الخميس، 27 يناير 2011

"البركان الصغير والمناجذ السبعة" قصة للأطفال بقلم رادوي كيروف

البركان الصغير والمناجذ السبعة
تأليف : رادوي كيروف
ترجمها عن البلغارية: ميخائيل عيد

هل أعرّفكم بالجد بركان؟ إنه يعيش في جبلٍ عالٍ. يستكين في فوهته العميقة، كي لا يصيبه هواء الجبل بالبرد.. وهو ككل شيخ هرم يسعل ويشخر، غليون تبغه هو منقار يدخن به ويدخن، ويدخن، وكأن آلاف غلايين الناس تدخن.
يصيح:
ـ آخ، إنني أدخل الألف الثالث! آخ، سوف يهلكني هذا الروماتيزم! يصفر صدري ليلاً ونهاراً بسببٍ من الشيخوخة. آخ، أين ذهبت حُميا الشباب؟
إن الجد بركان يتذكر مجده. لقد طمر ثلاث مدن وثلاثمائة قرية بالحمم. كان شاباً وقوياً حينئذٍ. أمّا الآن فلا ينفعه شيء، وهو يمضي من سييء إلى أسوأ.
لكن الجد بركان لم يكن وحده هنا. إن لـه حفيداً، هو بركان صغير في جوف الأرض، يعدو في الشقوق والكهوف المظلمة. ياله من بركان صغير كثير الحركة! (لا يقف شيء في سبيله). يرى نهراً تحت الأرض فيغوص فيه. يصيح به الجد بركان:
ـ سوف أجن بسبب منك!
ثم يكتشف مغارة، فاذهبْ وابحثْ عنه.
ويصيح به جدّه:
ـ أنت غير مطيع!
يقرر البركان الصغير أن يظهر على السطح أحياناً... وتعلو عندئذٍ فرقعة ممطوطة!..
يصفعه الجد بركان صفعة موجعة على خده الساخن بالحمم.
يصمد بشجاعة فلا يغضب ولا يشكو.
يصرخ:
ـ صفعتك يا جدي مثل قرصة البعوضة.
يغضب الجد بركان:
ـ ياله من ولد لا يفهم. فبدلاً من أن يصير رجلاً ويكبر يزداد طيشاً على طيش. سأشبعك ضرباً ذات يوم.
ـ ما القبيح الذي أفعله يا جدي؟ ألم تكن طائشاً مثلي في شبابك؟
تنهد الجد بركان وقال:
ـ كان الأمر مختلفاً حينئذ. كانت الأرض غير متعلمة وبلهاء. أما الآن فثمة تلفزيون، وسينما، وثقافة....
قال البركان الصغير:
ـ أمّا أنا فأحب اللعب!
ـ لا لعب! يجب أن تكبر وكفى! يجب أن تصبح عظيماً جداً. يجب أن تصير بركاناً قوياً ومخيفاً، فإذا انفجرتَ دمّرت بالحمم قارّة كاملة، فلا تكتفي مثلي بدمار ثلاث مدن وثلاثمائة قرية.
قال البركان الصغير بعناد:
ـ أنا لا أريد أن أفعل السوء. لماذا أُعاقب الناس الطيبين؟
ـ أهكذا تحاكم الأمور! يبدو أنك محتاج للضرب! يجب أن تصير بركاناً أولاً. والبركان اسمه بركان لأنه يطمر الناس بالحمم لا بالحلوى.
لقد أتعبتْ هذه النقاشات الجد بركان فنام وشخر كالمذبوح.
لم يعد يظهر سوى دخان غليونه المتصاعد نحو السماء.
أما البركان الصغير فكان قد ضجر من تعليمات جده ومل الإصغاء إليها فمضى في عتمات ماتحت الأرض باحثاً عن أصدقاء أوفياء.
قال وقد غاب عن سمعه صوت جدّه:
ـ سأذهب إلى مكان بعيد.
وفي شق عميق وجد سبعة مناجذ تلعب... كانت تلعب ثم تحفر أنفاقاً. بدأ البركان الصغير يلعب معها... ماعاد يخاف جده الذي نام نوماً عميقاً، وقد اتصل نومه طوال قرن كامل.
قال أحد المناجذ فجأة:
ـ البحر غير بعيد يا أصدقائي. فلنذهب جميعاً إلى شاطئ البحر. فلنحفر نفقاً يوصل إلى البحر.
قالت المناجذ الأخرى:
ـ أجل.... سيكون ذلك رائعاً! تعال معنا أيها البركان الصغير، ألست موافقاً؟!..
قال البركان الصغير :
ـ أنا موافق! سأذهب معكم حيثما تذهبون.
وشرعت المناجذ تحفر النفق. وهم يجيدون الحفر جداً.
صار شاطئ البحر يقترب كل يوم... والبركان الصغير وراءهم..
حفروا طوال أيام كثيرة تحت الأرض. وفجأة صاح أحدهم خائفاً:
ـ يجب أن نوقف الحفر! نحن الآن تحت قاع البحر. أحس بأنفي رطوبة البحر.
وكفّت المناجذُ عن الحفر في الحال.
قال البركان الصغير مندهشاً:
ـ أنا الآن، إذاً، تحت البحر!
صرخت المناجذ:
ـ تحت البحر، تحت البحر!
قال البركان الصغير :
ـ هل تعرفون بماذا أفكر يا أحبّائي! جدّي يريد أن تدمر حممي المدن والقرى. أليس الأفضل أن أثور في البحر؟ سأصنع جزيرة جميلة..
صاحت المناجذ:
ـ مرحى، مرحى للبركان الطيّب!
وارتفع عمود ناري فوق البحر. بدأ الماء يتحول إلى بخار، وغامت السماء، تكومت الحمم فصارت كومة كبيرة وسط الماء، فظهرت الجزيرة.
ومضت سنوات كثيرة ونما العشب فوقها، وغنت الجداجد في الأمسيات.
ونمت أشجار مختلفة... وغردت الطيور في الأجفان الكثيفة.
سأقول لكم يا أطفال إن عطلة المناجذ الصيفية انتهت فعادت أدراجها... فمدرستها التي تحت الأرض تنتظرها...
والآن هل ستسألون عن الجد بركان؟ها، ها، ها!
لقد قرصته ذبابة مؤذية فاستيقظ قبل أن ينام مائة عام.
نظر إلى الجزيرة واستغرب وغضب:
ـ ياه... يالحفيدي الشقي! لم أستطع تعليمه الشر.
وبدلاً من أن يقضي على الحياة صنع حياة من حممه.
وعاد الجد بركان إلى النوم.
لا أعرف كم عاش بعد ذلك.
رأى الناس في المدن والقرى أنه ما عاد يدخن غليونه فوق الجبل العالي. صاحوا جميعاً:
ـ خمد البركان!
وظل الرجال يذمّونه طوال قرون، وظلت النساء تلعنّه.
أما جزيرة البركان الطيب فيذهب إليها الأطفال كل صيف ليلعبوا ويرتاحوا.
يغنون هناك ويدبكون، ويصرخون:
ـ كان البركان الصغير طيباً جداً...

ـــــــــــ.
ملحوظة:
- المناجذ: نوع أعمى من الجرذان... مفردها خلد.
من منشورات اتحاد الكتّاب العرب

الثلاثاء، 25 يناير 2011

"الكرة التى أحبها" قصة للأطفال بقلم عماد عبدالحكيم

الكرة التى أحبها
قصة لأطفال ما قبل المدرسة
عماد عبد الحكيم هلال

أنا كرة حمراء..
أعمل في صمت
وأنا كرة بيضاء..
 أعمل في صمت
أما أنا فكرة قدم ..
أعمل وسط صخب وهتاف

أنا كرة حمراء..
أجرى في الدم
وأحمل الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الجسم

وأنا كرة بيضاء ..
أدافع عن الجسم
ضد الميكروبات والجراثيم
أنا خط دفاع ضد الأمراض

وأنا كرة قدم
يركلنى الأولاد بأقدامهم
ويقذفوننى بأيديهم

أنا كرة دم حمراء
وأنا كرة دم بيضاء
أما أنا كرة قدم
فأى كرة تحب .. ؟












الاثنين، 24 يناير 2011

"الديك العالم" قصة للأطفال بقلم د.طارق البكري

الديك العالم
 د. طارق البكري

قرأ الديك كركر كتبا كثيرة .. جمع مكتبة كبيرة ..
درس عالم الدجاج .. تاريخ الدجاج .. حضارة الدجاج .. فكر الدجاج ..
صار الديك كركر عالما خبيرا بشؤون الدجاج ..
اشتهر كركر في غابته والغابات القريبة والبعيدة ..
جاءت وفود الدجاج من أنحاء الغابات .. تريد أن تتعلم منه ..
اقترحت الوفود إنشاء جامعة برئاسة كركر ليعلم أبناء الدجاج ..
الغابة ازدحمت بالدجاج القادم من كل الغابات ..
حيوانات الغابة انزعجت من الدجاج .. تنادت الحيوانات لاجتماع عاجل ..
قالت الزرافة : لم أعد أحتمل .. الديوك تصيح بلا انقطاع .. أريد النوم ..
قالت السلحفاة : البيض .. البيض في كل مكان .. ليس هنالك مكان أستطيع الاستقرار فيه ..
قالت النعامة : أما أنا فمصيبتي كبيرة .. كلما وضعت رأسي في حفرة نقرت وجهي الكتاكيت الصغيرة …
قالت الغزالة : وأنا الغزال الرشيقة المشهورة بالقفز والركض لم أعد أستطيع التحرك .. أخشى أن أتعثر بدجاجة أو ديك أو كتكوت …
قالت البومة : يجب طرد جميع الدجاج وإذا كانوا يحبون الديك كركر فليأخذوه معهم ..
قالت الحيوانات مؤيدة : نعم .. نعم .. لنطردهم من غابتنا .. لنطردهم ..
هنا قالت الثعالب والذئاب متظاهرة بالعطف والحنان : ما أقسى قلوبكم .. أنتم لا تعرفون الرحمة .. تريدون طرد حيوانات مسالمة لأنها أرادت أن تتعلم .. تريدون أن تبقوا جهلاء طوال حياتكم …
علم الديك كركر بهذا النقاش .. نادى جموع الدجاج وقال : إن غابة تصبح فيها الثعالب خطباء الفضيلة وسائر الحيوانات عدوة للعلم لمكان لا يصلح للسكن .. سنغادر الغابة فورا ..
في اليوم التالي نامت الحيوانات طويلا لأن أحدا لم يوقظها ..

الأحد، 23 يناير 2011

" الهاتف" مسرحية للأطفال بقلم مؤمن سمير

الهاتف
مسرحية للأطفال من 10 إلى 12 سنة
مؤمن سمير
{شخوص المسرحية}
-       الصـــــوت
-       الســـــلطان
-       العجــائز الثلاثة
-       الوزيــــــر
-       أطفـــــــال
{المشهد الأول}
( يُفتح على السلطان .. وهو جالس نصف جلسة داخل غرفة نومه .. إضاءة خافتة – يُسمع صوت ..
الصـوت:
مولاي ...
السلطـان:
(ينتفض) مَنْ .... مَنْ
الصـوت:
(بعبث) مولاي السلطان
السلطـان:
(ينزل من على السرير) مَنْ أنت (يبحث عنه) ومَنْ سمح لك بالدخول .. ثم .. ثم أين أنت ؟
الصـوت:
(يضحك) لا تتعب نفسك ... لن تراني !
السلطـان:
(حائراً ) ولكن .....
الصـوت:
(بفخر) أنا يا مولاي .. من المعدودين الذين تنتهي عندهم حدود الاستئذان .
السلطـان:
وكيف سنتفاهم إذن .. أيها ... أيها المجهول ..
الصـوت:
كما نفعل الآن ... ألا تسمعني ؟
السلطـان:
(يتمشى) أسمعك ولا أراك ... ألا يكفيني ما أنا فيه ...
الصـوت:
لأجل هذا أتيت ..
السلطـان:
(يقف)لأجل ماذا ..
الصـوت:
لأساعدك قليلاً ..
السلطـان:
(يجلس ببطء) وما أدراك بعذابي (يتنهد) أيها .. أيها .. (بيأس) لا يهم .. ثم ماذا تستطيع فعله أنت أو غيرك لأجلي
الصـوت:
سأثبت لك : أنا أعلم أن مصدر آلامك ينبع من .. إحساسك .. بأنك ...
السلطـان:
( يتنهد بشدة ) بأَنيّ ماذا ؟
الصـوت:
ظالم ظالم ظالم ...
- نبرة الصوت تعلو مع كل كلمة والسلطان يهز رأسه بعنف -
السلطـان:
(يضع يديه على عينيه) كيف عرفت ؟
الصـوت:
ألم نتفق على أن نتجاوز هذه النقطة الثانوية ..
السلطـان:
(يهدأ) أنا (يقوم) أنا أراجع بنفسي أحكام الإعدام منذ فترة . ولا أجد فيها ما يوحي بأي ظلم ..
الصـوت:
وهل من الضروري أن يكون الظلم قتلاً فقط ؟ فَكَّر في موضوع آخر ...
السلطـان:
(يتمشى عاقداً يديه خلف ظهره)
الصـوت:
فكر في موضوع أهون ...
السلطـان:
أنا لا أذكر أني فعلت شيئاً يستحق (يضع يديه حول رقبته ) .. هذا العذاب .. أنا من يسهر على راحة الرعية كما علمني أبي السلطان .. كل وقتي وجهدي وتفكيري لشعبي (صمت) أيمكن أن
الصـوت:
يمكن ماذا ...
السلطـان:
(يجلس على كرس مقابل للسرير ) العجائز الثلاثة (يضحك) ..
الصـوت:
ولم لا ...
السلطـان:
(يغضب) لقد حاولوا عصيان أمري .. وتظلموا .. تصور .. أنا الذي لا أظلم أحداً يدعون عَليَّ في صلواتهم ويشكونني إلى الله .. أنا ؟!
الصـوت:
(بحزن) وكيف عرفت منطوق دعواتهم ؟
السلطـان:
(متباهياً ) أنا لا يَخْفى علىَّ أمرً في هذه البلاد .. وخصوصاً أحوال العصاة ....
الصـوت:
أَلاَ زلتَ تذكر جنايتهم ؟
السلطـان:
وكيف أنسى (يقف مواجهاً الجمهور) .. كانوا يسكنون كوخاً حقيراً بجوار حدائق القصر .. ثم أشار علىَّ المهندسون بضرورة توسيع الحدائق .. فأمرت بهدم الكوخ وإيداعهم في منزل كبير .. لم يكونوا يتخيلون أبداً طوال حياتهم أن يقيموا فيه أو حتى يمروا من أمامه.. (متسائلاً) أي ذنب فعلته إذن (باستنكار) أيُ ذنب ؟
الصـوت:
وماذا جرى لهم .. أتعلم ؟
السلطـان:
وماذا تراه سيجري لهم .. غير لؤمهم الذي كان مخبوءاً داخلهم وخرجْ .. اعترضوا وتجرؤا ودعوا علىّ في صلواتهم .. دعوا علىّ .. الأوغاد ..
الصـوت:
اهدأ يا مولانا واجلس
السلطـان:
(يجلس)
الصـوت:
أترى يا مولاي هذا الحائط الذي خلف السرير ؟
السلطـان:
(ينظر) أراه بالطبع
الصـوت:
وأنت صغير .. حاولت أن تصنع فيه نفقاً لتعبر إلى الغرف المجاورة ..
السلطـان:
(يقهقه) نعم . نعم . أذكر
الصـوت:
والحديقة التي أفسدت زهورها بحصانك وأنت شاب ..
السلطـان:
نعم . نعم
الصـوت:
وردهات القصر التي اتخذت فيها أخطر القرارات بعد أن كبرت
السلطـان:
تماماً..
الصـوت:
هل تستطيع أن تنسى كل هذا ؟
السلطـان:
...............................
الصـوت:
كل هذا محفورٌ في ذاكرتك .. كل هذا يصنع الماضي ..
السلطـان:
عندك حق ..
الصـوت:
وهكذا العجائز .. عاشوا حياتهم في هذا الكوخ .. الطفولة والشباب والكهولة .. عندما يكبر المرء يكون من الصعب عليه أن تختلف حياته .. يكون كل ما يتمناه أن يموت في مكان يحبه وسط أناسٍ يحبهم ..
السلطـان:
.. لكني .. لكني عوضتهم
الصـوت:
ذهب الدنيا كله .. لا يعدل الإحساس بالظلم .. أو إحساس البعض بأنهم مجرد أشياء لا رأي لها ولا تستشار في أي أمر يخصها هي ..

(ينظر إلى أسفل .. ثم فجأة يعود له عناده فيقفز واقفاً ) قد يكونوا أيضاً خبثاء .. ويطمعون في المزيد (يتحرك) لكنني لست غبياً سأتأكد أولاً من الأمر كله ..

                                           (يُغلق الستار)




{المشهد الثاني}
( الستار مغلق )  ..
تدخل  مجموعة من الأطفال من الجانبين ، يلبسون اللون الأبيض ، يتجمعون ثم يغنون :
يا غفلان ... يا غفلان
تظلم غيرك
تَعْمى عينك
ثم تنام بلا حسبان ..
عامل ربك
واسأل قلبك
كي تنسى تلك الأحزان
يا إنسان
يا إنسان
يا إنسان ... يا إنسان
(ينســــــحبون)

{المشهد الثالث}
( يُفتح على منزل العجائز الجديد .. صالة فخمة .. الرجال الثلاثة يجلسون  على الأرض وظهورهم إلى الحائط .. يُرى وجه السلطان وهو يراقبهم من طاقة عالية ... الإضاءة خافتة ... فترة سكون ثم يستند العجوز الأول على الحائط وبصعوبة شديدة يستطيع أن يقف .. يتناول العصا .. يتكئ عليها ويمشي ببطء شديد ....

العجــوزان:
هل تذكرتَ أخيراً مكان الطعام ؟
العجوز الأول :
(يصل إلى وسط الخشبة ) أنا .. قمت أفتش عن دواء (يحرك رأسه في المكان ) ثم .. هل أنتم جادون في الاشتياق للطعام ؟
العجــوزان:
ومن يجد شهية للطعام ..
العجوز الأول:
إذن هي نفس الحيلة لنختبر ذاكرتنا .. خَرِبَتْ هذه الذاكرة منذ أن وطئت أقدامنا هذا السجن .. كان كوخنا يناسب بساطتنا .. كنا نحفظ مكان كل شئ .. نأكل بشهية كبيرة (يبكي وينظر حوله) هذا السجن اللعين الذي نحس فيه بالضآلة والعجز (يصمت فجأة) والصمت .. الذي يجعل الموت يقترب (يعود إلى مكانه منكسراً وبنفس البطء .. يسند العصا مكانها )
فترة سكون ثم يقوم العجوز الثاني بصعوبة ويتناول العصا .. يمشي ببطء شديد ...
العجــوزان:
أما زلتَ مصمماً على رعاية الزهور ؟
العجوز الثاني:
(يصل إلى وسط الخشبة )
العجــوزان:
ماتت أزهارنا التي كانت إلى جوار الكوخ ..

العجوز الثاني:
هذا المكان لا أزهار تنمو بجانبه (ينظر وراءه ثم يتراجع ببطء حتى يصل إلى النافذة ) الأزهار لم تعد تناديني لأرعاها (يعود إلى وسط الخشبة بنفس البطء) هذا المكان طارد للجمال .. حول كوخنا .. زرعنا ياسميناً وفُلاً .. كنتُ أسقيهم كل يوم ( يبكي) كل يوم .. الناس كلهم كانونا يأتون إلى جوار كوخنا ليرتاحوا .. الهواء كان معطراً حولنا .. أما الآن فالهواء خامد لا روح فيه .. هواءنا الآن يشبه الموت    (يعود إلى مكانه منكسراً ، يسند العصا مكانها)
فترة سكون ثم يقوم العجوز الثالث بصعوبة ويتناول العصا .. يصل إلى وسط الخشبة ...
العجوز الثالث:
نحن  لم نتزوج ولم ننجب ..
العجــوزان:
منذ أن جئنا وأنت تكرر هذا الأمر كثيراً..
العجوز الثالث:
لأني لم أحسها إلا هنا ... لأول مرة رغم عمرنا الطويل .. أحس بالوحدة والخوف .. كنا معاً نملأ حياة بعضنا .. الفقر جعلنا بلا عائلة .. لكن هذا الألم كان دافعاً لأن نصبح نحن العائلة . إذا حَزِنَ أحدنا أسرع الاثنان الآخران وَطيَّبا خاطره .. أمّا هُنا (يبكي) فكلنا حَزَانى .. كنا نملأ كوخنا .. أما الآن فالمكان أكبر من اجتماعنا وذكرياتنا .. سنتفرق .. سنتوه في كل هذا .. لن نقتسم اللقمة . بل سنتصارع على التحف .. ثم لأننا عواجيز لن ينال أحدنا أي شئ .. سنقتل بعضنا في النهاية .. هو الموت الذي ينتظرنا في هذا المكان (ينهار)
يستند العجوزان على بعضهما ثم يأتيان ببطء إلى حيث ثالثهما .. ينهارا بجانبه .... 
                                             ( إظلام تدريجي )

{المشهد الرابع}
تدخل  مجموعة الأطفال كالسابق  وتغني  :
لا تنسى حق الفقراء
واحفظ فيهم عهد الله
بئرُ شقاءٍ يا إنسانْ
إن أنتَ سمعتَ الشيطان..
هذا الذهبُ
وهذا المالْ
هذا الجسمُ
وهذا الجاهْ
فاذكرأنك عبدَ الله ..
ثم كبيرُكَ : لا تُخزيهْ
خذ بيديهِ
 تأمّل فيهْ
نورٌ في الوجه المتغضّن
تقوى في القلب العمران ..
يا إنسان ...
يا إنسان
يا إنسان ... يا إنسان                    ( ينسحبون )

{المشهد الخامس}
 يُفتح على السلطان وهو يروح ويجئ بعصبية .. فترة ثم يهدأ ويجلس على المقعد ، يفكر بعمق .. فترة ثم يبدو كما لو كان اتخذ قراراً .. يقف متحمساً ..

الســـلطان:
(بصوتٍ عال) أيها الوزير .. يا وزير ( يروح ويجئ )

يدخل الوزير ..
الـوزيـــر:
(بأدب جم) عمتَ صباحاً يا سلطان البلاد ..
الســـلطان:
(يجلس) عمتَ صباحاً يا وزيري المخلص ..
الـوزيـــر:
(بفرح ) يبدو أن مِزاج مولاي قد تحسن .. استجاب الله لدعائنا أخيراً .. واللهِ إن هذا لمن أكبر النعم ..
الســـلطان:
هل لاحظتَ حقاً (يتمطع) لقد استطعتُ النوم أخيراً .. لكني عزمتُ على أمرٍ قبل النوم .. ولم أشأ أن آمر بإيقاظك مبكراً ..
الـوزيـــر:
إن خصال مولاي الحميدة .. هي النبراس الذي تتعلم منه الأجيال ..
الســـلطان:
(يقف ويتحرك بهدوء)لا تبالغ..المهم.. لم تسألني عن قراري
الـوزيـــر:
قرارات مولاي دائماً هي الأصوب ..
الســـلطان:
(يغضب فجأة ) ألم آمرك من قبل أن تمتنع عن النفاق ؟
الـوزيـــر:
(ينحني بخوف ) أُعذرني .. أُعذرني يا مولاي . قبض الله روحي إن كنتُ قد كذبت في حرف مما قلتُ ..
الســـلطان:
(يربّت على كتفه ) لا تغضب يا وزيري .. أنا متوتر هذه الأيام وأنت تعلم .. ثم إن الوقت يمر قبل أن نتحدث في الأمر الذي أقصده ..
الـوزيـــر:
المعذرة يا مولاي ( يعتدل )
الســـلطان:
هل تذكر موضوع .. المنزل والعجائز والكوخ ؟
الـوزيـــر:
بالطبع أذكر يا مولاي ..
الســـلطان:
هل .. هل تم هدم الكوخ ؟
الـوزيـــر:
كلا . ولكن المهندس بعد أن وافقنا على تصميماته قرر أن يبدأ بعد ...........
الســـلطان:
(بارتياح) أوقف الهدم ..
الـوزيـــر:
هدم ماذا يا مولاي ؟
الســـلطان:
كوخ العجائز ..
الـوزيـــر:
لكن حدائق القصر ...
الســـلطان:
اجعلهم يقومون بتوسيعها من الجهة الأخرى ..
الـوزيـــر:
ولكن المهندسين ..
الســـلطان:
(بحسم) نفذ يا وزير وبعد ذلك ...
الـوزيـــر:
بعد ذلك .. بعد ذلك ماذا أيضاً ؟
الســـلطان:
اجعل لهم راتباً شهرياً يكفي احتياجاتهم .. لقد وصلوا إلى سن حرامٌ علينا أن ننساهم فيه .. وكذلك كل مَنْ كان في مثل ظروفهم ..
الـوزيـــر:
جعلك الله ذخراً للجميع يا مولانا .. بإذنك
                             (ينحني ثم يخرج)
الســـلطان:
(يمشي سعيداً ثم يتربع على سريره )

يُسمع الصوت
الصـــوت :
ما هذا الصفاء الذي أنت فيه يا سلطان ؟
الســـلطان:
(يفزع ثم يبتسم ) جئت ثانيةً أيها الهاتف .. أتعلم يا صديقي ، أنا حقيقة لا أعلم سر هذا الارتياح .. أهو سعادة مفاجئة مثل الضيق المفاجئ مثلاً .. أم أنه .......
الصـــوت :
بل هو نور العدل يا مولاي ، والتخلص من وَخْز الظلم .. يجب أن تؤمن أن الظلم ليس بحجمه .. فلو أنك قتلتَ أحداً ظلماً فإنك تكون قد ظلمته بإنهاء حياته .. وإذا ظلمت فرداً في شأن أقل أهمية .. فإنك تكون قد ظلمته بأن أشقيت حياته .. وليس هناك مسافة كبيرة بينهما إلا في الدرجة.. كلا الأمرين ظلم ..
الســـلطان:
حقاً . حقاً .
الصـــوت :
تذكر دوماً أن من ظَلَم يُظلم ولو بعد حين .. فقد ظلمتَ العجائز في أمر تراه أنت هيناً .. فجاء العدل الإلهي في صورة ضيق وتشتت . ثِقْ أنهما كانا سيحيلان حياتك إلى جحيم .. لا تنسى أن عذاب الضمير عند الأسوياء رهيبٌ وقاسٍ .. أبداً لا تنسى ..  
الســـلطان:
كل هذا حق .. لكني .. للآن .. لم أعلم من تكون ؟
الصـــوت :
أنا ..
الســـلطان:
دعني أخمن .. أنت صوت الحق .. أو .. صوت العدل .. كلا .. صوت الرحمة ..
الصـــوت :
أنا كل هذا ، أنا نفسك الحقيقية .. الحارسة .. النقية .. الإنسانية ..
الســـلطان:
لقد تعلمت ما لن أنساه طوال عمري ..
ينزل ويقف في المنتصف ثم يدخل الوزير والعجائز الثلاثة وبعدهما من الجانبين تدخل مجموعة الأطفال ويحيطون بهم ... بعدها يمسك الجميع بالأيادي ويغنون :
يا إنسان .. يا إنسان
أنتَ تراتيلُ الأيام
أنتَ الماضي
أنتَ الحاضر
أنتَ الحافظُ للأحلامْ
فاحفظ عهدك
وانشر ودك
تسمعُ عدلكَ صوتَ كَمَانْ
يا إنسان يا إنسان
يا إنسان يا إنسان                       ( ستار بطئ )
تمت