الخميس، 16 ديسمبر 2010

"حى بن يقظان" يكتب من جديد!..قصة للأطفال بقلم السيد نجم

"حى بن يقظان" يكتب من جديد!
بقلم: السيد نجم

-1-
كانت الأميرة الجميلة – شقيقة حاكم الجزيرة- تبكى بحرارة، كلما نظرت إلى وليدها الرضيع. الوحيدة التي تعلم سرها, هو خادمتها العجوز, وقليل من شيوخ الجزيرة. عندما تقدم الفارس الشجاع "يقظان" للزواج منها, رفضه الحاكم قائلا:
"هذا الفارس يريد أن يسيطر على الجزيرة!"
تكريما للفارس الذي حارب الأعداء وانتصر عليهم, وحبا فى الأميرة, كان قرار شيوخ الجزيرة, إتمام الزواج سرا, وتحقق لهم ما أرادوه.
فلما أنجبت الأميرة ولدا جميلا اسمه "حي" –حي بن يقظان- بدأت المشكلة, حتى أخبرتها خادمتها العجوز بفكرتها العجيبة:
"رأيت فيما يرى النائم, أنك تضعين تابوتا من الخشب فوق أمواج البحر!"
دهشت الأميرة من هذا الحلم العجيب. وفى الصباح التالي, بينما كانت تطل من شرفة القصر, قررت قرارا عجيبا:
"لماذا لا أحقق هذا الحلم؟!"
وبدأت فى تنفيذ فكرتها, فأمرت أمهر نجار فى الجزيرة, وصنع تابوتا من الخشب بحجم رضيعها "حي". ثم أسرعت مع خادمتها العجوز إلى الشاطئ وهى تبكى لتنفيذ حلم العجوز.

-2-
فلما ألقت الأميرة الأم برضيعها داخل التابوت، فوق صفحة مياه البحر, صادفها جريان أمواج البحر بقوة المد, وحملته الأمواج سريعا إلى شاطئ الجزيرة البعيد، تلك الجزيرة التي لا يسكنها إلا الحيوانات والطيور والحشرات.
فجأة جاءت موجة قوية، حملت التابوت بعيدا جدا داخل الجزيرة, وعلى مقربة من بيت "الظبية" الطيبة. أطلت الظبية برأسها داخل التابوت, أصابتها الدهشة, فهي لم تر هذا المخلوق من قبل, تساءلت:
"ما هذا الكائن العجيب؟"
منذ أيام قليلة بكت الظبية كثيرا على موت وحيدها, الذي اختفى فى الغابة ولم يعد. الآن تشعر أن الله أرسل لها هذا الكائن الصغير كي يعوضها عن صغيرها. غلبتها مشاعر الأمومة.. وبدأت تقترب منه لتشمه وتلحسنه بلسانها, وكأنها تريد أن تتعرف عليه.
وكانت تقول لنفسها:
"لكن هذا المخلوق العجيب مازال يبكى"
وبدأت تحمله بأسنانها وشفتيها من داخل التابوت, فيسقط منها ويزداد فى البكاء, حتى تمزقت ملابسه. لكنها نجحت فى النهاية, وقدمت له الرعاية الواجبة، وشعر الرضيع بالشبع وبالدفء، فنام مقرور العينين.

-3-
ومازالت الظبية الأم ترعى "حي" فى الصباح والمساء, حتى أصبح هذا المخلوق العجيب شغلها الشاغل وكل همها.
فما أن فطمته, ولم تعد ترضعه من لبنها, بدأت ترشده عن مواقع أشجار الفاكهة, وكيف يجلس تحت أشعة الشمس كي يشعر بالدفء خارج الكهف البارد.
بمضي الأيام ومع كل صباح جديد, تتجدد خبرة جديدة للأم الظبية، وللصغير الذي بدأ يكبر.
ومع ذلك لم تخل حياتهما من المشاكل والأخطار. فهي تتذكر جيدا ذلك اليوم الذي تركت فيه "حي" نائما وحده داخل الكهف. انشغلت بجمع بعض الثمار, ولم تنتبه إلى الثعبان الخبيث الذي تسلل إلى داخل الكهف.
بينما كان "حي" يغط فى نوم عميق, اقترب الثعبان منه, لكنه لم يشعر به ولم يستيقظ! وكأي أم بينما كانت الظبية مشغولة بالخارج, شعرت بالقلق.. فأسرعت إلى داخل الكهف.
كانت المفاجأة.. الثعبان مازال يتسلل, وابنها مازال نائما.. لم تفكر طويلا, اندفعت ناحية رأس الثعبان, رفسته بقوة, وظلت تضربه حتى نجحت فى التخلص منه.

-4-
لم تكن حادثة الثعبان الخبيث الشرير هي الأولى, ولم تكن الأخيرة الذي يتعرض فيها "حي" للخطر، وتنقذه الظبية الأم، فازداد تعلقها به.
لكنها شعرت شعورا غريبا, ذلك يوم أن رأته يسير على قدمين مستقيما, فكل كائنات الجزيرة والغابة القريبة لا يسيرون هكذا! فضلت أن تتابعه فى صمت.. وهو أمام الكهف, وهو يتسلق الأشجار بخفة, ويعتلى الصخور برشاقة, ثم يجمع الثمار من كل مكان, حتى أنه يجيد السباحة التي لا تعرفها إلا الأسماك، والقليل من سكان الجزيرة. وهو ما جعلها تشعر بالقلق نحوه أكثر كثيرا عما قبل, وتطلب منه الابتعاد عن مياه البحر العميقة.
حدث أن استيقظت ذات صباح متأخرة عن ميعادها المعتاد, انتبهت فسمعت صوت صياح وهياج وضجيج, أسرعت إلى مصدر الصوت, عند سفح الجبل. كانت المفاجأة الجديدة, أن وجدت "حي" مشتركا فى مسابقة عظيمة بين كائنات الجزيرة, وأنه تفوق عليهم جميعا وحصل على المركز الأول!
فيما بعد لم تعد قلقة عليه مثلما كانت تشعر. يكفى أن تذهب إلى الصخرة الكبيرة أمام البحر، كي تراه وهو يبحلق فى الأمواج وينصت إلى صوتها فى صمت. لكنه عاد إليها ذات مرة يسألها:
"ما رأيك يا أمي الظبية الطيبة, كيف أطير مثل العصافير؟"
ولا تجد الظبية الطيبة ما تجيب به, فتابع قائلا:
"الآن أفكر فى طريقة تمكنني من الطيران إلى السماء العالية."
لم تنشغل الظبية برغبة صغيرها, انشغلت أكثر فيما يقول "أفكر".. ما هذا الذي يتحدث عنه "التفكير", فلا يوجد فى الغابة شيئا بهذا الاسم يؤكل أو يشرب. ولم تجد الظبية إلا أن تسأل نفسها:
"ما هو التفكير هذا؟"

-5-
أصبح كل ما يشغل الظبية الأم مع كل صباح, أن ابنها –ذلك الكائن العجيب- بدأ يسأل أسئلة لم تسمعها من قبل.
مرة يسألها عن الشمس التي تضئ مع الفجر, وتغيب خلف البحر كل مساء!
ومرة يسألها عن القمر الذي يراه بدرا كاملا, ومرة يراه هلالا ضيقا!
ومرات يسألها عن تلك البذور الصغيرة الذي إذا شربت المياه, أحرجت ثمارا وفاكهة!
ويعود دائما لسؤاله القديم:
"لماذا لا أطير مثل العصافير؟"
ومع ذلك لم تقلق كثيرا, حتى جاء اليوم الذي شعرت فيه بالقلق الحقيقي, يوم أن قال لها:
"لماذا أرى كل الطيور والحيوانات وحتى الديدان تملك وسيلة للدفاع
عن نفسها, سواء بمخالبها أو أنيابها أو أظلافها, وغير ذلك..
أما أنا فلا أملك أية وسيلة مثلهم؟!"

وذات يوم دخل "حي" عليها، وهو يصيح بفرح, وقد حمل بين يديه غصون الأشجار, بعد أن حك طرفها وجعله مدببا حادا, وفى المساء التالي دخل عليها، وهو يحمل مجموعة من الصخور المدببة الحادة أيضا.
لم تجد ما تقوله, لكنها سألته:
"والآن, ما هو شعورك وقد صنعت أسلحة جديدة..
لم تعرفها الغابة من قبل؟"
رد بكثير من الغرور والزهو والكبرياء:
"أريد أن أصبح أقوى من كل كائنات الغابة, كي أصبح ملكا على
كل هذه الجزيرة!"

-6-
أصبح "حي" كائنا غريبا فى نظر أمه الظبية الطيبة. فهو يستيقظ كل صباح.. يجرى على الطرقات, ويسبح فى مياه البحر, ويدخل الغابة يصطاد ما يحلو له.. ومع ذلك لم يتخل عن جلسته اليومية، فوق الصخرة الكبيرة أمام البحر يفكر.
وذات مساء بينما وهو يحك صخرتين بعضهما ببعض, ودون أن يقصد انطلقت شرارة من نار, النار التي لم يكن رآها من قبل. إذا بالشرارة الشقية تنطلق ناحية الأعشاب الجافة, لتتحول الشرارة البسيطة إلى كائن غريب عليه، يحرق أوراق الشجر الجافة. ولم تكن تلك الحادثة هي المفاجأة الوحيدة, فقد دهش أن وجد الأرنب الذي اصطاده فى الصباح ووضعه تحت الأوراق.. أصبح لذيذا وشهيا وله رائحة جذابة بسبب فعلة النار فيه.
فلما عاد إلى أمه وقدم لها الأرنب المشوي قائلا:
"أحضرت لك اليوم وجبة شهية جديدة"
فردت مبتسمة:
"يبدو أنني سوف أستقبل معك كل يوم شيئا جديدا"
وعندما قال لها:
"الآن أصبحت كبيرا يا أمي, وعلى كل كائنات الغابة تنفيذ أوامري"
قالت فى نفسها :
"أنا لم أعد أفهم ابني, هذا الكائن الغريب..
لماذا لم أصبح مغرورا هكذا؟"

-7-
ومضت الأيام, وفى كل يوم يشعر "حي" أنه أصبح أكثر قوة, بينما تشعر الظبية الأم بمزيد من القلق والحيرة.
فلم يعد يجرى خلف الفريسة التي يصطادها, بأقل جهد يصنع الحفرة فى الأرض، فتسقط الفريسة ويصطادها, وصنع مصائد خادعة للطيور والحيوانات. كما عرف كيف يسلخ جلود وفرو الحيوانات، يلفها حول جسده تحميه من برد الشتاء. ثم وضع النار أمام الكهف وداخله.. فيضئ الكهف ويمنع دخول الثعابين إليه خلسة.. وغير ذلك كثير. وكلما نجح فى حيلة جديدة يقضى بها على حيوانات الغابة, يشعر أنه أصبح أكثرهم قوة, ويزداد غرورا وهو ما جعل الظبية الأم حزينة, حتى قالت:
"أرجوك, راجع نفسك يا ولدى, الغرور غير جدير بالاهتمام"

وذات صباح، كان "حي" جالسا يتأمل مياه البحر, فرأى غرابين يتصارعان, انتصر أحدهما, وقتل الآخر. فما كان من القاتل إلا أن حفر حفرة فى الأرض, ووضع الغراب القتيل، ثم أهال
عليه التراب!
لم يفارقه المشهد, وكلما نظر حوله, يرى كل المخلوقات.. الشمس والقمر والنجوم, الحيوانات والطيور, وحتى النار والصخر والرمال والأشجار.. ما هي إلا صور أشياء تكمل بعضها بعضا. ولكل منها وظيفة لنفسها وللمخلوقات الأخرى.
فقال فى نفسه:
"أكيد هذه المخلوقات من صنع خالق, ومن فعل فاعل واحد"
وأخبر أمه الظبية الطيبة بما يعتقد، ففرحت فرحا شديدا.. للمرة الأولى ترى ابنها يتحدث عن نفسه، وعن أحوال الغابة والحيوانات وحتى السمك فى البحر بلا غرور.
زادت فرحتها أن وجدته كل مساء, وقبل أن يذهب لينام.. ينظر إلى السماء فى صمت وكأنه يصلى.. ثم ينام فى هدؤ وسكينة، فتهمس فى نفسها: "أراك الآن أجمل مخلوقات الجزيرة"
.............................



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق