الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

المضمون التربوي لـنهر النيل في أدب الأطفال، دراسة بقلم د. أميمة جادو

المضمون التربوي لـنهر النيل في أدب الأطفال
(قراءة تحليلية لبعض النماذج القصصية والشعرية)

د.أميمة منير جادو

ملخص البحث
• إرهاصة لابد منها :
عُرِفَت مصر منذ قديم الأزل بأنها هبة النيل ، فقد شكل النهر العظيم حياة مصر والمصريين ، وقد انعكس ذلك على طبيعتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم وجميع شئون حياتهم وثقافتهم كافة ، لاسيما الآداب والفنون ، لذا فقد تناولوه في ابداعاتهم منذ عهد بعيد أيام الأجداد الفراعنة لمنزلته المقدسة في نفوسهم ملكأً وشعباً .
وقد تناوله بعض المستشرقين حديثاً بالدرس والرصد والتحليل والتعليل ، مثل رائعة إميل لودفيغ النيل حياة نهر الذي يمثل مرجعا مهما لكل الباحثين ، كما تناوله بعض الدارسين من زوايا مختلفة كما فعل د . قاسم عبده قاسم في أطروحته المميزة النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ، ود . نعمات فؤاد في دراستها القيمة للدكتوراة نهر النيل في الأدب العربي .
وعلى الرغم من ذلك فإن أحدا من الدارسين لم يتناوله في أدب الأطفال على الرغم من أهميته ، لذا فقد جاء موضوع المؤتمر ليسد فراغا كبيرا في المكتبة المصرية والعربية ، وهذا يستوجب الشكر الخالص لصاحب الفكرة وللقائمين على المؤتمر الذي يُعَد انجازاً حقيقياً في تاريخ مؤتمرات الطفولة وإن تأخر كثيراً .
واعترفاً بالفضل ورد الجميل لأصحابه أود أن أنوه أن أول من طرح هذه الفكرة علي ودعاني إلى الكتابة فيها – على المستويين الإبداعي والبحثي – هو الكاتب الكبيرالأستاذ فؤاد حجازي عام 1990 ، فكتبت قصة "عندما فرح حابي" ولم أنشرها إلا بعد سنوات طويلة ، وظلت الفكرة/الحلم، تؤرقني لكنها لم تخرج من طور الشرنقة إلى البحث والتحليل إلا عندما شرفت بدعوة الأخ الكريم د .شريف الجيار للمشاركة في هذا المؤتمر المتميز ، فأدركت أنه آن الأوان كي يتحقق الحلم ويحط على أرض الواقع ، وللفراشة أن تثقب الشرنقة وتطير بين إصدارات أدب الأطفال بغرض البحث العلمي عن عينة مقصودة تناولت نهر النيل بالذات ، والرجوع لبعض الكتاب والشعراء ، والوقوف على بعض النماذج المنتقاة ، غير أنني أعترف بالتقصير- وأعتذر عنه- لثقتي بأن هناك من أدب الأطفال ما تناول نهر النيل لكنه لم يقع في يدي للأسف لعوامل متعددة ، لذا أتمنى وأنوه أنني أود استكمال هذا البحث من خلال موافاة مبدعينا الكرام لي بما كتبوه في هذا المجال .
• ملخص البحث :
يتناول هذا البحث ( المضمون التربوي لصورة نهر النيل في أدب الأطفال ) عبر قراءة تحليلية لبعض النماذج القصصية والشعرية .
- هدف البحث :
التعرف على أهم المضامين التربوية والقيم والأفكار المتعلقة بصورة نهر النيل في أدب الأطفال ، وتحليلها وتصنيفها ونقدها
- منهج البحث واسلوبه والعينة :
واعتمدت الباحثة على أسلوب تحليل المحتوى للنص الأدبي – ضمن المنهج الوصفي- لاستخراج أهم الأفكار والقيم والمضامين التربوية من خلال ما يتعلق بنهر النيل من موضوعات مطروحة ، بالإضافة للمنهج النقدي الذي يبرز سلبيات وايجابيات النص الأدبي للأطفال .
اختارت الباحثة عينة مقصودة من النماذج الأدبية ( قصص وشعر) ، واعتمد عنصر القصد فيها على تناول الكاتب أو الشاعر( نهر النيل) بشكل مباشر أو ضمني .
واقتصرت العينة على النماذج المتاحة للباحثة – وهذا لا يعني أنها كل ماكُتب – وأيضاً دونما اعتبار لفترة زمنية محددة فقد اختلف تاريخ الابداع والنشر أيضاً .

- أهمية البحث :

تكمن أهميته من حيث أنه يمثل إضافة في المجال البحثي والنقدي في أدب الأطفال ،ويفتح الباب للمزيد من الدراسات في سبر أغوار مجال غير مسبوق في أدب الطفل .
- نتائج البحث :
تنوعت المضامين التربوية في قصص وأشعار العينة فيما يتعلق بنهر النيل في أدب الأطفال ، فقد احتوت في مجملها على ثلاث مضامين تربوية رئيسة :
1- القيم الخلقية والبيئية والسلوكية
2- القيم الجمالية والوجدانية
3- التأصيل التاريخي ودحض أسطورة عروس النيل
معظم القصص ركزت على القيم البيئية والسلوكية مثل الحرص على نظافة النهر وعدم تلويثه كما في الرحلة العجيبة لعروس النيل والقطرة الحائرة لفاطمة طه والخطر القاتل لآمال ابراهيم وهروب نهر النيل للسيد القماحي والصياد والفريسة لأحمد دمرداش وعندما فرح حابي لأميمة جادو .
ركزت قصة ابن النيل لجاذبية صدقي على القيم الدينية الخلقية والسلوكية الإيجابية مثل : الإيمان والرضا والقناعة والشجاعة والشهامة والكرم والصبر والكفاح والتعاون وبر الجار والعطف على الحيوان والطموح والمثابرة والتعلم ومحاربة الجهل والمرض وغيرها
ركزت قصة يانيل لمحسن عبد الحفيظ على التأصيل والتجذير التراثي لفكرة عروس النيل في محاولة لابراز دورالأسطورة بينما في نشيد النهر لا يخطف البنات لصفاء البيلي محاولة لدحض الأسطورة .
ركزت شجرة تنمو في قارب على سمات وسلوكيات مجتمع الصيادين المهمشين وحثت على القيم التعليمية والبيئية ودعت إلى المعرفة والكفاح والجمع بين التعلم والعمل وغيرها
تنوعت الأغراض الشعرية بين الشعراء فمنهم من حث على قيم تقديس النهر وعدم تلويثه مثل أحمد سويلم وأحمد زرزور ونشأت المصري ، ومنهم من أبرز سحر وجمال النهر وسر عظمته وخلوده وأهميته الجمالية والوجدانية كما عند محمود حسن اسماعيل ومحمد التهامي وأحمد سويلم وطلعت أبو اليزيد الهابط .

المضمون التربوي لنهر النيل في أدب الأطفال
(قراءة تحليلية لبعض النماذج القصصية والشعرية)

د / أميمة منير جادو
تقديم :
نهر النيل ليس أهم ظاهرة طبيعية في الركن الشمالي الشرقي في أفريقيا فحسب ، بل هو أيضاً أساس الحياة البشرية في هذا الركن من القارة .
ويقع حوض نهر النيل في النصف الشرقي من أفريقيا شمال خط الاستواء وتبلغ مساحته حوالي 2 مليون و900 ألف ك.م. ويربط بين أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط .
لا يوجد نهر في الدنيا له من الفضل على إقليم ، ما لنهر النيل من الفضل على مصر وساكنيها ، فالتربة المصرية التي تُعد من أخصب التربات في العالم – منقول جلها من فوق جبال الحبشة البركانية بواسطة فيضان النهر السنوي ، ومن ثم فإن وادي النيل في شطره المصري – من أسوان حتى البحر المتوسط – تكوين رسوبي حمله النهر من فوق جبال الحبشة ليلقيه في الصحراء مكوناً ذلك الوادي الخصيب الذي شهد مولد حضارة من أعرق حضارات الأرض بل أعرقها ، صارت أما ومنبعاً وأصلاً لكل الحضارات التالية .
وكان واضحاً لساكني مصر ومن خالطوهم أو جاوروهم أن هذه الحضارة المبكرة في النضوج والرقي ازدهرت ونمت بفضل نهر النيل .ولا عجب إذن فيما ردده هيرودوت اليوناني " مصر هبة النيل " ومازالت تعيش بفضله .
كما قامت حول النهر ومحاولات تطويعه حياة شعب بأكمله فألبسوه ثوب القداسة فهو (الإله) في عصر الوثنية ، ثم (النهر المؤمن) وهو من (أنهار الجنة) في عصر التوحيد ، وفي كل عصور التاريخ ظل نهر النيل قوام الحياة المصرية ،كما كان ملهما حضارياً لشعب مصر الطيب ، ملهما للكتاب والشعراء ولعب دوره أيضاً في الأساطير وفي مؤلفات المؤرخين والجغرافيين وفي القصص الديني وورد ذكره في القرآن والسنة المطهرة .
وإذا كانت مشكلة بعض الباحثين في بعض الموضوعات هي قلة المصادر فإن الأمر يختلف بالنسبة لمن يحاول أن يبحث شيئاً يتعلق بنهر النيل ذلك أن النهر الخالد كان محط اهتمام كل كتاب ومؤلفي مختلف العصور ، وعلى الرغم من هذه المسلمة إلا أنه لم يحظ باهتمام كتاب الأطفال كما ينبغي أو كما يستحق ، فالقلة من كتاب الأطفال وشعرائهم هم الذين استوقفهم نهر النيل وتناولوه في أشعارهم وكتاباتهم .
ولعل هذا البحث يميط اللثام عن بعض نماذج من أدب الأطفال تناولت نهر النيل في بعض جوانبه عبر قراءة تحليلية لبعض النصوص المختارة ، كما سيتبين فيما يلي بعد عرض لأهم المحاور النظرية فيما يتعلق بهذا البحث .
أولاً : جغرافية نهر النيل :
- طول نهر النيل : يبلغ طول نهر النيل حوالي 6700 كم من منابعه في بحيرة فكتوريا وهضبة الحبشة ، وحتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط ، و ُيعد حوض نهر النيل أطول أحواض الأنهار إذ يبلغ طوله (4160) ميلاً ، لا يضارعه في هذا الطول سوى نهر المسيسبي .
- اتجاه نهر النيل : يجري من الجنوب إلى الشمال ، من منطقة ذات مطر غزير إلى منطقة جرداء عديمة المطر شديدة الحرارة، ويصب النيل عند دمياط ورشيد في الشمال.
- حوض نهر النيل :
أي مجموع تلك الأقطار التي تغذيه مياهها وأمطارها ، وحوض نهر النيل عظيم المساحة ، ويمر النيل في قلب أفريقيا الحارة ويصل إلى البحر المتوسط المعتدل ماراً ببلاد حضارة أولية وبلاد حضارة متقدمة وأهم هذه البلاد هي :
(جزء من تنجانيقا- كينيا- الكونغو- الحبشة- أوغندا – السودان – مصر ).
ويتكون حوضه من :
)منطقة البحيرات الاستوائية – حوض بحر الجبل – حوض بحر الغزال – حوض نهر السوباط –النيل الأبيض – هضبة الحبشة – النيل الأزرق _ النيل في بلاد النوبة – النيل في مصر وحوض النيل الأدنى ).
- أهم بحيرات نهر النيل:
( بحيرة فيكتوريا – بحيرة ألبرت – بحيرة كيوجا) .
- مناخ حوض نهر النيل :
للحوض خمسة أقسام رئيسة :
1- مناخ استوائي شمال خط الاستواء
2- مناخ مداري ويشمل حوض بحر الجبل والنيل الأبيض .
3- مناخ موسمي ويشمل الحبشة .
4- مناخ صحراوي ويشمل جنوب مصر والسودان .
5- مناخ البحر المتوسط ويشمل دلتا النيل في مصر .
- مقاييس النيل :
فكر القدماء في معرفة كميات المياه الموجودة بالنهر ، والتي على أساسها يمكن تحديد حجم المزروع من المحصولات المختلفة ، وكان يوجد قديماً مقياس قرب "منف" وآخر عند أسوان وثالث في حلوان ورابع في الروضة – وهو أشهرها جميعا- وقد بني في القرن التاسع الميلادي .
والمقياس عبارة عن عمود من الرخام ، مدرج بأرقام ، يُقام في الماء على جانب النهر بقرب الشاطئ ، وتُقرأ المقاييس يومياً ، وترسل فوراً إلى وزارة الري لتحدد بدقة حركة سير المياه .وتبلغ مقاييس النيل نحو 140 مقياساً تسجل أي زيادة أو نقصان في مياه النيل
- البيئة النهرية :
نهر النيل ليس مجرد مياه للري أو للشرب فقط بل هو بيئة طبيعية للأسماك مثل البلطي والوقار والسلمون والثعابين النيلية ،كما يعيش في نهر النيل الجنوبي " فرس النهر " الذي يُسمى في مصر السيد قشطة ، وأيضاً التمساح النيلي ، الذي يعيش بوفرة في الأدغال والأحراش المائية جنوب السودان .
- أعياد النيل( ):
منذ قديم الزمان،احتفى المصريون بالنيل ، وأقاموا له الأعياد وكان من أهمها:
1- حفل عروس النيل : وكان يُقام في 12 بؤونة من كل عام ، وتقول بعض الروايات " إن فتاة جميلة ،مرتدية أفخر الثياب كانت تُلقى في النيل ، جلباً لرضاه والتماساً لفيضان وفير ، وهي عادة أبطلها عمرو بن العاص عندما فتح مصر ، لكن الاحتفال استمر بعد الامتناع عن إلقاء الفتيات بالنيل .
2- ليلة الغطاس : هو عيد قديم سابق على الفتح الإسلامي ، كان يٌٌقام ليلة 11 من طوبة ، على شاطئ النيل ، ومن تقاليده الغطس في مياه النيل ، لتجنب الإصابة بالأمراض طوال العام .
3- عيد الشهيد : وهو تطور للاحتفال بعروس النيل ، كان أقباط مصر يحتفلون به بإلقاء تابوت من الخشب فيه إصبع أحد أسلافهم من القديسين ، في النيل ، جلباً لزيادته وفيضانه ، وقد ظل يُحتَفَلُ بهذا العيد إلى أن أُبطل نهائياً عام (755هـ -1354م )
4- عيد وفاء النيل : وهو من أهم الأعياد عند قدماء المصريين، وكان الفرعون نفسه أو نائبه، يحرص على حضور هذا الحفل مع الشعب ، وظل الاحتفال به مستمراً حتى الآن في شهر أغسطس من كل عام .
ثانياً : رؤية بانورامية لنهر النيل في بعض الثقافات :
• النيل في المعاجم اللغوية :
جاء في قاموس برلين تحت كلمة نيل : من الدول الوسطى ج 1 صـ 146 ( أي نهر) itr ،( أي النهر الكبير) itr3
يقول الكسندر موريه :" كان النهر المعظم الذي يقوتهم بالنسبة إليهم ( النهر العظيم) إيتار عا أو البحر ، وكانوا يسمونه ( حعبي) عندما اتخذوا منه إلهاً في صورة إنسان .
ويعتقد أرمان أن الأصل في الكلمة "حعبي" هو " حعبر" ، قال جاردنر يُنطق بها (حعبر) وسقطت الراء .
ويعتقد واليس بودج أن كلمة حعبي تسمية قديمة للنهر .
ومن أسماء النيل _في مصر القديمة_ التي تدخل في باب الصفات والألقاب : رب الرزق العظيم .. رب الأسماك والد الأرباب ... خالق الكائنات .. المحيي .. وموحد الحق .
ومن أسماء النيل في الكتابة المصرية القديمة wnn-nfrw أي دائم الخيرات .. وهي بالقبطية otennoqpe .
وكان النيل يوصف بأنه أبو الآلهة ومانح الخصب للأرض وجالب الطعام وجاء في قاموس crun أن اللغة القبطية تطلق على القناة لفظة Eioop في اللهجة الصعيدية .
أما في اللهجة الفيومية فتنطق ثم أضاف الفيوميون إليها الصفة الفرعونية (عا) بمعنى كبير فصارت (إيالا) ثم تطورت مرة أخرى إلى (آرا) بمعنى قناة كبيرة Great Canal والمعنى الحرفي (نهر) .
ويشير د . حسن كمال إن لفظة ( أور) كانت مستعملة في العصور الفرعونية المتأخرة بمعنى (البحر الكبير) وعنهم أخذها العصر القبطي ، وأن النيل ورد اسمه في الكتاب المقدس (يور) ومعناه (نهر) .
ويقول د. أحمد أمين إنه قد " سمي النيل نيلاً من اسم نيلوس أحد الفراعنة القدماء ، لما قام به نحو النيل من جلائل الأعمال "
وفي لسان العرب : النيل نهر مصر وفي الصحاح : فيض مصر ، وجعل أمية بن أبي عائد السحاب نيلاً فقال :
( أناخ بأعجاز وجاشت بحاره .... ومد له نيل السماء المنزل).
أما بالقاموس المحيط فقد ورد : " والنيل بالكسر نهر مصر" .
وجاء في المعارف الإسلامية أن نيل مصر يرجع إلى الاسم اليوناني نيلوس وقد وجد في عيون الأدب العربي ولو أنه لم يرد في القرآن وإن كان المقصود بلفظة (اليم) .وقد نقلت عن كتاب (الأمكنة) للزمخشري تسميته (الفيض).
كما أشارت إلى أن لفظة البحر كانت في العصور الوسطى تعني عند المصريين "النهر" . كذلك كان العرب الأقدمون يطلقون لفظ البحر على النهر العظيم وشاهده في قول الله تعالى :" وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً " .
وكان النيل يسمى أيضاً البحر أو بحر مصر حتى فروعه كان يطلق عليها البحر "كبحر يوسف" أو " بحر الغزال" .
• في الأدب الفرعوني :
كان ( نشيد النيل) في التعليم الفرعوني يلازم الموضوعين الشهيرين تعاليم خيتي بن دواوف وتعاليم أمنمحات وقد اختير للدراسة لتميزه عما سواه من أناشيد الآلهة ، ببعده عن أسرار الديانة وقربه إلى عالم الحس والمنطق ، والواقع أنه لم يكن ما هو أيسر على التلميذ من أن يؤمن وهو يكتب النشيد أو يقرؤه بما جاء فيه من أن النيل :
"هو من يسقي البراري البعيدة عن الماء ، لأن نداه هو ما تنزله السماء "
وأنه " هو من ينتج الشعير وينبت الحنطة ويوقت للمعابد أعيادها ، فإذا تكاسل انسدت الأنوف وافتقر الناس .. وهلكت الملايين ، وإذا بخل ، ذعرت الأرض بأكملها وناح الكبير والصغير"، أما إذا أشرق فالأرض في حبور وكل طائفة في سرور ، وتأخذ الوجوه في الابتسام وتبدو النواجذ من الضحك والسرور "
" فلا تقل افتراء وادعاء إنه يُقارن بالبحر ، فالبحر لا يهيئ حباً وما من طير يهبط القفر ، والذهب وسبائك الفضة لا تغني شيئاً ولا يأكل الإنسان حر اللازورد ، وإنما الشعير هو المقدم والأنفع " .
وكتب تلميذ نشيداً آخر لـ "حعبي " إله النيل والفيضان على لخفته الصغيرة وبدأه بقول قائله:
" تحية حعبي نعم بهاؤه كالرب ، يا من خفى اسمه واستتر حتى عن الأرباب .."
وأيضاً : أستخدم المعلم الفرعوني نهر النيل وما يتعلق به من ظاهرات أخرى في التشبيه والتصوير وتوصيل المعنى للتلاميذ ، ففي بردية تعليمية يصف المدرس لتلميذه بؤس المُزارع فيقول :" ألم تتدبر حال المزارع حين تسجيل الحصاد ، وقد التهمت الديدان نصف الغلال وأكل (فرس النهر) بواقيها .....إلخ"
وقوله حين يتندر أمام تلميذه على جندي عدو فيقول : " تحية لك ، تفتحت زهور اللوتس واقتنصت طيور ورد ،....،....، ولكن ما أشرقت الشمس في حضرته وما جرى (النيل) من أجله ... وأصبح أشبه( بفأر الفيضان العالي )، لا يجد موضعاً يأويه ، وأشبه بطائر قُيد جناحه بيد إنسان فما استطاع أن يطير ..." .
ويقول درس عن النيل : " إذا أشرق لأهل البلد الجياع شبعوا بمنتجات المزارع ، من يحيي الناس والماشية بخيراته ، من جعل الإنسان يعيش على الماشية وجعل ماشيته تعيش على المروج ، هو النهر موطد قوانين السماء والأرض .. حين يأتي ويغمر الصعيد والبحري ، ثابت العادات حين يندفع أمام الصعيد والبحري "
ويقول درس عن فضل الفيضان في الموضوع ذاته :
" تقوية لأهل الأرض جميعاً يروي الشخص كما يفعل للآخر" بل " ثراء شخص هلاك للآخر"
وفي التعليم الفرعوني يلاحظ كيف كانت المعلومات الجغرافية من أهم المعلومات العامة التي اعتبرت أساسا لثقافة المعلم ، فعند الاسترشاد بمجموعتي الرمسيوم وأمنوبي يتبين مدى استغلال المؤلف أو المعلم المصري لاتجاه النيل وتتابع المكاني للمدن القائمة عليه في تصوير جغرافية بلاده بوجه عام .
فمؤلف مجموعة الرمسيوم كان كل جهده أن يرقم مدنه الواحدة بعد الأخرى من الجنوب إلى الشمال تأكيداً منه لتتابعها ، ثم أن يميز كل واحدة منها بما يحدد جانباً من جوانب شهرتها ، وأما أمنوبي فكان أكثر منه استغلالاً للنيل في تصوير جغرافية بلاده وخصائصها العامة ، إذ بدأ به الظواهر الأرضية أو الطبيعية في مجموعته ثم استطرد منه إلى ما يتصل به من قريب أو بعيد ( ) ولما انتقل إلى المسميات الجغرافية العمرانية في مصر تمثله في حسبانه فرتب مدن الصعيد مع جريانه من الجنوب إلى الشمال وبمعرفة منه بأنه الشريان الطبيعي المؤدي إلى عمرانها ، فلما انتهى من مدن الصعيد وانتقل إلى الوجه البحري حيث تنقسم وحدة النيل إلى وحدات عدة وحيث تتوزع المدن في وسط الدلتا وعلى جانبيها ،عمد إلى ذكر الفروع الثلاثة الرئيسة للنيل وهي النهر الغربي والنهر الكبير ومياه رع ، دون ما كان للنيل من فروع أخرى عديدة .... إلخ .
وكما ألهم النيل المصريين في أساطيرهم مثل أسطورة أوزوريس وأسطورة البعث وأسطورة الحق والباطل ، فقد أوحى من الأناشيد مايزال منقوشاً على حوائط الأهرام إلى اليوم ، ومن متون الأهرام :
" إنهم يرتعدون أولئك الذين يشاهدون النيل عندما يفيض ، إن الحقول تضحك ، والفيضان يغمر شاطئ النهر ، وتخرج قرابين الآلهة و تضيء وجوه البشر وتتهلل قلوب الآلهة " .
كم أوحى النيل من أناشيد ، فالفيضان لم تكد تباشيره تبدو حتى ينطلق الفلاحون في مصر القديمة مرنمين :
" أقبل تحوت ،
بالماء للحقول ،
وترتوي الأشجار ،
وحتى تغذي الأرض كلها " .
وفي إحدى الأغنيات القديمة المدونة على جداريات المعابد ، وأوراق البردى جاء النشيد التالي مخاطباً النيل حابي :
( أيها النيل ... الفضل لك
أيها النابع من الخفاء
الجاري بالحياة لوطننا مصر
يا ساقي الرياض .... يا راوي الماشية
منك الحياة ..ومنك الخصب . )
وفي أغنية أخرى على لسان النيل تقول :
( أنا النيل
أنا واهب الحياة لأرض مصر
أنا النيل
أنا الذي أوجدت فيها الري والخصب
أنا النيل
أنا الذي ملأت صدور أبنائي بالعزة والثروة
أنا النيل
أنا الذي جعلتهم يعتدون بقوميتهم
ويعتزون بكرامتهم ) .
ويستهل فرعون مصر الموحد ( اخناتون) صلاته إلى الإله محدثاً بنعمة النيل فيقول :
( أنت الذي يعطي الحياة أيضاً لكل البلاد الأجنبية البعيدة ،
لأنك خلقت نيلاً في السماء ،
لينزل لأجلهم ويحدث أمواجاً فوق الجبال ، مثل أمواج البحر ،
لتروي حقولهم التي في قراهم ،
ما أجمل أعمالك يا رب الأبدية !
فالنيل الذي في السماء خلقته للأجانب
ولكل حيوانات الصحراء التي تسعى على الأقدام
أما النيل ( الحقيقي) فإنه ينبع من العالم الآخر لأجل مصر )

لقد عز على قدماء المصريين أن يفارقوا النيل مع الروح إذا جاء أجلهم فصورت لهم الأماني أن في العالم الآخر نيلاً مثل النيل في الحياة الدنيا بالتمام .
ومن القصص التاريخي الفرعوني المأثور عن أثر النيل العظيم في حياتهم هو ( عندما اضطرت سنوحي الأحداث إلى الرحيل عن النيل فتراءت له في فلسطين الدنيا بحلاها وغناها فأطرق في سهمه(شروده) إذ تطوف به ذكرى جبلين ، ويرهق قلبه إذ يتجسم له الحرمان من النيل في الحياة وبعد الحياة فهو يخشى أن يموت بعيداً عن مصر فيدفن في غير ترابها ويغسل بغير مائها ويكفن في غير نسيجها لأن باب الجنة لا يُفتح له إلا عند ضفاف النهر ، ورفاته مصيرها التلف والبلى إذا لم يُغسل بماء النهر ، وأكفانه لن تكون من لباس أهل الجنة إلا إذا كان نسيجها من الكتان الذي ينبت على ماء النهر ) .
إن الموت في رأيهم ليس إلا نقلة إلى حياة أخرى ينعمون فيها بكل ما منحهم النهر من آلاء ووسائل ، ورسخت هذه العقيدة في نفوسهم فراحوا ينقشون على جدران مقابرهم صور العيش في وادي النيل من مناظر الزرع والحصاد والرعي والصيد والزهور والطعوم والعطور وكل ماكان للنيل من فضل وأيادٍ عليه ، حتى الصحراء التي ترامت على جانبي واديه الأخضر رسموها لتكتمل لهم صورة مصر هبة النيل .
ويتضرع المصري يوم الحساب فتكون وسيلته الشافعة أنه لم يقطع قناة في ممرها ، ولم يخالف نظام الري ، ولم يتلف الأرض الزراعية .
ويُعد نفسه سعيدا لأنه قاس الفيضان الذي يجعل مصر مخصبة بمحض الهبة الإلهية .
وعندما يفيض نهر النيل تنتظم حلقات الرقص من بناتهم ، وتنبعث الأنغام من القيثار، الغناء الشكور المُشيد بنعمة النهر، يقول نشيدهم :( لقد غرس حُب جماله في كل جسم ، وقد صنع ذلك بتاج بيديه ليكون عطراً لقلبه ، فالترع ملأى بالماء من جديد ، والأرض قد غُمرت بحبه ) .
وظل النيل مصدر عزة ملوكهم وفخرهم وغرورهم كما دونها القرآن في القصة الشهيرة عندما ( اختال فرعون متكبرا في عزة نهر النيل متجبراً بقوة النهر المتدفق ففخر به على سيدنا موسى عليه السلام قائلاً " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا يبصرون ؟ " ).
ويتولى الملك مرنبتاح العرش ( فيرى أن من يُمن طالعه أن فيض النهر قد طمى في عهده ، وأن هذه أعظم زلفى تقربه إلى شعبه .)
بينما حزن الملك زوسر- مؤسس الأسرة الثالثة - أشد الحزن لأن النيل لم يفض في عهده كما جاء في توثيق أحدى البرديات على لسانه : ( إني شديد الحزن لأن النيل في عهدي لم يفض لمدة سبع سنوات).
ومن أغرب القرابين التي كانت تُقدم لنهر النيل (حابي) – اعترافاً بفضله- ما قدمه الملك رمسيس الثالث ، إذ قدم تمثالاً لامرأة جميلة مع كم هائل من الخبز والكعك والبقر والماعز.
ومن كتاب (شكاوي الفلاح) :" كن كإله النيل يجعل الأرض الجدباء أرضاً خضراء ، ولا تكن كالسيل يدمر ما يأتي عليه ، واحذر الآخرة ."
• في الثقافة المسيحية :
في صلاة المسيحيين يردد الأقباط في خشوع في الكنائس ذلك الدعاء : " َتَكِّرم يا رب وبارك مياه النهر في هذه السنة واجعله بفضلك يصل إلى الارتفاع الموافق ، ومتع وجه الأرض بأن تكون حقولهم مروية ، وغلاتها مضاعفة "
• النيل في بعض كتابات الأجانب المعاصرين :
قال لودفيغ :" أستطيع أن أتبين كيف صنع النهر كل شيء في مصر وفرض حدوده ، إن طابع المصريين لا يخطئه أحد فإن سحر هذا النهر قد نظم حياة هذا البلد بأجمعه في انسجام عجيب".
وقال أيضاً " إن الغرباء لا يملكون إلا أن ينسجون الأساطير حول أرض عجيبة الرغد ، ولما كانت تصدر القمح عبر البحار فقد عرفت في أنحاء الدنيا بأرض (الغنى) والوفرة وهل تكون الأرض ذات السماء الزرقاء والصحو الدائم إلا سعيدة ؟ !
ألا ما أحق تربة مصر بأن تخلط بالرمل كما كتب جغرافي في القرن الثامن عشر وإلا جاوزت مصر حدود الغنى إلى درجة تخصب معها الإناث حتى لتلد الشاة مرتين في العام وتنجب النساء في الغالب توائم .."
وهتف " لادي دف جوردون " : ( لو أن الجنة على الأرض تحققت فعلاً لأخذت جانباً كبيراً من نصيبي فيها على شاطيء النيل ) .
قال بيلوتي( ) في وصف نهر النيل : " النهر الذي يُقال أنه ينبع من الجنة الأرضية ، ويعيش الناس على سمكه وحصاده ومائه وفواكهه .." ، " والنهر واسع جداً قرب القاهرة لدرجة أن الناس تسميه البحر .. " ، " ماء النهر أحسن ماء في الدنيا ، لا يوجد مثله " ، " ويستطيع الإنسان أن يشرب منه ما شاء وفي أي وقت يشاء دون أن يضره " وتحدث عن طريقة أخذ الماء من النهر وكيف أن هذا الماء يشفي المرضى ويفتح الشهية .
وقال " بيرو طافور" ( ) عن مياه نهر النيل : " ... ماء نهر النيل أحسن ماء في الدنيا ، وكأنه ماء الجنة ، ولم أشرب طول زيارتي سوى هذا الماء على الرغم من أنه كان باستطاعتي الحصول على النبيذ الجيد ... " .
• النيل في القرآن :
حظي النيل بشرف الذكر في القرآن الكريم في مواضع عدة ، فلم يرد نهر في سياق الفخر غيره ،ولم يطلق على نهر اسم البحر غيره ولم يطلق على نهر لفظة الانهار غيره ، فهو في القرآن : اليم.... وهو البحر..... وهو الأنهار .
ففرعون موسى قد ازدهاه الفخر بحق فقال :" يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون "؟
كان فرعون مزهواً بالأنهار تجري من تحته .. كان النيل يترقرق أمامه زاخرا فياضاً يروع ويأسر فصاح في عزة المالك وقوة المتحدي وأيضاً في غبطة السعيد .
وقد ذكر الله تعالى لفظة بحر في ثلاثة وثلاثين موضعاً منها ثلاثة مواضع قصد بها النيل وهي قوله تعالى :
"نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرباً " (الكهف – 61)
" واتخذ سبيله في البحر عجبا " (الكهف -63 )
" أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر " .(الكهف – 79)
ويؤيد هذا التفسير ما أورده البخاري في ذهاب موسى عليه السلام في البحر إلى الخضر .
ففي التفسير أن موسى كان في مصر وسبيله إلى الخضر كان نهر النيل .
وأورد محمد بن زين العابدين البكري الصديقي قوله تعالى : " وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ، ومضى يفسر وقد خلص إلى أن بحر النيل يغوص في الملح ولا يختلط به ،أي أن الآية تشير إلى صب نهر النيل في البحر .
وأطلق على النيل لفظة اليم وهو البحر في الآية :" إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى . أن أقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له .." (سورة طه -39 ) .
والآية :" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنَّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " ( القصص- 28 ).
وكان النيل وراء قصة يوسف وحلم العزيز( ) ، ويلمحه آخرون وراء الآية " قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ".
جاء في المقريزي في باب ذكر مقاييس النيل وزيادته " أن بعض المفسرين قالوا :( إن يوم الوفاء هو اليوم الذي وعد فرعون موسى عليه السلام بالاجتماع في قوله تعالى : " قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ". ثم أردف ولقد جرت العادة أن اجتماع الناس للتخليق يكون في هذا الوقت )( )
ويشير عبد الوهاب النجار لهذا المعنى بقوله ): وكان الجمع حافلا في يوم الزينة ، ويظن البعض أنه يوم وفاء النيل ، فإنه كان أعظم أعيادهم )( )، وبالتحقيق يرجح القول بأن يوم الزينة هو يوم من أيام النيل إن لم يكن يوم وفائه بالذات .
وخلاصة القول أن القرآن الكريم صور النهر مسرحاً لحوادث التاريخ ورسالات الأنبياء بما رواه من أخبار موسى والخضر على صفحته أو في واديه ، وصور القرآن الكريم مصب النيل في البحر على رأي بعض المفسرين ، وصوره شغل المصريين الشاغل من خلال حلم العزيز وتفسير يوسف له ، وما ترتب على الحلم من أحداث ، كما صوره مسرحاً لأعيادهم ومن أهمها يوم الزينة .
وصورة النيل في القرآن موحية فقد فجرت قصة موسى والخضر أدبا شعبياً ، كما كانت آيات النيل في القرآن وموسى وفرعون وراء ما في القصص الشعبي عن السحر والسحرة حتى جعل ابن النديم في الفهرست (مصر) ، بابل السحر والسحرة .

ثالثاً : قراءة تحليلية لبعض النماذج الأدبية :
* نماذج من القصص :
تتناول الدراسة الحالية مجموعة من قصص الأطفال التي تناولت نهر النيل بشكل مباشر صريح أو بشكل غير مباشر وضمني ، فمن القصص ما لعب النهر دوراً رئيساً فيه أي تساوى النهر في البطولة مع أحد شخصيات القصة ، أو كان هو البطل الرئيس ، ومن القصص ما ورد ذكر النهر فيها بشكل هامشي وغير مباشر.
وقد تناولت الباحثة هذه العينة المقصودة من القصص :
" ابن النيل " لجاذبية صدقي ، وكل من " الرحلة العجيبة لعروس النيل" ، و "شجرة تنمو في قارب " ليعقوب الشاروني ، و"هروب نهر النيل" و "نهر النيل العظيم" للسيد القماحي و"القطرة الحائرة" لفاطمة هانم طه ، و"الخطر القاتل" لآمال ابراهيم ، و"الصياد والفريسة" لأحمد دمرداش ، و"عندما فرح حابي " لأميمة جادو ، وقصة " يا نيل " لمحسن عبد الحفيظ ، وأقاصيص " شمس الشموسة " لعبده الزراع ، و" النهر الغاضب " لعدلي عبد السلام ، وسيناريو ورسوم " نيل مصر من رشيد حتى أسوان " لأحمد عميرة ( )

- النيل في قصة" ابن النيل" لجاذبية صدقي( ):
ملاحظات أولية :
- تعد هذه القصة الطويلة ( رواية للطلائع ) من أجمل وأروع ما قدمه كتاب الأطفال عن نهر النيل بشكل أساسي ، فقد ورد فيها ذكر نهر النيل ومرادفاته بشكل صريح وضمني متكرراً طوال الحكي .
- ترسم الكاتبة النهر بقلمها دائما كجزء من لوحة بانورامية في كل حالات الحكي .
- تبدأ الرواية بالنهر وتنتهي به ، كما يستمر طوال القص .
- تقدم الكاتبة قصتها في أسلوب عذب كل العذوبة ، متنوعاً بين البساطة والجزالة في كلماته ومفرداته عبر لغة عربية سلسة وفصحى مناسبة لعمر طفل هذه المرحلة ( الطفولة الوسطى)
- استلهمت الكاتبة من أسلوب القرآن الكريم مما يدل على التأثر به .
* نوع الرواية : هي رواية للطلائع تنتمي للأدب الواقعي الاجتماعي الأخلاقي أو لقصص الأدب التربوي الإسلامي إذا جاز التعبير لما تشتمل عليه من قيم أخلاقية ودينية وتربوية بشكل أساس ، بالإضافة لقيم الانتماء والولاء والقيم الاقتصادية والبيئية والجمالية والوجدانية وغيرها
* فكرة الرواية :
تدور فكرتها حول قصة كفاح الصبي حمدان الصياد الفقير اليتيم (بطل الرواية) ، وهو ابن احدى قرى الصعيد المطلة على نهر النيل (قرية الصفاء )( )،وكيف يكافح ويساعد أهل قريته في شدتها ثم يمضي للمدينة ويتحول من صياد إلى طالب علم فيحارب الجهل وينقذ قريته من براثن الفقر والجهل والمرض، و يصير طبيباً يعود لقريته يخدم بلده وأهلها ،ويجعل من قريته قرية نموذجية مثالية حتى تصير معلماً سياحياً ويُشيد بها مستشفى نموذجياً تحظى بفخر كل البلاد حولها ، ويباركها أهلها وتسعد بزيارة العلماء الأجانب لها . ولعل القسم الثاني من الرواية كثير الشبه بقصة" قنديل أم هاشم" للكاتب الكبير يحيى حقي مع اختلاف التفاصيل الروائية .
* سمات شخصية حمدان بطل الرواية :
يتميز حمدان بسمات رجولة مبكرة ويتحلى بنبل أخلاقي كبير مثل الشهامة والإباء والكرامة والمروءة ونجدة الملهوف ومساعدة المحتاج والبر بالجيران والرفق بالحيوان والرضا بالمقسوم والإيمان بالله وحمده على كل نعمه ، والسعي للرزق الحلال والصبر والمثابرة والكد والكفاح والعمل واتقانه ونبذ الكسل ، والادخار ، والوفاء ، والانتماء للوطن وخدمته ، والرغبة في التعلم والسعي للعلم ومحاربة الجهل والمرض ونشر العلم والحث عليه والتريض بالسباحة في النهر والحرص على كرامة الانسان والأهل والوطن ، واحترام الكبار والتسامح والسعي للرزق الحلال وايثار الغير على الذات والجمع بين العلم والعمل ، والعصامية ، باختصار كان شخصية مثالية تعيش في مجتمع مثالي
يلعب نهر النيل دوراً بطولياً في حياة حمدان ،فالنهر يقاسمه حياته ، ويتأثر به في كل الاحوال، وهو جزء من حياته ومكون من مكونات شخصيته (ارتوى منتعشاً كالعود الأخضر من مياه نهرها العذب )،قد تكرر ذكر نهر النيل ومترادفاته أكثر من مائتي مرة ، بدلالات مختلفة كما سيتبين .
* قراءة تحليلية :
تستهل الكاتبة الرواية برسم لوحة بانورامية بالصوت واللون والحركة والرائحة لقرية الصفاء الصعيدية المطلة على النيل والتي يبدأ نشاطها مع شروق الشمس حيث يبدأ اليوم بالآذان ( آذان الديك ، وآذان الشيخ متولي )، ونشم عبير النعناع ، ونسمع دعاء الكروان ، ونشاهد حمدان داخل اللوحة كجزء لا ينفصل عنها فهو ابن النيل الذي ( استيقظ . قفز من فوق فروة الخروف التي ينام عليها في كوخه الصغير على شاطئ النيل ،
يلعب النيل البطولة مع حمدان منذ بدء الحكي ، فهو لا يستحم فيه فقط بل ( يتوجه إلى النيل مرة أخرى ، فيدعو عنزه للشرب ويحثها عليه ، فتشرب حتى ترتوي ، ويغسل هو القصعة ويعودان أدراجهما إلى الكوخ)صـ 5 .
هنا نلاحظ أن النيل كما تعكسه الرواية هو :
مصدر للارتواء والنظافة والرياضة (السباحة) : وهو أيضاً مصدر رزقه ومكان عمله ( .. ويحمل على كتفه شبكته ، ويغلق الباب خلفه ، ويرفع وجهه إلى السماء ويقول توكلت على الله ، ويتوجه إلى النهر حيث ربط قاربه الصغير إلى وتد على شاطئ النيل .....كان حمدان صياد سمك ورث هذه المهنة عن أبيه وقد مات أبوه ولحقت به أمه ، لكنهما تركا له إلى جانب الكوخ والعنز وقارب الصيد ،والشبكة ميراثاً ضخماً من الأخلاق الكريمة والإيمان بالله ) صـ 6
النيل مصدر رزق وفرح وسعادة ونعمة من الله :
( وكان يخجل أن يكون حزيناً مكتئباً ، وقد أعطاه الله الدنيا الواسعة كلها بطبيعتها الجميلة .. وزهورها وشمسها وظلها و... و... ونيلها العظيم الذي يكمن فيه الرزق ) صـ6 ، (.. وتوقف بقاربه في منتصف النهر ، وألقى بشبكته لعل الله يمنحه الرزق في ذلك اليوم الذي أنفقه يبحث عن طعام لعنزه ، وقد لطف الله به ، وخرجت شبكته من الماء يقفز داخلها سمك وافر ، اطمأن قلب حمدان فانطلق صوته عالياً يغني) صـ23
النيل مصدر صحة وعافية :
( أما حمدان عندما يقفز داخل قاربه كل فجر ، ينطلق يُجدف بذراعيه القويتين ، فهو فتى في الخامسة عشرة من عمره ، أكسبته حياة النهر صحة وجسماً متناسقاً ، وأكسبته مهنة الصيد الشاقة صبراً وجلداً ومثابرة ، ولم يكسبه اليتم حسرة ولا ضياعاً ولكن رجولة مبكرة واعتمادا على النفس)صـ7( ينكفيء على المجدافين بكل قوته وهو يغني ،عائداً أدراجه إلى القرية)صـ 8
النيل مصدر متجدد للأمل :
( كان شعاره في الحياة مستمداً من الأحداث التي مرت به "اخلق من الألم أملاً جديداً" فكان في اليوم الذي يصادفه فيه حظُ سيء وتخرج شبكته خالية من السمك ، لا يحزن ، بل يمضي الليل في تضييق عيون الشبكة ورتق ما تمزق منها ، وحين يشرق فجر اليوم الجديد يقف على حافة قاربه وسط النهر .. فارعاً متناسق العضلات ..وقد نشر شبكته ورفعها إلى أعلى في صمت مترقباً في توثب اللحظة السانحة .. يصبر ويتجلد ، وعيناه على الماء الفضي تخترقانه وهو يرقب حركة جموع السمك..) صـ8
النيل يحفز المهارة في الصيد :
( حتى إذا صادف لُمة من السمك السمين ، ألقى بشبكته فوقها وضم أطرافها بسرعة ومهارة كيلا ينفلت السمك هارباً ، ثم يجذب الشبكة إلى قاربه ،...) صـ8
النيل مصدر سعادة وفرح وحافز للحمد والشكر :
(والسمك داخلها يقفز ويتخبط ويشرح الصدر بمنظره ،، فيبسط حمدانُ كفيه إلى السماء وقلبه بين جنبيه يتراقص ويفيض بالحمد والعرفان بالنعمة)صـ8
النيل يشجع على التجارة الحلال وترشيد الاستهلاك :
( ...فيبيع السمك في السوق ، ويحتفظ بسمكتين أو ثلاث سمكات لعشائه ، ويدخر جانباً مما ربح من نقود لوقت الحاجة ، ويشتري بباقي النقود ما يحتاج إليه من ثياب أو طعام ) صـ8 النيل رمز للحنان والسلام والأمان والمحبة بين الناس وبلادهم : ( ... قرية ولا كل القرى ، أبناؤها متحابون متعاونون ، والنيل يجري على طول شاطئها وقوراً حانياً ، يسقيها ويحميها ويفيض عليها الرزق على مدى الأيام والسنين ... )صـ12
النيل يحفز العمل الجماعي والتعاون والعدالة :
( .. وجاء الصيف قائظاً شديد الحرارة ، فهب رجال القرية بهمة ونشاط يشقون القنوات ويديرون الساقية ليل نهار ، يتبادلون العمل والسهر ، وقسموا حقولهم أقساماً حتى يسقوا كل حقل في عدلٍ وإنصاف)ص15
تأثير النيل في تعاون النساء والبنات وتوزيع الأدوار :
ويأتي دور النيل في تشكيل قيم النساء والبنات بشكل غير مباشر ، حيث النسوة هن أهل بيوت الرجال الذين يشقون القنوات ( وكانت النسوة في البيوت لا تعرف الراحة، تظل جماعة منهن تخبز ، على حين تشترك جماعة أخرى في طهو طعام وإعداده على الصواني للرجال الذين يعملون في الحقول ، أما البنات فتحمل كل منهن صينية على رأسهاقد أعدتها لأبيها ورفاقه ،وأما الصبية فكان كل منهم يحمل قلة يملؤها بماء عذب من الزيرثم يهرع إلى أبيه وصحابه )صـ15
النهر يحث على العطف على الحيوان :
تأتي قيمة العطف على الحيوان في القصة كجزء من دور النهر ففي مشهد للرفق بعنزة حمدان ( ... تدس أنفها في صدر حمدان وتهمهم بصوت صغير ، فيرق لها قلب حمدان وهما في قاربهما وسط النهر العظيم ، فيعرك أذنيها ويربت ظهرها ) صـ17 (وفي ذات يوم أمضى وقتاً يذرع النهر باحثاً عن حزمة حشيش لعنزه ، وتعب في بحثه ، فلما لاحت له أخيرا بقعة من الأرض خضراء على الضفة المقابلة من النهر ، هتف فرحان مستبشراً، .... ولكن خوفه على عنزه من الجوع دفعه إلى أن يغامر بالتجديف ليقاوم التيار حتى يصل إلى الخضرة التي لاحت )صـ20 ( كان تيار النهر قوياً أتعب ذراعي حمدانلكنه صبر وتجلد وقال لنفسه : إن الحيوان أعجم لا يتكلم ولا يستطيع أن يعبر عن جوعه أو مرضه أو خوفه ...وكان قد قطع مسافة كبيرة إلى حيث يريد ، فتصبب العرق من جبهته، وكانت ذراعاه تؤلمانه فتوقف عن التجديف هنيهة حتى يلتقط أنفاسه ويجفف جبهته ... ، فصاحت : "مـــا..... ءْ " ،فقال لها : سنصل حالاً إن شاء الله إلى غايتنا فتأكلين حتى تشبعي ...ثم جعل يجدف بقوة بعد أن استراح ولم يلبث أن وصل إلى ضفة النيل البعيدة فقفز إلى الشاطئ وجذب القارب ثم ثبته بحبل إلى وتدفي الارض وحمل عنزه بين ذراعيه وأنزلها للشاطئ لترعى وتلتقط طعامها من هنا وهناك ، فراحت العنز فرحة تقفز وتركض ..) صـ20-22 ،( ... وجمع ملء ذراعيه أعواداً خضراء تنمو في طمي النيل لتأكلها عنزه في كوخها ) صـ23
النيل يساعد في العطف على حيوانات الغير :
توضح الكاتبة كيف يساعد النيل كمصدر رزق في العطف أيضا على حيوانات الغير ( ..هذه حشائش خضراء جمعتها من ضفة النيل النائية المقابلة لقريتنا حتى أُطعمها عنزي ، صاحت المرأة بلوعة : إن جاموستي جوعى تكاد تهلك ، فبسط حمدان إليها الحشائش التي يحملها وقال بشهامة : خذي يا خالتي هذه الأعواد الخضر لجاموستك ..لا تحزني ) صـ24
جفاف النيل يؤثر سلبا على حياة الفلاحين وحيواناتهم :
( وكان النيل منخفضاً ، إذ لم يبدأ بعد موسم الفيضان ، وكانت البهيمة المعلقة في الساقية تخور من فرط التعب، كانت تقوم بنصيب ضخم من العمل وهي مصدر رزقه ورأس ماله ، غمغم رجل : إن جاموستي مجهدة قد قامت بنصيبها من العمل ، وقال آخر :وأنا أيضاً.. جاء الوقت الذي خارت فيه قواهم وصاروا يجرون أقدامهم من فرط الإجهاد، سمعهم يختلفون لأول مرة فيمن يتقدم لتدور الساقية ولا تتوقف ..) صـ28 ( ظل حمدان يدفع الساقية لتروي الأرض العطشى قبل بزوغ الشمس واشتداد حرارتها )صـ30
النيل مصدر رزق للحيوان أيضاً :
ترسم الكاتبة كيف يصير النهر مصدرا للرزق للحيوانات أيام الجفاف حيث يفيض شاطئه بالخضرة ( ... بل أنني سأجوب النهر في قاربي على الشاطئ البعيد باحثاً عن حشائش خضراء ، وسوف أجمعها في حزم ، وأملأ بها قاربي وأعود بها إليكم لتأكلها بهائمكم هنيئاً مريئاً ) صـ33
النيل يشجع ويدعو للإيمان بالله ويحث على التفاؤل :
( وسار نحو النهر ، فلما وصل إلى الشاطئ ، حل الحبل الذي ربط به قاربه إلى وتد ، ثم حمل عنزه على ذراعيه ووضعها داخل القارب وقفز خلفها ، وضرب الماء بمجدافيه في همة وقوة فاندفع القارب وسط النهر على حين رفع حمدان عينيه إلى السماء وغمغم : يارب ، أكرمني بالعثور على حشائش خضراء ، وانطلق يغني مستبشرا فرحاً ، وشق القارب مياه النهر يقاوم التيار، استراح دقيقة ثم استأنف التجديف ، ووصل القارب المرح إلى شاطئ بعيد بعيد فراح حمدان يتطلع بلهفة إلى لمة شجيرات النخيل،... ، فلمح حشائش تتكاثف حول جذوع النخيل ، فصاح من فرط فرحه واحتضن عنزه يقبلها ويقول لها : الحمد لله يا عنزي الحبيبة ستأكلين وسوف تأكل جواميس القرية وابقارها ) صــ35، 36
نسمات النيل رحمة من الله :
تشير الكاتبة كيف أن النهر يمكن ان يمحو كل آثار للتعب والعناء من خلال نسائمه العليلة وهي هدية من الله عز وجل يقول النص ( وهبت من جهة النهر نسمة مسحت على وجهه كأنها يد الله الرحيمة ) صـ37 ، فأي جمال وأية عذوبة ورقة في أسلوب الكاتبة الذي استطاع توظيف كل مفردات البيئة النهرية لنهر النيل العظيم ؟؟!
النهر سلاح ذو حدين :
وكما تبدي الكاتبة كل جماليات النهر، فإنها أيضاً استطاعت توظيف أحداث الرواية لتظهر سطوته وجبروته على الجانب الآخر، فهو أحيانا مصدر هلاك وتهلكة ( شعر حمدان بشيء من الخوف يمس قلبه وتصور لو أنه تاه في منحنيات النهر التي يجهلها ، بعد أن توغل في تلك المنطقة النائية وتصور حاله لو ان قاربه سار في اتجاه خاطئ غير الذي يجدف نحوه ، وأن الوقت امتد به وحلت الظلمة .ماذا يصنع إذن ؟ خاف حمدان ، لكنه تجلد وقال يطمئن نفسه : الله معي ، وسأتصرف بحكمة وعقل وأعود قبل الظلمة ، وقفز من القارب إلى الشاطئ ) صـ37
جفاف النهر يحث على الاتحاد والتعاون لمواجهة المخاطر :
( قفز حمدان مستيقظاً ، لكنه لم يذهب وحده إلى ضفة النيل النائية حيث تنمو الحشائش خضر ندية بل طلب من رجال القرية أن يبعثوا معه بفتى لكي يتعاونا على ملء القارب مرتين في النهار) صـ 40
تحول مهنة الصيد إلى ماهو أكثر نفعاً عاماً وقت الشدة :
( وهكذا وضع حمدان نفسه وقاربه في خدمة أهل قريته ومساعدتهم وقت الشدة ، ومر شهر والصراع قائم بين القرويين وبين الطبيعة : جو ملتهب وشمس حامية ، وماء شحيح ، وزرع ذابل لا حياة فيه ) صـ40
النيل عذب ومصدر ارتواء :
( شعر حمدان بعطش فانحنى على حافة القارب وملأ كوباً بالماء وشرب حتى ارتوى، لكنه شعر أن الماء له مذاق مختلف ، فرقص قلبه بين ضلوعه )صـ43
طمي النيل مصدر خصوبة الأرض :
( صرخ بفرح غامر وهو يرى الماء بني اللون ، قد امتزج به الطمي الذي يجرفه النيل معه من منبعه البعيد ، هتف حمدان ووجهه يفيض بالبشر والارتياح :الحمد لله ! جاء الفرج !لقد بدأ الفيضان ، الطمي يملأ مياه النهر ،الطمي يملأ مياه النهر! )صـ44
الفيضان مصدرللسعادة والفرح الجمعي :
( فهلل الرجال وكبروا ، وزغردت النساء وتراقص الأطفال واندفع الجميع يركضون نحو النهر العظيم الخالد ،ووقفوا على شاطئه يحملقون في مياهه الحمراء التي راحت تتدفق خصبة عامرة بالخيرات ،فسجد الرجال لله حامدين )صـ44 ،45
الفيضان حافز للعمل :
( ثم أكبوا على أعمالهم بصدور منشرحة وهمة عالية ، وراحت المياه تملأ الترعة ،ودارت السواقي ، وعلا ضجيجها وعلا الضحك ، وزهت الآمال، ....المياه كانت وافرة محملة بالطمي تجود بالخير )صـ45
النيل مصدر للجمال والتنزه والسياحة :
يلعب النهر دوره في العاصمة بشكل مختلف عن القرية فهو مصدر للجمال والتريض والتنزه والمتعة والسياحة ( على طريق الكورنيش الجميل بأنواره الزاهية الملونة ...، وأرهف الفتى سمعه للموسيقى العذبة تنبعث من الالأندية اللطيفة المنثورة على طول شاطئ النيل ) صـ61
النيل يوحد أبناء مصر : ( وقال بعتاب : ليس هناك صعيد أقصى وصعيد أدنى ، كلنا أبناء بلد واحد ، ترعرعنا
* الخلاصة :
استطاعت الكاتبة أن توظف نهر النيل ومفرداته عبر الحكي لترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والوجدانية بشكل رائع صراحة أحيانا أو ضمنياً في أحيان أخرى ،لكن أغلب العبارات والقيم جاءت صريحة ومباشرة لتأكيد الموقف الضمني وقد أكدت الكاتبة على جماليات النهر وتأثيره الإيجابي في الأغلب الأعم ولم تغفل الجانب السلبي (من حيث مخاطره وتهديداته) لكنها لم تشر إلى موضوع التلوث ولم يعنها ذلك في القصة وفي هذا ما اختلفت فيه هذه الرواية عن معظم ما كتب حول نهر النيل للأطفال ، فجاءت قيم الرواية متسقة مع القيم المتضمنة في القصائد الشعرية ولعل هذا يرجع لزمن الرواية حيث كتبت في وقت لم يكن فيه التلوث مطروحا على الساحة الثقافية كما هو الآن .
ولعل روعة الرواية كمنت في كونها رواية واقعية مثالية في آن واحد فهي تدور في أجواء مثالية ومعظم شخصياتها تتحلى بصفات مثالية وتهدف لخلق عالم مثالي عبر وسائل مثالية كلها تدور في إطار فلسفة الحب والخير والجمال والحق والعدل والصدق والأمانة والوفاء ، حتى يخيل للقارئ أنه لم توجد قيمة من القيم الجميلة على كافة الأنواع لم تدعُ الرواية إليها .
إنها رواية الزمن الجميل إن جاز التعبير .زمن العذوبة والفيض والخير والكرم والسماحة والخصوبة والجمال والحب وكلها مستمدة من معنى نهر النيل

- النيل في قصص يعقوب الشاروني :
تناول يعقوب الشاروني "نهر النيل" في قصتيه " الرحلة العجيبة لعروس النيل"،" شجرة تنمو في قارب" مع اختلاف مضمون كل من القصتين كما يتبين من القراءة التحليلية لكل منهما كما يلي .
أولاً : رؤية تحليلية لقصة الرحلة العجيبة لعروس النيل :
تنتمي القصة الأولى( الرحلة العجيبة لعروس النيل ) للأدب القصصي الفانتازي القيمي البيئي ، إذ تُعلي من قيم النظافة والحرص على نظافة النهر خاصة وتدعو لعدم تلويثه بآية قاذورات أو نفايات أو ممارسات خاطئة ، وتحث على آداء الواجب نحو النيل بحرص الجميع على نظافته.وتدور حول فكرة خروج عروس النيل من النهر رافضة هذه البيئة الملوثة ،وآداء واجبها نحوه بنشر رسالتها بين الناس وهي الحث والدعوة لعدم تلويثه وبذلك يكافئها والدها " النيل " بما وعدها به مسبقاً بأن يُحول ذيلها إلى قدمين لتصبح إنسية وتعيش بين البشر .
يطرح الكاتب مجموعة من القيم والأفكار في القصة فيما يتعلق بالنيل ، فهو (المكان الجغرافي) الذي يستهل به الحكي، إذ يتخذ الكاتب - بداية - من حديقة بيت الأصدقاء الخمسة التي تُطل على نهر النيل مسرحا للأحداث ( كانت الحديقة واسعة تطل على شاطئ النيل) صـ3 . فبينما كان الأصدقاء يلعبون و يمرحون إذا بهم يسمعون صوت بكاء فيخمنون أنه بكاء طفل ثم أختفي ( ... تقول دعاء : "أين اختفى هذا الطفل أخشى أن يكون قد سقط في ماء النيل!") صـ6 ، ويظل نهر النيل مسرحا للأحداث في القصة ، فيتكرر ذكر "نهر النيل" تأكيدا لبطولته المكانية ، ففي النص( اخترق الكلب عنتر حاجز أشجار البرتقال و خرج من بينها إلى شاطئ النيل)صـ7،(كان البكاء يصدر عن آخر شخص يمكن أن يتوقعوا رؤيته يبكى على شاطئ النيل!!)، إذ يرى الأصدقاء "عروس النيل" تخرج من النهر (صاح نبيل مضطرباً:هل أرى حقاً عروس النيل؟) (قال علاء في دهشة :" إنها هي بعينها ما الذي عاد بها إلى هنا بعد أن ذهبت إلى عالمها في أحضان النيل منذ يومين؟!) صـ8 ،(يقفون على شاطئ النيل)،(...المطلة على شاطئ النيل ..)،(وهي تشق الماء فخورة بنفسها فوق سطح النيل)،(يشاركون في الاحتفال بوفاء النيل )،(تجلس فوقها عروس النيل)،(أخذوا يتزاحمون ليروا عن قرب "ذيل" عروس النيل ) صـ9
- أهمية نهر النيل تاريخياً في القصة :
ثم يؤكد الكاتب على أهمية نهر النيل تاريخياً ومدى عشق المصريين للنهر منذ آلاف السنين لذلك يحتفلون به كل عام ويختصونه بعيد يسمى "وفاء النيل " للتدليل على فيضه ووفائه كل عام و كرمه على مصر وأرضها و نباتها وحيوانها ، و يستلهم الكاتب من أسطورة عروس النيل بطلا للقصة ، وفى النص ما يؤكد ذلك:(اعترافا من أبناء مصر بما يقدمه لهم النيل العظيم من خير وحياة ، نحتفل اليوم كما احتفل أجدادنا منذ مئات و آلاف السنين بعيد فيضان النيل إننا نتذكر اليوم صفة الوفاء من نهرنا الكريم إن نيلنا العظيم لم ينسى في أي عام أبناءه فيأتي إليهم كل صيف بماء الفيضان الغزير، وما يحمله من طمي للأرض وخصب للزرع)، (إن ارتفاع الماء في النيل لا يتغير كثيرا في الصيف عن الشتاء) صـ13 .
- أهمية السد العالي ودوره في حياة مصر :
ثم يشير الكاتب إلى دور السد العالي في حياة مصر فيقول عادل :( هل نسيت السد العالي يا أمل ؟ إنه يحجز خلفه الآن الماء الزائد عن ماء الفيضان لتستفيد به مصر عندما يقل الماء الوارد إلينا من منابع النيل)،( ورفعت عروس النيل يدها ) ،(وتقدمن بالعروس إلى موضع مفتوح في حاجز السفينة ، به منزلق ينتهي إلى سطح الماء ) صـ13(وتقدمت الفتيات حملن عروس النيل من فوق المحفة وانزلقت العروس السعيدة من بين أيديهن و تهادت إلى أحضان والدها النيل)،(ارتفع تصفيق الجماهير وهتافهم و قد تركزت عيونهم عند نقطة على سطح الماء اختفت تحتها عروس النيل)صـ 15.
يتأرجح النص بين الحديث عن عروس النيل تارة وعن دور النهر العظيم في حياة المصريين ثم واجبهم نحوه يقول النص: ( و كما يحرص النيل على الوفاء بعهده لمصر فيعطيها الخير و الحياة فان أبناء مصر لا بد أن يكونوا أوفياء له فيحرصون على رعايته والمحافظة على نظافته و حمايته من أخطار التلوث )صـ15
- الخيال في القصة وعلاقته بالنهر :
لا ينفصل الخيال في القصة عن بطلنا نهر النيل وعروسه بل يظل ممتزجا به طوال الحكي ، فيقول ( قالت دعاء: في المستقبل ستنزلق عروس النيل إلى الماء من طائرة هليوكوبتر)،(يقفون في دهشة و حيرة حول عروس النيل التي عثروا عليها بعد أن عادت من النهر تبكي بعد يومين فقط من الاحتفال بوفاء النيل الذي نزلت فيه إلى أعماق النهر و اقتربوا من عروس النيل كانت تجلس بين بعض النباتات الخضراء التي تغطي ضفة النهر) صـ16 ( ...بعودتك إلى أحضان والدك النيل )صـ18( يوم ذهبت إلى النهر الحبيب كي أعيش مع والدي النيل فهو كثيرا ما أعطانا الحب والخير ، أعطانا الأرض الخصبة و الزرع المثمر والأسماك المتنوعة و المياه مصدر الحياة ،و مازال يعطينا الكثير لكن حدثت لي أشياء غريبة عجيبة منذ نزلت إلى مجراه) صـ 18،19
- صور للتلوث في نهر النيل :
ثم يكشف الكاتب عن سر رفض عروس النيل للبقاء في حضن النهر وسبب خروجها بعد يومين من الاحتفال وعن سبب حزنها وبكائها وسر تعاستها ، فيأتي الحكي على لسانها وكأنها شاهد عيان صادق كل الصدق فتقول :( لو أن الجميع يهتمون بصحة النهر ، كما يعتنون بصحتهم وصحة أبنائهم لما حدث لي ما حدث ) ثم يبين على لسانها أيضاً هي وصديقاتها من عرائس النهر كيف أنهن غاضبات وحزينات لما يحدث لنهر النيل من تلوث تقول الأسماك:( كان الناس فيما مضى يحافظون على النيل ويحرصون على صفاء مائه ، أما الآن فهم يمثلون خطراً شديداً عليه )صـ23 ،( وجدتُ لون الماء متغيراً ، كان قد فقد شفافيته وأصبح عكراً )،( لم تكن تتحرك بالنشاط الذي اعتدت أن أعرفه عن أسماك النيل ، شاهدتُ بعض النباتات ومعظمها فقد نضارته وبدأ الذبول يظهر عليه )صـ26 ،(تساقط فوقنا تراب كثيف من مخلفات الأسمنت لأحد المصانع ، وما به من مواد كيماوية ، ظل يطاردنا بعد أن تغير بسببه مذاق الماء )،( تدفقت نحونا كميات من النفايات والعلب الفارغة ، أصبحنا محاصرين بالتلوث من كل جانب)، (لقد شعرنا بالموت يقترب منا حقاً ، ولو بقينا هناك وقتاً أطول ، لقتلنا التلوث)صـ30 ،( مئات وآلاف المصانع تصبُ مخلفاتها السامة على طول مجرى النهر )،( إن هذه المخلفات هي سبب وفاة زميلتنا سمكة ، وهي واحدة من عشرات الآلاف من أسماك النيل )،( الهلاك أصاب معظمنا )،( ...يصب ماء لونه أسود تقذفه علينا باخرة كانت تمر فوقنا ،لقد كانت تصب علينا مخلفات دورات المياه الموجودة بها )،( كنا على شاطئ إحدى القرى ، وقد امتلأ بسيدات يجلسن عليه ويغسلن الملابس والأواني في الماء) صـ31،32 ،( شاهدتُ فلاحاً ينظف حصانه في مياه النيل ، وحماره أيضاً )،(الأطفال يستحمون ويلعبون في ماء النيل )،(الناس أحد المصادر الأساسية للتلوث)،(نباتات ذبلت واسودت بسبب ما يُلقى في النيل من ماء ملوث بالمبيدات الحشرية)،( إن التلوث لا يقتل الأسماك فقط، بل يقتل النباتات أيضاً، إنه يقتل كل حياة في الماء)صـ32 ، (جثة حيوان ميت، ألقاه الناس في النيل)،(رأيت التلوث يغزو نهرنا الحبيب ويكاد يقضي عليه )،(الأسماك والنباتات وكل ما يعيش في الماء يتعرض للهلاك بسبب هذا التلوث)، (إن التلوث عندما يصيب الماء والأسماك والنباتات لابد أن يصيب أيضاً الحيوانات ومحاصيل الحقول ويصيب الإنسان بعد ذلك )صـ35
ثم يحث النهر البشر ويدعوهم للكف عن تلويثه فيقول مخاطباً عروس النيل:(إنكِ رأيتِ الآن ما يكفي من أخطار التلوث التي تهدد صحتي وحياتي ، وصحة وحياة كل إنسان وحيوان ونبات ، بلغي الناس جميعاً أن يكفوا عن تلويث مياهي )،( ويجب أن يعرفوا أيضاً أنني غاضب جداً.. وقد قررت أن أتركهم وأتحول بالمجرى إلى أماكن أخرى ، إذا استمروا على ما هم عليه) صـ36 .
ويختم الكاتب قصته بكشف السر وإماطة اللثام عن أسباب خروج عروس النيل للناس مرة أخرى وذلك لتبليغ دعوتها بضرورة الحفاظ على النيل من التلوث وبذلك يكافأها النهر بما وعدها به بأن يحول ذيلها إلى قدمين بشريين وتعيش بين الناس حرة طليقة بعيداً عن أجواء التلوث في النيل لأنه صار بيئة غير مناسبة للحياة فيه.
- الخلاصة :
يلاحظ في القصة تكرار ذكر نهر النيل ومترادفاته منذ أول الحكي حتى نهايته فقد ورد ذكره ( 66 ) مرة ، وتكررت كلمة "عروس النيل "ومرادفتها وفاء وعرائس النيل( 60 ) مرة ، وتكرر" التلوث " ومخاطره ( 21 ) مرة ، والقصة من بدايتها حتى نهايتها استهدفت نهر النيل بشكل محدد وواضح باعتباره بطلاً وبيئة مكانية في ذات الوقت يجب الحفاظ عليها، كما استهدفت تقديم معلومات حول تلوث الماء ولا سيما النيل ، وتقديم قيم النظافة والحرص على عدم تلوث النهر( البيئة)، وإقرار قيمة الواجب نحو الحفاظ على البيئة بشكل عام والنهر بشكل خاص ودعوة مفتوحة للتفكير فيما يجب على الناس أن يفعلوه إزاء نظافة النهر وعدم تلويثه .

ثانيا : قراءة تحليلية لقصة شجرة تنمو في قارب :
تنتمي القصة الثانية (شجرة تنمو في قارب) للأدب القصصي القيمي البيئي الواقعي ، وتدور فكرتها حول حياة هؤلاء الصيادين المهمشين وجامعي نبات ورد النيل تلك الحياة المعزولة تقريباً عن حياة البشر العاديين على الأرض ، فهي تطرح عالماً مغايراً من خلال أسرة تعيش على سطح قارب في (نهر النيل) وتصير كل مفردات حياتهم اليومية ودورة حياتهم مرتبطة بالنهر كبيئة جغرافية أصيلة بالنسبة لهم وكل ما يدور خارجها يعتبر ثانوياً ، وتركز الأحداث على قصة كفاح صبي صغير هو ابن هذه الأسرة وكيف قاوم الجهل والأمية والفقر حتى صار انساناً متفوقاً ذا شأن ويتوقع له مزيدا من التفوق والنجاح . والقصة تدعو لمحاربة الجهل والأمية وتؤكد على قيم العمل والصبر والكفاح والنظافة واحترام العمل الشريف مهما كان متواضعاً وعدم الحط من قدره ، كما تحث على التعاون ومساعدة المحتاج والصداقة وفعل الخير .
يبدأ القص الدخول إلى عالمهم (صـ10) من خلال التعرف على الصبي خالد ابن احدى هذه الأسر الفقيرة ( قال : هل تعرف سكان القوارب الذين يجمع أصحابها نبات ورد النيل من فوق سطح النيل ؟ )،(ولد خالد في أحد هذه القوارب وعاش فيه مع أسرته ، ولم يشعروا أبدا أنهم ينتمون إلى المجتمع الذي لا يفصلهم عنه إلا انحدار شاطئ النيل )صـ10
سمات سكان القوارب : يطرح الكاتب مجموعة من السمات العامة التي تعري الواقع وتكشف حياة هؤلاء البشر المهمشين على الرغم من كونهم في قلب العاصمة ( قلب النهر) فهم القريبون البعيدون في نفس الوقت ، حيث يقيمون إقامة كاملة في النهر صباح مساء وصيف شتاء فالنيل كل عالمهم.
مشكلة الأمية :
تُعَدُّ الأمية أحد سمات هؤلاء وعن قناعة بها وليس عن فقر أو عدم قدرة وفي هذا تكمن مشكلة أخرى هي عدم الإيمان بالتعليم ، ففي النص ( قال : كل أبناء وبنات أصحاب القوارب لم يذهبوا إلى المدرسة ،ليس لنا شهادات ميلاد ، وأبي يقول إن مهنة الصياد لا تحتاج إلى مدرسة، ويقول إن الذهاب للمدرسة مضيعة للوقت) صـ11 ،(... أنتم لم تدخلوني المدارس ) صـ24، ( ... وما العمل وأنا لا أعرف القراءة والكتابة ؟)صـ26،( هل يمكن أن أعمل وأنا لا أعرف القراءة والكتابة ؟)صـ26
عدم الاهتمام بتعليم البنات والتسرب الدراسي :
(... عندما كنت صغيرة ذهبت إلى المدرسة ، وقضيت بها السنة الأولى والثانية الابتدائية ، لكن والدتي مرضت واضطررتُ أن أبقى بجوارها للعناية بالبيت ، وكم تمنيت لو أنني واصلت الدراسة مثل زميلاتي في الحارة ، كلهن الآن بائعات في المحلات التجارية أو عاملات في المصانع ، أما أنا فحظي أن أعيش في قاع هذا القارب طوال عمري ) ص24
توارث المهنة (الصيد) :
يطرح القص كيف يتوارث أبناء الصيادين مهنة الصيد أو جمع نبات ورد النيل يقول القص (.. هو المعلم وأنا الصبي )صـ11،( صاح أبي في عنف : أنت صياد ابن صياد ، حياتك هي هذا القارب الذي اشتريته بعرقي ...)صـ22
اختلاف عادات دورة الحياة في النهر عن خارجها :
( قال خالد نحن نعيش حياة مختلفة في كل شيء عن حياتكم ، لم أكن أعرف معنى دورة المياه فهي عندنا الأماكن المظلمة عند التقاء قاعدة الكوبري بالشاطئ ، والاستحمام في ماء النيل عندما يخيم الظلام ،... بعد ولادتنا في قارب أبي ) صـ11، (.... أنا أعيش في دنيا تختلف كل الاختلاف عن الدنيا التي تعيشون فيها ) صـ 20 ، (... لم أفهم معنى الصيدلية أو معنى الموظف ...)صـ22،(... لم أسمع من قبل عن شيء اسمه غرفة المائدة ، لقد كنا نتناول طعامنا ونحن نجلس القرفصاء على قاع القارب أو على حافته أو الجلوس على طين الشاطئ )صـ36
الاغتراب عن الآخرين خارج النهر :
يطرح الكاتب الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال حيث يشعرون بالغربة والبون الشاسع بين حياتهم في النهر ومن يعيشون خارجه من أبناء المجتمع وكأنهم في عزلة عنهم ففي النص :( ... كنت أرى الأولاد والبنات يجلسون على سور الكورنيش مع أهلهم . كنت أتطلع إلى ملابسهم وأستمع أحيانا إلى أحاديثهم وأسأل نفسي : لماذا لا أستطيع أن أكون صديقاً لهم ؟)صـ11،( تصورت في البداية أن الفرق بيني وبينهم يرجع إلى ملابسي ، كنت أرتدي الجلباب ...)صـ12،( اشتريت من مصروفي ملابس تشبههم ، وبدأتُ أصعد وأجلس على سور الكورنيش لعلي أستطيع مصادقة بعضهم ، لكنني اكتشفت أنه من الصعب جدا أن أفوز بصداقتهم )صـ12 بتصرف نحوي ،(....أهلهم الذين لا يسمحون لهم بالحديث مع الغرباء مثلي) صـ14 ،(...... عندئذ قلتُ لنفسي :إذن ليست ملابسي هي السبب الذي يبعدني عنهم ) صـ14، (... أين تذهب وسط الناس الأكابر ؟ وشعرت بالخوف من لهجة أبي ) صـ22
التدخل السياسي والتحول الاقتصادي لمهنة الصيد :
يطرح الكاتب كيف تتدخل الدولة في حياة هؤلاء الصيادين وتحول مهنتهم إلى أخرى أكثر ربحية بسبب تغير بعض العوامل البيئية : ( قال : لم يعد صيد السمك هو مهنة أبي الرئيسة بعد أن اتفقت معه وزارة الري على أن يشترك مع زملائه الصيادين في جمع نباتات ورد النيل المتراكمة على سطح الماء ، ونقلها إلى الشاطئ )صـ12
تعاون الأسرة في العمل معاً :
(وهذا العمل يحتاج أن تتعاون الأسرة كلها فيه )صـ12
توزيع المهام والأدوارالعملية على أفراد الأسرة:
( فهناك من يهتم بحفظ توازن القارب، وهناك الذين يتعاونون على جمع النباتات العائمة ووضعها في القارب ، وعندما يمتلئ القارب نعود به إلى الشاطئ لتفريغه) صـ12
العمل المستمر :
( وتستمر هذه العملية معظم ساعات النهار )صـ12
الصيد مهنة ثانوية للتقوت :
( وأحياناً نخرج في الليل للصيد فنوفر بعض الأسماك لطعامنا ، وقد نبيع منها كميات قليلة إذا زادت عن حاجتنا )صـ12
الاعتزاز بالمهنة ورفض العمل بالخدمة في المنازل :
يشير الكاتب عبر استعراض أحد المواقف الدرامية في القصة إلى اعتزاز الصياد بحرفته مقابل احتقاره لمهنة الخدمة في المنازل ففي النص :( ... لكن أبي أجابها في ضيق : ابني عنده صنعة ، العمل في البيوت عيب بالنسبة لنا ، وأذكر أن والدي جمع أسماكه ولم يبع لتلك السيدة شيئاً ) صـ20
النهر يساهم في تغريب ساكنيه :
(وبدأت أشعر أن حياتي على حافة الماء هي التي تبعدني عن المدينة الكبيرة ، بيوتها وشوارعها ) صـ14
الحنين إلى الحياة خارج النهر :
( كنت أصعد في الصباح ، أتأمل الأطفال يخرجون في وقت مبكر من بيوتهم المطلة على النيل ، وهم يلبسون ملابس متشابهة ، وبعضهم يركب سيارات تجمعهم من أمام بيوتهم ....) صـ16 .
كما يطرح الكاتب عدة مضامين تربوية بشكل عام قد أثارتها الحياة في النهر واستفزتها للخروج إلى السطح في عقل وخيال بطل القصة الصبي( خالد ) مثل :
التعلم في المدرسة يقوي ويؤكد العلاقات الاجتماعية :
(..... والتقطت من كلام أبي كلمة مدرسة وقلتُ لنفسي : لا شك في أن المدرسة هذه هي السبب في تقارب الأطفال الذين أراهم على الكورنيش )صـ16
الرغبة في التعلم والتشوق إليه :
( ... إلى أن وجدت أقرب مدرسة إلى الشاطئ الذي نعيش على سطح الماء بجواره، ووقفت من بعيد أتأمل الآباء والأمهات ،يأتون في الصباح وهم يمسكون بأيدي بناتهم وأولادهم ثم يتركونهم عند باب الدخول ، كما وقفت أتأمل أوتوبيسات المدرسة وقد امتلأت بالأطفال بعضهم عمره أربع سنوات وبعضهم عمره عشر سنوات )صـ16 ( وظللت أكرر الوقوف أمام المدرسة عدة أيام ) صـ16
المدرسة مكان لممارسة الألعاب والأنشطة الرياضية :
(... بدأت أقترب من باب المدرسة ، فأرى الأطفال في الفناء يلعبون معاً نط الحبل والمساكة أو صيد الحمام وأحيانا كنت أرى بعض الأطفال يمسكون كتباً بها صور ملونة ، يقلبون صفحاتها ، وظللتُ أكرر الوقوف أمام المدرسة عدة أيام ) صـ16
التواصل بين الأم وطفلها ( الأمومة) وفي الوقت المناسب :
بينما يطرح الكاتب كيف رفض الأب الحوار مع ابنه بشأن التعلم والعمل خارج النهر (الصيد) ، نتلمس في المقابل حوارا دافئاً وصوتاً هادئاً مناسباً لطبيعة الأمومة ، يتحول إلى تشجيع ومساندة : ( وشعرتُ بالخوف من لهجة أبي فقررتُ ألا أتحدث إليه بعدئذ بكلمة واحدة عن هذا الموضوع .لكن الغريب أن أمي هي التي سألتني عندما لم يكن أبي موجودا معنا في القارب : احكِ لي يا خالد كل كلمة سمعتها هذا الصباح؟ )صـ22
الدعوة إلى التعلم والتعليم ومحاربة الجهل والأمية :
( قالت لي : أنت لا تعرف أن أهم شيء لكي تصبح موظفاً أن تكون قادراً على القراءة والكتابة ) صـ24 ، ( قلتُ له : تتعلم ) صـ26، ( وكررتُ في تأكيد : نعم .. تتعلم ! قال : أنا كبرت ، قلت له : ليس هناك من هو كبير على التعلم )صـ28، ( أنت لا تقرأ وعملنا فيه قراءة ..)صـ28 ، ( ... وعدتُ خالد أن أطلب منك بعض الكتب لكي نبدأ معاً دروس القراءة على نحو منتظم )صـ32
التدريب والتعلم المستمر :
(... وهكذا استطاع خلال شهر واحد أن يميز أشكال حروف الألف باء واستطاع أن يعرف كيف ينطقها عندئذ قررت أن أتولى أمره بنفسي ، كنتُ أقضي معه ساعة في فترة المساء ثلاث مرات كل أسبوع )صـ35
من جد وجد ومن زرع حصد من خلال نظام التعليم في المنازل :
( .. وبعد سنتين نجح خالد في امتحان نهاية المرحلة الأولى من التعليم الأساسي ) صـ35،( وبعد عامين حصل خالد على شهادة المرحلة الإعدادية، من خلال نظام التعليم في المنازل )صـ36، ويطرح الكاتب قيمة تنبؤية مضافة في هذا السياق فيقول ( ... وليس عندي شك في أن خالدا سينتهي بعد سنوات قليلة من دراسته الجامعية ويصبح هو أيضاً طبيباً أو صيدلانياً ، ولن تصيبني الدهشة إذا استطاع أن يحصل على الدكتوراة ، .. وقد يصبح وزيرا أو رئيسا لإحدى الجامعات العالمية يقدم للحضارة اكتشافاً مثيراً أو اختراعاً عبقرياً ) صـ38
الدعوة إلى قيمة النظافة بشكل عام وعدم الخجل أو احتقار المهن الدنيا :
يدعو الكاتب عبر دراما حوارية مقنعة ولا مباشرة إلى قيمة النظافة بشكل عام وعدم احتقار المهن الدنيا مثل الخدمة في البيوت أو المحلات أو الشوارع حيث الكل يحتاج للكل ويجب على الجميع التعاون وعدم احتقار مهنة الآخر ويبرز هذه القيمة خلال انعكاس حياة البشر في النهر والقارب بما يناسب موضوع القصة وموضوع البحث يقول الصيدلي في الحوار مع خالد الصبي بطل القصة: (عدتُ أسأله : القارب الذي تعيشون فيه ، هل تنظفونه أم تتركونه بغير تنظيف ؟ قال ننظفه ! والشباك التي تصيد بها مع والدك والتي تتعلق بها نباتات ونفايات من قاع النيل ، هل تنظفونها أم تتركونها بما تشابك فيها ؟ أجاب : إذا لم ننظفها لن نستطيع استخدامها مرة أخرى ، قلت له أنا أنظف صيدليتي بنفسي صباح كل يوم ،الإنسان لا يخجل أن ينظف بيته أو مكان عمله ، وأنت نفسك تحرص أن تكون ملابسك نظيفة دائماً كن شجاعاً وأبدأ العمل هنا ستتعلم الكثير ) صـ 29، 30
الدعوة إلى العمل والحماس له :
(متى أستطيع أن أبدأ العمل ؟ قلتٌ من الآن إذا أردت)صـ30
الجمع بين التعليم والعمل معاً :
يبرهن الكاتب أنه بمقدور الإنسان أن يجمع بين قيمتي العلم والعمل معا وممارسة ذلك بإرادة وأمانة يقول النص ( ... أرى خالدا وهو منهمك في قراءة كتاب ويمسك بيده قلما ، لكنه يسرع واقفاً عندما يدخل أحد الزبائن ليحضر له ما يحتاجه ) صـ38
الانتماء للوطن والأمان فيه من خلال الانتماء لنهر النيل :
يتوج الكاتب مجموعة القيم التي يدعو لها في قصته (شجرة تنمو في قارب ) بقيمة هي أسمى القيم وأعلاها وهي قيمة الانتماء للوطن والحب الكبير لمصر من خلال الانتماء لنهر النيل فيقول في أسلوب بسيط رشيق ومفردات عذبة ( يقول خالد : النيل بالنسبة لي هو بيتي دنياي وحياتي ، فكيف أتصور أنني مجرد زائر جئتُ أقضي فيه بضع ساعات؟ لم أجد إلا أن أكتب وصفاً ليوم من أيام حياتنا التي نقضيها كلها في قاربنا نأكل وننام نتسامر ونختلف ، أستذكر دروسي وأعمل في الصيد مع أبي ، وعليه نعيش ومنه نحصل على رزقنا وقوت حياتنا ، القارب هو الأرض التي غرستُ فيها شجرتي ولا تعرف شجرة حياتي أرضا غيرها، ولا أستطيع النوم إلا والسماء الفسيحة فوقي ، ولا أشعر بالأمان إلا وماء النيل يهدهد قاربي ، أنه لا يوجد من يحب النيل أو يعرفه أكثر مني ) صـ37، 38
وهكذا يختم الكاتب قصته بقيمة الانتماء والولاء للوطن من خلال الانتماء والولاء لنهر النيل وهو طرح مغاير عن الأطروحات التي وردت في معظم القصص التي تناولت نهر النيل كما يعتبر طرحا جديدا يبرز فيه علاقة حميمة بين البشر والنهر في أروع صورها حيث يتخذ من النهر بيئة جغرافية تؤثر سيسيولوجيا و أنثروبولوجيا وسيكولوجيا في سكانه المهمشين .

* نهر النيل في قصة هروب نهر النيل للسيد القماحي( ):
تنتمي القصة للأدب البيئي الذي يعتمد على الخيال الجامح لبث مجموعة من القيم البيئية والسلوكية وأيضاً إثارة بعض المشكلات الاجتماعية والبيروقراطية الوظيفية وتعرية الواقع السياسي المأزوم من خلال أنسنة نهر النيل ، وأبنائه فرعي دمياط ورشيد ، وابنته بحيرة السد العالي .
ويعتمد السرد على الحوار الدرامي بين النهر الأب وأبنائه لمناقشة المشكلات المتعلقة بهم ، ويبدأ الحكي بالاجتماع العاجل الذي يرسخ لمبدأ الديمقراطية والشورى والعمل بموجب الرأي للأغلبية ، كما في النص ( أرسل نهر النيل نداء عاجلاً إلى أبنائه في الشمال على الفور فرع رشيد وفرع دمياط وأختهما بحيرة السد وعقدوا اجتماعاً قرب البحيرة )
ويعرض الكاتب في الاجتماع مقارنة بين تقديس الأجداد الفراعنة للنهر وبين تلويث سكان الوادي له بالنفايات ( وتصبح مياهنا آسنة مسممة ) ، ويعلل فرع رشيد ما يحدث بقوله ( ربما لأنهم نسوا كل الأمور المقدسة في شأن النظافة خاصة كما نسوا ما كتب على جدران معابدهم القديمة أو في أوراق البردي " ليس مؤمناً ولا صالحاً ولا مقبولاً من الإله من ألقى في النيل شيئاً قذراً "باختصار نسوا ما يؤمنوا به حسب دينهم " النظافة من الإيمان" أو ما آمن به أجدادهم ) النص
بهذا الطرح يؤصل الكاتب لفكرة تقديس النهر وإحياء التراث الفرعوني والإسلامي لقيمة النظافة وإن رصدها بشكل مباشر ، ثم يبث قيمة حرية الرأي والاختلاف مع الآخر المدعم بالمبررات عبر المناقشة فيقول ( اعترض فرع دمياط : عفوا يا أخي هؤلاء لم ينسوا إطلاقاً بدليل اللافتات الكثيرة التي يغرسونها في كل مكان تحث على النظافة ونراهم في نفس الوقت يعملون نقيض ما تشير إليه هذه اللافتات إذ يلقون بنفاياتهم وسموم مصانعهم القاتلة وهي الأخطر في مياهنا فيلوثونها فتصيبنا وإياهم بالسموم والأمراض )
يستعرض الكاتب التلوث البيئي للنهر والتلوث الأخلاقي الاجتماعي لبيئة العمل أيضاً حيث غياب المسئولين وعدم الإحساس بالمسئولية والتراخي عن العمل لصالح البلاد ورفع الشعارات المزيفة (طلب مقابلة عاجلة بالمسئول الذي لم يكن موجوداً فأدخلوه حجرة مكتبه لينتظره ، جلس فرع رشيد ينتظر ويتجول بعينيه في أرجاء الحجرة المكيفة الهواء ..وقع بصره على لوحة كبيرة بالألوان ..إنها لوحة تحمل صورته هو نفسه وهو يقف منتصباً هو وأخوه فرع دمياط ومن خلفهما مياه البحر المتوسط ووالدهما النهر العظيم يحملهم عالياً فوق ذراعه القوية )
يشير الكاتب لخريطة مصر التي تُعلق في مكاتب المسئولين باعتبارها الأرض والوطن الذي ننتمي إليه ويجب علينا حمايته من أي خطر يهدد أمنه من الداخل والخارج معاً ، ويشير في الوقت ذاته للفجوة بين القول والفعل ، بين رفع الشعارات والممارسات المناقضة ، وربما تنطوي القصة على مغزى سياسي آخر يعري ديكتاتورية الحكومات فيقول ( تعلقون صورنا هنا للزينة وتقذفوننا في نفس الوقت بالقمامة ؟ )،( انتظر وقتاً طويلاً حتى مل الانتظار وعندما لم يحضر المسئول نهض لينصرف ).
مازال الكاتب يؤكد على عقم الممارسة البيروقراطية والرقابة ومصادرة الحريات الشخصية متخذاً من فرع رشيد المؤنسن رمزاً لاسقاطاته السياسية يقول النص ( أجاب فرع رشيد في حزن : أنا غريب ؟ أنا لا أحمل بطاقات مثلكم
قال الرجل ساخراً : لا تحمل بطاقات ؟! إذن سر أمامي إلى قسم الشرطة وفي القسم وجه الضابط إليه نفس السؤال : غريب أنت أليس كذلك ؟ ما اسمك ؟ همس فرع رشيد :غريب ؟ ما اسمي؟ تغير شكلي إلى هذا الحد ؟ التلوث هو السبب بالتأكيد فكيف لا ينقلب منظري ولا يتعرف علي أحدُ ؟ ) هنا يقترن التلوث البيئي بالتلوث الاجتماعي السياسي، ( حرر الضابط محضراً وسجل فيه اتهامه بعدم حمل بطاقة تثبت شخصيته ! ثم التفت الضابط إلى عسكر حوله وأصدر أمره احبسوه في الحجز !) ربما يشير الكاتب إلى إهانة الرموز والمقدسات حيث يمثل نهر النيل رمزا من الرموز المقدسة ، ومما يدل على ذلك ما قاله فرع رشيد في القصة ( أسرع العسكر واقتادوه بخشونة رجاهم فرع رشيد : برقة أرجوكم ! عاملوني برقة ، كما عامل أجدادكم الكرام والدي العظيم ) ( في حجرة الحجز ، جلس فرع رشيد منهاراً على الأرض وراح يردد بحزن وغيظ : تحبسونني ؟! أنا ابن النيل واهب المياه والحياة ، صانع الخصب لأرضكم التي بدوني لظلت صحراء جرداء ، أنا باني حضارتكم القديمة ومجدكم الذي طالما تغنى به المداحون والشعراء ..... )
ويستمر الحوار بين فرع رشيد وذاته تارة ثم يهرب من تحت عقب الباب ليعود الحوار بين النيل وأبنائه لسرد ما حدث وتقييمه والبحث عن حل أمثل ( قال فرع دمياط : أرى أن نغادر هذا المجرى الملوث فوراً ولا نبقي فيه قطرة ماء واحدة ، سأل النهر الأب في حزن : وأين نذهب ؟ قال فرع دمياط : إلى الصحراء ونقيم هناك ، علق النهر الأب لكن كيف نتحرك إلى الصحراء وهناك احتمال أن يضعوا في طريقنا العقبات بغلق السدود والخزانات ) إن الكاتب مازال مثيراً ومعرياً للواقع السياسي المأزوم بالتعقيدات البيروقراطية وعرقلة السياسات الإصلاحية ، ويختم قصته بنهاية مأساوية سوداوية حيث لا خلاص ولا حلول ولا بادرة أمل تلوح في أفق شديد الحلكة ولعله أكثر واقعية من هؤلاء المتشدقين برفع الشعارات المزيفة والعبارات الطنانة فيختم قصته بهروب نهر النيل يقول النص ( اعترض فرع رشيد : أرى من الأفضل أن نطلب من الشمس أن تبخرنا لكي تطهرنا من الميكروبات ونصعد إلى السماء مع خفة أجسامنا ونصير سحباً ويحملنا الهواء بعيداً مخلفين وراءنا هذا المكان الموبوء بالسموم القاتلة ونفايات البشر) وكأن الكاتب يطرح مشكلة الخلاص الأبدي الذي لن يكون إلا بالتطهر والرحيل عن هذا العالم المليء بالشرور والآثام ، وهي فكرة تنتمي للفلسفة الصوفية .
يلاحظ تكرار نهر النيل ومترادفاته مثل حابي وفرع رشيد ودمياط وغيرها 46 مرة وفي النهاية يعود ليؤكد مبدأ الديمقراطية والشورى واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام صوت الأغلبية والإرادة في اتخاذ القرارات المصيرية.
وكتب " السيد القماحي" كتاباً آخر عن نهر النيل بعنوان ( نهر النيل العظيم) ( ) ينتمي لكتب المعلومات ، اعتمد على تقديم المعلومة عن نهر النيل من خلال حوار بين مدرس الجغرافيا وتلاميذه بعد تقديم إشارة تاريخية حول عظمة النيل وتقديس الفراعنة له مستشهدا بأحد أناشيد الفراعنة التي تبث القيمة القصوى للنيل حيث يهب الحياة للمصريين ، ثم يشير من خلال درس الجغرافيا إلى معلومات مباشرة حول حوض النيل وينابيعه والدول التي يمر بها وسكانه من شتى الأديان أي يتجاوز حدوده المصرية إلى موقعه العالمي بين دول أفريقيا ، وإشارة للصخور والمقاييس والأسماك والكائنات التي تحيا فيه أو على ضفافه مثل التماسيح وأفراس النهر.
كما يشير للترع المهمة والكباري المقامة فوقه في مصر وأشهرها مثل كوبري القناطر الخيرية وكوبري بنها وزفتى وطلخا وكفر الزيات ودسوق وأخميم والمنيا وبني سويف والأقصر وقنا وكباري القاهرة والجيزة الشهيرة مثل كوبري امبابة وأبو العلا وقصر النيل و6 أكتوبر والجلاء والزمالك والملك الصالح وغيرها ، كما يشير الكتاب إلى أهم القناطر والسدود ، ويستعرض فوائد النهر من حيث الشراب والحياة وري الأراضي والنزهة والاستمتاع بجماله والثروة السمكية ، وتوليد الطاقة الكهربية وغيرها .
• نهر النيل في قصة الخطر القاتل لأمال ابراهيم ( ):
تنتمي القصة للأدب البيئي الواقعي الذي يحث على نشر المعلومات وبث القيم البيئية وهي لا تعكس نهر النيل بشكل مباشر وصريح لكنها تقدم الترعة كأحد روافد نهر النيل وتعكس مشكلة تلوث الترع باعتبارها مشكلة مصرية عامة ، كما تشير إلى انتشار البلهارسيا والعدوى بها من مياه الترع ، وتدعو لممارسة رياضة العوم السليمة في المكان المناسب كالنادي والبحر وليس الترعة الملوثة بالسركاريا المعدية والناقلة للمرض ، وتقوم القصة على الحوار الدرامي بين طفلين أحدهما من القرية والآخر من المدينة ، وحيث تعكس جهل أهل القرية مقابل تنور وتفتح أهل المدينة ، وحيث يؤدي هذا الجهل إلى المرض أيضاً الذي تبدو أعراضه بوضوح على صابر ابن القرية كما في النص : ( أما صابر فقد تخلف وظل ينهج وحبات العرق تغطي وجهه وجسده بغزارة ولم يستطع الوقوف ، فجلس مستنداً إلى جذع شجرة الجميز)صـ 5 .وفي الحوار التالي مقارنة واضحة بين القروي والمدني :( - هيا نتسابق سباحة في الترعة ؟ - لا لا لن أفعل ! لن أنزل الترعة .... بل أجيد العوم ، لكني لن أسبح في مياه الترعة .. إن مياهها راكدة عفنة ولها رائحة كريهة ..انظر إلى هذه السيدة التي تغسل الثياب بمياه الترعة والتي تنظف الأواني ، وهذا الذي يحمم حماره ، وهذا الذي يقضي حاجته فيها .
- هذه أشياء قد تعودناها ، إن بعض الكبار يستخدمون هذه المياه في الوضوء وفي الاستحمام وفي الشرب أيضاً ، أنني لا أبالي
- لا تفعل يا صابر أرجوك ، هذه مياه ملوثة بديدان البلهارسيا ،وأنا أخاف أن تدخل جسمك ) صـ8،9
ويستمر الحوار الدرامي طوال القصة مؤكداً تلوث الترعة ويدعو إلى العادات الصحية والرياضية السليمة ونشر المعرفة ونبذ الجهل بالقيم البيئية والاقتناع بالدعوة إلى ذلك كما في ختام القصة ( لن أقترب من الترعة بعد اليوم ، بل سأقوم بمثل ما قام به سعيد معي ، وأنبه كل الزملاء والأصدقاء إلى الخطر الكامن في الترعة ) صـ14 .
• نهر النيل في قصة الصياد والفريسة لأحمد دمرداش ( ) :
تنتمي القصة للأدب البيئي الذي يعتمد على الفانتريا ذات الأصل العلمي ، وهي مثل القصة السابقة لآمال ابراهيم تحث على نشر المعلومات وبث القيم البيئية وهي لا تعكس نهر النيل بشكل مباشر وصريح لكنها تقدم الترعة كأحد روافد نهر النيل وتعكس مشكلة تلوث الترع باعتبارها مشكلة مصرية عامة ، كما تشير إلى انتشار البلهارسيا والعدوى بها من مياه الترع ، وتعتمد أسلوب الحكي الذاتي الذي يعتمد على ( أنا البطل) و(أنا المتكلم) في السرد مما يعمق مصداقية الحكي ويقترب من القارئ بسهولة ، كما يتكئ السرد على الحلم الذي يجسد ويضخم الكائنات ، فبطل القصة والسارد شخصية واحدة وهو يقوم بدور صياد ضمن متسابقين للفوز بجائزة ما ، ويحلم بالفوز في السباق ، ويذهب مبكرا للصيد من الترعة ( التي تشق حقول القرية ) ويعتمد السرد الذاتي على كيفية الصيد بالسنارة والفلين وبث الطعم للسنارة حتى نهاية الصيد لنكتشف أنه لم يصطاد سمكة لكنه يصطاد سركاريا البلهارسيا ويعتمد على التضخيم الفانتازي للسركاريا ليثير مدى خطورتها فيجسدها بأسلوب وتصوير خيالي كما في النص ( ...أنياب السركاريا تقترب من ساقي ، أتراجع بظهري مبتعداً عن الماء ، غصون السيسبانة تلتف حولي وتدفعني نحوه ، أحاول جذب ساقي من المياه لكنها تأبى أن تستجيب لي ، رأس السركاريا الوحشي يخترق لحم ساقي ، أحس برعشة تسري فيها أنظر إلى ساقي في فزع ، أبصر جلدي قد صار شفافاً كالزجاج ، السركاريا تسبح في دمي وقد صارت دودة أراها بوضوح ،من خلال جلدي الشفاف .... ) وهكذا يستمر السارد في وصف أفعال الدودة حتى ينزف ويصيبه الإعياء فيفيق من غفوته لنكتشف أنه كان يحلم إثر غفوة تحت الشجرة من أثر حرارة الشمس ، فيقرر الصيد من البحيرة بدلاً من الترعة ، وحيثُ تخلو البحيرة من السركاريا التي تسبب الأمراض ، فالمعروف أن ماء البحيرات يكون مالحاً ولا يؤدي للإصابة بالبلهارسيا .
* نهر النيل في قصة ( القطرة الحائرة ) لفاطمة هانم طه( ):
• نوع القصة :
تنتمي للقصص الرمزي البيئي الذي يعتمد في المقام الأول على تقديم معلومة بيئية للطفل ، عبر أسلوب الحكي الدرامي بأسلوب سهل ومبسط ومباشر مناسب لطفل المرحلة المبكرة ، والكتيب في إصدار فاخر ملون ومصقول من قطع خاص كبير مستطيل الشكل مما يبهج الطفل .
والقصة خيالية تستخدم تقنية الحكي عبر تشخيص وتجسيد الأشياء ( الأنسنة) و( الاستنطاق) وهو أسلوب محبب للطفل ويشبع في وجدانه القدرة على التحليق والتخيل الواسع .
• فكرة القصة :
تطرح القصة مشكلة (تلوث نهر النيل) باعتبارها أحد المشكلات البيئية التي تواجه المجتمع المصري .
• ملخص القصة :
تدور حول شخصية محورية هي (قطرة الماء الحائرة ) التي نزلت من السماء مع المطر الأخير في هذا الموسم الشتوي ، وتلعب البطولة قطرة الماء من بداية القص لنهايته ، ففي بداية القص تتساءل في حيرة لأين تذهب ؟ ولا تدري فتسأل كل من يقابلها وبالتالي تلتقي بشخصيات أخرى في القصة عبر السرد الحواري مثل زهرة عباد الشمس والشجرة العجوز وزهرة الياسمين والنحلة والفراشة وشجرة الصفصاف وأبو فصادة وأخيرا النهر
و يدور بينها وبينهم جميعا حوار درامي بسيط فنشعر بالحيرة مع قطرة المطر كما ورد في العنوان ( القطرة الحائرة) والذي يتسق مع المضمون تماماً .
تبدأ الكاتبة في عرض مشكلة القصة منذ السطور الاستهلالية الأولى بعد وصف الطبيعة الخلاب( فتقول قطرة الماء : لا أعرف لأين أذهب وماذا أفعل ؟ لقد نزلت من السحاب مع زميلاتي فلم أجد من يشعر بالحاجة إلي ) ص1
وكأن غاية الإنسان وهدفه عبر الإسقاط الرمزي أن يلعب دوراً خاصا في الحياة ويكون ذو قيمة وفائدة .
مهدت الكاتبة بأنه ( ظل المطر ينهمر خلال فصل الشتاء الذي أوشك على الرحيل لتأتي أيام الدفء ،كانت الأرض قد ارتوت ولبست ثوبها السندسي الأخضر) ص1
(سقطت قطرة ماء على إحدى زهرات عباد الشمس ، وقفت حائرة لا تعرف إلى من تذهب أو إلى أين تتجه ؟ لقد غمر المطر الأرض والأشجار والزهور ولم يعد أحد في حاجة إليها ) ص1.
ومع تجسيد هذه المشكلة نشعر بمعاناة قطرة المطر التي تظل تتساءل طوال القصة مع الشخصيات التي تلتقي بها : لأين تذهب ؟ وكل شخصية تقدم لها اقتراحا لتقودها إلى الشخصية التالية وهكذا حتى نصل إلى قرب وصولها إلى النهر بعد رحلة طويلة تمر بها هنا وهناك وتكاد تسقط في النهر لكنها في اللحظة الأخيرة ما قبل السقوط - والتي تمثل العتبة الفارقة في القصة – حيث تكتشف كيف يلوث الآدميون النهر فهذا الفلاح يلقي بحيوان نافق في النهر وذاك الطفل يقضي حاجته فيه فتصرخ محتجة ومندهشة : (صرخت قطرة الماء قائلة : كيف يفعل الصبي هذا ثم يشرب بعد ذلك من النهر نفسه؟ ) ص 7 .
* المضمون التربوي و الخاتمة: ثم تختم الكاتبة القصة بمونولوج اعتراضي ( وأضافت قطرة الماء بصوت غاضب لن أهبط إلى النهر لكي يصيبني ما أصابه ، أتوسل إليكِ أيتها الشمس أن تأخذيني بعيدا عن كل هذا ) ص 8 .
وحيث تبدو القطرة كما يعكسها الرسم المعبر للغاية مثل طفلة تدعو بعيون معبرة عن الرجاء والتمني وحيث تبدو الشمس مزهوة في الأعالي ومشرقة وكأنها سيدة الكون كله في كبرياء رائع بريشة فنانة معبرة بجمال فتان .
وهكذا تنتهي القصة بعدم رغبة القطرة في النزول للنهر حتى لا تتلوث مؤثرة عليه البعد والهروب منه وكأن لسان حال النص يقول : البعد عن التلوث غنيمة .
وهي قصة جميلة موحية معبرة في أسلوب عذب وشيق ويبدأ القص بحكي تقليدي جميل بعيدا عن أجواء الحداثة والتجريب التي يلجأ إليها كبار الكتاب بما لا يتناسب مع الطفل ، لكن الكاتبة تأخذنا بتسلسل وتدرج مع الأحداث في لغة عذبة وسلسة رقيقة تعتمد على الحوار الدرامي طوال القصة مما يتيح الفرصة للتخيل وتمثل الحكاية .
وعلى الرغم من أن القصة تؤكد على مفهوم تلوث النهر كجزء من التلوث البيئي إلا أن القصة تقدم قيما ثانوية مثل التعاون بين الأصدقاء ، وإعمال العقل والتفكير للحل والخروج من المأزق فكل شخصية تقدم اقتراحا كما تتبدى قيم الحوار الديمقراطي والشورى بين الكائنات دونما تعنت ديكتاتوري أو عناد من أحد ، فكل الكائنات طيبة وخيرة وعذبة ولطيفة ولعله عالم فاطمة هانم طه النفسي الذي ينطوي على قيم الحب والخير والجمال والتطلع نحو الأفضل والأمثل دائما .
فنحن نشعر بأسلوب هادئ يعكس حالة من الهدوء النفسي للكاتبة وعلى الرغم من أنها في نهاية القصة بدت القطرة أكثر غضباً وعنفاً في موقف اعتراض القطرة على التلوث إلا أنه عنف محمود واعتراض طبيعي ينشد الرغبة في عالم أفضل وهو موظف جيدا لخدمة الفكرة وما كان من القطرة الحائرة إلا أن تنهي حيرتها بالانسحاب بعيدا إلى الأفق الأعلى حين تنادي على الشمس وتتوسل إليها أن تأخذها عندها لتسكن السحاب مرة أخرى . وحيث الكون والفضاء والسماء والنقاء وعالم أرحب وأطهر وأجمل . وبالتالي فإن صورة نهر النيل في القطرة الحائرة صورة تعكس مفهوم التلوث وهو مفهوم يتسق مع كثير من القصص البيئي الأخرى التي تركز خاصة على التلوث .
• نهر النيل في قصة (عندما فرح حابي) لأميمة جادو ( ):
تنتمي القصة للأدب البيئي الرمزي الممتزج بالفانتزيا المتأرجحة بين الواقع والخيال ، فالقصة منذ بدايتها وحتى نهايتها تتخذ من نهر النيل بطلاً ومسرحاً للأحداث ، تكرر ذكر النيل ومترادفاته (35) مرة ، وتنوع مضمون الحكي مابين قيمة النهر وتقديسه عند الفراعنة منذ قديم الأزل (حابي)إله الخصب والنماء ، ومابين إهدار قيمته حالياً بين المصريين ، وقد تعرض النص لعرض صور متنوعة من التلوث أيضاً ، ركز النص على أهمية النهر للبشر والكائنات والحياة عموماً وكيف أُهدرت قيمته بالتلوث المستمر والتناقضات السلوكية المختلفة ،وأثارت القصة انفعالين متضادين هما الغضب والحزن مقابل السرور والرضا عبر أنسنة النيل الذي غضب وحزن بداية لما أصابه من تلوث يضر بالحياة والكائنات وقد فرح أخيراً عندما عاوده الأمل بعودته صافياً نقياً عندما أصدر السيد الرئيس قراراً بمعاقبة كل من يلوث النهر.
* نهر النيل في أقاصيص عبده الزراع :
وفي مجموعة أقاصيص قصيرة لعبده الزراع بعنوان (حكايات الشمس الشموسة )( )تلعب فيها الشمس الشموسة البطولة كقاسم مشترك مع كائنات الطبيعة الأخرى وتفاصيل الوجود مثل قصة الجمل والسمكة ، والعصافير والشجرة وغيرها ، نجد الكاتب يتخذ من نهر النيل مكاناً بيئياً مرفوضاً من قِبل الأسماك التي تأبى الحياة فيه بعدما لوثهُ البشر ، نقرأ ذلك في النصوص : ( قامت الشمس الشموسة مبكرة كعادتها .. نظرت إلى النيل ، وهو يضوي كالفضة بفضل أشعتها الذهبية ، لفت نظرها سمكة ... ..إلخ )،( قالت السمكة : أبحث عن مكان آخر يكون أكثر نظافة ، فأنا أشعر بضيق في التنفس من كثرة النفايات التي يلقيها الناس في النيل .) ، ( قالت الشمس : لابد أن هؤلاء الناس لا يعرفون أن النيل هو مصدر الحياة لكل الكائنات التي تعيش حوله.. فالإنسان والحيوانات يشربون منه ..قالت السمكة : يبدو أنهم لايعرفون خطورة التلوث الذي يقضي علينا .. ويجعلنا نمرض ثم نموت .. لذا اسمحي لي أيتها الشمس أن أواصل عومي حتى أجد مكاناً أكثر نظافة من هذا المكان )
في هذه القصة تناول الكاتب التلوث البيئي لنهر النيل ودوره في القضاء على الحياة النهرية ولا سيما الأسماك ، ويؤنسن الكاتب الكائنات ويبث من خلالها بشكل غير مباشر فكرة تلوث النهر ورفض الكائنات العيش فيه وبالتالي يلفت النظر إلى ضرورة حمايته وعدم تلويثه لما يسبب ذلك من أضرار بالغة قد تصل للموت أحيانا .
. وبالتالي جاءت النهاية استشرافية مشرقة بالأمل أو تحمل في ثناياها بصيصاً من نور .
* نهر النيل في قصة ( يا نيل ) لمحسن عبد الحفيظ ( ):
وتناول محسن عبد الحفيظ (النيل ) في قصته ( يا نيل) بالتركيز على تجذير فكرة عروس النيل وتأصيل المغزى الأسطوري لفكرة إلقاء عروس النيل في النهر كل عام عند الفيضان كي يفيض النيل ويمنح خصبه وطميه لأرض مصر .
وقدم الكاتب قصته في إطار فانتازي في زمن الفراعنة الأجداد حيث يحكي عن صياد صغير أسمه نيل – وهو اسم مقصود بالطبع- ويرفض نيل إلقاء أخته ( عروس النيل) في النهر ، باعتبارها عادة قديمة جدا خوفاً من فيضان النهر وإغراق البلاد أو خوفا من جدبه وامتناعه عن الفيضان وإفقار البلاد نتيجة إصابتها بالجفاف ، ويمضي نيل إلى مكان بعيد جدا حيث( يهزم نيل "الصياد الصغير" عملاق النهر الذي يأخذ كل عام فتاة ، وبالتالي يحرر النهر من الشر ، ونادت الفتاة الجميلة أخت نيل :يا نيل ، ومن خلفها ردد كل أهل مصر هذا النداء فخرج الصوت عاليا مدويا كأنه رعد السماء فاهتزت الأرض ووصل الصوت إلى قلعة العملاق فاهتزت فلم يسبق أن اتحدت أصوات الناس هكذا حتى صارت صوتا واحدا يخرج من قلب واحدوسمع العملاق النداء فارتجف وخاف وكذلك سمعه نيل الجريح فابتسم وفرح وضرب العملاق بكل قوته واخيرا انتصر نيل وسقط العملاق وانهارت قلعته اما ماء النهر فتحول إلى طيور صغيرة تسلقت أشعة الشمس وصعدت إلى عنان السماء وكونت سحابات بيضاء طارت إلى الجنوب إلى منبع النهر حيث سقطت أمطار غزيرة ملأت مجرى النهر الجاف ،وهكذا عاد النهر إلى الناس لكن نيل لم يره أحد بعدها فظل ذكرى في كل قلب ورمزا للوفاء وسمي النهر باسمه نيل وفي كل عام يوم وفاء النيل يخرج المصريون إلى ضفة النيل يتذكرون كل غائب بكل حب ووفاء ).
وهكذا يدعو الكاتب إلى اتحاد كلمة الشعب وصوت الجماهير المدوي على قلب رجل واحد إنما له فعل المعجزات وكأن الكاتب يرمز للنيل بالعطاء والوفاء والتضحية وعلى أهل مصر أن يدركوا هذه القيم الجميلة التي تؤدي للنصر وعزة البلاد ورفعة الشعوب ولعل الكاتب استلهم فكرته من أغنية صوت الجماهير التي كانت تُغنى في فترة الستينات أيام المد الثوري حيث كانت تطلق بحماس شديد وتؤكد على أن علوها واتحادها يصير نارا تحرق العدو ولا يعلو على إرادة الشعب أي شيء .والقصة خيالية بشكل عام لكنها تؤكد أن النيل هو رمز للقوة والاتحاد والخصوبة والخير الذي يجب الدفاع عنه بآخر نقطة في دمنا ، ولا تخلو القصة من ترميز سياسي ودعوة للاتحاد ففيه قوتنا وعزتنا وهو طرح جديد وجميل .
• نهر النيل في قصة عدلى عبد السلام ( النهر الغاضب)( ): تنتمي القصة للأدب البيئي الواقعي وتعتمد على أنسنة الحيوانات حيث يشخص ويجسد الخروف بطل القصة الذي يرفض التلوث بكل أنواعه في النهر والفضاء والبحار والأرض ، وبالتالي يأتي ذكر نهر النيل كبيئة ملوثة جزء من تلوث عام يشمل الكون فالخروف يرفض شرب الماء ويغضب ويقول ( ماء ...ماء ) لكنه لا يذعن لبيئة ملوثة . ويستعرض الكاتب بعض أنواع وسمات التلوث بشكل علمي مبسط وتأثيره على الانسان والكائنات حيث يشكل خطورة من حيث المرض وأحيانا تؤدي للوفاة كما تتضمن القصة بعض المعلومات العلمية المبسطة.
• نهر النيل في سيناريو ورسوم " نيل مصر من رشيد حتى أسوان " لأحمد عميرة ( ) :
وفيها يقدم المعلومة التاريخية والجغرافية والسياحية في أسلوب فكاهي من خلال فكرة تعتمد على رحلة السفينة إيزيس التي يركبها العم عارف وبعض الأطفال ويصحب معه مكتبته ومعمله وبعض الخرائط والانترنت ، ويلتقي بلصوص ويعتمد على المفارقات والمغامرات كأغلب القصص المصورة الفكاهية لبث المعلومة .

* نماذج من الشعر :
تناول بعض الشعراء" نهر النيل" كفكرة رئيسة في بعض قصائدهم حتى عنونوا القصيدة بها مثل محمود حسن اسماعيل في رائعته (النهر الخالد) ومحمد التهامي في ( نيلنا العظيم ) وأحمد زرزور في نشيد (نيل بلادي) ونشأت المصري في ( حبيب الأطفال )،وأحمد سويلم في ( أغاني النيل الحزين)، و(النهر لا يخطف البنات) لصفاء البيلي ، كما ورد ذكر النيل بصورة غير مباشرة لدى بعض الشعراء مثل الشاعر أحمد زرزور في دواوينه للأطفال ( ويضحك القمر)،( كي يسلم الجميع ولم أعد أحسدهم )،( ما قالته الغيمة الأخيرة) ، (انطلق يا غناء).
وسوف نحاول إلقاء بعض الضوء على هذه القصائد من خلال منظور تحليلي للنص الشعري ففي قصيدة الشاعر محمد التهامي ( نيلنُا العظيم )( )الذي يستهلها بمناجاة النهر الخالد مجسداً إياه ينشدُ الأطفال قائلاً :

(طُفْ بالرمالِ وأحْيِهَا يـا نيلُ ... ما أنتَ– يا سرُ الحياةِ – بخيلُ .
وانثر بها القُبلَ العِذابَ على الثرى... يبعثُ مواتاً فوقَها التقبيلُ .
أجراك ربُك بالحياةِ ، وطالما ... نَبَتَتْ حياةُ الناسِ حيثُ تسيلُ .)

هنا يناجي الشاعر النيل ويطلب منه أن يواصل عطاءه المتجدد فقد أرسله الله إلى رمال مصر ليبعث فيها الحياة فحيثما سار النيل عاش الناس وعمروا الأرض .
ثم يؤكد الشاعر كيف يبعث النيلُ الحياةََ لمصر وأهلها :حيث منح الله النيل القدرة على نحت الجبال فتحمل مياهه الطمي إلى الصحراء المجدبة ، فتخصب الأرض وتجدد التربة وتحولها إلى حقول خضراء يانعة ، وهكذا يأتي النيل بالخير والرخاء لمصر ويلبسها حلة جديدة جميلة مزدانة بالأزهار والثمار ، فينشدنا الشاعر :

وحـباكَ قُدرةَ صـانعُ هذا الثرى ... فمضت يمينك للجبالِ تهـــــــــــــــيلُ .
فـإذا بها وهي الشـــوامخُ تنحني ... وإذا بـــــها في راحتيكَ ســــــهولُ .
وإذا الصــحاري القفرُ تفتحُ صـدرها ...وتصول أنت بصــدرها وتجــولُ.
وتُحيلُها- وهي العبوسُ_ بشاشة .... خضراءَ يَقْطُرُ ريقُها المعســــــولُ .
وجرى النماءُ وراء خَطْوِكَ ما استوى ... يمضي وإن مال المسـتيرُ يَميلُ .
أبدعـت حين بنيتَــــــــــــــها مزدانةً .... ما فاتك التزيــــــــينُ والتجميلُ .
والناس حولكَ قد مَلَكْتَ نفوســـــَهُم ..... وتحيرتْ فيما صـــنعتَ عــقولُ .

ثم يطرح الشاعر فكرة ثالثة هي أن النيل كنز كنوز مصر ، فحين نال المصريون حريتهم ، وبدءوا طريق النهضة والتطور ، أبى النيل أن يعيشوا في ضيق من العيش ، فخفض رأسه – في رضاء وسعادة – لأبناء مصر من العمال والفلاحين والمهندسين ، ليشيدوا في مجراه السد العالي المشروع الضخم العملاق ليختزن وراءه الماء للانتفاع به في توسيع رقعة الأرض الزراعية حتى يعم البلاد الخير والنعيم ، وتؤكد الأبيات التالية هذه المعاني :

واليوم حين رأيتَ شعبكَ قد غَدَا .... حُراً وأشرقَ فجره المأمولُ .
لم ترضَ أن يحيا بأرضك أهلها .... والخير في يدهم هناك ضئيلُ .
فخفضتَ رأسـكَ في ســموِّ بالغٍ .... للســد يحفظُ ماءَنـا ويـحولُ .
ويســـيلُ خَيركَ كلُّه في أرضــنا .... ما ذاك– يا سـرُّ الحياةِ- قليلُ.

والقصيدة السابقة تتميز بوحدة الموضوع إذ تدور أبياتها حول موضوع واحد هو نهر النيل ، وقد عرضه الشاعر في أفكار مترابطة تمثل في مجموعها بناء فنيا متماسكاً .
والقصيدة تزخر بالصور الجميلة والتشبيهات والتشخيص الذي يجسد الفكرة للقارئ الصغير .
كما يناجي الشاعر النيل مستخدماً عدة أساليب منها أسلوب الأمر ( طُف بالرمال )،( أحيها)،( أنثر بها القبل)، ومنها النداء ( يا نيل) ، (يا سر الحياة) .
كما جاءت عاطفة الشاعر قوية متدفقة تنم عن حبه العميق للنيل واعجابه الشديد بقوته الخارقة وتقديره لفضله وعطائه ، فالشاعر يمتاز بوحدة الموضوع وترابط الأفكار وصدق الاحساس وحسن التصوير وسهولة التعبير .
وفي رائعة (النهر الخالد) للشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل التي خلدت كليهما "الشاعر والنهر" يتنوع أسلوب الشاعر بين الإنشائي والخبري ليقدم لنا صورا من جمال وخيال ومتعة .
وعلى الرغم أنها لم تكتب خصيصاً للأطفال إلا أنها ليست فوق مستوى استيعابهم ولا سيما في مراحل الطفولة المتأخرة، لبساطة المفردات وخصوبة الخيال وروعة التصوير والبيان ، مما يسحر العقل والوجدان وينمي مشاعر الانتماء للأوطان مما تعكسه هذه القصيدة في نفسه من شجن جميل وعذوبة وتدفق الخيال مع المشاعر ، ولقد اختارت الباحثة هذه القصيدة ضمن البحث في أدب الأطفال لأنها نشرت في مجلة أطفال ( ).
يستهل الشاعر قصيدته بحديثه عن النهر الخالد بتجسيده وأنسنته فيقول:
مســافرٌ زادُهُ الخيالُ .... والسحرُ والعطرُ والظلالُ
ظمآن والكأسُ في يديه .... والحبُّ والفنُّ والجمالُ
هنا يصور الشاعر النهر بإنسان مسافرلم يتزود بالزاد المعتاد من طعام وشراب لكنه قد تزود بالخيال والسحرحين يمر في مناطق متنوعة بين المروج الخضراء والسهول الفسيحة وحيث يفوح عطر الزهور والأشجار المختلفة والتي ترمي بظلالها نهارا ، حين تحضن الشمس الكون ،وهو لا يشرب رغم أنه يروي عطش الملايين من الكائنات ، ولا يرتوي رغم امتلاكه لمقومات الارتواء من حب وفن وجمال .ويستكمل الشاعر:
شــابت على أرضه الليالي ... وضيعت عمرَهـــا الجـبالُ
ولــم يــزل يَنْشُــدُ الديارا .... ويســـألُ الليــل والنهارا
والناسُ في حــبِّهِ سُكارَى .... هاموا على شطِّهِ الرحـيبِ
آهـ على سِِِــــــرِكَ الرهيب .... وموجــــكَ التائهِ الغـريبِ
يا نيـــــــلُ يا ســــاحرَ الغيوبِ
ويصف الشاعر الليالي كيف شابت ويصورها بعجوز أخذ الدهر منه عمره كله ، كذلك الجبال كأنها بشر ضيع عمره والنهر لم يزل مستمراً في سيره وتدفقه وجريانه عبر العصور يبحث عن الاستقرار والديار أي الأمان ولم يزل كانسان حائر ليلا ونهارا لأن استقراره في حالة اللااستقرار، وعلى الرغم من ذلك فالناس تعشق النهر وتهيم في حبه مأخوذين ومبهورين بفتنته وجماله وسحره وأسراره الرهيبة وأمواجه فوق شطه الرحيب .
وينتقل الشاعر إلى حالة أخرى يخاطب فيها النهر مجسداً إياه فيرجوه أن يسقيه وأن يمنحه الحرية ليهيم كالطير في الجنان ويتمنى لو كان موجة ليحكي عن أشجانه ، كما يتمنى لو صار جاراً للرياح ، وصار نوراً يهدي الحيارى، وهو لا يبالي مايحدث له في كل الأحوال من فرط عشقه للنهر الخالد الذي يجهل سره وسحره :
يا واهبَ الخُلدَ للزمانِ .... يا ســاقيَ الحــُبِّ والأغــاني
هاتِ اســــقني ودعني ..... أهـيمُ كالطـيرِ فـي الجـــنانِ
يا ليتني موجَةٌ فأحكي .... إلى لياليـك مــا شـــــجــاني
وأغتدي للرياح جــــارا .... وأحـمـلُ النــور للحــيـارى
فإن كواني الهوى وطارا ...كانت رياح الدُّجَى نصــيبي
آهـ عـلى ســـِرَّكَ الرهيبِ ... وموجـكَ التـــائهِ الغـــريبِ
يــا نيــــلُ يا ســــاحرَ الغــــيوبِ
ثم يتخيل الشاعر أنه سمع الأصوات الكونية التي تمرح في شط النيل فهو يسمع حديث الريح للنخيل وتسابيح الطير وغنائه في عشق الخميل والشجر :
ســمعتُ في شَطِّكَ الجميلِ ..... ما قــالتِ الريح للنخـــيـلِ

وأغْصـُنٌ تـــلك أم صـبايا ...ِشـــربن من خَـمرةِ الأصـــيـلِ
وزورقٌ بالحـــنين ســارا .... أم هـــذه فـــرحـةُ الـــعــــذارى
يــجري وتجري هناك نارا ...حَمَلت من ســحـرها نـــصــيبي
آهـ عــلى ســـِرَّكَ الرهيبِ .... وموجــِــكَ التــائهِ الغـريــبِ
يا نيـــــــلُ يا ســــاحرَ الغيوبِ
ولم يزل الشاعر في حيرته التي يستلذها من فرط عشقه لسحر النيل وما يضفيه من جمال كوني على كل ماحوله ، فيتساءل عن هذا الجمال الفتان ولا يدري هل هي أغصن؟؟ أم صبايا جميلات مميلات سكرن من خمرة الأصيل ؟ثم ينقلنا للوحة أخرى على سطح النهر عندما تسير الزوارق حاملة العذارى ذوات الحنين والمشاعر الدافئة ، حيث يلعب النهر دوره في إشاعة المرح والحب وصفاء النفوس والتريض بين الأطفال والشباب . ويختم الشاعر مؤكداً سر النيل الدفين وسحره الرائع على كل الناس بما فيهم هو ذاته.
وفي قصيدة ( حبيب الأطفال)( ) للشاعر نشأت المصري تدور حول نهر النيل أيضا ً في أسلوب أكثر بساطة وأكثر ملاءمة لأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة والوسطى يستهلها بتعظيم نهر النيل والفخر به فيقول :
( يـــــــا أعظم أنهار الدنيا .
عاونك الأجدادُ فأصبحت قويا .
كلُّ بلادِ العالم تحكي عن أنبائك .
مـن كــل مـــكان جـــــــاءوا ..
فـــــرحـــــوا بـــلقـــــائك .
شـــــــربوا مــــن مـــائـك .
صــــاروا من عشــــاقـك .
وتــــــــــغنوا بـجــــمــالك ) .
وينتقل الشاعر لمنح النهر قداسته مستلهما ذلك من السنة النبوية في الثقافة الإسلامية فيقول :
( قالوا : إنك من أنهار الجنة .
أرســلك الله إلــــينا أغلى مِنَّة ).
ثم ينتقل لفكرة أخرى عبر تجسيد وتشخيص للنهر مؤكداً على قيمة العمل والإصرار والكد ، فيقول :
( تجــــــــــــري أبدا ليل نهار .
نتعلم منك الهمةَ والإصـــرار .
من يتكاسل ..لن يركب أي قطار .)
ثم ينتقل لفكرة أخرى وهي الإنماء بفضله والبنوة على ضفافه بسبب خيره الذي يفيض دائماً ، فيقول :
( أولادُك ..ما أكثرهم يا نيل
أولادك هذا القمح ..الثمر ..الأشجار .
أولادك أيضأً .. نحن .
بدونك كل الأرض بوار ).
ثم يؤكد الشاعر القدرة الإلهية للخالق عز وجل الذي سخر النهر لأهل مصر ليبعث فيها الحياة ، ويبعث في صحرائها النماء والاخضرار ، ويفيض بكرمه على فقرائها ، فيقول :
( ســــــخرك الله لكي يحيا الأحياء.
حـــــــتى تخضــــــر الصــــحراء .
كــي تعطي الماء بلا ثمن للفــقراء .
والأبـــــقــى ما يُعــــطى للــفـقراء .
هــل نُصبح مثلك قوماً كرماء ؟ )
وينتقل الشاعر إلى فكرة أخرى وهي كيف يحب الأطفال النهر ويحافظوا عليه من التلوث ، ويجعلوه مزاراً نظيفاً لأهل مصر وللسياح ، ولتظل مصر فخورة به وبأنها هبة النيل الذي يروي أهلها وأرضها دون أن يلحق بهم أي ضرر من أضرار التلوث فيقول :
( وأراك حبيبَ الأطفال .
ركبوا القـــــــــارب ....
والمـــاء يحيييهم بــــــدوائر ..
قالوا : شكراً يا صاحبنا النيل ..
فقال : أتمنى ألا يلقي أحدُ في الماء ..
الأقذار .
حتى لا يهرب مني الزوار .
وأظل لكم عنوان فخار .
حتى أروي العطشان بلا أضرار ) .
وهكذا استطاع الشاعر بهذه الكلمات البسيطة الموحية والمعبرة أن يُجمل مجموعة من الأفكار الفرعية التي تندرج في النهاية بداخل الفكرة الرئيسة (أهمية نهر النيل) للكبار والصغار والأرض والزوار حيث يروي الأرض العطشى والانسان ولاسيما الفقراء ، وهو يمنح الحياة الخصب والنماء والجمال ، لذا يدعوهم الشاعر على لسان النيل ألا يلوثوا النهر العظيم إتقاءً للضرر والأذى .
وفي نشيد " نيل بلادي " للشاعر أحمد زرزور( ):
يقول الشاعر :
نيلُ بلادي ...... نهرُ الخـــــيرِ .
بين الوادي...... ذهبٌ يجــري .
نيلُ بلادي ...... حــلوُ المـنظر .
فيه حيــاة ..... عـذبٌ ســــكر .
والنشيد بسيط المفردات وعميق في معناه مناسب لعمر الصغار حيث يعطيهم معلومة جغرافية ، ويؤكد الانتماء لمصر، ويرسم صورة جمالية (ذهب يجري)، وبأنه يهبنا الحياة بعذوبته مثل السكر ، الذي يحبه الأطفال ويعرفونه تماماً ، والمعروف أن معظم الأطفال يسمون القبلة بالسُكر ، وكثيرا ما يرددون لبابا وماما أعطني سُكر أي قًُبلة .
كما أشارالشاعر زرزور إلى النهر بشكل غير مباشر في سياق النص الطويل( ) : ( كي يسلم الجميع ولم أعد أحسدهم ) ، فقد أشار إلى تلوث بيئة النهر وإن لم يذكره صراحة فقد ذكر الترعة ، ومن المعروف أن الترعة تعد رافدا من روافد الرياح والقنوات الكثيرة المتفرعة من النيل ، ولأن القصيدة في مجملها تتناول فكرة التلوث البيئي ومخاطره وتشير لأنواع كثيرة من العدوى الممكنة لذا فقد ورد ذكر تلوث النهر كواحد من أنواع التلوث ولا سيما عن طريق السباحة فيقول الشاعر :
( رأيتهم ...رأيتهم ..
في الماء يســــبحون ..
ســـــمعتهم ...
في ترعة راكدة .. يلهون ...يضــحكون ..
من ياترى علمهم ...كريشة .. يـــطفون ؟
من يا ترى علمهم .. كالبط .. يغطسـون ؟
فقلتُ : ماأبرعهم ..يا ليتني أتبعهم !)
هنا نلاحظ أن الشاعر يستهل هذه الفقرة الشعرية بالحكي عن شيء مدهش ليثير فضول الأطفال ، وهو سباحة الأطفال في الترعة مثل البط والريشة وهي بلا شك رياضة ممتعة إذا مورست في مكانها الصحيح ، لذا فْإن الشاعر لا يبدأ برفض السباحة في حد ذاتها لأنه يعلم مدى حب الأطفال لها وكم هي مغرية لهم لذا طرح القضية الأساسية في مجموعة تساؤلات مدهشة للطفل كي لا ينفره من البداية ، ثم نجده يتجه تدريجياً لأسلوب تربوي غاية في الذكاء والأدب فيقول على لسان الطفل الذي ينشد القصيدة فرضاً :
( حين سألتُ والدي :
"متى أعوم عومهم ؟
وكيف يوماً في غدي أَغُوصُ مثل غوصهم ؟ "
فقال لي في ود : " يحقُ أن ترثي لهم
لو عرفوا يا ولدي أي أذى أصابهم
فالدود قد عاجلهم
بدائه
واحتلهم !
يا ويلهم .. يا ويلهم ..
فهل تريد مثلهم تعوم مثل عومهم
تغُوصُ مثل غوصهم !؟)
نلاحظ كيف وظف الشاعر النص عبر الحوار بين الطفل وأباه بأسلوب الود والنصح بأن هذه الممارسة غير صحيحة لأن ماء الترعة ملوث بالدود الذي يضر أجسادهم وصحتهم ، وأنه من الأولى به أن يشفق عليهم مما أصابهم ، وبذلك استطاع الأب أن يحول الرغبة عند ابنه إلى رفض واستنكار،بدليل شكر الطفل لأبيه على نصيحته ، يقول الشاعر :
( شكراً أبي عرفتني ....ما يجهل الأحباب
لن
أحسُـــدَ الأصحاب !
غـــداً ... غــــداً ..
أُخبرهم ..لعلني ..أنقذهم
من دودة غشوم ...عدوانها محتوم . )
وهكذا يختم الشاعر القصيدة بضرورة توجيه النصيحة المفيدة بين الأصدقاء . وفي قصيدة أخرى للشاعر نفسه بعنوان ( لماذا لا يتوقف الجدول ؟) من ديوان(ويضحك القمر)( ) ، يتناول الشاعر فكرة أخرى تتعلق بالنهر بشكل غير مباشر أيضاً وهي أهمية الماء الجاري في النهر ، حيث يلعب دوره في ري عطش الزهور والطيور ، ولم يُشر الشاعر إلى النهر صريحاً وإنما أشار إلى الجدول وهو أحد فروع النيل ، وجاء استهلال القصيدة بدعوة مدهشة من طفل أيضا يكمن في داخلها سؤال حائر : لماذا لا يتوقف النهر عن المسير ؟ أو بعبارة أخرى : ماذا لو توقف النهر ؟ أو بصيغة ثالثة : ما أهمية النهر أو الماء الجاري في جدول القصيدة ؟
يقول الشاعر زرزور:
( دعوتُ جدولي الصغير أن يقف
في الظل – لحظة- ليســتريح !
فــقال وهو يســرع المســـير :
" رُبَّ زهــرةٍ صـــغيرة تجفْ
هـــناك فـــي الســـفــــوح !
أو طـــــــائرٍ
يــدور ظامئاً
مطأطيء الجنَاحْ
حول السرابِ
حائراً... يـــلُفُ ! )
هنا يكشف النص عن غموضه بكلمات بسيطة تميط اللثام عن أهمية سريان الماء من مكان إلى آخر ليروي الطيور والزهور. ونلاحظ هنا كيف اقتصرت القصيدة عن فكرة رئيسة واحدة لكنها موحية ومكثفة وهي ( الإحياء) أي كيف يحيي النهر الجفاف عندما يروي الزهرة في الأرض العطشى والطير ، وينسحب على ذلك كل الأحياء فيما بعد وحيث الإنسان يعيش على النباتات والطيور والماء .
نلاحظ أن تكثيف النص بحد ذاته يدعو للتساؤلات الطفولية العلية ، فالنص لا ينتهي عند نهايته في القصيدة إلا ليبدأ في شرح أبعاد أخرى جديدة قد يسأل عنها الطفل وقد يميط اللثام عنها المربي الذي يقرأ النص لطفله ، لذا نحن نعتبر هذه القصيدة من القصائد ذات النهايات المفتوحة التي تتيح أكثر من رؤية وتجيب على أكثر من تساؤل .
وفي قصيدة أخرى للشاعر أحمد زرزور بعنوان (صورة تذكارية)( )يؤكد الفكرة نفسها (إحياء النهر للصحراء) ويؤكدها عبر ضرب مثل حي وكأنه شاهد عيان ناطق بلسان الحال حيث يشير إلى المشروع المصري الضخم (توشكى) فيقول :
(هذى " توشكى" كانت صحرا
بعد كفاح ، صارت خضرا
أفلحها عمي ورعاها
وأتى النيل هُنا ، ورواها )
ويؤكد ذات الشاعر نفس المعنى بشكل آخر عبر فكرة الفيضان في قصيدتيه ( النهر قال لي)،(أغنية شجيرة الصفصاف)( )ففي الأولى ينهى غابة الصفصاف عن الحزن وفي الثانية عن الخوف من الجفاف حيث النهر يروي الصفصاف ولامكان بالتالي للجفاف ، ففي الأولى يقول :
( لا تحزني ... لا تحزني ...
يا غـــابة الصفصـــاف ...
فــــالنهر قـــال لــي :
غـــدا ، غـــداً ، أفـــيضُ
حين تهلُّ الغيمة الرفراف
فترجع الطيور للضفاف
وينعس الأطفال في أمان
بعد موسم الجفاف )
وفي (أغنية شجيرة الصفصاف) ينشد الشاعر :
( شجيرة الصفصاف
نمت على الضفاف
تحــنو على الطريق
بظـــلها الصـــديق
شجــيرة الصفصاف
تـــقـــولُ لا أخـــاف ..
مـن عطش أو جوع
فالنهر تحت ساقي
يجري بلا انقطاع .)
وفي مجمل قصائد زرزور يؤكد على دور النهر في الحياة عموما من حيث الإحياء وري النباتات وتخضير الصحراء حيث يبذر الأمل دائما ويشير إلى الجمال والخضرة ورفقة النهر والأشجار ومصاحبة النيل دائماً للكائنات وفضله وخيره الدائم عليها .
وفي قصيدة من الشعر الحر بعنوان ( أغاني النيل الحزين)( ) للشاعر أحمد سويلم يشير إلى عدة أفكار منها وفرة مياه النيل وأثرها في تخضير الصحارى ، وحلاوته وعذوبته وطوله جغرافياً وجذوره التاريخية الشاهدة على عظمته فيقول على لسان نهر النيل :
" أنا النيل ..
أنا نهرٌ وفير الماءِ معسولُ ..
أنا النيلُ ..
أجيءُ لكم مسافات .. طويلاتٍ
أُحيلُ القفر غيطاناً من الخضرة ..
ومائي العذبُ يرويكم
وتحلو فوق شطآني الأغاني والمواوويلُ ..
أنا النيلُ ..
من الماضي أجيءُ لكم
حملتُ لكم من التاريخِ أوراقاً وآثاراً .. وأشعاراً..
حملتُ لكم علوم الطبِ والأفلاكِ .. والمعمار..
حملتُ لكم من الأجدادِ أسرارا ..
وحار الناسُ في تفسير معناها .. ومبناها..
وضَلَّت في خفاياها الأقاويلُ ..
أنا النيلُ .."
ويستكمل الشاعر أحمد سويلم أفكاراً أخرى حيث يصور النيل بأنه مثل الوحي الملهم للفنانين من شعراء ورسامين وقصاصين ، كما يرسم صوراً جمالية للنيل يحلم بها الأطفال والبنات وكل الكائنات فيقول :
" أنا النيلُ..
أنا الماضي ..أنا الحاضر..
أنا الآتي ..
أنا المُلهم للرسام ...
والقصاص والشاعر ...
أنا حُلمُ الصبايا حين يحملن الجرارَ
ودهشةُ الطفلِ الصغير
وملعب الحيوانِ والطائرْ..
على شطيِّ زقزقةُ .. وهدهدةُ ..
وموسيقى .. وتهليلُ
أنــــا النيــــل .."
ثم ينتقل الشاعر إلى فكرة أخرى عبر اسلوب العتاب ، حيث نستشعر النيل حزيناً معاتباً للبشر على جحودهم وإساءاتهم له :
" أنا النيــــلُ..
فكيف نســـيتم مجدي ؟!
وكدرتم مياهي بعد أن كانت بلا كدرِ ..
وخضرة أرضكم بهتت.. تعاني قلة الثمر ...
لقد أعطيتكم – دهراً- عطاءً طيبَ الأثرِ ..
فأين عطاؤكم ..؟؟ قولوا
وأين وفاؤكم ..؟؟ قولوا ..
وأين الحبُّ..!!؟؟ أين رعايةُ الشريانِ ..
وهو يفيضُ بالخيرِ؟؟
وأين ..وأين..؟؟ يا أبناءُ ؟؟
هل أعطيتم ..؟؟ قولوا ..
أنا النيلُ
ولكني برغم جحودكم هذا ..
أظلُ أَفيضُ .. أُحيي الأرضَ ..
أسقي الزرعَ ..
لستُ أَكفُّ عن فيضي .."
ويختم الشاعر قصيدته الحزينة المعاتبة حيث يتسامى النيل فيها عن كل أخطاء وجحود البشر ليثبت أنه لم يزل النهر العظيم الخالد لأنه منحة من الرحمن وسيظل هكذا دائماً ، ويجمل الشاعر خصاله في لوحة بانورامية مكثفة المعنى والمغزى ومؤكداً لكل المعاني السابقة فيقول :
" لأني منحة الرحمن للإنسان ...
لأني الحُلم .. والأنسامُ .. والألوان ..
أُحيلُ القفر أشجاراً ...
وأزهاراً من الريحان...
أنا النيلُ الأغاني والمواوويلُ ...
أنا نهرٌ وفير الماءِ معسولُ ..
أنا النيلُ ..
أنا النيلُ .."
وفي نشيد آخر للشاعر أحمد سويلم بعنوان (أحلام جميلة )( )يشير فيها إلى مجموعة كبيرة من أحلام انسانية جميلة يتمنى تحقيقها ، يشير إلى حلم خاص بـ( نهر) النيل فيقول :
( أحلم أن أشهد كل يوم
النيل رائعاً نظيفاً .. ليس به قمامة ...
تلوث الماء .. وتجلب الآلام ...
ويشربُ الناس بلا خوف ..
ويزرعون الأرض في سلام . )
وهو هنا يشير أيضاً إلى تلوث النيل الذي يؤثر بلا شك على صحة الناس مما يدعوهم للخوف من الأمراض ، ويتمنى السلامة لهم حتى يستطيعون زراعة الأرض التي بحاجة للجهد والصحة والعافية ، وجاء الشاعر بكلمات بسيطة توحي بالتمني مما يدل على أن تلوث النيل صار واقعاً لا مهرب منه وصارت نظافته جزءا مهماً من أحلامنا وأمانينا والتي يجب العمل على الخلاص منها .

وفي قصيدة ( النهر لا يخطف البنات )( ) لصفاء البيلي تدحض فكرة عروس النهر وتغلفها بالأسطورية وتدافع عن النيل ....
والنشيد يعتمد على حوار بين الأطفال والنيل في لغة بسيطة ومفردات سهلة بهدف الدفاع عن النيل ودحض فكرة خطف النهر للبنات ليلا والتي روجتها أسطورة عروس النيل ونقرأ النص :
الأطفال :
( يا نيلنا .... ياحابي ...ياساقي الروابي ...
لو تدري ياحبيبنا ... كم أنت في قلوبنا ...
متوج أمير .)
تستلهم الشاعرة اسم حابي من الثقافة الفرعونية وهو احياء للتراث القديم في مفردة بسيطة وسهلة كي يتذكرها الأطفال دائما عندما ينشدون هذا النشيد فيسألون عن معنى كلمة حابي ويعرفونها وهي دعوة للبحث موظفة جيدا ، وتخبر بأنه ساقي الروابي ( جمع ربوة وهو المكان المرتفع من الأرض ) ولعل الشاعرة جاءت بالكلمة لتتفق مع كلمة حابي فقط لأن مصر تشتهر بالزراعة في الأرض المنبسطة والسهول الفسيحة ولا تشتهر بزراعة الأراضي المرتفعة كما في بعض الدول الأخرى . لكنه النيل على أي حال معشوق المصريين لأنه في قلوبهم دوما بل على عروشها كأنه الأمير الذي يرتدي التاج وهي صورة قريبة من خيال الأطفال وسهلة ومحببة لأنهم يعرفون أمير الحواديت وأنه بطل الحدوتة عادة الذي لا يُقهر وهو في النهاية يتزوج الأميرة .
النيل :
( يا أجمل الأحبة ..يا أطيب الرفاق ..
تجمعوا لنزهة ... في حضني الكبير )
ثم يرد النيل على الأطفال فيدعوهم للتجمع والنزهة على شاطئه ، والتي شبهتها الشاعرة بالحضن الكبير ، وهو وصف جميل ومعبر دائما ما يستخدم للأب أو الجد حيث يرمز للحنان والحب الكبير .
الأطفال :
( كم نسمع الحكايا .. عن أجمل الصبايا .. يُلقى بها إليك ..
في العيد كي تفيض ..
فـ : قُل لنا الحقيقة .. يا نيلناالحبيب
وطمئن البنات .. هل تخطف البنات ؟؟ )
ثم يسأل الصغار في فضول عن فكرة خطف النهر للبنات وهي ، من الفولكلور الذي يُشاع حول عدم السير ليلاً بجوار الشواطئ والترع لأن جنية النهر تخرج وتخطف الأطفال الذين يسيرون ليلاً ، ولعلها أحد الأساليب التربوية التي كانت شائعة في الريف المصري وتمثل نوعاً من التهديد وتخويف الصغار حتى لا يذهبوا وحدهم إلى الترع ليلاً ومن المعروف أن الترع قديما غالباً ماكانت موجودة في أطراف القرية حيث تروي الحقول قبل الزحف العمراني الذي قرب موةقع الترع من البيوت وسط القرى والمدن التي تجري فيها بعض فروع النيل .
النيلُ :
( أحبتي .. أحبتي .. يا أيها الصغار ..
أحبكم جميعاً وأمنح الحياة ..
فكيف يا أحبتي أُعادي الحياة .. وأخطف الصبايا؟
فهذه حكاية تُقال في رواية ..
من جدة عجوز .. تضمكم في حضنها ..
تُؤلف الحكاية وتُطلق العنان ..لعالم الخيال !
لكنها عروس ...من قش وورق ...
.يُلقى بها إلي ...في العيد كي أفيض .)

هنا يدافع النهر عن نفسه ويؤكد أنه يحب الصغار ولا يخطفهم ، وأن هذه مجرد اشاعات في حواديت الجدة التي تتخيل ذلك ، وهكذا تدحض الشاعرة فكرة عروس النيل الأسطورية أو جنيات النهر وتطمئن البنات بأن ما يُلقى في النيل إنما هي ُدمية وليست آدمية بالطبع وهو مجرد عادة جرت للاحتفال بالنيل عند فيضانه .

الأطفال :
( يانيلنا ... يا خالد ..دوماً مدى السنين ..
قد جئتنا .. قد جئتنا ..
بالخبر اليقين ..فالشكر يا حبيبنا ..
وعش لنا صديقاً ..
يا نعمة الإله..دوماً مدى الحياة )
هكذا يسعد الأطفال بعدما طمأنهم النيل الخالد والحبيب ، ويدعون له بدوام نعمته عليهم مدى الحياة ، لأنه هبة من الله عز وجل .
هكذا استطاعت الشاعرة طرح أكثر من فكرة عبر أنسنة النهر فه نهر الخير والعطاء وهو حبيب وصديق الأطفال وهو لا يخطف البنات أو الصغار كما تقول الأساطير وحواديت الجدات وهو نعمة من الله يجب الحفاظ عليها دوماً .
وفي قصيدة " وقالت الأرض لطلعت أبواليزيد الهابط " تعتمد على الحوار بين الأرض والنيل ، ويبدأ بحديث الأرض :
( أرضنا الصفراء قالت .... هاتها يا نيلُ واســقِ
مــاؤك العــذبُ زلال .... فاســـقنا في كل شِــقِّ
هــذه الأرضُ البـديعة .....تشــتكي مُرَّ الوجيعة
يـنـبتُ الجَدبُ الزهورا ...نــملأُ الوادي قصورا
تُــصبِحُ الصحرا رياضا ً ... والقرى تزداد نورا
صُـــب من جـواك صباً ... كــن كريماً زدنا حباً
هـــذه مصـــر الجميلة ...تـــرتجى قـلباً وشعباً )

وفي حديث الأرض تجسيد وتكثيف وجمال في الأسلوب وروعة في التصوير واعتماد المحسنات البديعية التي تزيد الصور خيالا وجمالا ، والشاعر يبث فكرة الإحياء أي إحياء الأرض بالري وتحويل الصحاري إلى جنات ورياض وزهور لتشييد القصور رمز الرقي والحضارة ، وكي تُملأ القرى بالنور وربما كان المقصود نور الزهور والخضرة التي تتفتح بالنوار أو من توليد الكهرباء في السد العالي بشكل غير مباشر أوصريح في النص .
ويردُ النيل :
(قال وفيت الأمانة ...فاسترح يا ذا الضــــمير
رغــم جرحي والإهانة...من كبـير أو صـغـــير
مائي الصافي تعكر ... وجهي الباهي تغــــير
جئتُ بالخيرات لكن ... كــل من فــيكم تجــبر
من رمى في النهر شيئاً ... كم أساء لكم وليا
أنـــني حـــرٌُ طـــلــيقٌ .... مطلبي أحــيا نقياً )
أيضا يعتمد الشاعر تجسيد النيل في صورة انسان نبيل كريم الخصال قد أدى الأمانة على أكمل وجه وبالتالي فهو مستريح الضمير لا يؤرقه شيء ، ويحمل صوت النهر رنة عتاب في صوته لما تحمله من إهانة بالتلوث من الصغار والكبار على حد سواء ، وقد تعكر ماؤه وتغير، ويشير إلى جحود البشر الذين جحدوا النعمة وأساؤوا لأنفسهم وللنهر معا ، ومازال النهر حرا طليقا مثل طائر لا يرمي إلى هدف في الحياة إلا أن يحيا نقيا ً طاهرا نظيفا ، وهو حقه الطبيعي في الحياة وحق كل إنسان .
والقصيدة في مجملها تدعو للكرم ومراعاة الضمير والجود بسخاء والطهر والنظافة والبعد عن الممارسات السلوكية الخاطئة التي تؤثر ليس على النهر فحسب بل على كل البشر .

• نهر النيل في كتابات الأطفال ( )
ويشارك الأطفال بأقلامهم في رسم صور مختلفة لنهر النيل ففي عدد مجلة قطر الندى 351 منهم من أشار إلى صداقته للنيل في الصيف حيث هواية صيد السمك والتنزه فيه أو على شاطئه ومنهم من أشار إلى عظمته وخلوده وأهميته وضرورة الاحتفال به ومنهم من اشار إلى دوره في تخضير الصحراء وتحويلها إلى جنة خضراء ومن الأطفال من رسم لوحات تعبر عن النيل حيث الأشجار تنمو على الضفاف ، والمراكب تسير فوق سطحه والصيادون يلقون شباكهم فيه والبعض رسم المقياس والنخيل والسفن وكلها لوحات فنية من إبداع الأطفال وعبر خيالهم تعكس لنا صورة النهر في ذاكرة الطفل وكيف يراه ، فالملاحظ عموما أن صورته عند الأطفال مازالت مشرقة وجميلة حيث لم يشر أحدهم إلى التلوث بأي شكل من الأشكال كما هو عند بعض الرسامين الكبار ولا سيما الكاريكاتير .
من الأطفال من أعاد كتابة قصيدة الشاعر أحمد زرزور (نيل بلادي) للتدليل على حبه للنهر ولعل ذلك يرجع لأن القصيدة مقررة على أطفال الصف الأول الابتدائي فهم يحفظونها عن ظهر قلب ،ويرددونها كما دل على ذلك بعض استجابات الأطفال في سؤال للباحثة حول الموضوع.
ومما كتبه الأطفال ما كتبته طفلة تقول :
( بـــين البيوت يـمر النيل
يغـني لنا بصــوت جميل
ويـحـكي حكايا ألــف ليلة
منذ الفراعنة وحتى الليلة
يا نيـلنا .... أنت الونـيـس
أنت الصاحب وخير جليس )
في القطعة السابقة ترى الطفلة النيل وكأنه فنان يمر علىالبيوت ويغني بصوت عذب أو كأنه منشد يحكي حكايات الزمن الجميل وهي تراه الصاحب الذي يؤنسها وهو صديق خير ، خير جليس مستلهمة من حديث رسول الله (ص) عن جليس الخير أي الرفيق الحسن ، وهنا يبدو توظيف ما درسته الطفلة واضحا في النص الذي أبدعته .

وكتب طفل آخر :
( أنا قبطان
ألف النيل والبحر كمان
كل عرايس النيل تناديني
والسمك في شباكي يجيني
أنا قبطان والنيل فنان )
هنا يتقمص الطفل دور القبطان الذي يركب النهر ويجوب النيل ، والبحار وهذا ينطوي على أهمية النيل في السفر والسياحة والترحال ، ويعكس النص فكرة وأسطورة عروس النيل مما يدل على تأثر الأطفال بها ، وأيضا فالنيل مصدر رزق حيث يفيض بالثروة السمكية من خلال الصيد وأخيرا فإن الطفل يجسد النيل في صورة الفنان

وكتبت طفلة بعنوان ( دمت يا نيل ) :
(نهــر النيل هو الكــوثر
يتـــــألق بســام الثــغر
ينمو على جانبيه الشجر
والروض يــملؤه الزهر
ويغـــني فــرحان الطير
نهــــر النـــيل الأســمر
لـــونه مســــك وعــنبر
ما أبهى المنظر ما أنضر
خــــيره يـــعم ويكـــــثر
والزرع دائـــما أخضــر
ودائما بك مصر تـــفخر
وحـــياتـــنا بك تـــزدهر
دمــت لــــنا يا نــــــــيل ..
دمــــت لـــنا يا نــــــيل ..)
هنا تبرز الطفلة المعنى الديني للنهر فهو الكوثر أي نهر في الجنة كما تشير لذلك بعض ماورد في السنة ،ثم تؤكد على القيمة الجمالية للنهر ، وعلى قيمته الاقتصادية وتدعو له بالدوام باعتباره نعمة من الله على مصر وأهلها .
وبصرف النظر عن أخطاء الأوزان وكسور الأبيات فإن كتابات الأطفال في مجملها تحمل معاني جميلة حول نهر النيل تؤكد حب الأطفال له وأنه يمثل معنى الخير والخصوبة والحياة والجمال بشكل عام.


المصادر (مرتبة أبجدياً)
• أحمد دمرداش : الصياد والفريسة ، ورشتا كتاب ورسامي كتب الأطفال ، حقائق للحياة ، المركز القومي لثقافة الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للأطفال ( يونيسيف) ، القاهرة 1992، رسوم أحمد المناويشي .
• أحمد زرزور : كي يسلم الجميع ولم أعد أحسدهم ، ديوان شعر للأطفال : ورشتا كُتاب ورسامي كتب الأطفال ، حقائق للحياة ، المركز القومي لثقافة الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للأطفال ( يونيسيف) ، القاهرة 1992،رسوم يوسف شاكر .
• أحمد زرزور : ويضحك القمر ، ديوان شعر للأطفال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة 1988 ،تصميم وإخراج محمد محمد عبد العال .
• أحمد زرزور: انطلق يا غناء ، ديوان شعر للأطفال ، قصيدة صورة تذكارية ، كتاب قطر الندى العدد 161 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، ص18
• أحمد زرزور : ماقالته الغيمة الأخيرة ، ديوان شعر للأطفال ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ب. ت
• أحمد زرزور : نشيد نيل بلادي مقرر على الصف الأول الابتدائي في كتاب القراءة - مصر – وزارة التربية والتعليم.
-* أحمد عميرة : نيل مصر من القاهرة لأسوان ،منشورة في مجلة قطر الندى ، العدد 351، 352، أغسطس 2008
• أحمد سويلم : أحلامي الجميلة ، ديوان شعر للأطفال ، تحت الطبع ،الهيئة العامة المصرية للكتاب
• آمال ابراهيم : الخطر القاتل ، ورشتا كُتاب ورسامي كتب الأطفال ، حقائق للحياة ، المركز القومي لثقافة الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للأطفال ( يونيسيف) ، القاهرة 1992، رسوم نبيل السمالوطي .
• السيد القماحي : نهر النيل العظيم ، الهيئة العامة للستعلامات ، سلسلة رموز مصرية ، ع 3 ،وزارة الإعلام. رسوم صفوت قاسم .
• السيد القماحي : هروب نهر النيل ، ورشتا كُتاب ورسامي كتب الأطفال ، حقائق للحياة ، المركز القومي لثقافة الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للأطفال ( يونيسيف) ، القاهرة 1992 ، رسوم سعيد المسيري .
• إميل لودفيغ ، ترجمة عادل زعيتر : النيل حياة نهر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مكتبة الأسرة ،القاهرة 1997.
• أميمة منير جادو: عندما فرح حابي ، منشورة في مجلة قطر الندى ، العدد 351 ، 24/8/2008 ، عدد خاص عن نهر النيل ،صـ10 ، رسوم البريدي
• جاذبية صدقي : ابن النيل ، قصة مقررة للصف الأول الإعدادي ، وزارة التربية والتعليم ،القاهرة 1977 .
• طلعت أبو اليزيد الهابط ، قصيدة وقالت الأرض ، منشورة في مجلة قطر الندى ،عدد 320 ، الجمعة 24/8/2007
• عبده الزراع : حكايات الشمس الشموسة ، مخطوطة ، تحت الطبع
• عدلي عبد السلام : النهر الغاضب، مخطوطة ، تحت الطبع
• محسن عبد الحفيظ : يا نيل ، قصة منشورة في مجلة قطر الندى، عدد 320، ص 18 ،19
• فاطمة هانم طه : القطرة الحائرة ، ورشتا كتاب ورسامي كتب الأطفال ، حقائق للحياة ، المركز القومي لثقافة الطفل مع منظمة الأمم المتحدة للأطفال ( يونيسيف) ، القاهرة 1992، رسوم نجوى شلبي .
• قاسم عبده قاسم : النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ، دار المعارف ، ط1 ،القاهرة 1978 .
• محمد التهامي : نيلنا العظيم ، قصيدة عن نهر النيل مقررة على الصف الثالث الإعدادي ، في القراءة والنصوص ، وزارة التربية والتعليم ، لغتنا الجميلة ،2008 .
• ميشيل سليم : القناطر الخيرية ، البوم الرحلات ، مكتبة المحبة ،القاهرة 1992 ، العدد 4 .
• نشأت المصري : نشيد حبيب الأطفال ، عن نهر النيل، منشورة في مجلة قطر الندى ، عدد ، 320، الجمعة 24 /8/2007 ، ص31
• نعمات فؤاد : نهر النيل في الأدب العربي ، رسالة دكتوراة ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة .
• يحيى جادو : النيل (حياة – حضارة – تاريخ ) ، مطبعة مودرن سنتر ، ط 1، القاهرة 1997
• يعقوب الشاروني : الرحلة العجيبة لعروس النيل ، دار المعارف ، المكتبة الخضراء للأطفال ، العدد 39 ، الطبعة الخامسة ، القاهرة ، 2004 ، رسوم صلاح بيصار .
• يعقوب الشاروني : شجرة تنمو في قارب ، دار المعارف ، مكتبتي ، العدد (34) ، رسوم أحمد أمين ، تصميم الغلاف محمد أبو طالب .

د. أميمة جادو
omaimagd@yahoo.com
باحث أكاديمي
























































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق