2011

"إيمان والطائرة الورقية" قصة للأطفال بقلم ديمة سحويل

إيمان والطائرة الورقية
ديمة سحويل
القصة مهداة لروح الطفلة الشهيدة إيمان الهمص

كانت السماء الزرقاء تزدان بالطائرات الورقية على أشكالها المختلفة
كانت إيمان تنظر إلى السماء وهي في طريق عودتها من المدرسة تحدق بالطائرات الورقية بكل شغف .
إيمان لم تكن تملك طائرة ورقية كبقية الأولاد...
و لم تتمن يوما أن تملكها....
كانت تحلم دائما ان تتعلق بإحدى الطائرات الورقية لتطير بها إلى السماء كالفراشات وتتنقل بين البلدان دون قيود أو حدود أو حواجز بكل حرية .

ظلت إيمان تراقب الطائرات الورقية الجميلة وهي تحوم حول الشمس......
لفت نظرها طائرة ملونة بألوان قوس قزح ظلت تراقبها أينما حطت .
ابتعدت الطائرة قليلا وارتفعت في السماء الواسعة.
ظلت إيمان تلحق بها من مكان لآخر.
فتعثرت بحجر وسقطت على الأرض وغابت الطائرة عن نظرها واختفت

نهضت إيمان عن الأرض بسرعة وبدأت تنفض مريلة المدرسة الزرقاء من الغبار الذي علق بها.
واستعدت للحاق بالطائرة التي غابت عنها لعلها تجدها بين جموع الطائرات المعلقة بالسماء.
إلا أن قدمها علق بشئ أعاق حركتها ، أرادت أن تزيله ولكنها لم تستطع .
كان خيطا شفافا لإحدى الطائرات الورقية التي سقطت على الأرض ولم يفلح الصبية بالتحكم بها .
بدا الخيط فجأة يلتف حول ساقها شيئا فشيئا ..................
وصارت إيمان تحلق بالسماء على متن طائرة الورق الملونة
سألت الطائرة الورقية إيمان : أين هي وجهتك أيتها الصغيرة الجميلة ؟
تعجبت إيمان من مصدر الصوت ولكنها أدركت أن الطائرة الورقية هي التي تحدثها .
ردت على الفور: أريد أن تأخذيني بعيدا عن بلاد اليأس والحرب...
سمعت عن بلاد الفرح والمرح هل بإمكانك أن توصليني إليها ؟ أنها مليئة بالورود والفراشات والدمى والحلويات .
أريد أن ابتعد عن بلاد الحواجز و الدمار ..

استجابت الطائرة الورقية للصغيرة إيمان وحلقت بها إلى بلاد الفرح والمرح
وصلت إيمان لتلك البلاد فشاهدت بلادا مرصوفة بالورود الملونة، تتطاير الفراشات بسمائها والأطفال يلعبون ويمرحون بالحدائق.

شاهدت النسوة في بلاد الفرح والمرح ينسجن من خيوط الشمس الذهبية ثيابا لأولادهم وكان الرجال يجمعون الأصداف الملونة من شاطئ البحر يبنون بها بيوتهم.
وكان أريج البرتقال ينتشر في أجواء البلاد .
صارت إيمان تبكي.....

سألتها الطائرة الورقية : ولماذا تبكين الآن يا صغيرتي ؟ ألم تعجبك بلاد الفرح والمرح ؟
ردت إيمان : لقد تذكرت أهلي وأصدقائي الذين يعانون من القهر والتعب قارنت بين الفراشات التي تتطاير في سماء بلاد الفرح والمرح وبين الطائرات الحربية التي تحلق في سماء بلادنا ، و بين رائحة البارود في بلادنا وأريج البرتقال في بلادهم وبين الأطفال الذين يلهون ليل نهار وبين أطفال بلادي ...

قارنت وقارنت وتذكرت وبكيت ،اعذريني أيتها الطائرة الورقية فكم تمنيت أن يحظى أهلي وإخوتي وجيراني وأصدقائي بما حظيت به من رؤية بلاد الفرح والمرح ...

أخبرتها الطائرة الورقية بأنها على الفور سترجعها لبلادها لتنقل معها من تشاء من أهلها لتلك البلاد الجميلة .

فرحت إيمان كثيرا لان إخوتها سيلعبون بحدائق واسعة و ستغزل أمها من خيوط الشمس ثيابا لهم و سيجمع والدها الأصداف الملونة من شاطئ البحر ليبني لهم منزلا جميلا وسيجتمع الجيران ويتبادلون أحلى الحكايات أمام شاطئ البحر الأزرق .

لحظات ولحظات جميلة عاشتها إيمان وهي على ظهر الطائرة الورقية تتخيل .
وصلت الطائرة الورقية إلى أجواء بلاد اليأس والحرب واقتربت من منزل إيمان .
خافت الطائرة من إنزال إيمان الصغيرة على الأرض لأنها لمحت بالقرب من بوابة منزلها معسكرا للجيش.
ابتسمت إيمان وقالت للطائرة لا تخافي لقد تعودنا على وجودهم...
هبطت الطائرة الورقية وحطت على الأرض بعد أن طمأنتها إيمان
نزلت إيمان على الأرض وطلبت من طيارة الورق أن تنتظرها حتى تحضر مع أهلها وجيرانها.

وغابت إيمان.......................................ولم ترجع

وظلت الطائرة الورقية تنتظر ....................ولم تقلع


الاثنين، 14 مارس 2011

"علاء الدين والحاسوب السحري" قصة للأطفال بقلم سمية البوغافرية

علاء الدين والحاسوب السحري
سمية البوغافرية

الجزء الأول
ـ 1 ـ
علاء الدين والمارد الضخم
اشتهر علاء الدين وذاع صيته في الألعاب الإلكترونية وعمره لا يتجاوز سبع سنوات. فما كان علاء الدين يخوض مسابقة فيها إلا وحسمها لصالحه في الجولة الأولى. فتلألأ نجمه في وطنه وخارجه وتهاطلت عليه الجوائز من كل بقاع الكون. إلا أن نتائجه المدرسية كانت تشهد تدنيا مخيفا يبعث على القلق.
بذل والداه قصارى جهدهما لإنقاذه من آخر رسوب مسموح به في مدرسته. تسلحا بالصبر، وبالرفق في معاملته كما نصحهما طبيبه النفسي لإعداده لامتحان الثلاثية الثانية من الصف الثاني ابتدائي. في الصباح، أخذته أمه برفق وراحت تدربه على كتابة اسمه بمفرده. حتى اسمه صار علاء عاجزا على كتابته بدون أخطاء. بعد وقت طويل، كان يغيب فيه علاء كثيرا نجح في الأخير في كتابته وبخط سيء للغاية. يبدو كأنه كتبه بأصابع رجله. ويصعب التمييز بين حروف العين والهمزة واللام والدال والنون... ومع ذلك شجعته أمه وانتقلت به إلى درس التاريخ. فراحت تشرحه له ببساطة كأنها تشرحه لرضيع. بعد ساعتين من الشرح، بدا الانزعاج على الأم. كلما أيقظته من شروده ونبهته إلى الدرس الذي بين يديه عاد يسرح في البعيد من جديد. وفي الأخير ضاقت ذرعا منه. فصرخت في وجهه وخرجت تجهش بالبكاء.

في المساء، حل علاء الدين بمكتب والده يتأبط كتاب الرياضيات. فخاض معه أبوه معركة أخرى حول الزاوية القائمة. كانت ثقة والده كبيرة في أن يجعل علاء الدين قادرا على الانتصار على عجزه الذي احتار منه المعلمون والأطباء النفسانيون. بعد ساعة من الشرح والإيضاح لم يفلح علاء الدين في رسم الزاوية وتمييزها عن بقية الأشكال الهندسية الأخرى. فغضب أبوه وهوى على رأس علاء الدين بالمسطرة التي انقسمت إلى شطرين ثم رماه بكتابه ومقلمته وأوراقه...

لم علاء الدين أدواته وخرج يخنق دموعه. أغلق على نفسه في غرفته واسترسل يبكي. تألم كثيرا لأنه لا يستطيع التركيز في دروسه ولا يقوى على إرضاء والديه وبلوغ المستوى الذي ينشدانه فيه كما كان من قبل. إلا أنه لم يستسلم للألم طويلا. قفز من فوق سريره، فجلس أمام حاسوبه. فتحه، أدخل قرصا مدمجا يتضمن الألعاب الإلكترونية التي يعشقها. تحسس أثر الضربة على رأسه. أوجعته فدمعت عيناه وأسقط رأسه على لوحة المفاتيح مسترسلا يبكي، فإذا بمارد ضخم يخترق الشاشة !!..

ارتج علاء الدين وتراجع إلى الخلف مفزوعا يلهث ويهدئ روعة قلبه براحة يده. خاطبه المارد بصوت غليظ مرعب:
ـ أنا حمدون العجيب، أطلب ما تريد وأنا سأجيب.
انزوى علاء الدين في أقصى الزاوية يرتعد وينكمش على نفسه. ابتسم له المارد قائلا بصوت أغلظ من الأول:
ـ هيا أطلب ما تريد...
ثم أرسل حلقات من الضحك أصمت أذن علاء وكأن جبلا ضخما يتداعى بالقرب منه. فازدرد علاء ريقه وثقل لسانه في فمه ولم يستطع الرد. زلزله المارد بصوت أضخم من الأول:
ـ لك أربع طلبات كلها مستجابة. اليوم سأنفذ لك طلبا واحدا. وفي نفس المكان والزمان من كل شهر أنجز لك بقية طلباتك. هيا أطلب، أطلب، هيا..
ـ أريد أن أكون أشطر طفل في الوجود..
انطلق الطلب من فمه الصغير كالرصاصة، فضحك حمدون..هوه، هوه.. ومسح على رأس علاء ثم غاص في بحر الشاشة.

ظل علاء طول الليل ينصت إلى الضجيج في رأسه. ضجيج يشبه صوت تعبئة الأقراص المدمجة ولكنه أقوى قليلا. ظل ساعات مشدودا إلى ذلك الصوت حتى توقف فنام. في الصباح، استيقظ علاء من النوم مبكرا نشيطا مرحا يملأ الدار ضحكا وحركات. قوس ظهره في شكل أفقي مستقيم ورجلاه منتصبتان قائمتان وقال لوالده:" انظر، فهذه زاوية قائمة." فرح والده وقال له:" يبدو أنك استوعبت جيدا درس الأمس.."

ابتسم علاء ورد على أبيه فخورا بنفسه:" الزاوية القائمة درجتها 90 ، أما الزاوية المستقيمة فـ 180 درجة" ثم استرسل موضحا بعض النظريات في الرياضيات والفيزياء والكيمياء... اندهش والده، ولم يصدق أن الذي أمامه طفله علاء الدين. فدعا زوجته وقال لها مندهشا:" استمعي إليه. إن كل ما يرد على لسانه صحيح. لم أعد أصدق ما أسمعه من هذا الطفل العجيب." ثم نظر إلى أمه وراح يسرد عليها أحداثا تاريخية لم ترد في كتابه المدرسي، ولم تحدثه بشأنها يوما، بأسلوب تاريخي سلس يشد الانتباه. تبادلت مع زوجها نظرة استفهام وتعجب، وقالا له دفعة واحدة:" أنت محق في كل ما قلته، ولكن من أين لك بهذه المعلومات؟" فأشار لهما ضاحكا إلى الحاسوب ثم حمل محفظته وخرج.
ـ 2 ـ
علاء الدين الشاطر في القسم
دخل علاء الدين متأخرا إلى قسمه، فزاحم زملاءه في المقاعد الأمامية المخصصة للمتفوقين من التلاميذ. ضاقوا منه وأشاروا إليه مستهزئين.. "أنت كسول ومكانك في نهاية الفصل.." وأشار عليه المعلم بسبابته بأن يعود إلى مكانه في آخر مقعد في الفصل قائلا له:" حينما تحفظ دروسك وتستوعبها جيدا تعال واجلس في المقدمة. أما الآن فإذا كتبت تاريخ اليوم مضبوطا وبدون أخطاء فسوف أتنحى لك عن مكتبي." فانفجر التلاميذ ضاحكين.
نظر إليهم علاء بنفور. ثم قفز إلى السبورة وكتب عليها بخط واضح وجميل: الاثنين 1 أكتوبر 2019
اندهش المعلم وسكنت حركات التلاميذ وخمدت هتافاتهم الاستهزائية الساخرة. وعاد علاء وأخذ مكانه في المقعد الأول رغم معارضة زملائه. في حين ابتسم له معلمه ولم يأمره بمغادرته. فغضب التلاميذ ورموا علاء بالغباء. ثارت ثائرة علاء، وكادت أن تنشب معركة هوجاء بينه وبين زملائه لولا أن تدخل المعلم مقترحا إجراء مباراة للفصل بينهم. فانصاعوا مرحبين باقتراحه عدا علاء الدين الذي مضى بفتور شديد إلى السبورة مع رفاقه الست المتحمسين.
أعلن المعلم عن بداية المباراة قائلا:
ـ بماذا ترغب أن نبدأ يا علاء؟ بالخط؟ أم النقل؟ أم الإملاء؟...
قاطعه علاء قائلا وهو ينظر إلى زملائه الواقفين بجانبه:
ـ هذه مواد أراها جديرة بأطفال أمثال سعيد وسليم وسعاد وسلوى...
ـ وفيما يريد أمثالك أن يمتحن إذن؟ في الألعاب الإلكترونية؟
ـ في التكنولوجيا، في الفلسفة، في علم الفلك، في الفيزياء النووية، في الطب، في علم الذرة...
بينما ظل المعلم صامتا يحدق في وجه علاء مندهشا، وشوش التلاميذ فيما بينهم قائلين:" من يدعي نفسه هذا الكسول ؟"‌‍
‍فالتفت إليهم ورد عليهم رافعا رأسه في السماء:
ـ أنا انشتاين زماني، أنا سقراط ألألفية الثالثة، أنا ابن خلدون، أنا ابن رشد...
فانكمش الأطفال فاغرين أفواههم وانبهر المعلم من طلاقة لسان علاء الدين وفصاحة قوله، وما يجري على لسانه من نظريات ومعادلات لم يفهم منها غير القليل. فرشحه على الفور عضوا في برلمان الطفل بدل أخيه عز الدين. حينئذ تنفس علاء الصعداء وصافح زملاءه واحدا واحدا ثم ودعهم قائلا:
ـ سأبذل كل جهدي لتكونوا في الطليعة...
فدعوا له بالتوفيق ومضى علاء خارجا دون أن يلتفت وراءه.
ـ 3 ـ
علاء الدين في برلمان الطفل
أم علاء الدين مقر البرلمان بهندام أسود أنيق، وربطة عنق حمراء، ونظارة شفافة ذات إطار أسود جذاب، فأخذ مكانه في مقدمة المجلس. استمع عن مضض للمواضيع التي يتطرق إليها زملاؤه. كل واحد منهم يقوم حسب دوره ويسرد لائحة من حقوق وواجبات الطفل ثم يجلس مسرورا بما قدمه. كاد علاء يجن. بدا له ما يجري في أروقة البرلمان مجرد لعب ومرح. وأن بهذا الأسلوب لن ينقذوا الطفل من معاناته ولن يرقوا به إلى المستوى المنشود أبدا. فالتزم الصمت ينتظر ريثما يحل دوره لينتقد سير العمل المتبع في برلمان الطفل. وبينما هو ينتظر دوره، غاب علاء سارحا في مشاهد مؤلمة يراها يوميا ذهابا وإيابا في شوارع مدينته. أطفال متشردون يفترشون في الليل الأرصفة ويلتحفون السماء. بالنهار، هم أياد ممدودة إلى المارة. يقفز بعضهم على زجاج السيارات يمسحونها والأوساخ تكسوهم من قمة رؤوسهم إلى أخماص أقدامهم الحافية. وآخرون يسقطون على الأقدام يمسحون الأحذية. وآخرون يمددون أياديهم وألسنتهم تلهج بأدعية الرحمة للمارة وهم أشد المخلوقات حاجة إليها. وإذا ألهبهم الجوع وتجمدت أجسادهم بصقيع الشتاء أو اكتوت بلفيح شمس الصيف هبوا إلى صناديق القمامات. لم ينس علاء صورة زميله في القسم الذي توفي والده فغادر مدرسته ليمسك المطرقة والمسامير والمنشار. يشتغل طول النهار في ورشة النجارة عند جاره وصديق أبيه. ولما كانت سبابته أول ما جاء عليها منشاره الصغير طرده منها فغاب عن عيني علاء مدة طويلة. اليوم وحده، اعترض طريقه ليحييه ويهنئه بمنصب البرلماني. ففجع علاء ولم يصدق ما رآه فكاد يصرخ في وجهه فزعا:
ـ هل أنت ابن حمدون العجيب؟؟
وحينما عرفه من نبرات صوته استرسل علاء يبكي من حاله. لم يقدر علاء أن يستبين ملامحه بسبب زيوت السيارات والأتربة التي تراكمت على وجه زميله اليتيم... نادى رئيس البرلمان باسم علاء يدعوه لإلقاء كلمته. فقام إلى المنبر وظل برهة من الزمن يفكر مطأطئا رأسه. ود علاء لو يصدح بمعانات الطفل كما شاهدها ويعاينها يوميا. أو يصدح بالمرارة التي تذوقها بين جدران مدرسته. وتمنى من أعماقه لو يتلقى أجوبة سريعة ومبادرة فورية لإنقاذ الطفل... وحينما أعاد عليه الرئيس بصوت حاد:
ـ هيا يا علاء.. تفضل والق كلمتك
ابتسم له علاء ومسح جدران القاعة بنظرة استخفاف ثم حيا الرئيس وزملاءه وبعد تنهيدة حارة قال بامتعاض شديد:
ـ لقد مضى ما يربو على عقدين من الزمن على تأسيس هذا البرلمان، فماذا صنعتم لهذا الطفل الذي أوكل إليكم مهمة إيصال صوته إلى المسئولين لتحسين ظروفه؟ وما هي الإنجازات التي سجلتموها لصالحه؟ وماذا فعلتم بشأن الطفل الذي يتوسد الحجارة ليدافع بها عن نفسه أمام الرشاشات والقنابل والأعمال الإرهابية، التي زعزعت لديه الأمان والطمأنينة في رحم أمه؟...
قاطعه أحد النواب:
ـ نحن نمثل أبناء دوائرنا ولسنا مسئولين عن أطفال العالم
قهقه الآخرون وابتلع علاء ريقه قائلا وآثار الغضب بادية على وجهه:
ـ الطفل ما يزال حتى اليوم أكثر المخلوقات تعنيفا. في المدرسة، يشعر وكأنه ينفذ عقوبة الحبس. يكتوي بنار ضغوط البيت والمدرسة ونار الإلقاء به في الشارع. وإذا حالفه الحظ وتدرج في مستوياتها حتى النهاية المرسومة لفظته مهزوز الشخصية، لا رأي له ولا قدرة له على المناقشة، ولا إدراك له بما يجري حوله كأنه من عالم آخر لا يمت بصلة إلى عالمنا.
ـ أجل، قد تطرقنا ـ يا علاء ـ إلى هذه النقاط في الجلسات السابقة فماذا تقترح لهذه المعضلة؟؟
سرح علاء في البعيد دون أن ينبس بكلمة ثم ألقى عليهم تحية الوداع واندفع خارجا بعدما بدا له البرلمان مكانا لاجترار الكلام...
اعتكف في غرفته يناشد، عبر الأنترنيت، المنظمات الدولية المتخصصة، والجهات المسئولة على حماية الطفولة لإنقاذ الطفل والرفع من مستواه الاجتماعي. إلا أن الإنجازات التي حققها كانت دون المستوى الذي يأمل في تحقيقه لطفل اليوم. لم يتوصل علاء من مساعيه الحثيثة إلا ببعض مساعدات مادية زهيدة وبعض كراسي متحركة للمعوقين، ووعود بإجراء عمليات مجانية لضعيفي البصر ومرضى القلب، وفتح شبه مدارس في المناطق النائية، وكذلك مضادات حيوية مجانية مع لقاحات وأمصال ضد مختلف الأمراض..
فخلع عليه هندام البرلماني وانزوى في غرفته حزينا متألما ينتظر حمدون العجيب ليلبي طلباته وما ينشده لطفل اليوم..
ـ 4 ـ
علاء يكشف عن سر فشله المدرسي
لم ينس علاء يوما مأساته بين جدران قسمه. وكيف ألقى به معلمه في آخر الفصل. فهو لم يكن غبيا ولا كسولا. كان طفلا عاديا في البداية ومن المتفوقين في قسمه. إلا أنه يوما مرض فغاب عن المدرسة عشرين يوما. وحينما التمس في نفسه القدرة على القيام، حمل محفظته وأدويته وذهب إلى مدرسته فرحا باستئناف دراسته وبملاقاة أصدقائه. جلس على مقعده الذي يحمل صورته في أول الصفوف. سعد كثيرا بالجو في الفصل الذي افتقده طيلة أيام مرضه فنسي أنينه وسقمه إلى حين.
إلا أن علاء لم يعد نشيطا في القسم. طيلة الوقت يستمع إلى شرح معلمه ولا يجد نفسه قادرا على المشاركة كما كان وكما يرى بقية زملائه في المقاعد الأولى يفعلون. وجد نفسه غريبا في قسمه. تائه بين كثرة المواد وجديد الدروس. مهما أجهد نفسه في التركيز، لم يستطع علاء متابعة وفهم ما استجد منها. فسقط يوما رأسه فوق مقعده من شدة الإجهاد والفتور الذي استشعره من آثار المرض الذي لم يشف منه نهائيا. فقرصه معلمه من خده وصرخ علاء من شدة الفزع فانفجر الآخرون ضحكا.
انكمش علاء على نفسه خجولا مما صدر منه. فأضحى رغم كل العناء الذي يستشعره علاء، يحرص كثيرا ألا يقتنصه النوم مرة أخرى فيقرصه معلمه ويضحك عليه التلاميذ. يجهد نفسه كثيرا ليظل يقظا. ويجهد نفسه أكثر في التركيز فيما يمليه معلمه من دروس على التلاميذ عله يستشف الطريق إلى فهمها ويستعيد مشاركته في القسم كما كان. لكن دون جدوى. فقط، يجد نفسه شاردا يسبح في فراغ رهيب. لا يفكر في شيء. فقط فراغ رهيب يلف ذاكرته. ذلك الفراغ الذي استحبه مع الأيام بدل التركيز في شيء لا يعرف أوله من آخره. ليفاجأ بمعلمه يلقي به في آخر مقعد في القسم صارخا في وجهه:
ـ أنت كسول مكانك هناك
فوجد مع الأيام راحة مطلقة في عقوبة معلمه بإلقائه في نهاية الفصل ومنع بقية التلاميذ من توجيه الأسئلة إليه أو محادثته.
في آخر الفصل، لم يعد أحد يكسر على علاء شروده وغيابه المستمرين. لقد أنقذه معلمه بهذه العقوبة من الجهد الذي كان يبذله ليستوعب ما يريد أن يسطره في رؤوس تلاميذه بالضرب أحيانا والصراخ أحيانا أخرى. فاستعذب علاء هذه العقوبة. طيلة الحصة يظل غائبا عما يجري في الفصل. لا يحضر في قسمه إلا بجسده. أما عقله فيسبح على الدوام في فراغ سحيق. لا يتخلص من هذا الفراغ إلا حينم
الجزء الثاني
ـ 1 ـ
الغبرة العجيبة
حلت الليلة الثلاثون من شهر أكتوبر 2019 فارتمى علاء على مكتبه وقبع أمام حاسوبه. ينتظر بفارغ الصبر حلول موعد قدوم حمدون العجيب. إلا أن الشاشة ظلت صافية لا أثر لأمارة واحدة تدله على المارد الضخم. مرت على موعده عشر دقائق ولم يحضر بعد. مضت تلك الدقائق على علاء ثقيلة كأنها دهر. فكتب على الشاشة حانقا: "ذهب حمدون ولم يعد". انهمرت الدموع ثقيلة على خديه حزنا على منهجه الذي لا يستطيع أن يظهره إلى الوجود دون مساعدة حمدون. فأسقط رأسه على لوحة المفاتيح باكيا كما يفعل دائما كلما كبس الضيق على قلبه. فإذا بالمارد الضخم يخترق الشاشة ويقول له بصوت غليظ اهتزت له جدران الغرفة:
ـ أنا حمدون العجيب، أطلب ما شئت وأنا سأجيب.
ففزع علاء الدين وكاد يسقط من فوق كرسيه ثم تنهد وابتسم للمارد قائلا:
ـ أريد أن يكون الطفل سعيدا في كل أرجاء المعمورة.
فرد عليه المارد ضاحكا:
ـ خذ هذه الغبرة العجيبة وذرها على مطالبهم فترى الإجابة. هوه، هوه،هوه...
وتبخر المارد.
تمعن علاء الدين في يده الغبرة العجيبة اللامعة كأنها مسحوق من الألماس. لمسها بأصبعه فإذا هي ملساء خفيفة كالهواء. فأغلق عليها في القارورة السحرية كما تسلمها من المارد وقفز في الهواء فرحا ليشرع في الخطوة الأولى نحو تحقيق سعادة الطفل.
ـ 2 ـ
فضاء الطفل عند علاء
خصص علاء الدين كل طفل بغرفة ينتقيها بيده من مجموع غرف البيت. يشرف على ديكورها وتجهيزها بنفسه وحسب ذوقه. زودها بحاسوب ولعب يختارها الطفل بيده، وثلاجة صغيرة تفي بكل احتياجاته الغذائية. ما أن تنتهي حتى تفيض كأنها عينا من عيون الجنة دائمة العطاء. وشيد حدائق عمومية في كل مجمع سكني زودها بشتى أنواع وسائل الترفيه وأحاطها بشريط من الحواسيب مشتغلة على الدوام. حياة أخرى تجسدها هذه الحواسب. لا تغفل لحظة من تذكير الطفل بما له وما عليه. كل المشاهد المعروضة والموسيقى المرافقة لها مع الأغاني هي دروس مقتبسة من منهج علاء. وكل جانب منها مخصص بالألوان والمناظر التي تطبع نوع المادة التي يلقنها علاء عبرها. وكل جناح فيها مخصص لفئة عمرية مقسمة حسب نظرة علاء في برنامجه الذائع الصيت.
كما زود علاء المدارس بأحدث الوسائل التكنولوجية. يستوعب من خلالها الطفل مقرره الدراسي وهو يلعب ويضحك أيضا. صار المعلمون يتساءلون عن دورهم في المدرسة بعدما انحصر دورهم في التوجيه وتنظيم أوقات التلاميذ حسب البرنامج الذي وضعه علاء الدين لكل مادة. حتى الشجارات بين الأطفال اندثرت. وفي مدرسة علاء التي أنشأها في كل أرجاء العالم، مكتبة توفر للطفل كل ما يرغب فيه من الكتب والأقراص المدمجة، ومسبح يشرف عليه أمهر السباحين، ومصحة صغيرة مجهزة بكل المعدات الطبية، يشرف عليها طبيب نفساني وآخر مختص في أمراض الأطفال، ومطعم صغير يلبي كل احتياجات الطفل الغذائية. وجهز قاعتين في كل مدرسة بالأسرة ووسائل الراحة يؤمها الطفل متى شعر بالتعب. ونصب لوحة إلكترونية في كل قسم تعرض المدرس لعقوبة الحبس إذا رفع صوته على التلميذ أو رفعت ضده شكوى من أحدهم. ومكن كل تلميذ من التواصل مع مربيه بكل الوسائل المتاحة. وعين مجموعة من أساتذة للطوارئ. متى استنجد بهم التلميذ نقلتهم سيارات المدارس على جناح السرعة إلى أماكن تواجدهم.
في مدارس علاء الابتدائية يمنع إثقال الطفل بما كان يسمى بالواجبات المنزلية، إلا ما أتى به من تلقاء نفسه. وغالبا ما يفعل التلميذ لإظهار تفوقه على الآخرين وللفوز بمديح معلمه. ولا وجود للامتحانات الدورية والنهائية، ولا محافظ نراها على ظهور التلاميذ أو زي موحد يشعرهم بأنهم كما الجنود وأنهم في مهمة طول السنة. ولا يظل الطفل طيلة السنة حبيس جدران مدرسته. بل برمج علاء في المقرر الدراسي كل أسبوع خرجات داخل البلاد. وكل ثلاثة أشهر خرجات خارجها. فلم يعد أصدقاء الأنترنيت أصدقاء عابرين أو بدون ملامح بل أطفال وأياد تتصافح.
تفقد علاء قارورة الغبرة العجيبة في يده وبدت له كأنه لم يلمسها بعد، فقبلها وطرق باب الأطفال لإشراكهم في عملية الإنجازات القادمة..
ـ 3 ـ
تعالوا يا أطفال
فتح علاء موقعا على الأنترنيت يستقبل فيه كل طلبات الأطفال أنا وجدوا. تَوَّجَهُ بوصلة إشهارية تقول:" لا تترددوا في المطالبة باحتياجاتكم من علاء الدين على العنوان: www.tiflsaïd.com
فهبت على موقعه مئات الطلبات من أطفال العالم. يستنجدون به لإنقاذهم والارتقاء بهم إلى حياة طالما حلموا بها وطالبوا بها ولم يلمسوها بعد. فكانت هذه لائحة مجمل طلباتهم:
ـ اسحق يا علاء الرضاعة من الوجود، فأنا لا أرتاح إلا إلى صدر أمي،
ـ الغ يا علاء نظام الخادمات الأجنبيات. أريد أبوين يعتنيان بي بدلا من "تورى" خادمتنا التي ترهبني وتحبسني في غرفتي طيلة اليوم،
ـ قل لبابا أن يعود إلينا وأن لا يتركنا أبدا، فماما جد طيبة وتحبه كما تحبني،
ـ أريد أن تتحول الحجارة في يدي إلى قنبلة تسحق المعتدين وتنسف الإرهابيين من على وجه الأرض،
ـ أريد حدائق عمومية أنطلق فيها كالفراشة،
ـ أريد أندية مفتوحة صيفا وشتاء، أملأها قفزا وحركات ومرحا
ـ أريد أبا يسمعني ويفهمني ويقدرني ويحبني، وأما تحن علي ولا تضربني ولا تصرخ في وجهي،
ـ أريد شجرة تثمر شكلاطة شتاء ومثلجات صيفا،
ـ اكسر يا علاء عصا معلمنا، إنه يخفيه في درج مكتبه
ـ أريد أن أنام في حضن والديَّ وأفتح عيني عليهما،
ـ أريد أن يشاركني والداي لعبي ومأكلي وأن أسهر معهما،
ـ أريد أن أسبح في الكوكب الأرضي كما أسبح على الأنترنيت، وأن تصل يدي أيادي أصدقائي في كل بقاع الأرض، ومتى شئت
ـ أريد أن تموت أختي الصغيرة ويكون والدي لي وحدي،
ـ أريد أن تقتل زوج أمي،
ـ أكره أشغال البيت، أريد أن أتفرغ فقط لدراستي،
ـ أريد أن تمحي كل المعلومات التي حفرت في ذاكرتي بالضرب والصراخ. إنها تعذبني،
ـ أريد أن أحظى باهتمام والدتي مثل أخي، وأن لا تجبرني على خدمته وطاعة أوامره،

طبع علاء الدين كل الطلبات الوافدة عليه عدا" أن تموت أختي وأن تقتل زوج أمي" وكتب بدلهما " العدل بين الأولاد والمعاملة الحسنة" ثم ذر فوقها الغبرة العجيبة.

فتحولت طلباتهم في لمح البصر إلى وردة كبيرة متفتحة، يانعة، تعتلي بتلاتها صور كل أطفال الكوكب الأرضي، مبتسمين ومكتوب على شريط حول جبهة كل واحد منهم " ما أسعدني!.."

فابتسم علاء الدين وتنهد ثم انطلق يسبح في الفضاء المجاور لبيته وينشد مثلهم " ما أسعدني ! ما أسعدني!.." حلق وحلق ثم نزل على أرضية خضراء شاسعة وكتب عليها:"أريد لقاءكم يا أطفال." ثم ذر فوقها ما تبقى لديه من الغبرة العجيبة فإذا بالأطفال يتدفقون عليه من كل ناحية. يمتطي كل واحد منهم بساطا جميلا أخضر. فأحاطوا به على شكل وردة متفتحة يتوسطها علاء الدين، واستقر كل واحد منهم على بتلة من بتلاتها اليانعة الناعمة يهتفون بصوت ناعم:
نحن جد سعداء، نحن جد سعداء شكرا، شكرا يا علاء

ابتسم لهم علاء الدين ابتسامة عريضة، ثم رفع رأسه سعيدا فخورا إلى السماء يحمد ربه. رمق دخانا كثيفا أسود يزحف نحوهم من الأفق بسرعة رهيبة. وقبل أن يخبر أصدقاءه بخطورته، كانت رياحه البعيدة قد أتت على الوردة فأبهتت لونها وامتصت عطرها وأضعفت مناعتها. فتزعزع الأطفال فوقها وبدأوا يسعلون. فامتطوا السماء فوق أبسطتهم متجهين عكس تيار الدخان وهم يلوحون بأيديهم ويهتفون: إلى اللقاء يا علاء إلى اللقاء..

فر علاء الدين إلى غرفته قبل أن يدركه الدخان ويقضي عليه. أغلق النافذة، وعكف يبكي كرضيع صغير بادرت أمه بفطامه ينتظر صديقه حمدون العجيب.
الجزء الثالث
القنابل العجيبة


في الليلة الثلاثين من شهر نوفمبر 2019 جلس علاء الدين إلى حاسوبه. انتظر حتى صفاء الشاشة فابتسم وأسقط رأسه على لوحة المفاتيح. خرج المارد بهيأته الضخمة وضحكته المرعبة، وهو يلطم صدره بلكمات جبارة ويقول بصوته الغليظ الذي يزلزل الصخر من مكانه:
ـ أنا حمدون العجيب، أطلب ما شئت وأنا سأجيب.
ابتسم له علاء وتنهد ثم اعتدل في جلسته وقال له بصوت هادئ كأنه يحدث أحدا من أقرانه:
ـ أريد أن أطهر الجو والبر والبحر ، وأقي كوكبنا من كل الأخطار.
فمد له المارد قبضته الحديدية التي أفزعت علاء قائلا له:
ـ خذ هذه القنابل والق بها واحدة بعد الأخرى في الهواء...هه هه هه هه
ثم اختفى تاركا صدى ضحكاته تهز الغرفة هزا.

تفحص علاء الدين القنابل الأربع في يده. أبهره منظرها وخفتها كأنها قطعا من الهواء: الأولى أرضيتها رمادية كقطعة من الصخر. الثانية زرقاء صافية طغى على بعض جوانبها لون السحاب. والثالثة أرضيتها بنية، اختلط فيها اللون الأخضر الصافي باللون الأخضر الغامق. والرابعة شفافة لا لون لها، تناثر أسفلها لون أخضر صافي ولون برتقالي غامق.

قبلها علاء الدين وحضنها إلى صدره وهو يكاد يطير فرحا. وراح يفجرها..



ـ 1 ـ
القنبلة الفضائية

أطل من نافذة غرفته وهم بإلقاء القنبلة الرمادية في الهواء، فإذا بقوة خارقة تمتصها من راحة يده وتعرج بها بسرعة مهولة تخترق الأجواء. تصنم علاء في مكانه. عيناه جاحظتان وفمه فاغر. وبعد وقت يسير، هزه انفجار مرعب ارتجت له السماء وغيمت بعد حين. انقبض قلبه وجحظ عينيه على غبار رمادي يتساقط من السماء. كسا القشرة الأرضية بفرشة شفافة تبدو كندى صباح يوم ربيعي. تنهد علاء حينما تأكد أن الصخور التي كانت تهدد الكوكب الأرضي قد دمرت، وأن الغلاف الجوي قد رمم. قفز فرحا وألقى الكرة الزرقاء في الهواء. دارت الكرة حول نفسها بسرعة مهولة اختفى معها شكلها ولونها وهي تمتص الغبار والدخان والروائح الكريهة.. لم يستطع علاء الدين تحملها. فأغلق النافذة يتابع الزوبعة التي أحدثتها قنبلته الزرقاء من خلف الزجاج. فجأة، أظلم الجو كأنه ليلا، ثم بدأ يصفو رويدا، رويدا إلى حين صفاء كل شيء. فانطلقت الطيور تملأ الفضاء زقزقة ورقصا.

فتح علاء الدين نافذة غرفته. استنشق هواء نقيا عطرا أغدقه مرحا ونشاطا وامتلأ به صدره سعادة. فابتسم يحدق في القنبلتين اللتين يحضنهما. يخمن في أي منهما سيقذف قبل الأخرى: القنبلة ذات اللون الوحلي أم القنبلة الشفافة؟؟..
ـ 2 ـ
القنبلة الأرضية
وقع اختيار علاء أخيرا على الكرة الوحلية فألقاها في الهواء. فإذا بالأرض تمتصها إلى أعماقها ساحبة وراءها أمواجا من الأوساخ والقاذورات ثم انفجرت. ودوى انفجارها في أذنه رهيبا مرعبا. انكمش على نفسه مغمضا عينيه وصامّا أذنيه براحتي يديه. فتح عينيه وقام بهدوء وحذر يطل من نافذته. بدا له سطح الأرض على مرمى بصره مفروش بفرشة من سماد أبيض اللون. امتصته الأرض بسرعة رهيبة فلبست حلة من الخضرة لم يرها علاء حتى في أحلامه.

أينعت فيما بعد الحدائق والبساتين، واعشوشبت المراعي، واخضر الزرع، وتفتح الورد، وسالت الوديان، وتدفقت العيون، واستيقظت الشلالات، وامتلأت السدود، وكثر الكلأ، وشاعت الملكية، وهاجرت الأنعام الحظائر تتدافع إلى المراعي الشاسعة المخضرة.

انبهر علاء الدين، وانطلق مرحا كالفراشة وهو يحضن الكرة الأخيرة إلى صدره. حط برحاله على قمة الجبل. وقف هائما يستمتع بسحر الوجود وجمال الطبيعة. ثم مضى يقفز ويغني فإذا بالكرة الأخيرة تسقط من حضنه وتتدحرج فتغوص في أعماق البحر.

تسمر في مكانه يعقب ما تجره وراءها من الأوساخ والقاذورات والزيوت السوداء. بدا له سطح البحر مستنقعا من الأوساخ. اشمأز علاء من رؤيتها وتقزز من الروائح الكريهة التي تنبعث منها. وفجأة اختفت كأنها لم تكن. امتصتها الأعماق فأعقبها انفجار بركاني من أعماق البحر. تفجر غبارا أبيض في أعماق البحر. التهمته الكائنات المائية وخرجت إلى السطح ترقص لعيني علاء. وتفجرت فيما بعد ثروات البحر وكنوزه الباطنية بشكل أبهر المهتمين ولم يصدقوا ما حدث في البحر بين عشية وضحاها.

تنهد علاء الدين، وأطلق ضحكة مدوية، ثم انطلق يملأ الجبل مرحا وغناء. يمسك الفراشات التي تحوم حوله ثم يطلقها ليمسك بالأخريات وهو يصوصو للطيور فتجتمع حوله أسرابا ثم تبتعد لتعود تشكل حلقات في سمائه. تدحرج على البساط الطبيعي الذي يكسو الجبل حتى بلغ قدمه. توقف على صوت ناي هادئ طروب يبعث على الطمأنينة والراحة. إنه أحد الرعاة الذي فرش بساطا أخضر ناعما كالحرير يضبط إيقاع نايه مع خرير مياه الشلالات، الذي تكسره الصخور وتقطعه أصوات أغنامه. وهو يميل يمنة ويسرة كأنه في مهد تهزه نسمات عذبة. فانشرح صدر علاء وراح قلبه يعزف على نغمات الطبيعة أجمل الألحان. ثمل ونام.

اخترقت طائرة سوداء الأجواء بسرعة مهولة، وبصوت رهيب مرعب. طوت في لمح البصر السكينة والهدوء. تشتت القطعان وفرت هاربة في كل الاتجاهات. تلمست بعضها طريق الحظائر بينما اضطربت الأخرى وتاهت في الخلاء. تطاير الناي من بين أصابع الراعي وفر بدوره ليحتمي بكهف في أعماق الجبل. واستيقظ علاء على وقع هول الفاجعة. كل شيء قد تشتت. تملكه رعب قاتل من أن ينهار كل ما بناه في لمح البصر، على إثر قذيفة واحدة من الطائفة المعادية لبرنامجه، فينتهي كل شيء. أجل، كل شيء. هرول إلى غرفته يبكي وينتظر حمدون العجيب.


الجزء الرابع
الحرب الكونية


قبع علاء الدين في زاوية في غرفته ينتظر حمدون العجيب والقلق يعتصره ويشل تفكيره وحركته . فموعده مع حمدون العجيب لن يتم قبل ثلاثة أيام. والتهديدات تزداد يوما بعد يوم. الإعداد للحرب أمسى ساريا: معدات حربية في كل مكان، فوهات المدافع موجهة بعضها إلى الأرض والأخرى إلى السماء، ألغام مزروعة، قنابل، صواريخ، أسلاك مكهربة سطرت بها الحدود الوهمية، صفارات إنذار مشتعلة...

إنه رعب قاتل. وعلاء في زاويته يكاد قلبه يتوقف. قلق على إنجازه الذي سيصير في مهب الريح إذا اندلعت الحرب. تساءل مع نفسه كيف سيتحول هذا الجمال الوجودي بسبب هذا الكم الهائل من الأسلحة؟ أي ذكاء هذا كنت أتكبر به على أقراني؟ أنا السبب وراء هذا الدمار الوشيك. أنا السبب. لقد صدق زميلي سمير حينما قال أن مكاني في الأخير. ثم صرخ بصوت عال يشد شعره من شدة حسرته: الأمن أولا ثم البناء. كيف غاب عني هذا؟.. ثم ما لبث أن اندفع إلى حاسوبه كالرصاصة وهوى برأسه على الملامس بكل قوة. خرج المارد بضحكته المعهودة، فقاطعه علاء الدين قائلا:
ـ أفرغ يا حمدون العجيب كل الأسلحة من قوتها الدمارية وأحلها غبارا يملأ الكون أمنا وأمانا وحبا وجمالا.
فمد له حمدون ذراعيه الحديديتين وقال له مبتسما:
ـ لك ما تريد.
فتنفس علاء الصعداء ومد يده ليصافح المارد ويشكر له صنيعه فرد عليه:
ـ وداعا يا علاء.
ثم صعد تاركا وراءه صدى ضحكته المدوية الصاخبة تضج في المكان.

أطل علاء من النافذة. لمح صاروخا ضخما يتجه نحو غرفته بقوة وسرعة رهيبتين، وآخر يصعد من الأرض أضخم من الأول ليعترض طريقه. أرهبه الوضع فتجمد في مكانه ولم يستطع الحراك. اصطدم الصاروخان وانفجرا في عرض السماء. خلفا غبارا عطرا ودخانا أبيض . ملأ الفضاء ككتل من السحب. ثم سرعان ما تحول إلى أقواس قزح تتراقص على إيقاع رنات موسيقية طروبة تبعث على الراحة والطمأنينة. التفت علاء حوله يستشف مصدر هذه الأنغام الموسيقية التي احتوته من كل جهة. فابتسم مبتهجا حينما أدرك أن الألغام المشعة من كل مكان هي التي ترسلها إلى أذنيه مع أضواء رائعة.

فخرج الناس من مخابئهم يصفقون وينشدون. وعادت القطعان إلى مراعيها. والأطفال إلى مرحهم. وانطلق سرب عريض من الحمام من أنفاق الجبل يملأ السماء هديلا ويزيدها رونقا وجمالا.


مارس 2003