الجمعة، 12 نوفمبر 2010

مغامرات صائل في المملكة السحرية، قصة للأطفال بقلم بهيجة مصري إدلبي

مغامرات صائل
في المملكة السحرية
بهيجة مصري إدلبي

الإهداء

إلى صائل القادم مع المستقبل
حاملا في يديه راية الحب
وبين شفتيه أغنية الأمن والسلام
إلى كل أطفال العالم

في بيت هادئ وجميل يقع على أطراف المدينة عاش فلاح عجوز مع حفيده الوحيد صائل .
وكان صائل طفلا لطيفا يحب جده كثيرا ، وجده يحبه أيضا . استشهد والده في الحرب ضد الأعداء . وماتت أمه بعد والده بسنة . فتكفله جده وراح يرعاه وعندما بلغ الخامسة من عمره بدأ يحكي له الحكايات الجميلة .
أحب صائل حكايات جده التي كان يحكيها له في الحقل تحت الشجرة الكبيرة ، لكن صائل كان يطلب من جده أن يحكي له حكاية في المساء قبل أن ينام فيبتسم الجد ويقول له :
ـ إنك لا تملُّ من الحكايات يا صائل
فيجيبه صائل :
ـ حكاياتك جميلة جدا يا جدي
فيجلسه الجد قربه ويحكي له إحدى الحكايات وما إن يصل إلى منتصف الحكاية حتى يستسلم صائل للنوم فينهض الجد لينام هو الآخر بعد أن يمدد صائل في سريره ويغطيه جيدا .
هكذا كانت حياة الجد مع حفيده صائل
إلى أن دخل صائل المدرسة فقال له الجد :
ـ إذا أصبحت تلميذا مجتهدا سأحكي لك حكاية لا تنتهي ولم تسمع بها من قبل
فسأل صائل جده :
ـ وماهي تلك الحكاية يا جدي
قال الجد :
ـ إنها حكاية المملكة ذات الأبواب السحرية
فقفز صائل فرحا وهو يقول :
ـ سأكون مجتهدا جدا
ثم أراد أن يسأل جده عن الحكاية محاولا أن يجعل جده يحكي له جزء من الحكاية
فقال الجد له :
ـ انهض الآن إلى النوم لأن غدا أول أيام المدرسة ويجب أن تستيقظ باكرا ، وسأحكي لك الحكاية كما وعدتك ،كل شيء في وقته جميل يا صغيري
فنهض صائل فرِحا ، قبَّل جده وذهب إلى سريره وهو يحلم بتلك الحكاية الطويلة .
وبعد أيام قليلة جاء صائل إلى جده مبتهجا حاملا كتابه ودفتره وهو يقول :
ـ انظر يا جدي ماذا أعطتنا المعلمة
وفتح دفتره وراح يقرأ
ـ ألف ، باء
قال الجد
ـ جيد جدا يا صائل ها أنت بدأت تنفذ وعدك لي بالاجتهاد ولابد أن أنفذ وعدي لك بالحكاية ولكن عندما يأتي وقتها وتكمل باقي الحروف
فسأل صائل :
ـ وما علاقة الحروف بالحكاية يا جدي ؟
قال الجد :
ـ إذا لم تحفظ الحروف فلن تستطيع الدخول من أبواب المملكة السحرية
فقال صائل :
ـ وهل سنذهب إلى تلك المملكة برحلة ؟
فقال الجد :
ـ طبعا ولكن ليست مثل باقي الرحلات يا صغيري
قال صائل :
ـ ولكن المعلمة وعدتنا إذا حفظنا دروسنا أن تأخذنا برحلة يوم الجمعة إلى القلعة في مدينة حلب
فقال الجد :
القلعة جميلة يا صغيري فهي تراث أجدادنا ولكن المملكة السحرية أعظم ما بناه الأجداد إنها أكبر من كل القلاع وكلما طال بها الزمن تزداد جمالا وتألقا ومنعة رغم كل محاولات الأعداء للنيل منها .
قال صائل :
ـ ومتى سنزورها
قال الجد ستعرف كل شيء عندما تنتهي من حفظ الأحرف الأبجدية
فقال صائل :
ـ ولماذا لا نزورها يوم الجمعة القادم ؟
قال الجد :
ـ لايمكن أن تفتح الأبواب إلا إذا حفظت الأحرف جميعا . فسر الأبواب موجود في الأحرف الأبجدية .
وراح صائل يجتهد ويحفظ دروسه وكان كلما أعطته المعلمة حرفا جديدا يأتي إلى جده فرحا وهو يلفظه ويرسمه على دفتره . إلى أن جاء مرة وهو يتلفظ بحرف الضاد فابتسم الجد وقبَّله وهو يقول :
ـ الآن يا صغيري فتحت أوسع أبواب المملكة ( الضاد ) وأنت تلفظه بشكل ممتاز
فكرر صائل مع جده :
ـ ضاد ضاد ضاد
ثم سأل جده :
ـ متى سنزور المملكة يا جدي
فقال الجد :
ـ سأحكي لك الحكاية أولا وبعدها يمكنك معرفة الأسرار لأن المملكة لا تظهر إلا لمن يدرس ويتعلم وكلما تعلمت أكثر تظهر الممكلة وتفتح أبوابها لك ومن يستطيع أن يراها ويزورها يكون قد وصل إلى سر عظيم إنها مملكة باهرة يابني .
وعندما كان الجد يعد الطعام ليتناوله مع حفيده كان صائل يحدث نفسه :
ـ لابد أن اصل إلى تلك المملكة وأعرف السر العظيم
ثم نادى جده :
ـ جدي .. هل ستحكي لي الحكاية هذا المساء
قال الجد :
ـ طبعا فغدا يوم جمعة
اقترب صائل من جده وقال :
ـ هل تسمح لي أن أقص الحكاية لصديقي سمير فهو صديق وفيٌّ ويحب الحكايات وسيسر كثيرا إذا حدثته بحكاية المملكة السحرية .
فابتسم الجد وقال :
ـ لابأس يابني قص عليه ماتشا ء فالصداقة جميلة والتعاون جميل ومن واجب الأصدقاء أن يتعاونوا معا وأن يحبوا بعضهم بعضا .
وفي المساء جلس صائل قرب جده وبدأ الجد يحكي له حكاية المملكة ذات الأبواب السحرية فقال :
" عاش في الزمان القديم رجل حكيم اسمه عرب وكان له ثمانية وعشرون ولدا أكبرهم اسمه الضاد الذي كان يرافق أباه دائما ويسأله عن كل شيء حتى أصبح عارفا بأسرار الحياة وحكيما مثل أبيه ، وعندما مرض الأب نادى على ابنه الضاد وقال له :
ـ خذا هذا الصندوق يابني ، ولا تفتحه إلا لأمر ضروري ، وثم نادى على أبنائه جميعا وأوصاهم وصيته الأخيرة قبل أن يموت فقال لهم :
اسمعوا كلام أخيكم الكبير فهو أعرف منكم ولا تتفرقوا فتضعفوا ،
لكن الأخوة بعد موت أبيهم نسو الوصية فتفرقوا كل في مكان ، وعندما شعر الضاد بالذي حدث لأخوته خاف عليهم وفكر طويلا بالأمر ، بحث في الكتب وسهر الليالي وهو يفكر في سبيل ليحافظ على أخوته ، فتذكر الصندوق الذي أعطاه إياه أبوه وأوصاه ألا يفتحه إلا لأمر ضروري ولما فتحه وجد في داخله رسالة كتبها الأب قبل موته يقول فيها :
يا أبنائي تعاونوا مع بعضكم تنجحوا في حياتكم ، حافظوا على أرضكم ولا تتفرقوا فيطمع الأعداء بكم ويسلبوكم أرضكم وينهبوا كنوزها .. كونوا يدا واحدة تمنحكم الأرض كنوزها .
وفي اليوم التالي قرر الأخ الكبير الضاد أن يجمع أخوته ويقرأ عليهم الرسالة فاجتمع الأخوة فوق الأرض الواسعة الخضراء التي تركها لهم أبوهم وراح الضاد يقرأ عليهم ما أوصى به أبوهم قبل وفاته وقال لهم : يا أخوتي علينا أن نكون يدا واحدة نعمل في أرضنا ونحافظ على نعمة الله فالأرض لنا جميعا لذلك لابد أن نعمل بها حتى لا تموت أو يسلبها الأعداء منا .
فرحب الأخوة بكلام أخيهم الكبير وقالوا له :
ـ وما العمل أيها الأخ العزيز
قال الضاد :
علينا أن نجتمع مع بعضنا فلو اجتمع كل اثنين أو ثلاثة أو أكثر نشكل كلمات والكلمات تشكل جملا والجمل تشكل كتبا وبذلك يا أخوتي نكون قد حافظنا على أرضنا وتراثنا ولم نعد نخش من الأعداء الطامعين .
وبدأ الأخوة بتشكيل الكلمات والجمل والكتب وبنوا مملكة عظيمة لها ثمانية وعشرون بابا على كل باب بنوا قصرا لأحدهم يحرس المملكة من خلاله وبنو عند الباب الكبير قصرا ضخما لأخيهم الضاد بعد أن نصبوه ملكا عليهم فحكم بينهم بالعدل والمحبة وعلمهم السر الذي تفتح به الأبواب "
نظر الجد إلى حفيده فوجد النعاس باديا على عينيه فقال له :
ـ نكمل الحكاية غدا في الحقل يا صغيري، عليك أن تنام الآن
فقال صائل :
ـ لا يا جدي أريد أن أعرف النهاية
فقال الجد :
ـ ولكن حان وقت نومك ولايمكن أن تنتهي الحكاية هذا المساء
رد صائل :
ـ غدا عطلتي ولن أستيقظ باكرا
فقال الجد :
ـ لا يا صغيري حتى ولو كان غدا عطلة يجب أن تستيقظ باكرا حتى لا تفقد نشاطك، وغدا تذهب معي إلى الحقل وأكمل لك الحكاية في وقت الراحة ، تحت الشجرة الكبيرة وإلا فلن أكمل لك الحكاية
فقال صائل :
ـ كما تريد يا جدي ولكن أريد أن أعرف السر الذي تفتح به الأبواب
فقال الجد :
ـ غدا ستعرف .. غدا ستعرف ، ألم أقل لك كل شيء في وقته جميل ، لاتكن عجولا ، كن صبورا تتعلم كثيرا
فنهض صائل واتجه إلى سريره لينام أما الجد فقد تابع القراءة في أحد الكتب القديمة
وفي الصباح استيقظ صائل وتناول طعام الإفطار مع جده واتجه الاثنان إلى الحقل وهناك لعب صائل واستمتع بجمال الطبيعة إلى أن أنهى الجد عمله وجلس تحت الشجرة الكبيرة ليستريح نادى على صائل فأقبل فرحا تناول مع جده بعض الطعام وقال صائل :
ـ ألا تريد أن تكمل لي حكاية البارحة يا جدي ؟
فسأل الجد :
ـ إلى أين وصلنا في الحكاية ؟
قال صائل :
ـ عند السر الذي تفتح به الأبواب
فتابع الجد الحكاية :
" وكان السر هو أن يلفظ الزائر حرف الضاد ثلاث مرات فتفتح له الأبواب فصاح صائل :
ـ ضاد ضاد ضاد
قال الجد :
أحسنت أحسنت يا صائل
وتابع الحكاية قائلا :
" وفي يوم من الأيام فكر الأعداء بالهجوم على المملكة لينهبوا خيراتها ويسلبوا كنوزها ، وعندما سمع الملك بخبر هذا الهجوم من أصدقائه نادى على فعل الأمر وقال له :
ـ اجمع جميع القوات وكن مستعدا لأي هجوم
فنفذ فعل الأمر ما أمر به الملك
ونادى الملك على الفعل المضارع والفعل الماضي وطلب منهما أن يضعا خطة لصد الهجوم المعادي
وأمر الحراس أن يكونوا متيقظين .
وفعلا قام الأعداء بالهجوم بعد أيام . إلا أن المملكة كانت مستعدة كل الاستعداد فصدت الهجوم وانتصرت على أعدائها وكافأ الملك كل جنوده بأوسمة من الذهب على ما بذلوه دفاعا عن مملكتهم
وكافأ الله تلك المملكة على إيمانها وحبها لأرضها والدفاع عنها فأنزل القرآن الكريم الذي تتألف كلماته من حروفها ومازالت تلك المملكة صامدة في وجه الأعداء وستبقى طوال حياتها سيدة الممالك في العالم. "
قال صائل :
أريد أن أتعرف إلى أهلها
فقال الجد :
ـ كلما كبرت وتعلمت تصبح الطريق سهلة للوصول إلى سر تلك المملكة .
وفي اليوم التالي سألت المعلمة في درس التعبير
ـ من يحفظ حكاية جميلة
فاستأذن صائل وقال :
ـ أنا أعرف حكاية جميلة حكاها لي جدي البارحة
فقالت المعلمة :
وماهي
قال صائل :
ـ المملكة ذات الأبواب السحرية .
فطلبت المعلمة من صائل أن يقص الحكاية على زملائه وعندما انتهى كافأته بكتاب مزين بالصور والرسومات وفيه حكايات جميلة وطلبت من زملائه أن يصفقوا له
فشعر سمير صديق صائل بالحزن لأن حكاية صائل أجمل من الحكايات التي يحكيها له أبوه، وعندما عاد سمير إلى البيت طلب من أبيه أن يحكي له حكاية مثل حكاية جد صائل فقال له أبوه :
ـ إن جد صائل يا بني رجل مسن وحكيم ويعرف حكايات أكثر مني ما رأيك أن نزوره في يوم الجمعة القادمة ليحكي لك حكاية جميلة ونتعلم منه أشياء مفيدة ؟
فرحب سمير باقتراح أبيه ونام تلك الليلة سعيدا وهو يحلم بذلك اليوم الذي سيستمتع فيه بحكاية جد صائل .
أما صائل فقد عاد إلى البيت مسرورا فرحا بتلك المكافأة وعندما وجده جده مسرورا سأله عن سبب ذلك فأخبره بما حدث في المدرسة فقال الجد :
ـ وأنا عندي لك مفاجأة
فقفز صائل وصاح
ـ ماهي يا جدي ؟
قال الجد :
إنها كتاب جميل فيه حكايات كثيرة ، ومفيدة .
فصفق صائل وقبَّل جده ونام تلك الليلة تغمره السعادة والفرح وهو يحلم بتلك المملكة الجميلة التي يتمنى لو يعرف سرها العظيم .
وعندما استسلم للنوم رأى في أحلامه شيخا يرتدي ثوبا أبيض سأله صائل :
ـ من أنت أيها الشيخ الجليل ؟
قال الشيخ :
ـ أنا الذي أحقق أمنيات الأطفال المجدِّين ، والمطيعين ، والمحبين للخير .
قال صائل :
ـ وهل تحقق لي أمنيتي ؟
قال الشيخ :
ـ وهل أنت طفل مجد ومطيع ومحب للخير ؟
قال صائل :
ـ اسأل جدي ومعلمتي وأصدقائي إذا أردت
فضحك الشيخ وقال أعرف دون أن أسأل أحدا وسأحقق لك كل ما تتمنى
فقال صائل :
ـ أريد أن أذهب في رحلة إلى المملكة ذات الأبواب السحرية .
فقال الشيخ :
ـ ومن حدثك عنها ، وكيف عرفت اسمها؟
قال صائل :
ـ جدي قص عليَّ قصتها وأنا أتمنى أن أزور أهلها لأنهم طيبون كما قال جدي .
فقال الشيخ :
ـ كما تريد ولكن أولا عليك أن تتوضأ
وقدم إليه إبريقا من الماء وعلمه الوضوء وبعد أن انتهى قدم له كتابا مذهبا وقال له:
ـ هذا هو القرآن الكريم قل " بسم الله الرحمن الرحيم "
ثم تمنى ما تريد فتتحقق أمنياتك
وغاب الشيخ داخل دائرة من النور ، ضم صائل القرآن الكريم إلى صدره وقال "بسم الله الرحمن الرحيم "
ثم قال :
" أريد أن أرى المملكة ذات الأبواب السحرية"
وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه في ملكة متلألئة الأنوار وفيها قصور خضراء. استقبله أحد الحراس سأله صائل :
ـ هل هذه المملكة ذات الأبواب السحرية؟
فقال الحارس :
ـ نعم يا صغيري أنت في المملكة ذات الأبواب السحرية
فقال صائل مسرورا :
ـ وهل يمكنني التنقل فيها ومشاهدة قصورها؟
فقال الحارس :
ـ أهلا بالضيف الصغير يمكنك أن تقوم بما تريد . وأدخله إلى غرفة جميلة فيها مصابيح سحرية وأجلسه على كرسي مريح وقدم له الحلوى وبعد أن ارتاح قليلا سأله ماذا تريد أن تعرف عن المملكة ؟
فقال صائل :
ـ أريد أن أعرف كل شيء عن مملكتكم
فقال الحارس :
ـ أهلا وسهلا بك فأنت تحمل بين يديك سرنا العظيم ( القرآن الكريم ) ومن حقك أن تعرف ما تريد ولكن لن تستطيع ذلك برحلة واحدة وانما تحتاج إلى رحلات كثيرة فالمملكة كما ترى كبيرة جدا ومليئة بالعجائب والأسرار وأهلها طيبون يحبون الضيف ويكرمونه يتعاونون على عمل الخير وفي هذه الغرفة مصابيح سحرية كثيرة كل مصباح يهديك إلى طريق وعليك أن تختار أي مصباح لتبدأ الرحلة .
تأمل صائل الغرفة وراح يقرأ ما كتب على المصابيح فقرأ على أحدها عبارة "مدينة الأفعال "وعلى أخرى قصر "الفاعل " وعلى ثالثة قصر" المفعول به " ، وعلى رابعة قصر "الجملة الاسمية " فطلب من الحارس أن يعطيه مصباح مدينة الأفعال فأعطاه إياه وقال له :
بعد أن تنتهي من هذه الجولة تعيد المصباح إلى هنا وتختار مصباحا آخر . وفقك الله أيها الضيف الكريم .
ومضى صائل على ضوء المصباح إلى أن وصل مدينة صغيرة فيها ثلاثة قصور جميلة كتب على باب الأول ( الفعل الماضي ) وعلى باب الثاني ( الفعل المضارع ) وعلى باب الثالث ( فعل الأمر )
وقف صائل يتأمل القصر الأول ثم اقترب من الباب الكبير وقال " بسم الله الرحمن الرحيم "
ثم قال :
( ضاد ضاد ضاد )
ففتح الباب ورحب به رجل عجوز يجلس على أريكة جميلة فقدم صائل نفسه للرجل العجوز وحياه قائلا :
ـ مرحبا يا سيدي ، أنا صائل جئت أزور مدينتكم لأتعرف عليها
فقال الرجل العجوز :
ـ أهلا بك يا صائل تفضل بالجلوس يا بني
جلس صائل وراح يسأل الفعل الماضي عن عمله في المملكة فقال الفعل الماضي :
ـ أنا الفعل الماضي يا صغيري ، زمني انتهى ، وأنا هنا أحفظ أسرار المملكة وأخبارها وتاريخها وأمجادها .
تأمل صائل الجداران فوجدها مزينة بكلمات كثيرة وراح يقرأ ( كتب ، قرأ ، خلق ، حارب، دافع ، نجح ، استيقظ ، لعب ، درس ، حصد ، زرع ) فسأل صائل الرجل العجوز عن سر هذه الكلمات فقال الفعل الماضي :
ـ هذه الأفعال هي أنا جميعا فأنا قرأ وكتب ودرس … وقد انتهى زمني وأصبحت هذه الأفعال من الذكريات الجميلة وكلما انتهى الناس من أعمالهم يأتون بفعل جديد إلى غرفتي
فسأل صائل الفعل الماضي :
ـ وما هذه العلامة التي تضعها على جبينك؟
فقال الفعل الماضي :
ـ هذه الفتحة يابني فأنا فعل مبني على الفتحة دائما
شكر صائل الفعل الماضي على حسن ضيافته وحمل المصباح ومضى إلى القصر الثاني قصر الفعل المضارع فوقف أمام الباب وقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم"ثم ردد : " ضاد ضاد ضاد " ففتح الباب وسمع صوتا يقول له تفضل أيها الصغير ، نظر حوله فلم يجد أحدا فعاد الصوت مرة أخرى وقال :
ـ أنا هنا أيها الصغير ، أنظر إلى الأعلى
رفع صائل رأسه فوجد رجلا كهلا وبين يديه كتاب يقرأ فيه قال صائل :
ـ أنا صائل ضيف مملكتكم ، جئت لأتعرف عليك
قال الفعل المضارع :
ـ أهلا بك في مملكتنا أيها الطفل الجميل
سأل صائل :
ـ لماذا تجلس في هذا المكان المرتفع يا سيدي
ضحك الفعل المضارع وقال :
ـ لأنني فعل مضارع مرفوع
قال صائل :
ـ ولماذا تضع حرف الواو على جبينك
ابتسم الفعل المضارع وقال :
ـ هذه ليست حرف الواو وانما تشبهه إنها الضمة تشبه الواو ولكن أصغر منه وهي علامة رفعي أيها الصغير
فسأل صائل :
ـ وبماذا تختلف عن الفعل الماضي ؟
فقال الفعل المضارع :
ـ أنا زمني حاضر ومستمر وأحرفي الأولى هي الحروف التالية المكتوبة أمامك في تلك اللوحة
فقرأ صائل الأحرف في اللوحة وراح يرددها:
ـ ( أ ـ ن ـ ي ـ ت)
ثم قال الفعل المضارع :
ـ هذه الأحرف هي التي تميزني عن الفعل الماضي وهناك شيء آخر يميزني فأنا مرفوع بالضمة أما هو فمبني على الفتحة
شكر صائل الفعل المضارع وحمل المصباح ومضى إلى القصر الثالث قصر فعل الأمر فوقف أما الباب وقرأ مثلما قرأ أمام الأبواب الأخرى ففتح له الباب واستقبله رجل قوي قال صائل :
ـ أنا صائل ضيف مملكتكم ، جئت للتعرف عليك
قال فعل الأمر :
ـ أهلا بك تفضل فنحن جميعا في هذه المملكة نحب الضيوف
دخل صائل ولكنه شعر بالرهبة من فعل الأمر ، نظر إلى رأسه فوجد دائرة ذهبية ، لكنه لم يتجرأ أن يسأل فعل الأمر عن سر هذه الدائرة وعندما لاحظ فعل الأمر تردد صــائل قال له :
ـ لا تخف يا صغيري كأنك تريد أن تعرف ما هذه الدائرة التي على رأسي
قال صائل :
ـ أتمنى ذلك
قال فعل الأمر :
ـ هذه علامة السكون فأنا مبني على السكون دائما أعطي الأوامر للجميع وهذه هي وظيفتي في المملكة فأنا أنظم الجيش وأدربه من أجل الدفاع عن المملكة .
شكر صائل فعل الأمر ومضى إلى غرفة الحارس ليستبدل مصباح الأفعال بمصباح آخر
رحب الحارس به وقال له :
ـ هل تعرفت على مدينة الأفعال
قال صائل
ـ نعم يا سيدي وأنا محتار . أي مصباح سأختار
قال الحارس :
بما أنك اخترت في البداية مصباح الأفعال عليك أن تختار مصباح الفاعل لأنه يأتي بعد الأفعال مباشرة
حمل صائل مصباح الفاعل ومضى حتى وصل إلى قصر مزخرف وجميل اقترب من الباب وقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم ردد " ضاد ضاد ضاد " ففتح له الباب
قال له صوت قوي من الداخل :
ـ ادخل أيها الضيف
رفع صائل رأسه ليرى شابا قويا يجلس في مكان مرتفع ويضع على رأسه إشارة تشبه الإشارة التي رآها على رأس الفعل المضارع فعرف أنها الضمة ولم يسأله لماذا يجلس في مكان مرتفع لأنه تذكر كلام الفعل المضارع فعرف أن كل من يضع على رأسه علامة الضمة يجلس في مكان مرتفع لأنه مرفوع بالضمة قال الفاعل لصائل :
ـ اجلس يا صغيري اجلس هنا على هذا الكرسي
وأشار إلى كرسي جميل ومريح
فجلس صائل وهو يتأمل الفاعل فقال الفاعل :
ـ ألا تريد أن تسألني عن شيء قال صائل:
ـ بلى أريدك أن تحدثني عن نفسك يا سيدي
فقال الفاعل :
ـ اسمي الفاعل لأنني أقوم بفعل الأفعال فتارة أكون الطفل الذي يدرس إذا قلت:درس الطفل . وتارة الفلاح الذي يحصد إذا قلــت : حصد الفلاح . وتابع الفاعل حديثه وقال لصائل :
ـ أريد أن أسألك سؤالا إذا عرفته قدمت لك مكافأة
قال صائل :
ـ كما تريد يا سيدي
قال الفاعل :
أنت تلميذ مجد وإلا لما استطعت أن تزور المملكة ، أريدك أن تبحث عني في هذه الجملة
دافع الجندي عن أرض الوطن
ففكر صائل ثم قال :
أنت الجندي يا سيدي
قال الفاعل :
ـ أحسنت يا صغيري أنت طفل ذكي وقدم له علبة مليئة بالحلوى اللذيذة وكتابا صغيرا كتب عليه " مدينة الأمجاد "
شكر صائل الفاعل على ضيافته وعاد إلى غرفة الحارس ليستبدل مصباح الفاعل بمصباح آخر فقال له الحارس :
ـ عليك أن تختار الآن مصباح المفعول به لأنه يأتي بعد الفاعل ويقع عليه فعل الفاعل .
فحمل صائل المصباح واتجه إلى قصر المفعول به حتى وصل إلى قصر رمادي فقرأ مثلما قرأ أمام الأبواب السابقة ففتح الباب نظر إلى الداخل فوجد رجلا هادئا ولطيفا قال له :
ـ تفضل يا صغيري
قال صائل :
ـ أنا صائل ضيف مملكتكم
فقال المفعول به :
ـ وأنا المفعول به أهلا بك يا صغيري
نظر صائل إلى وجه المفعول به فوجده حزينا وضعيفا فسأله :
ـ لماذا أنت حزين يا سيدي
قال المفعول به :
ـ أنا لست حزينا ولكني متعب قليلا
قال صائل :
ـ لماذا لا تذهب إلى الطبيب
ضحك المفعول به وقال :
ـ لا أحتاج إلى طبيب فأنا أتحمل كل أفعال الفاعل
فقال صائل :
ـ ولماذا يا سيدي لا تعترض وتشكوه إلى الملك
قال المفعول به :
ـ لا يا صغيري هذا واجبي وعليَّ أن أتحمل الأفعال كلها من أجل أن تبقى مملكتنا آمنة وقوية
نظر صائل إلى رأس المفعول به فعرف العلامة لأنها تشبه العلامة التي كانت على رأس الفعل الماضي ثم قال صائل للمفعول به :
ـ حدثني عنك يا سيدي
فقال المفعول به :
ـ أنا المفعول به المنصوب بالفتحة
فتارة أكون الحلوى التي يأكلها الأطفال
وتارة أكون الكتاب الذي يقرؤه التلاميذ وتارة أكون الرصاصة التي ترمي الأعداء دفاعا عن المملكة
فقال صائل :
ـ أنت رجل عظيم يا سيدي
فقال المفعول به :
ـ وأنت طفل مجد وذكي وفقك الله في حياتك
فشكر صائل المفعول به ومضى إلى غرفة الحارس فقال له الحارس :
ـ اقترب الصباح ولن تستطيع أن تزور أحدا الآن ويمكنك العودة في أيام أخرى لتتابع مشاهداتك وزياراتك للمملكة فأنت اليوم زرت كل أفراد الجملة الفعلية الفعل والفاعل والمفعول به
شكر صائل الحارس وخرج من المملكة وقال " بسم الله الرحمن الرحيم " فتح عينيه فوجد جده يوقظه ، نظر في وجه جده وهو يردد " بسم الله الرحمن الرحيم "
قبَّل جده وتناول افطاره ومضى إلى المدرسة ، وعندما عاد حدَّث جده بما رأى في الحلم ، فوعده الجد أن يتابع له حكايات المملكة في عطلة الربيع .
فراح صائل يقفز فرحا وهو يردد
أل باء تاء ثاء ……


ـ الطبعة الأولى 2000 م
موافقة وزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب
/ 521 / تا / 16 / 8 / 1998 /
منشورات دار عبد المنعم ناشرون
مؤسسة ثقافية تعنى بنشر الأدب والفكر والعلوم العربية والعالمية
سورية ـ حلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق