الجمعة، 31 أغسطس 2012

"يوم في حياة فيل صغير" قصة للأطفال بقلم ورسوم: مجدي نجيب



 
http://www.magdinageeb.com/ChildrenBooks/Feel9agheer_Drawing1.jpg
أذكرُ أنَّني سمِعتُ أختي الكبيرة ذاتَ يومٍ تقولُ:
"الفيل حيوان يشبه البرميل".
تضايقتُ من هذا التشبيه، فالفيل في نظري حيوان يشبه "البالونة" في رشاقتها، وعندما يمشي أتخيَّلُهُ راقصًا.
الفيلُ الصغيرُ الذي أحكي حكايتَهُ، أرادَ أن يجرِّبَ اللعبَ مع حيواناتٍ وطيورٍ مختلفة.
ذاتَ يومٍ، قرَّرَ تركَ زملائه يلعبونَ، وابتعدَ عنهم دونَ أن يعرفَ في أيِّ اتجاهٍ سيذهبُ .. ولا مع من سيلعبُ وتركَ ما قد يحدثُ للصدفةِ.
فجأةً، توقَّفَ الفيلُ الصغيرُ عن السيْرِ عندما شاهدَ عصفورةً ملوَّنةً تتحرَّكُ أمامَهُ .. وكذلكَ توقَّفَتِ العصفورةُ، لأنَّها خافت من ظلِّهِ الضخم الذي يشبهُ السحابةَ .. فطارت إلى أقرب شجرة ووقفتْ عليها وهي ترتعش.
نظرَ الفيلُ إليها وحاولَ مداعبتَها بزلومتِهِ فخافت أكثر، واختارتْ غصنًا أعلى تقفُ عليهِ.
قالَ الفيلُ:
- يا عصفورة .. من فضلِكْ أريدُ أن ألعبَ معكِ.
قالت العصفورة لنفسها:
- كيف ألعبُ معه .. إنَّ حجمَهُ أكبر من مائة بطيخة وأكبر من ألف وخمسمائة حبَّة من الطماطم وأكثر من عائلتي وأصدقائي كلّهم.
انتبهتْ إلى صوت الفيل يناديها:
- هيَّا لا تخافي يا عصفورة .. انزلي إلى الأرض لنلعب معًا.
قالت العصفورة:
- لن ينفع أن نلعب مع بعضنا.
فأنتَ كبيرٌ جدًّا .. وأنا صغيرة جدًّا ..
وأنتَ لا تملكُ أجنحةً تطيرُ بها مثلي فوقَ الأشجار.
في هذه اللحظة لمحَ الفيلُ كُرَةً بلاستيكيَّةً ملوَّنة على الأرضِ، فأشارَ إليها بزلومتِهِ وهو يقولُ للعصفورةِ في تساؤل:
- هل تملكينَ هذه الكُرَة الجميلة؟
أخبرَتْهُ العصفورةُ أنَّها ملكُ لبعضِ الأولاد الذينَ كانوا يلعبونَ بها.
قالَ الفيلُ وقلبُهُ يرقصُ من الفرحِ:
- صُدْفةٌ طيِّبةٌ .. فالآنَ يمكننا أن نلعبَ بها بعض الوقت.
ردَّت العصفورةُ عليه:
- أنتَ يمكنُكَ أن تلعبَ الكرةَ، ولكن ليسَ كما يلعبُ بها البشر. أمَّا أنا، فمن الصعبِ جدًّا اللعب بها، لأنَّني لن أتمكَّنَ من تحريكِها أبدًا.
ضحكَ الفيلُ قائلاً وهو يهزُّ أذنيهِ:
http://www.magdinageeb.com/ChildrenBooks/Feel9agheer_Drawing2.jpg - فعلاً .. من الصعبِ جدًّا أن تلعبي بالكرةِ .. أو دحرجتِها على الأرض لأنَّها في حجمِ عشرةِ عصافير أو أكثر، ولهذا أقترحُ أن تنادي بعضَ أصدقائك لمساعدتك لنلعبَ جميعًا معًا.
ولكنَّ العصفورةَ طارت مبتعدةً وهي تؤكِّدُ لنفسِها، أنَّ الفيلَ قد أصابَهُ الجنون .. وأنَّهُ لا فائدةَ من الحوارِ معه. أمَّا الفيل، فقد حاول أن ينسى .. وسارَ في طريقِهِ، فشاهدَ غرابًا يتحرَّكُ .. ثم طارَ كأنَّهُ يرقصُ، ففرِح به ورفعَ زلومتَهُ لتحيَّتِهِ ثم ألقَى عليهِ السلامَ .. وقد اندهشَ الغرابُ من أدبِ الفيل فردَّ تحيَّتَهُ، ولكنَّهُ كانَ خائفًا وخصوصًا أنَّهُ هرِبَ منذُ لحظاتٍ من بعضِ الأولادِ الذينَ يضايقونَهُ ولا يعرفُ لماذا!
قالَ الفيلُ للغراب:
- يسعدني أنَّ لونَكَ قريبٌ من لوني، كما أشعرُ بأنَّكَ طائرٌ يحبُّ المرحَ، فهل تسمح لي بدعوتِكَ للعبِ معي أيَّ لعبة تختارُها.
فجأةً، توقَّفَ الغرابُ عن الحركةِ، وفردَ جناحيهِ وهو ينظرُ إلى الفيلِ هامسًا لنفسِهِ وهو يرتعدُ:
- هذا الفيلُ جاسوسٌ أرسلَهُ بائعُ الجُبْنِ الذي سرقتُ من دُكَّانِهِ منذُ أيَّامٍ قطعةً كبيرةً من الجُبْنِ.
أمَّا الفيلُ، فقد كانَ يبتسمُ لتشجيعِ الغرابِ على الموافقةِ للعبِ معه .. ولكنَّ الغرابَ تصوَّرَ أنَّ الفيلَ يعملُ مُخْبِرًا خاصًّا عندَ بائعِ الجُبْنِ، وأنَّهُ بالتأكيدِ جاءَ للقبضِ عليهِ فانكمشَ في مكانِهِ، وأخذَ "يبرطِمُ" بصوتِهِ وكأنَّهُ يدافعُ عن نفسِهِ:
- صدِّقني أيُّها الفيل .. أنا لم أسرقْ شيئًا.
طمأنَهُ الفيلُ قائلاً:
- اسمعني يا غراب .. أنا لم أتهمك بالسرقة ولم يرسلني أحدٌ للإمساكِ بكَ وكلُّ الحكاية أنَّني أبحثُ عن حيوانٍ .. أو طائر .. ألعبُ معه.
حرَّكَ الغرابُ جناحيهِ استعدادًا للهربِ وهو يقولُ:
- يا عزيزي الفيل: أنا لا يمكنُني الوقوفَ كثيرًا على الأرض، لأنَّ بعضَ الأولاد يحلو لهم مضايقتي والاعتداء عليَّ كُلَّما شاهدوني وأنتَ لن تتمكَّنَ من الصعودِ معي لأعلى الشجرةِ، ولهذا ففكرةُ اللعب معك فكرة غير ممكنة، فوداعًا.
مرَّةً أخرى، وجدَ الفيلُ نفسَهُ وحيدًا، فأمسكَ بالكُرَةِ وأخذَ يدحرجُها على الأرضِ إلى أن أحسَّ بالتعبِ، فجلسَ بجوارِ شجرةٍ ليستريحَ فلمحَ أحدَ الفئرانِ وهو يتحرَّكُ بسرعةٍ في كُلِّ اتجاهٍ كأنَّهُ يحاولُ الهروبَ من شيءٍ، فاستوقفَهُ طالبًا منه أن يلعبَ معه .. ولكنَّ الفأرَ نظرَ إليهِ وهو لا يصدِّقُهُ وتراجعَ للخلفِ قائلاً:
- آهٍ .. من الواضحِ أنَّكَ تسخرُ من ذكائي أيُّها الفيل .. فأنتَ أحدُ جواسيسِ القطط ..
وبالمصادفة، شاهدَ الفأرُ ثلاثَ قططٍ تتلصَّصُ عليهِ من بعيدٍ كأنَّها تراقبُهُ، فتأكَّدَتْ ظنونُهُ، فهرْوَلَ مُبْتَعِدًا دونَ أن يوجِّهَ أيَّ كلمةٍ للفيل، واختفى.
لمحَ الفيلُ القططَ الثلاثَ وهي تقتربُ منه غاضبةً.
قالت القطةُ الأولى:
- لقد استأجرَكَ الفأرُ لحمايتِهِ وتحذيرِهِ من وجودِنا.
وقالت القطةُ الثانية:
- عيْبٌ عليكَ وأنتَ في هذا الحجمِ الكبير أن تعملْ عندَ فأرٍ تافه!
أما القطَّةُ الثالثة، فقد هزَّت ذيلَها وقالت:
- لا يهمُّنا، ولا نخافُ من حجمِكَ الكبير .. فنحنُ لنا أساليبُنا السريَّة في القبضِ على الفئران، لأنَّها ضارَّةٌ وتنقلُ الأمراضَ للإنسانِ والحيوان.
بكَى الفيلُ .. وأحسَّ أنَّهُ متَّهَمٌ .. وحاولَ أن يوضِّحَ موقفَهُ للقططِ الثلاث التي كانت قد اختفت.
http://www.magdinageeb.com/ChildrenBooks/Feel9agheer_Drawing3.jpg بعدَ دقائق، قالَ الفيلُ لنفسِهِ:
- لن أياَسَ. سأجدُ أحدَهُمْ وألعبُ معه.
فجأةً، وجدَ رجُلاً يسدُّ الطريقَ عليهِ وهو يهدِّدُهُ بعصا في يدِهِ، صارخًا فيه:
- أخبرني بسرعة .. هل رأيتَ أحدَ القرودِ يمرُّ من هُنا؟
استفسرَ الفيلُ من الرجل:
- أيُّ قردٍ يا سيِّدي؟
أخبرهُ الرجلُ بأنَّهُ أحدُ الحُواةِ .. وأنَّ القردَ الذي يستخدمُهُ في العمل تسلَّلَ هاربًا منه.
هزَّ الفيلُ رأسَهُ وقالَ:
- فهمتُ أيُّها الحاوي سبب غضبك .. ولكنَّني بصدقٍ لم أشاهِدْهُ .. ولم يصادفني أيُّ قردٍ اليوم وإلاَّ كنتُ قد طلبتُ منه أن يلعبَ معي.
نظرَ الرجلُ إلى الفيلِ في غيظٍ، ثم قالَ في لهجةٍ غاضبة:
- آه .. أنتَ تقولُ "يلعب معي" .. إذًا أنتَ الذي قمتَ بتسهيل هروبه واختفائه.
ثم صرخَ في وجهِ الفيل وهو يرفعُ عصاهُ:
- أشكُّ في صدقِ كلامك، فشكلُكَ يؤكِّدُ أنَّكَ عضوٌ هامٌّ في جمعيةِ الرفقِ بالحيوان التي لا تشجِّعُ استخدامَ بعضِ الحيوانات في العمل.
ثم رفعَ الرجلُ عصاهُ، فخافَ الفيلُ وأسرعَ مبتعدًا.
انزعجَ الفيلُ من اتهامِهِ بالجاسوسية ومن اتهامِهِ بأنَّهُ عضوٌ في جمعيةِ الرفقِ بالحيوان، وكادَ ييأسُ من فكرةِ اللعبِ مع ..
ولكنَّ الأملَ دبَّ فيه وهو يرى سُلحفاةً تحاولُ الاقترابَ منه دونَ خوفٍ، وتلقي عليهِ بالتحيَّةِ فرحَّبَ بها قائلاً:
- أهلاً بكِ يا سلحفاة .. لقد سعدتُ بلقائكِ .. ولا بُدَّ أنَّكِ ترغبينَ في اللعبِ معي .. آه .. نعم .. نعم .. أنا موافق، فهيَّا نتسابقُ لنعرفَ من الفائز في السباق!
نظرتْ السلحفاةُ للفيلِ وقالت في لهجةٍ واثقة:
- لقد استمعتُ إلى كلامِكَ مع الغرابِ .. والعصفورة .. والفأر .. والقطط .. ومع الرجلِ الحاوي الذي هرِبَ قردُهُ.
قالَ الفيلُ في أسَى وحزن:
- أعتقدُ أنَّني كنتُ رقيقًا ومهذَّبًا مع الجميع ولكنّهم عاملوني بإهمالٍ .. وقسوة.
أنهَى الفيلُ كلامَهُ بينما كانت دموعُهُ تتساقطُ وكان متأثِّرًا لما حدثَ له، فأسرعت السلحفاة في توضيحِ الموقف له:
- يا عزيزي الفيل: أنتَ حيوانٌ طيِّبٌ .. وبالطبعِ أنتَ بريءٌ من كلِّ الاتهاماتِ التي قالوها عنكَ، فاسمح لي أن أطرحَ عليكَ سؤالاً تجيبُ عليه: هل يصِحُّ أن يلعبَ الأسدُ مع أرنبٍ .. أو كلبٍ .. أو خروف .. أو دجاجة؟ أو تلعب القطط مع الفئران!
فكَّرَ الفيلُ وهو يهرشُ أذنيهِ بزلومتِهِ وقالَ:
- بالطبعِ، لن يلعبَ الأسدُ معهم لأنَّهُ سيفترسهم. أما عن القطط، فهي عدُوَّة الفئران .. والأعداءُ لا يلعبون .. وإنَّما يتقاتلون.
هزَّتِ السلحفاةُ ذيلَها القصير .. وقالت:
- برافو .. لقد أجبت على ما يدهشك، وما يحيِّرك ويحزنك، فأنتَ أيضًا لا تصلحُ أن تلعبَ مع العصافير ولا الغربان، ولا الفئران ولا مع سلحفاة مثلي وأيضًا لا يمكنك اللعب مع البشر.
http://www.magdinageeb.com/ChildrenBooks/Feel9agheer_Drawing4.jpg سكتتِ السلحفاةُ، بينما كانَ الفيلُ يرفعُ زلومتَهُ ليحيِّيها ويشكرَها، ثم دحرجَ الكُرةَ ورجعَ عائدًا بها على أمل أن يُفرح بها زملاءه الأفيال عندما يلعبونَ بها جميعًا، وفي هذه الحالةِ من الممكنِ دعوةَ بعضِ حيواناتٍ أخرى أليفة .. وبعضِ الطيورِ للفُرجةِ عليهم .. وسوفَ يكونُ يومًا ممتعًا للجميع.

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

"عِنْدَمَا تَغْضَبُ الكُتُبْ!!!" قصة للأطفال بقلم: خالد جمعة


عِنْدَمَا تَغْضَبُ الكُتُبْ!!!
من سن ٧ إلى ١٢ سنة

خالد جمعة

الضَّجَّةُ الكبيرةُ الَّتي حَدَثَتْ في المَكْتَبَةِ العَامَّةِ والمَكْتَبَاتِ الأُخْرَىْ المُنْتَشِرَةِ في المَدِيْنََةِ جَعَلَتْ إِبَاءَ تَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِهَا، فهيَ تَعْرِفُ أنّ المَكْتَبَةَ هي أكثرُ الأماكِنِ هُدُوءاً في المَدِينةْ، وكانتْ تذهبُ إلى هُناكَ خِصِّيْصَاً كي تَقْرَأَ في هُدُوءٍ بَعِيْدَاً عن إزعاجِ أَبْوَاقِ السَّيَّارَاتِ التي تمرُّ من أمامِ بَيْتِهَا. أمّا ما حَدَثَ ذلكَ النَّهارُ فلم يكُنْ مَعْهُوداً من قَبْلْ، أُناسٌ تدْخُلُ في المكتبةِ وأُخرى تَخْرُجُ مِنها، مُعَلِّمُونَ وآباءٌ ومجموعةٌ من الأشخاصِ لم تَتَعَوَّدْ إباء رُؤْيَتَهُم يَذهبونَ إلى المكتبةِ من قَبْلْ.
قَرَّرَتْ إباء أن تَدْخُلَ إلى المكتبةِ كي تعْرِفَ ما يَجْري هناك، فهي فُضُوليّةٌ بِطَبْعِهَا، تُحِبُّ مَعْرِفَةَ الأشياءِ التي تَحْدُثْ، ولماذا تَحْدُثْ..
عندما وَصَلَتْ إباء إلى بابِ المكتبةِ العامَّةِ مَنَعَها الكِبارُ من الدُّخُولْ، لكنَّ صَوْتاً قَادماً من دَاخِلِ المكتبةِ قالْ: دَعُوا إباءَ تَدْخُل إذا أَرَدْتُمْ منِّي أن أتحدَّثْ.. ازْدَادَتْ دَهْشَةُ إباءْ، فالصَّوتُ الذي تَحَدَّثَ لم يَكُنْ يُشْبِهُ صوتَ أَحَدٍ من الذينَ تَعْرِفُهُم. سُمِحَ لها بالدُّخولِ، ولكن المفاجأةَ التي لم تَكُنْ على بَالِهَا أن الصَّوتَ الذي كانَ يتحدَّثُ هو صوتُ أَحَدِ الكُتُبِ في المكتبةْ.
وَقَفَتْ إباءُ لِلَحظَةٍ وهي مُصَابَةٌ بالدَّهْشَةِ، كانت الكُتُبُ كلُّها تتحاورُ بصوتٍ مُنْخًفِضٍ يشبهُ صوتَ خليَّةِ نَحْلْ، وكان من الوَاضِحِ أن الكتابَ الذي يَجْلِسُ في المُقَدِّمَةِ هو الذي يتحدَّثُ باسمِ الجميعْ، ومن خِلالِ الكلماتِ البسيطةِ التي سَمِعَتْهَا إباء هُنا وهُناك من الكتبِ المَصْفُوفَةِ على الرُّفوفْ، فَهِمَتْ الأمْرَ كلَّهُ.. كانت الكتبُ تقومُ بإضرابْ.. وهي لا تريدُ لأحدٍ أن يَقْرَأَهَا..
بدا الأمرُ غريباً على إباء، كما أنَّها لم تعرفْ لماذا تقومُ الكتبُ بالإضرابِ وهي منذُ آلافِ السِّنينْ تسمَحُ بالقراءةِ لكلِّ مَنْ يُريدْ. قالتْ إباء وهي تنظرُ إلى الكتابِ الذي جَعَلَها تدخلُ المكتبةْ: ـ ماذا حَدَثَ يا صديقي الكتابْ؟
تَنَهَّدَ الكتابُ وَتَقَلَّبَتْ أوراقُهُ كأنَّ شخصاً نَفَخَ عليها وقالْ: ـ لَقَدْ قَرَّرْنَا نحنُ الكُتُبْ أن نقومَ بإضرابْ، لن نَدَعَ أحداً يقرأَ جُمْلةً واحدةً طالما بَقِيَ الحالُ هكذا..
ـ أيَّ حالٍ تَقْصِدْ؟ ـ أقصدُ حالَ الأطفالْ.. فما فائِدَةُ أن يقرأَ النَّاسُ إذا لم يفعلوا شيئاً بقراءَتِهِمْ؟ فأنا أعرفُ من زملائي كتبِ الإحصاءِ أنَّ كثيراً من الأولادِ لا يقومُ أهْلُهُمْ بتعليمِهِمْ وخصوصاً البناتْ، كما أنني لا أقصدُ التعليمَ الذي يقومون فيهِ بِحَشْوِ عقولِ الأولادِ بالمعلوماتْ.. بل التعليمَ الذي يدعو للتفكيرِ وفهمِ الحياةْ. ـ ولماذا أنتمْ مُهْتَمُّونَ بهذا الأمرْ؟
ـ ما فائدتي أنا إذا كنتُ أحملُ كلاماً لا ينفعُ الأطفالَ الذينَ كُتِبَ من أَجْلِهِمْ..؟ ثُمَّ إن بقيَّةَ الكتبِ قد تَضَامَنَتْ معي لأنّها تُحِبُّ الأطفالْ، ولأن أهلَهُمْ لا يشترونَ لهم كتباً للقراءة، ولو كان الأهلُ لا يملكونَ المالَ لشراءِ الكتبْ، فلماذا لا يسمحونَ للأولادِ بالقراءةِ في المكتباتِِِ العامَّةِ المَجَّانِيّةْ؟
ثم يَجِبْ على الناسِ أن تعْرِفَ أنَّ الكُتُبَ تموتُ إذا لم يقرأَهَا أحدْ، لأنها تحسُّ أنّها بلا فائدةْ، أمسْ فقطْ تُوُفِّيَ كتابان من كُتُبِ التاريخِ لأنَّ أحداً لم يقرأهما منذُ عشرِ سنواتْ، فالعملُ الوحيدُ الذي خُلِقَتْ له الكتبُ هو أن يقرأها الناسُ، وهي لا يُمكنْْ أن تفعلَ شيئاً آخر. لأن المعلوماتِ إذا مرَّ عليها زمنٌ طويلٌ دونَ أن تُقرأَ يصيبُها مرضٌ يشبهُ الشَّلَلَ الذي يصيبُ الناسَ، فما فائدتها إذا لم تُقرأ؟ لذلك اتَّفَقْنا مع الكتبِ في المكتباتِ الأخرى على الإضرابْ، فلن تَجِدِيْ كتاباً واحداً يمكن قراءتُهُ حتى يقومَ الناسُ بالسّمَاحِ لأطفالِهِمْ بالقراءةْ. ـ وما ذنبُ الأطفالِ الذين يقرأونَكُم؟
ـ نَحْنُ نَعْرِفُ كيفَ نَتَصَرَّفْ، وسَأَقُوْلُ لكِ سِرَّاً صغيراً، إن إضرابَنَا لن يَسْتَمِرَّ إلى وقتٍ طويلْ، فهو فَقَطْ كي نَجْعَلَ الناسَ يُفَكِّرونَ في مُسْتَقْبَلِ أولادِهِمْ؛ وسوفَ نعودُ كما كُنَّا ولكن بعد أن يُحِسَّ الناسُ ما الذي تستطيعُ الكُتُبُ أن تَفْعَلَهْ. ـ لكِنَّكَ نَسِيْتَ شيئاً مُهِمَّاً يا صَدِيْقي الكتابْ، إنَّ التَّعْليمَ ليس فَقَطْ في المَدْرسةْ. تَنَهَّدَ الكَتَابُ بَأَلَمٍ وقالْ:
ـ أنا لا أستطيعُ أن أُعَدِّلَ الدُّنيا كلَّها وَحْدِي يا إباءْ، وحتّى لو اجْتَمَعَتْ معي كلُّ الكُتُبِ في العالَمْ، فكلُّ واحدٍ من المَفْرُوضِ أن يَجِدَ وَسِيْلَةً لتَصْحِيْحِ الوَضْعِ الخاطئِ في مَكَانِِهِ، أما أنا، فأكثرُ ما أستطيعُ فَعْلَهُ هو أن أمنعَ النَّاسَ من قِراءَتي أنا وأَصْدِقَائي.
وَدَّعَتْ إِبَاءُ الكِتَابَ وخَرَجَتْ من المَكْتَبَةِ، فَانْدَفَعَ النَّاسُ نَحْوَهَا لِيَسْأَلُوْها عن الحُوارِ الذي دَارَ بينَها وبينَ الكتابْ، ولكنّها لم تُجِبْ على أيِّ سُؤالْ، فَقَدْ قَرَّرَتْ أن تَكْتُبَ حِوَارَها معَ الكِتَابِ في قِصَّةٍ لِتَنْشُرَهَا في الصُّحُفْ، أو على الأقَلّْ في مَجَلَّةِ الحَائِطِ في المَدْرَسَةْ، فَرُبَّمَا الطَّريقةُ التي يُفَكِّرُ بها الكتابُ تُصْبِحُ الطَّرِيْقَةَ التي يُفَكِّرُ بها النَّاسُ في وَقْتٍ قَرِيْبْ... رُبَّمَا.


العفاريت ذات الأنوف الطويلة حكاية شعبية للأطفال من اليابان


العفاريت ذات الأنوف الطويلة
حكاية شعبية من اليابان

يُحكى أنه ، في قديم الزمان ، كان هناك عفريتان ، لهما أنفان طويلان ، يعيشان في الجبال العالية في شمال اليابان.
 كان أحدهما عفريتاً أزرق والآخر عفريتاً أحمر . وكان الاثنان فخورين بأنفيهما اللذين يستطيعان مدهما مسافات بعيدة عبر الحقول ، وكانا دائماً يتجادلان عمّن أنفه هو الأجمل.
وفي أحد الأيام ، كان العفريت الأزرق يستريح على قمة الجبل ، حين شمّ رائحة زكية تنساب من مكان ما في السهول
.
حينها قال لنفسه : "ياه ، ثمة شيء له رائحة زكية ، يا ترى ماذا عساه يكون؟"
ثم بدأ يمد أنفه أطول فأطول مقتفياً أثر الرائحة الزكية . وتمدد أنفه حتى عبر سبعة جبال وهبط إلى السهول ، في داخل القصر كانت ابنة السيد ، الأميرة "الزهرة البيضاء" ، تقيم حفلة . و كانت دعت إلى تلك الحفلة العديد من صديقاتها الأميرات الصغيرات الأخريات . وكانت الأميرة الزهرة البيضاء تعرض أمامهن كل ما لديها من ثياب نادرة وثمينة وجميلة . وكانت الأميرات قد فتحن كنز الملابس وأخرجن ما فيه من قطع القماش الرائعة ، تلك التي كانت تعطرها روائح البخور الفواحة . ذلكم هو العطر الذي شمّه ذلك العفريت الأزرق.
في تلك اللحظة ، كانت الأميرة تبحث عن مكان تعلق عليه تلك الأقمشة لتراها الأميرات على نحو أفضل . وحين رأت أنف العفريت الأزرق قالت: " أنظروا ، أنظروا ، إن أحدهم قد نصب لي قضيباً أزرقاً في الشرفة . لنعلق عليه الأقمشة"

ودعت الأميرة وصيفاتها فعلّقن قطع القماش الرائعة على أنف العفريت . وشعر العفريت الذي كان يستلقي بعيداً على قمة الجبل أن شيئاً يدغدغ أنفه . فأخذ يسحبه إلى حيث هو هناك على قمة الجبل.
وحين رأت الأميرات قطع القماش الجميلة تطير في الهواء ، دُهشن كثيراً وحاولن الإمساك بها ولكن بعد فوات الأوان.
وحين رأى العفريت الأزرق القماش الجميل معلّقاً على أنفه فرح كثيراً ، وجمع الأقمشة وأخذها معه إلى البيت . ثم قام بدعوة العفريت الأحمر ، الذي يعيش في الجبل المجاور لزيارته وقال له :"أنظر إلى أنفي الرائع . لقد جاءني بكل هذا القماش الجميل"
شعر العفريت الأحمر بالحسد عندما رأى ذلك وتمنى ، من شدة الحسد لو كان بإمكانه أن يتحول إلى عفريت أخضر ، ذلك أن العفاريت الحمراء لا يمكن أن تُصبح عفاريت خضراء.
وبانفعال قال العفريت الأحمر موجهاً كلامه للعفريت الأزرق : "سأريك أن أنفي مازال هو الأفضل . ما عليك إلا أن تنتظر وسوف ترى"
منذ ذلك الوقت والعفريت الأحمر ظل يداوم على الجلوس على قمة جبله كل يوم، يدعك أنفه ، ويتشمم الهواء . مرت أيام عديدة ولكنه لم يشم أية روائح عطره . نفذ صبره ، وقال :"حسناً لن أنتظر أكثر من ذلك . سأمد أنفي إلى السهول حيثما اتفق ، ومن المؤكد أنه سيعثر على شيء ذي رائحة زكية هناك "
بدأ العفريت الأحمر يمد أنفه أطول فأطول حتى عبر سبعة جبال وهبط إلى السهول ، وأخيراً استقر به المطاف عند قصر الثري نفسه .
وفي تلك اللحظة كان ابن الثري "الأمير الشجاع"وأصدقاؤه الصغار يلهون في الحديقة . وحين رأى الأمير الشجاع أنف العفريت الأحمر هتف : "أنظروا إلى هذا القضيب الأحمر الذي وضعه أحدهم هنا ، هيا بنا نتأرجح عليه" وأخذوا حبالاً قوية وربطوها بالقضيب الأحمر وصنعوا منها عدة أرجوحات . وراحوا يلهون ويلهون ! بل كان عدد من الفتيان يتعلقون بأرجوحة واحدة ويحلقون بها عالياً نحو السماء . وكانوا يتسلقون على القضيب الأحمر ويتقافزون عليه صعوداً ونزولاً ، بل إن أحدهم بدأ يحفر بالسكين على ذلك القضيب الحروف الأولى من اسمه.
كم كان ذلك يسبب من الألم الشديد للعفريت الأحمر المستلقي على قمة جبله ! لقد أضحى أنفه ثقيلاً لدرجة أنه أصبح لا يتمكن من تحريكه . ولكن حين بدأ ذلك الفتى يحفر عليه حروف اسمه سحب العفريت الأحمر أنفه بكل مالديه من قوة ونفض عنه جميع الفتيان . ثم سحبه إلى الجبل بأكبر سرعة ممكنة .

ضحك العفريت الأزرق ، وظل يضحك ويضحك على هذا المنظر . بينما العفريت الأحمر لم يكن ليملك إلا الجلوس ودعك أنفه قائلاً :"هذا جزائي بسبب حسدي للناس . لن أمد أنفي إلى السهول مرة أخرى" .