الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

"القلم الرصاص" قصة للأطفال بقلم باولو كوليهو

القلم الرصاص
باولو كوليهو( Paulo Coelho)
ترجمة / حسن صلاح حسن

جلس الصبي بجوار جده الذي كان منخرطاً في كتابة قصة.
فتساءل الصبي:
ماذا تكتب يا جدي؟
أتكتب قصةً عما يحدث في عالمنا؟
أم أنك تكتب قصةً عنى؟
فتوقف الجد عن الكتابة، وقال مبتسماً: بل أكتب قصةً لك، ولكن انظر إلى هذا القلم الرصاص. إنه لأكثر أهميةً مما أكتب، وأود لو أنك تصبح مثله عندما تبلغ مبلغ الرجال.
نظر الصبي إلى القلم الرصاص مدهوشاً، وأمعن فيه النظر، لكنه لم يلحظ أي اختلافٍ بين هذا القلم وغيره من الأقلام.
قال الصبي :إنه مثل أي قلم آخر يا جدي.
قال الجد:صدقت ولكن عليك أن تعلم أن لهذا القلم خمس خصال أود أن تكون فيك.
أما الخصلة الأولى فمن الممكن أن تقوم بعمل الأشياء العظيمة، ولكن لا تنسَ أبداً أن هناك يداً واحدةً قادت هذه الخطوات.
وهذه اليد هي (يد) الله، فالله هو المتحكم فينا، وهو الذي يقودنا إلى حيث شاء.
وأما الخصلة الثانية فمن حين إلى آخر يجب أن تتوقف عن الكتابة لتستخدم المبراة، وهذا يعنى القليل من الألم لهذا القلم الرصاص.
ولكن بعد قليل من الوقت سيصبح هذا القلم أكثر حدة. ولذا فعليك أن تعرف أنه من الأفضل لك أن تعانى قليلاً، لأن ذلك سيجعلك أكثر قوة وصلابة.
وأما الخصلة الثالثة فهي أن القلم الرصاص يمنحك فرصة استخدام الممحاة لكي تزيل أخطاءك وتحاول إصلاحها، وهذا ضروري لتسلك طريق الصالحين.
والخصلة الرابعة بالنسبة للقلم الرصاص، فإن شكله أو جودة الخشب المصنوع منه ليس ضرورياً، ولكن الضروري هو مادة الرصاص.
وبهذه الطريقة، يجب عليك دائماً أن تحرص على ما يحدث بداخلك فالباطن أهمّ من الظاهر.
أما الخصلة الخامسة والأخيرة فهي دائما اترك أثراً ... يجب عليك أن تعرف أن كل ما تفعله في الحياة سيترك أثراً ، ولذا فكن حذراً في كل أفعالك.



"نخلة أحمد" قصة للأطفال بقلم شاكر الكناني

نخلة أحمد
شاكر الكناني

ذات يوم، في صباح كانون بارد، تستيقظ العائلة على دوي مفزع، فتهرع إلى باحة الدار، وتسمع لغطاً في الشارع القريب، ونداء:
ـ إلى الملاجئ.. إلى الملاجئ… قصف…قصف…قصف…
ويسود صمت، ثم ينتشر دخان كثيف.. ينبئُ عن حريق، فيصرخ ابن العائلة:
ـ لقد احترقت نخلتنا.. لقد ماتت…
فيردّ والده بثقة:
ـ ألم أقل قبل أيام أن النخلة لا تموت أبداً.. اسقها يا بني..
ظلّ الصبي أحمد مواظباً على سقي نخلته يومياً، بدلو من الصفيح، ممتثلاً لنصيحة أبيه..
وفي يوم من أيام الربيع، ينادي أحمد أباه فرحاً:
ـ في نخلتنا خوصة خضراء..
يحتضن الأب ولده، ويقبّله بين عينيه، ثم يرسل نظراته إلى قمة النخلة ليرى خوصة خضراء فعلاً، تتبعها خوصتان. فثلاث خوصات، فسعفة خضراء، فسعفتان، فثلاث سعفات متصّلات بتاج من السعف الأخضر، يكلّل قمة النخلة.
ومرّ الربيع، وجاء الصيف، فأثمرت نخلة أحمد بالرغم من لون جذعها الأسود..

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

"ثلاثةُ أرْجُلْ" قصة للأطفال بقلم خالد جمعة

ثلاثةُ أرْجُلْ
(القصة الفائزة بجائزة ديوان العرب الإلكتروني لأدب الطفل)

خالد جمعة
مَشَتِ الكَلْبَةُ الصَّغِيْرَةُ في الغَابَةِ وهي حزينةٌ، لأنَّها اكْتَشَفَتْ أنَّها لا تَسْتَطيعُ المَشْيَ مِثْلَ باقي الكِلابْ، وهذا لأنَّها وُلِدَتْ بِثَلاثَةِ أَرْجُلْ. جَلَسَتْ الكَلْبَةُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهيَ تَبْكيْ، فَقَالتْ لَهَا الشَّجَرَةُ: لماذا تَبْكِيْنْ؟ فَرَدَّتْ الكَلْبَةُ: لأَنّنِي لا أَمْلُكُ أَرْبَعَةَ أَرْجُلٍ مِثْلَ بَقِيَّةِ الكِلابْ، إنَّ لي ثَلاثَةٌ فَقَطْ.
قالتْ لها الشّجَرَةُ: بَسِيْطَةْ!! خُذِيْ غُصْنَاً مِنْ أَغْصَاني، وَضَعِيْهِ مَكَانَ رِجْلِكِ المَفْقُوْدَةْ، وبهذا يُصْبِحُ لدَيْكِ أَرْبَعَةَ أَرْجُلْ. أَخَذَتْ الكَلْبَةُ غُصْنَ الشَّجَرَةِ وَوَضَعَتْهُ مَكَانَ رِجْلِهَا المَفْقُوْدَةِ وَمَشَتْ في الغابةِ بعد أن شَكَرَتْ الشجرةْ. لكِنَّ الحيواناتِ أَخَذَتْ تَضْحَكُ مِنْهِا، فقد كانِ مَنْظَرَاً غَرِيباً، كلبةٌ بثلاثةِ أرجلٍ وغصنِ شجرةْ.
عادَ الحُزْنُ للكلبةِ من جَدِيْدْ، فَمَرّتْ من جَنْبِهَا أُمُّ أَرْبعةٍ وأربعين، ولَمَّا عَرِفَتْ سبَبَ حُزْنِها عَرَضَتْ عَلَيْهَا أن تُعْطِيَها رِجلاً من أرجُلِها الأربعةِ والأربعين، لكنّ الكلبةَ شَكَرَتْها ورَفَضَتْ أَخْذَ رِجْلِهَا لأَنّهَا صغيرةٌ عليها، ومَشَتْ بعد أن رَفَعَتْ الغُصنَ الذي يُضْحِكُ الحيواناتِ منها. فَقَابَلَها وحيدُ القرنْ، ولما عَرِفَ سبَبَ حُزْنِها، قالْ: خُذي جُزءاً من قَرْنِي إذا شِئْتِ، وَضَعِيْهِ مَكَانَ رِجْلِكِ فَهْوَ سَيَنْمُو ثانيةً عندي ولن أخسرَ شيئاً، فأخذتْ الكلبةُ قَرْنَهُ وهي سعيدةٌ، وَوَضَعَتْهُ مكانَ رِجْلِها المفقودةْ، لكنَّها كلّما مرَّتْ على حيوانٍ ضَحِكَ وقال: أوَّلُ مرّةٍ أرى رِجْلاً من قرنِ وحيدِ القَرْن.. ها ها ها ها..
رَفَعَتْ الكلبةُ القرنَ وجَلَسَتْ تَبْكي، وبينما هي كذلك، إِذْ لَمَحَتْ غُرَاباً يُحَاوِلُ أن يطيرْ، ولا يستطيعُ لأنَّ جَنَاحَهُ عَالِقٌ في فَرْعِ شجرةٍ كَثِيْفْ، اتَّجَهَتْ الكلبةُ إلى فرعِ الشّجرةِ وهَزَّتْهُ بأسْنَانِها، لأنَّهُ كانَ قريباً من الأَرْضِ، فَأَفْلَتَ الغُرَابُ وطَارَ إلى السَّماءْ، وعادَ إليها لِيَشْكُرَهَا، فوَجَدَها حَزِيْنَةً فقالْ: أَأَقُولُ لكِ لماذا أنتِ حزينةْ؟ لأنَّ لَكِ ثلاثةُ أَرْجُلْ!! صَحّْ؟؟
فقالتْ الكَلْبَةُ بِدَهْشَةٍ: صَحّْ!! ولكن كيفَ عَرَفْتْ؟؟ قال الغُرابُ: لأنّني كنتُ أطيرُ فَوْقَكِ منذُ أن وضعتِ غُصْنَ الشجرةِ مكانَ رِجْلِكِ المفقودةْ، ورأيتُ كلَّ شيءْ، وعندما حاولتُ الهُبُوطَ لأكلِّمَكِ عَلِقَ جَنَاحِي في ذلكَ الغُصنِ إلى أن ساعَدْتِني على الإفْلاتْ. قالتْ الكلبةُ: أنا سعيدةٌ لأنَّكَ طِرْتَ من جديدْ، ولكنني حزينةٌ لأنني لستُ مِثْلَ باقي الكِلابْ.
قالَ الغُرابُ: وهلْ تَظُنِّيْنَ أنَّ باقي الكلابِ مثلَ بَعْضِها؟؟ قالتْ الكلبةُ: نَعَمْ.. والنُّمُورُ مثلَ بَعْضِها.. والغِرْبَانُ مثلَ بَعْضِها.. ضَحِكَ الغُرابُ من سَذَاجَةِ الكَلبةِ الصَّغِيْرةْ وقالْ: أنتِ مُخْطِئَةٌ، فَابْنُ عَمِّي مثلاً لهُ رِيْشٌ أَبْيَضٌ على رَأْسِهِ، وأبي مِنْقَارُهُ أَعْوَجْ، وأُختي جَنَاحَاها قَصِيْرَان وأنَا رِيْشِيَ خَفِيْفٌ.. فليسَ هُناكَ أَحَدٌ مِثْلَ الآخَرْ.. قالتْ الكلبةُ: ماذا تَقْصِدْ؟؟
قالَ الغرابُ: أقْصِدُ أنَّكِ إذا نَظَرْتِ إلى الكلابِ تجدينَ كلَّ كلبٍ مُخْتَلِفٍ عن الآخرْ، في الذَّيْلِ، في الأسْنَانِ، في لَوْنِ الشَّعْرِ، في الحَجْمِ، وأنتِ مختلفةٌ عَنْهُمْ لأنّ لكِ ثلاثةُ أَرْجُلْ، هذه هي كلُّ الحِكَايَةْ.
بَدَأتْ الإبْتِسَامَةُ تَرْتَسِمُ على وَجْهِ الكَلْبَةِ وفَكَّرَتْ أنَّ ما يَقُولُهُ الغرابُ حَقِيقِيٌّ، وخُصُوصاً أنّ أحداً لم يضحكْ عَلَيها حينما كانتْ تَسِيْرُ على أَرْجُلِها الثَّلاثْ، لكنهم ضَحِكوا عليها عندما حاولتْ أن تَضَعَ شيئاً مكانَ الرِّْجْلِ المفقودةْ. لِذا عَادَتْ إلى بَيْتِها وهي سَعِيْدَةْ، ولم تَنْسَ أن تُعِيْدَ قَرْنَ وحيدِ القرنِ وغُصْنَ الشجرةِ فهيَ لم تَعُدْ بِحَاجَةٍ إليهُما.



الاثنين، 27 ديسمبر 2010

" تداخل النصوص في الكتابة للأطفال " بقلم أحمد سويلم

تداخل النصوص في الكتابة للأطفال
بقلم: أحمد سويلم
تمهيد:

تعد الكتابة للأطفال بألوانها المختلفة، رافدا معاصراً مهماً في التربية الثقافية للصغار، ومن ثم حظي الاهتمام بها عناية رجال التربية والثقافة في كل دول العالم.

وإذا كانت الثقافة هي الركيزة التي تمنح الإنسان إنسانيته، فإن الثقافة ـ دائما ـ تبدأ بالطفل، وتتخذ عدة أساليب إبداعية ومعرفية تضمن لهذا الصغير أن ينشأ مكتمل العقل والوجدان معاً.

والكتابة للطفل تهدف ـ في مقدمة أهدافها ـ إلى تثقيف الطفل، وإكسابه الوعي في مواجهة الحياة التي سوف يلقاها في مراحله المختلفة.

وقد أجمع خبراء الطفولة على أن الإبداع الأدبي ـ ومنه المعرفة كذلك ـ يعتمد على عدة مصادر يستقي منها كاتب الأطفال مادته، ويعيد صياغتها لتناسب المرحلة العقلية التى يوجهها إليها.

ويثور جدل كبير حول المستوى اللغوي الذي يناسب الطفل، فيلقي بعض (المجادلين) اللوم على اللغة العربية الفصحى توهما منهم أنها لغة صعبة لا تناسب عقلية الصغير.

والحق يقال إن اللوم لا ينبغي أن يلقى على اللغة، وإنما يوجه إلى الذين يستخدمون هذه اللغة، فمن المعروف أن العربية الفصحى تتراوح مستوياتها بين البساطة والتعقيد، ويستطيع القابض على لغته قبضاً جيداً أن يختار المستوى اللغوي المناسب لأية مرحلة عقلية دون صعوبة.

ومن ثم فإن كاتب الأطفال كي يحقق مستوى رفيعاً من هذه الكتابة يجب أن يتحلى باعتبارات ثلاثة:

أولا: اعتبار سيكولوجي. أي معرفة نفسية الطفل الذي يكتب إليه، وتغيراته وماذا يحب، وماذا يكره، ومتى يفرح ومتى يغضب.

ثانيا: اعتبار ثقافي. حيث يفترض في كاتب الأطفال تمتعه بثقافة عريضة وعميقة معاً لكي يسهل عليه اختيار المضمون الذي يناسب الطفل.

ثالثاً: اعتبار فني. ويقصد به معرفته الفنية باللون الذي يكتب به فإذا كان يكتب الشعر، عليه معرفة المقومات الفنية للشعر، وإذا كان يكتب القصة، عليه معرفة أركانها الفنية، وإذا كان يكتب المسرح عليه أن يكون ملماً بأصول الدراما، وهكذا.

تلك هي المبادئ الأولية في التعامل مع الأطفال، ولا شك أن هذه الاعتبارات الثلاثة هي ركائز أساسية أو هي أضلاع مثلث الإبداع، لكن داخل هذا المثلث نجد أموراً فنية وتربوية وثقافية كثيرة في مقدمتها الموهبة والقدرة على التأثير في نفس الصغير.

وقبل أن نخوض في مصادر الكتابة للطفل، نشير إلى عدد من أساليب التعامل مع تلك المصادر التي يعتمد عليها الكاتب.

فهناك أسلوب الاستلهام، ونعني به ببساطة أن الكاتب يتكئ على حادثة تاريخية أو موقف أو شخصية يستلهم عالمها أو بعضاً منه ويحاول صياغة ذلك ببساطة للطفل.

ـ وهناك أسلوب الاقتباس، أي أن الكاتب يقتبس قصة قديمة ـ قد تكون مكتوبة للكبار ـ لكنه حينما يعيد كتابتها للصغار، فإنه يبسط أسلوبها بما يناسب هذا القارئ الصغير.

ـ وهناك أسلوب (التعصير) للقصة القديمة، أي أن الكاتب من حقه هنا أن يطور ويعصَّر من القصة بحيث يحذف منها مالا يجوز تقديمه للطفل ويؤثر على وجدانه سلباً مثل الخرافة الفجة أو الجنس أو الرعب أو القتل الدموي وغير ذلك، ويعيد كتابة النص برؤية مختلفة تعطي القيمة والمتعة معا.

مصادر ثقافة الطفل العربي

يمكن أن نتفق هنا على أن الثقافة الأدبية التي توجه خصيصاً إلى الأطفال تتسم بالحداثة ولا تتعدى نشأتها قرنين من الزمان.

ونظراً لأن علم التربية بأسسه الحديثة قد أرسى نظرياته في التربية والتعليم في ضوء العصر فمن الطبيعي أن ننظر إلى ما أنتجته العصور السابقة على أنه أدب (تلقائي) يعوزه الإطار أو الشكل أحياناً بما يتناسب مع المتلقي كبيراً كان أم صغيراً في ظل قدراته وعواطفه ووجدانه الخاص.

إننا نميل هنا عن يقين إلى الرأي الذي يعتبر تراث الحكم والأمثال والمواعظ القديمة جزءاً من الإنتاج الأدبي لهذه الشعوب سواء كُتب للكبار أم للصغار، وسواء أكان شعراً أم نثراً، وسواء حفظه الناس أم التزموه فى سلوكهم اليومي.

ومن الصعب ـ قديماً ـ أن نفرق بين ما كان يُكتب للصغار وما كان يكتب للكبار، حيث كان المستوى اللغوي السائد لا يفرق بين المتحدثين به أو المتعاملين معه، بحيث لم يكن الصغير يجد صعوبة في فهم ما يتلقاه داخل المدرسة، إلى جانب أن الحكم والأمثال ـ خاصة في مصر القديمة ـ كانت موجهة من والد إلى ولده (أو هي كتبت على لسان والد إلى ولده) وهذه الخاصية ـ وإن أعطتها صورة التوجيه التربوي ـ لا تقف دليلا وحدها على أنها موجهة للصغار فقط، أو أنها كتبت خصيصاً لهم، فربما قرأها الوالد (الكبير) أو جده.. وهكذا (1).

وهكذا الحال لدي العرب، فمن غير المعقول ولغة قريش هي لغة القرآن، ألا يتحدث بها الجميع كباراً وصغاراً، بل إن العصر الجاهلي يخبرنا أن الصغار كانوا يقولون الشعر بهذه اللغة ذات المستوى الواحد الفصيح الجذل، مثل لبيد بن ربيعة، وكعب بن زهير، وطرفة بن العبد، بما يجعلنا نتأكد من عـدم وجـود أدب كتب خصيصاً للأطفال.

وإن كان وجد لدى العرب فن ترقيص الأطفال وأغاني اللعب، ووصايا الآباء للأبناء، وكلها قد توجه للكبير وللصغير ما عدا فن ترقيص الأطفال الذى يوجه إلى المولود بغرض اللعب معه بالمناغاة واللحن والموسيقي وليس بالكلمة.

وحينما نرحل مع التاريخ، ومع التغيرات السياسة والانقسامات التي تميزت بالفتوحات ودخول جنسيات أخرى إلى الجنسيات الأصلية، وبالتالي دخول أنماط الثقافة واللغة ـ خاصة لدى العرب المسلمين ـ نلاحظ أنه قد نشأت الحاجة إلى وجود أكثر من مستوى لغوي للتعامل مع فئات البشر.

فمثلاً اختلف المستوى اللغوي في الدواوين الحكومية عن المستوى الذي اتخذه الأدباء والشعراء في إبداعهم، عن ذلك الذي التزمه في تحاورهم اليومي.

وفي خضم الصراعات، انتبه نفر من المفكرين إلى تربية الأطفال وإنقاذهم من أتون تلك الصراعات، ووجدنا نظريات كثيرة للتعليم والمتعلمين وأسس التربية في مجالاتها المختلفة.

ومن هنا نشأت الحاجة إلى استقلال الطفل بأدبه وثقافته ولغته بعيداً عن أطماع وصراعات الكبار.

والحق يقال إن الطرف الآخر من العالم قد سبق الشرق إلى التقاط الخيط وكتابة أدب الأطفال المعاصر، على أيدي لافونتين (1620 ـ 1696) الذى استمد حكاياته من كليلة ودمنة وإيسوب ولقمان وجريم الألماني في حكاياته الشعبية، ثم إدوار لير وأغانيه التوفيقية (1746) وهوفمان في (أغاني الأطفال 1746 أيضاً) ولويس كارول فى أليس فى بلاد العجائب ـ وكارل ستاندبيرج ـ وروبرت فروست ـ وهانز كريستان أندرسون (1805 ـ 1875) وغيرهم.

أما في مصر المعاصرة فقد بدأ رفاعة الطهطاوي (1801ـ1873) في حمل رسالة التربية فأصدر كتابه الشهير "المرشد الأمين للبنات والبنين" ومن موضوعات الكتاب: بيان عربية الأطفال ـ العقيدة الدينية ـ التعليم والتعلم ـ الوطن ـ الوطنية.. وهكذا.

وواضح أن هذا الكتاب لا يعتبر أدب أطفال بالمعنى العلمي وإن اهتم بتربيتهم وتثقيفهم.

ولكن ما كتبه محمد عثمان جلال (1838ـ1898) في ديوانه "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ"، وأحمد شوقي (1870ـ1932) في الجزء الرابع من ديوانه "الشوقيات" ومحمد الهراوي (1885ـ1939) (2)، ثم كتابات كامل كيلاني وسعيد العريان وأحمد برانق وغيرهم تدخل عن يقين فى إطار الإبداع الجيد للأطفال.

وحينما تحمس كتاب الغرب والشرق إلى وجود أدب موجه خصيصاً للطفل كانت أمامهم مصادر كثيرة لجأوا إليها ليستمدوا منها مادتها الغزيزة ويبسطوها إلى وجدان الصغير، وسوف نعرض هنا لأهم هذه المصادر التى اعتمد ويعتمد عليها كتاب الأطفال.

أولا: الموروث الشعبي

ويطلق عليه في الغرب مصطلح "الفولكلور" الذي يدرس الثقافة التقليدية أو التراث الشعبي ويهتم دارس الفولكلور بكل شيء ينتقل اجتماعياً من الأب إلى الابن، ومن الجار إلى جاره مستبعدا المعرفة المكتسبة عقلياً، سواء كانت متحصلة بالمجهود الفردي أو من خلال المعرفة المنظمة والموثقة التي تكتسب داخل المؤسسات الرسمية كالمدارس والمعاهد والجامعات والأكاديميات وما إليها:

وطبقا لهذه النظرية الشاملة فإن هذا العلم يهتم بهذه العناصر: العادات الشعبية ـ المعتقدات الشعبية ـ المعارف الشعبية ـ الأدب الشعبي ـ الفنون الشعبية ـ الثقافة المادية (3).

ولكل أمة موروثها الشعبي الذي يحرص كتابها على تقديمه إلى أبنائها ـ صغاراً وكباراً ـ ومهما اختلفنا على إطارات وأشكال هذا الموروث، فإن من أهم سماته الاحتفاظ بما يتفق مع التطور والاستغناء عما تلفظه، وتعديل ما يستحق التعديل.

لهذا فإن عناصر هذا الموروث وأبطاله ورموزه وسيره وعاداته، تخترق الزمن، فيصل إلينا منها ما يحمل دلالات العصر، وما يمكنه أن يعيش في الوجدان العام بصرف النظر عن عنصري الزمان والمكان، وهي معطيات تحتفل بالقيم العليا التي تصدر عنها الوحدات الاجتماعية.

ويعد الأدب الشعبي أهم حلقة من حلقات التراث الشعبي ولا خلاف هنا على القول بعراقة الأدب الشعبي مثله في ذلك مثل كل عناصر التراث الشعبي، ولكن هذه الخاصية لا تعني الجمود على أثر شعبي بكل ما فيه من مضامين ووظائف ورموز ودلالات.

فالأدب الشعبي عريق، ولكنه حي يتردد بين الآحاد والجماعات، وهو لذلك يتطور بتطور الشعب (4).

ويمكننا أن نعرض لأهم مصادر الثقافة الشعبية التي يتكيء عليها كتَّاب الأطفال فيما يلي:

1ـ ألف ليلة وليلة:

تعد ألف ليلة وليلة، أو الليالي العربية كما أطلق عليها مترجمها الإنجليزي في مطلع القرن الثامن عشر ـ من بين الكتب القليلة الفريدة في تأثيرها في القراء، وفي حجم استقبالها ورواجها. وهي مجموعة من القصص تُحكى على لسان شهرزاد إلى الملك شهريار.

وتُعرف ألف ليلة بالفارسية باسم (هزار أفسانه) أو الألف خرافة، وسمي بدل ذلك ألف ليلة. أما اسم "ألف ليلة وليلة" فيرجع إلى أن العرب ـ في رأى المسعودي ـ كغيرهم من الشرقيين يتطيرون من الأعداد الزوجية. وربما كان لسبب آخر، وهو ميلهم المألوف إلى نوع من التسجيع في تسمية الكتب. وهذه التسمية العددية إنما قصد بها ـ في الكتاب الفارسي ـ عدد كبير من الحكايات غير معين. وأن التقسيم إلى ألف ليلة وليلة وضع في العصور المتأخرة، ويبدو ذلك في اختلاف النسخ المخطوطة من الكتاب، كما يشمل الجانب الأكبر من "ألف ليلة وليلة" على شواهد شعرية مصنوعة ركيكة (تبلغ 1420مقطوعة) (5).

وترجمة النسخة الفارسية إلى العربية في عصر هارون الرشيد وزيد عليها الكثير في الشام والعراق، وفي مصر خاصة، حتى استقرت على ما هى عليه الآن.

وترجمت الليالي على يد أنطوان جالان إلى الفرنسية عام 1704 ونقلت إلى اللغات الأخرى من هذه النسخة ومن العربية كذلك. وطبعت في القاهرة بالعربية عام 1297 وفي بيروت عام 1300 (6).

وتعد "ألف ليلة وليلة" من أقوى وأغزر المصادر التي استعان بها الكتاب لتقديمها للطفل لتميزها بعناصر التشويق والإثارة والخيال والخرافة والقيم والخير والشر، وكثير من الأسس التربوية المبثوثة في الكتاب.

وهنا ينبغي أن نلاحظ أمراً مهماً ونحن نتعامل مع الليالي، ذلك أن الفكر العربي ـ قديماً ـ لم يكن ينظر إلى الجنس والحديث عنه النظرة نفسها التي نحن عليها الآن، بل كان يراه جانباً من جوانب الثقافة العربية، تدل على ذلك قصائد الشعراء الكبار من أمثال أبي نواس والمتنبي وغيرهما وكذا كتاب النثر العربي مثل الجاحظ وغيره، ولهذا فإن القصص التي تتضمن تلك الإيماءات الجنسية العارية لم تكن لدى أجدادنا بالذي يعاقب عليه القانون.

ومع هذا فنحن أمام تراث شعبي عظيم، ومن واجب من يقترب منه ـ من أجل الأطفال ـ أن يدقق ويصطفي وينتقي، ويعيد صياغة قصصه بما يتلاءم مع وجدان الصغير المعاصر.

ومن الذين قدموا قصصاً للأطفال من ألف ليلة، كامل كيلاني (قدم عشر قصص) ثم قدم سلسلة أخرى بعنوان (قالت شهرزاد)، واستوحى منها سلاسل أخرى مثل (عجائب القصص ـ قصص فكاهية) وغيرها.

كما تناولها آخرون مثل محمد أحمد برانق وسعيد العريان وحسن جوهر وأمين العطار وأمين دويدار ومحمود زهران ومحمد شفيق عطا وعطية الأبراشي، وغيرهم من الكتاب المعاصرين فيما بعد.

وتعددت أساليب تقديم ألف ليلة للأطفال، فمن الكتاب من حافظ على محور القصة وأضاف من عنده بعض الأحداث الشائقة، لكنه لم يخرج عن الأصل وأبطاله، ومنهم من أضاف أبطالاً وأحداثًا في رؤية معاصرة، ومنهم من كتبها نثراً، ومنهم من كتبها شعراً مما يدلنا على ثراء هذه القصص وإمكان تقديمها إلى الطفل المعاصر.

2ـ كليلة ودمنة:

يعد كتاب "كليلة ودمنة" من أهم مصادر التربية الثقافية للطفل، اعتمد عليه كتاب كثيرون فى تقديم الحكمة والقيم والمثل للصغار على ألسنة الحيوانات (7).

وهو للكبار لا يصيبه القدم بمرور الزمن. وإنما يرى فيه كل عصر ما يشفي أوجاعه، ويُزكي طموحه الدائب إلى تغيير الواقع إلى الأفضل.

وتاريخ "كليلة ودمنة" هو تاريخ الحكمة المعلقة على ألسنة الحكماء حتى واجهوا بها السلطان فأفرغوها في رموز عميقة الدلالة. وكفوا أنفسهم عنت المساءلة والمحاسبة وهم يسوقونها في ألوان وأقنعة وإطارات، ظاهرها لهو للعامة، وباطنها سياسة للخاصة.

وبالرغم من اختلاف المؤرخين حتى الآن في كيفية نقل الكتاب من الهندية إلى الفارسية إلى العربية، وحول عدد أبوابه وترتيبها، وما زيد عليه، وحول أسبقية ناقليه ومترجميه، فإن الثابت أن الكتاب قد ولد على أيدي بيدبا الفيلسوف الهندي في أربعة عشر باباً على ألسنة البهائم والسباع والوحش والطير، ليقدمه إلى الملك دبشليم ـ من سلالة من قهرهم الإسكندر الأكبر حين زحف على الهند حوالي 226 ق.م ـ ثم نقله إلى الفهلوية ـ برزويه الطبيب الفارسي في عهد كسرى أنو شروان ثـم نقله ابن المقفع إلى العربية وزاد عليه في عام 750 في عصر الخليفة المنصور الذي حرص واليه سفيان بن معاوية على قتل ابن المقفع لتورطه في وضع نص الأمان الذي ضيق فيه على المنصور لصالح عمه عبدالله بن علي.

ويبدأ منذ هذا التاريخ اهتمام العالم شرقاً وغرباً بكليلة ودمنة، حيث نقل من العربية إلى لغات العالم الأخرى، ومن بينها الفارسية والهندية (لضياع الأصل الهندي والأصل الفارسي).

أما طبعات اللغة العربية المعاصرة، فإن أشهرها نسخة د. عبدالوهاب عزام العالمية عن مخطوطة مكتبة أيا صوفيا في اسطنبول المكتوبة عام 618هـ، ونسخة الأب لويس شيخو اليسوعي عن مخطوطة مكتبة دير الشير (739هـ)، ونسخة الشيخ خليل اليازجي، ونسخة محمد حسن المرصفي المتداولة في مصر.

وقد كان للكتاب أثر كبير في الأدب العربي وغيره من الآداب العالمية، فقد ألف على منواله كثيرون، منهم ابن الهبارية (المتوفي 1110) في كتابه "الصادح والباغم"، وأبو عبدالله القرشي في كتابه "سلوان المطاع في عدوان الطباع"، وابن عربشاه في كتابه "فاكهة الخلفاء" وغيرهم من العرب كثير.

ويعتبر لافونتين الفرنسي (1620ـ1696) أول من استلهمه في حكاياته والتي تداولها العالم بلغات متعددة، وأضاف لافونتين إلى استلهامه كليلة ودمنة، أعمالاً أخرى مثل خرافات إيسوب اليوناني، وحكايات لقمان، وبعض الحكايات العربية الأخرى.

وكان محمد عثمان جلال أول من ترجمه عن لافونتين في كتابه "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ"، وأحمد شوقي في "حكايات الأطفال" والتي جعلها في إطار سفينة نوح.

ثم توالت الأعمال المستلهمة منه نثراً وشعراً على أيدي كامل كيلاني، وعبدالله فريج وإبراهيم العرب وجبران النحاس وبرانق وغيرهم من المعاصرين.

ومن المسلم به أن التعامل مع كليلة ودمنة وقصصه، ينبغي أن يتحلى بالحذر والتفكير فليس كل ما يطرحه الكتاب يصلح أن يقدم للأطفال كما هو، وإنما هناك كثير من المحاذير التي تتطلب التروي وإعادة النظر فيما تطرحه قصصه من قيم وأخلاقيات وأسس تربوية تدخل إلى وجدان الصغير في ارتياح شديد.

وللأسف، وجدنا بعض هذه القصص التي قدمت للصغار لم يتنبه كاتبوها إلى هذه المزالق، ونأت عن الهدف من تقديم هذا المصدر للأطفال المعاصرين. ومن ثم فالتعامل مع حيوانات كليلة ودمنة ينبغي أن يراعي علاقة الطفل بهذه الحيوانات خاصة أطفال الريف وكذا الحذر في اختيار المضامين والقيم التى يقدمها النص الأدبي.

3ـ خرافات إيسوب:

وتنتمي هذه الخرافات أو الحكايات الخيالية إلى الأدب الإغريقي القديم، والذي عُرف بفن التقريع.

وإيسوب هذا ولد عام 620 ق. م، وعاش فترة من حياته عبداً يعاني أغلال الرق، لكنه اشترى حريته بالحيلة البارعة والذكاء النادر.

تقرب إيسوب إلى ملك مدينة ساروس، فأسره بحديثه وحكاياته وخفة ظله، فانتدبه الملك للسفر إلى بعض الولايات التي تحدث بها قلاقل وفتن مختلفة، لكي يفض المنازعات ويوقف الفتن والقلاقل عن طريق حكاياته وخرافاته على سبيل الإلهاء والحكمة معاً، لكن حياة إيسوب انتهت بالقتل في (دلفي) دفاعاً عن مطالبته بحياة الإنسان وإرساء الفضيلة والمحبة.

وكتبت سيرة إيسوب عدة مرات، من أهمها تلك السيرة التي كتبها أ.د. وينتل في عام 1943 وأراد أن يعيد تلك الخرافات الحكيمة إلى صاحبها فأفاد من الحقائق اليسيرة السابقة إفادته من الخرافات نفسها واحتفظ بمقومات العصر والبيئة ولم يخرج على شئ منها. (8).

وكان لافونتين أول من ترجم أعمال إيسوب ليضمنها خرافاته في القرن السابع عشر، ثم استمد منها مادته في العربية محمد عثمان جلال، وأحمد شوقي، وغيرهما.

وهذه إحدى مواقف إيسوب التى نسوقها هنا لندرك مدى حكمة هذا الرجل:

"ألقى إيسوب خطاباً ذات يوم في أثناء اجتماع عام في مدينة (ساموس) وذلك بعد صدور

حكم بالحبس مدى الحياة ضد أحد السياسيين المشاغبين، واستهل إيسوب حديثه بقوله: حاول أحد الثعالب عبور نهر، فأصيب بجرح بليغ من جراء اندفاع المياه، فراح يحاول معالجة جرحه دون جدوى، وكان عليه أن يتحمل آلامه بعد أن عششت داخل الجراح القُراد، تلك الحشرة التى تعيش على امتصاص الدماء من مصادره الأصلية.

ومر على الثعلب قنفد فتأثر لحال الثعلب وتطوع لإنقاذه من القراد. فرفض الثعلب طلب القنفد قائلاً: لا أريد منك ذلك. فأنا أخشي بعد أن تنزع من جسمي هذه القرادات التى ملأت بطونها من دمي أن تهاجمني قرادات أخرى أكثر جوعاً وشراسة، فتقضي على!

ثم قال إيسوب: إن ما فعله القراد بالثعلب يشبه ما فعله بكم هذا الرجل، لقد أصبح هذا الرجل غنياً بحيث لن يؤذيكم بعد اليوم، فإن قتلتموه اليوم، ظهر سواه جائعاً فيتحكم برقابكم ويقضي على آخر ما لديكم من مال."

إن حكم إيسوب مملوءة بالذكاء والطرافة، وبالقيم الإنسانية، والتفكير السليم، تلك الأمور التى يمكن أن نستقي منها ما يلائم عقلية الصغير مع شئ من التبسيط فى العرض.

4ـ أمثال لقمان الحكيم:

تعود خرافات وأمثال لقمان إلى عهد قديم جداً، وقد وردت أكثرها في العهد القديم، بعضها على لسان الحيوان، وبعضها مواعظ وأمثال اشترك فيها الإنسان والطبيعة، لكنها صيغت بعد ذلك وأضيفت إليها وأصبحت من المصادر الفولكلورية لأدب الأطفال.

هي إذن تنتسب إلى العبريين، وقد استخدموها منذ أبعد العصور، تحت اسم (فن الأبولوجيا) حيث درج الأمراء منذ طفولتهم الباكرة على سماع الملقي، وحيث كان أكثرهم يرقون العروش ليمارسوا حكماً استبدادياً مطلقاً فلا يجرؤ أحد على أن يبذل لهم النصح إلا مقنعاً خشية أن ينال الموت جزاء اجترائه على جرح كبريائهم، ومن ثم ساق الحكماء حكمهم تحت قناع رمزي هو فن (الأبولوجيا) (9).

وهناك من يؤكد أن لقمان هذا هو الذي جاء ذكره فى القرآن وأنه عاش الجاهلية على حين ينفي هذا آخرون وينسبونه إلى عصور أقدم من العصر الجاهلي.

وعلى أية حال نحن أمام أمثال تعد مصدراً ملهماً لأدب الصغار. وأسوق هنا إحدي هذه الحكم:

"مرض أسد فذهب إليه الثعلب ليعوده ووقف ببابه قائلاً: كيف أنت يا ملك الوحوش فرد الأسد: لم لا تدخل يا أبا الحسن. وكان جواب الثعلب: لأني اقتفيت آثار أقدام الحيوانات التى زارتك قبلي فوجدتها قد دخلت ولم تخرج!"

والمغزى بالطبع: لا يجوز الإقدام على عمل قبل تمحيصه والتروي في نتائجه.

يمكننا إذن أن نتعامل مع أمثال لقمان ونقدمها للصغار، كما تعاملنا مع كليلة ودمنة وإيسوب.

5 ـ السير الشعبية:

لم تصل إلينا السير الشعبية التي أنتجها الخيال العربي والتي نعدها ذخيرة أدبية كبيرة، وإنما وصل إلينا مجموعة قليلة منها هي: عنترة بن شداد ـ ذات الهمة ـ فتوح اليمن ـ السيرة الهلالية ـ الظاهر بيبرس ـ سيف بن ذي يزن ـ حمزة البهلوان ـ علي الزيبق ـ فيروز شاه ـ أحمد الدنف، وغيرها كثير لم يصل إلينا.

والسير الشعبية كانت تطوراً فنياً لمراحل فنية أخرى سبقتها في الوجود، ذلك أن تاريخنا الأدبي ينقل لنا في أولى مراحله أشتاتاً من حكايات تدور حول العالم العربي القديم قبل الإسلام (10) وأول هذه السير التي عرفناها، سيرة عنترة بن شداد.

ونلاحظ أن السير الشعبية قد مرت بمراحل كثيرة حتى وصلت إلينا في صورتها النهائية فقد تعدد رواتها. وأضاف كل منهم ما رآه ملائماً لعصره حتى جاء العصر الفاطمي. حيث كتبت أغلب السير من مجموع ما وصل إلى هذا العصر من الروايات المختلفة.

وجاءت السير الشعبية تصويراً حياً للبطل العربي الذى لا يقهر، وتتضافر هذه الصورة مع الأبطال الجانبيين في محاربة الشر الذي يرمز له ويسمى في كل السير الشعبية بالكفر والخروج على الدين والعودة إلى عبادة الأوثان، فكأن فكرة الخير والشر قد تشكلت في هذه السير تشكلاً إسلامياً يتآلف مع العقيدة الإسلامية ولا يختلف معها. ولهذا تقسم السير البشر إلى عالمين: عالم المؤمنين وعالم الكفار والملحدين. وأيضاً تسوق إلينا عالم الجن والشياطين والسحرة والكهان بين الإيمان والكفر أيضاً. ومن ثم تدور المعارك، وتضيق المواقف وتنفرج، في تشويق بالغ وتصوير فائق.

ولقد قدمت السير الشعبية في أشكال مختلفة من التبسيط والتيسير والتلخيص إلى الكبار والصغار على أيدي كثرة من كتابنا المتحمسين لها من أمثال: محمد سعيد العريان، وفريد أبو حديد، ومحمود برانق، وعباس خضر، وفاروق خورشيد، والحق أنها ذخيرة لا تنفد مهما قدمت في أشكالها، وزاد لا ينتهي حينما نقدمها مصدراً جيداً من مصادر ثقافة الطفل العربي لا تقل قيمة ـ إن لم تتفوق ـ على هؤلاء الأبطال المعاصرين الذين يتفوقون بالبنورة السحرية، والكومبيوتر، وغيرها من الأدوات العصرية.

6ـ الحكايات الشعبية العربية:

تحفل كتب الأدب العربي بالقصص القصيرة والحكايات الشعبية التي تصور حياة العرب في الجاهلية والإسلام من خلال مواقف للكرم والفروسية والتسامح والصبر والشجاعة والاقتحام والصدق، وغيرها من الصفات التي يتحلى بها الإنسان الكامل.

وقد جمعت مثل هذه القصص في مصنفات كثيرة واجتهد كل جامع لها في أن يسوق منها أشهرها وأقلها شهرة.

كما أن قصص الأمثال العربية ـ الشعبية ـ تدل على حكمة هذه الأمة العريقة، فالمثل العربي هو تلخيص حكيم لتجربة حياة، أو لموقف نموذج يمكن أن يحدث لإنسان فى أي زمان ومكان، ومن ثم كان وراء كل مثل حكاية (11).

كما أن الأدب العربي كذلك فيه شخصيات نموذجية تدور حولها حكايات ومواقف وتصبح الشخصية بطلاً تعرف به هذه الحكايات.

وكل هذه الحكايات تمثل كنوزاً تراثية تدعونا إلى أن ننبشها ونستخرجها ونعيد صياغتها لأبنائنا فى أسلوب مبسط وعلى أسس تربوية ملائمة.

وقد اجتهد كثير من كتاب الأطفال في تقديم ما أمكنهم من هذه الحكايات في صور مختلفة قصصية وشعرية ومصورة، وما زال الكثير من هذه القصص تدعو إلى تقديمها (12).

ثانيا: الأساطير القديمة

ترتبط الأسطورة دائما ببداية الإنسانية أو بداية البشر، حيث كانوا يمارسون السحر ويؤدون طقوسهم الدينية التي كانت ـ في تصورهم ـ سعياً فكرياً لتفسير ظواهر الطبيعة.

ويعرف المعجم الفلسفي ـ الأسطورة ـ بأنها قصة خرافية تدور حول كائنات وهمية تصدر قوى طبيعية تكون الأحداث فيها رمزية ـ ويضيف المعجم ـ إنها صياغة فكرية أو نظرية فأفلاطون مثلاً يستخدم الأسطورة في المسائل الفلسفية الكبرى، فهو يصور المثل تصويراً أسطورياً، سواء فيما يتصل بماهيتها أو بصلتها بعضها ببعض، أو بصلتها بالمحسوسات كما أنه يستخدمها فيما يتصل بالله.

وللأساطير تقسيمات كثيرة لكنها يجمعها أربعة أنواع هى (13):

أ/ الأسطورة الطقوسية. وقد ارتبطت أساساً بالعبادة ـ مهما يكن شكلها وطريقتها وعنيت بإثبات الجانب الكلامي من الطقوس الدينية قبل أن تصبح (حكاية) لهذه الطقوس.

ب/ الأسطورة التعليلية. وقد وجدت طريقها إلى الوجود بعد ظهور فكرة وجود كائنات روحية خفية في مقابل ما هو موجود في الظاهرة، ويتصل بها السحر، وعالم الروح.

ج/ الأسطورة الرمزية. وفيها نرى صفات الإنسان تُخلع بسخاء على الآلهة. كما نري الإنسان قادراً على مواجهة تحديات السماء. وينتصر غالباً على ما نرى في أساطير الإغريق والمصريين والهنود.

د/ الأسطورة التاريخية. وبطلها مزيج من الإله والإنسان. أو قد تكتفي فترفعه إلى طبقة الأولياء، في محاولة لتجسيد فكرة الخير والشر ـ مثلماً نرى في علي بن أبى طالب، والسيد البدوي، ويوحنا المعدان.

وللعرب أساطيرهم القديمة المرتبطة بالأوثان، وبعصور الطوفان وعصر العماليق، وعاد وثمود وغيرها من الأحداث والأبطال. ومنها ما كتب شعراً ومنها ما كتب نثراً. ومنها ما كتب مزيجاً من الشعر والنثر.

وتعتبر الأسطورة لوناً من ألوان (التفريغ الشعوري) لدى الإنسان، ولهذا أوجدها الإنسان لكي يحقق بها أحلاماً في غير طاقة البشر.

وحينما نتناول الأساطير ونقدمها لأطفالنا، فنحن أمام مآزق كثيرة، لكنها سهلة غير معقدة إذا انتبهنا إلى عناصر الخيال والقدرات الإنسانية الخارقة، وتجسيد فكرة الخير ودحر الشر وغيرها مما يؤكد القيم الخالدة في وجدان الصغار.

وتتدخل البيئات في إخراج الأسطورة وصياغتها. ويرتبط ذلك بالعقائد والتقاليد والسلوك الاجتماعي والتطور التاريخي وغيرها من الظروف المتشابكة التي تلعب دوراً في تلوين الأساطير.

ثالثا: قصص الكتب المقدسة

والكتب المقدسة ثلاثة: التوراة ـ الإنجيل ـ القرآن.

وهي مملوءة بالمواقف والقصص الإنسانية والدينية التي تعتبر مصدراً مهما من مصادر أدب الأطفال.

وتتلخص محاذير تقديم هذه القصص في عالمنا العربي والإسلامي في صعوبة تقديم كثير منها مسرحياً خاصة تلك التي ينتمي أبطالها إلى طبقة الأنبياء والمرسلين أو الصحابة، هذا إلى جانب صعوبة التعبير عن هؤلاء الأبطال بالرسم في الكتب. ولهذا يلجأ الفنانون إلى التعبير غير المباشر، أي حول الشخصية.

وتعتبر قصص الكتب المقدسة، وأيضاً سيرة الرسول الكريم وغزواته، من أكثر الكتب قرباً إلى وجدان الناشئة، فهم يجدون فيها زادهم الروحي. ومثلهم العليا. وقيمهم الدينية المفتقدة.

والحق أن جوانب كثيرة من هذه القصص والمواقف لم تقدم بعد، وندعو الكتاب إلى الاقتراب منها بحب وصبر وحاسة دينية مخلصة.

رابعا: التأليف

ويعتمد التأليف ـ بالطبع ـ على الإبداع الخالص، نثراً وشعراً، وهو لا يعتمد على مادة سابقة، وأيضاً لا يقتبس أو يلخص أو يعيد صياغة، وإنما هو خلق جديد تماماً.

وأعتقد أن ساحة الطفولة اليوم يقل فيها التأليف ـ أي الخلْق الجديد ـ ويكثر فيها الإعداد والاقتباس وإعادة الصياغة ـ نثراً وشعراً ـ وربما يلجأ الكتاب إلى هذا لطغيان المادة السابقة وطرافتها وملاءمتها وثرائها بكل ما يريده الكاتب المعاصر وأحسبها مادة لن تنفد أبداً.

خاتمة

تعرفنا على المصادر المختلفة التي يعتمد عليها كاتب الأطفال في تقديم إبداعه، ويمكننا أن نخلص إلى بعض الملاحظات الهامة في هذا الصدد:

1ـ إن الكاتب الذي يعتمد على مصادر قديمة أمام عالم يفصله عنه أزمنة طويلة، وقيم قد تختلف عن قيمنا المعاصرة وعناصر اجتماعية وثقافية وفكرية متغيرة عن مثيلتها المعاصرة، ومن ثم تأتي أهمية التدقيق فى اختيار الموضوع ومعالجته وإعادة صياغته في ضوء العصر، وفي ضوء هذه المحاذير جميعاً.

2ـ إن القوة أو المثل الأعلى للصغير من العوامل المهمة التي تقوم عليها الشخصية السوية، ولهذا فإن حسن الاختيار والدقيق للبطل وللأحداث يحدد تأثير القصة إما إيجاباً أو سلباَ.

3 ـ إن ألوان الإبداع المختلفة يمكن أن تحمل هذه المضامين كل بأسلوبه الخاص ـ قصة ـ أو شعراً ـ أو رواية ـ أو مسرحاً. فالمهم هنا امتلاك الكاتب لأدوات فنه وتمكنه من لغته. وفهمه لسيكولوجية الطفل الذى يكتب له.

4ـ إن عنصري التشويق والمتعة يمثلان ركيزتين مهمتين في الكتابة للطفل، فالطفل لا يحكمه فقط ميله القرائي، ولكن يحكمه مزاجه الخاص، وإحساسه بالمتعة والتشويق في النص الذي يقرؤه. ولاشك أن عناصر البساطة والخيال والإثارة والصدق والجمال جميعاً مهمة في هذا المجال.

5ـ إن الطفل يريد منا الكثير، فهو يريد أن نتعامل معه على أنه رجل ـ صغير السن ـ ذكي، له حقوقه التي تتلاءم مع مراحل عمره بل يريد منا أن نساعده على تنمية ملكاته وقدراته وخياله واستمتاعه بحياته. ونساعده أيضا على أن يضيف الكثير إلى قاموسه اللغوي، وإلى مخزون معرفته، ونري أن مثل هذه العناصر يجب أن يضعها الكاتب في حساباته وهو يكتب للطفل.

6ـ وأخيراً. يريد منا الطفل أن نكتب له بحب وإخلاص وفهم لشخصيته المتفردة، وأن نضع أنفسنا مكانه حينما نكتب حتى نضمن وصول الرسالة التي نود أن تصل إليه.

* إحالات:

(1) أنظر تفصيل ذلك في كتابنا "أطفالنا في عيون الشعراء" فصل: التربية والتعليم فى مصر القديمة.

(2) أنظر: محمد الهراوي شاعر الأطفال: تحقيق ودراسة أحمد سويلم 1987 المركز القومي لثقافة الطفل، القاهرة.

(3) علم الفولكلور جـ1 د. محمد الجوهري ـ دار المعارف 1978 ص 53.

(4) التراث الشعبي ـ د. عبدالحميد يونس ـ دار المعارف 1979 ص21.

(5) ألف ليلة وليلة ـ دراسة تحليلية ـ ليتمان ـ ترجمة إبراهيم خورشيد وآخرين ـ كتب دائرة المعارف الإسلامية، دار الكتاب اللبناني ـ 1982 ص 32 وما بعدها.

(6) أنظر في ذلك كتباً كثيرة أهمها: "ألف ليلة وليلة" ـ سهير القلماوي ـ دار المعارف 1976. و"ألف ليلة وليلة في النقد الإنجليزي (1704ـ1910)" د. محسن الموسوي ـ دار الرشيد للنشر بغداد 1982. و"الموسيقي والغناء في ألف ليلة وليلة" د. حسين نصار ـ منشورات اقرأ، بيروت 1980. وغيرها كثير.

(7) أنظر: كليلة ودمنة. الأصل والتأثير بين الترجمة والنظم: أحمد سويلم ـ مقال فى الأهرام الدولي 1/8/1988.

(8) أنظر: إيسوب. أ. د. وينتل ترجمة د. مختار الوكيل. سلسلة ألف كتاب، لجنة البيان العربي 1956.

(9) أنظر: حكايات من لقمان، تعريب: عبده حسن الزيات، لجنة التأليف والترجمة 1948.

(10) أضواء على السير الشعبية ـ فاروق خورشيد ـ المكتبة الثقافية (101) وزارة الثقافة 1964 ص24.

(11) حاول المؤلف أن يجمع 30 حكمة و30 حكاية وكتب 30 مقطوعة شعرية تترجم هذه الحكم للناشئة في كتاب واحد هو "حكمة الأجداد" مؤسسة الخليج العربي ـ 1989. مثل حكايات جحا، وحكايات أشعب، والأذكياء والحمقى، وغيرها.

(12) أنظر: قصص العرب محمد أحمد جاد المولي وآخرون 3جـ ـ عيسي الحلبي 1971. فقد صيغت بدقة، بحيث أصبحت أحد المصادر الممتعة لأدب الأطفال ـ وكذلك أنظر كتب الأمثال العربية المختلفة.

(13) الأساطير: د. أحمد كمال زكي ـ المكتبة الثقافية ـ هيئة الكتاب ـ 1985 ص4.



"لو عدى وفات" قصيدة للأطفال بقلم عبده الزراع

لو عدى وفات
عبده الزراع
ـــــــــــ
أنا قطر بعجلات
يمشى ويتعاجب
زى البهلوانات
* * *
يجرى فرحان
بمحطاته
يوصل وبسرعة
ف أوقاته
ولا عمره اتعطل
ف حياته
يمشى مظبوط
* * *
زى النغمات
أنا قطرى طويل
ونهاره وليل
بيقول ديد .. ديد
أضحك يا فريد
وكمان يا سعيد
على قطر جميل
لو عدى جميل
لو عدى وفات
يسعد أوقات

السبت، 25 ديسمبر 2010

"القطة المزعجة والكلب الصامت" قصة مترجمة للأطفال بقلم تشن ليانج

القطة المزعجة والكلب الصامت
تشن ليانج
ترجمها من الصينية إلى الإنجليزية (لي هونج)

كان هناك في سالف العصر والأوان رجل لديه قطة لتصطاد له الفئران وكلب ليحرس بيته.

ولكن القطة كانت تموء وتموء طوال اليوم حتى أنها جعلت الفئران تختبئ ، ولم تكتف القطة بأنها لم تمسك بفأر واحد ، بل إن الرجل لم يكن يستطيع النوم بسبب صوتها.
وغضب الرجل غضبا شديدا لدرجة أنه أمسك بسوط وأخذ يضرب القطة ضربا مبرحا.

"من قال لك تُصدرين هذه الضوضاء ؟"
صاح بها "
لا تفعلي ذلك مرة أخرى أبدا !"

"لا تُصدر أي ضوضاء"
قال الكلب لنفسه عندما رأى ما حدث للقطة.
"إذ إنه سوف يضربك لو فعلت ذلك."

وفي تلك الليلة تسلل لص إلى البيت وانصرف بعد أن سرق عددا كبيرا من الأشياء.
ورآه الكلب ولكنه لم يجرؤ على النباح.

وعندما اكتشف الرجل السرقة في الصباح التالي ، أمسك بالكلب وأوسعه ضربا.

"لماذا لم تنبح عندما رأيت اللص ؟"
صاح به.
"لماذا لم تُصدر ضوضاء ؟"

وهكذا فإنك تُعاقب بالضرب ، بطبيعة الحال ، لو أحدثت ضوضاء عندما لا ينبغي لك أن تفعل ذلك ، أو عندما لا تصدرها حين ينبغي عليك أن تفعل.


"الحظ السيئ يهرب من الذكاء"قصة للاطفال بقلم محمود أبو فروة الرجبي

الحظ السيئ يهرب من الذكاء
محمود أبو فروة الرجبي

بكت الدجاجة كثيراً حينما اكتشفت أن الثعلب أكل أحد أبنائها هذه المرة أيضاً. فجلست بجانب بيتها تبكي.
مر عليها الأرنب، وقال لها:
لماذا لا تشكينه للأسد -ملك الغابة-؟
فعلت ذلك.. لكن شيئاً لم يتغير.
إذا اهربي واسكني في مكان بعيد يحفظ لك أبناءك وبناتك.
بدأت الدجاجة تتجول في أماكن مختلفة من الغابة، وبينما كانت بالقرب من بيت مهْجور على أطراف الغابة، سمعت بعض الرجال يتفقدون المكان، وكان كبيرهم يقول:
هذا مكان مناسب يمكن ان نختبئ فيه لصَيد الثعالب.. سنحصل على فرو رائع يجلب لنا الكثير من المال.
وقال آخر:
لن يعتقد أحد أن هناك رجالا يختبئون في هذا المكان المدهش.
تركت الدجاجة المكان، وهي حزِينة، وقالت لنفسها:
حظي سيئ.. كان ذلك المكان المهجور رائعاً للاختباءِ من الثعلب الشرير..
وبينما كانت الدجاجة تواصل سيرها، خطرت لها فكرة.. فقالت لنفسها:
سمعت الغزال الحكيم يقول ليس هناك حظ سيئ بل سوء عمل، وعدم تخطيط.
عادت الدجاجة وقالت لنفسها:
سوء عمل، وعدم تخطيط، إذا سأفكر وأضع خطة لإنقاذ عائلتي.
بسُرعة.. أخذت الدجاجة تركض، وقد خطرت لها فكرة. راحت تبحث عن الثعلب، وحينما رأته يقف بالقرب من شجرة، اقتربت من صديقها الأرنب الذي كان هناك، وقالت له:
صديقي الأرنب.. وجدت مكاناً رائعاً أستطيع فيه أن أضع صغاري دون أن يصل إليهم الثعلب الشرير.
ابتسم الثعلب بخبث، بينما تابعت الدجاجة:
انه البيت المهجور على طرف الغابة.. لن يخطر ببال ذلك الشرير أنني سأضع صغاري هناك.
ضحك الثعلب كثيراً، وقال لنفسه:
إذا سأذْهب وأختبئ في ذلك البيت، قبل أن تأتي الدجاجة بصغارها، سأحصل كل ليلة على وجبة دسمة دون أي تعب.
أسرع الثعلب نحو البيت المهجور، وبمجرد دخوله هناك وجد خمسة من الصيادين المسلحين يرفعون بنادقهم في وجهه.
بصَراحة.. لم ير أحد الثعلب بعد ذلك اليوم، أما الدجاجة ففرحت كثيراً، وقالت:
حظي لن يكون سيئاً ما دمت أفكر وأخطط وأنفذ.. يحيا الذكاء.



الجمعة، 24 ديسمبر 2010

"المكسب و الخسارة" قصة للأطفال بقلم محسن يونس

المكسب و الخسارة
محسن يونس

قال الأرنب : من طلب شيئا وجده ..
وهرب إلى جحره ، لا يطلب شيئا إلا النجاة النجاة ..
أما الغزال ، فقال : أنا لا أعلق الجرس في عنقي ..
واختفى عن الأنظار خلف أجمة ترتفع حشائشها إلى الأعناق ..
أما الفيل ، ووحيد القرن فقد انطبق على حالهما هذا القول : " أشرى الشر صغاره "
أما النمر – وكان بالقرب – فقد مشى رويدا رويدا ، وهو متيقن أن الجائزة من نصيبه ..
والذي حدث يفسر ويوضح كل هذه الأقوال ، وكل هذه الأفعال .. فانتبهوا ..
التقى الفيل ووحيد القرن على كره ، والكره يفتح أبواب الشر ، وأول أبواب الشر المفاخرة ..
رأى النمر أن مقتل الفيل بين فكي الفيل نفسه ، وكذا مقتل وحيد القرن يأتي بين فكي وحيد القرن ، وسوف يكون فك النمر براء من القتل ، ولأمر في نفسه توقف ..
كان الفيل يصيح في وجه وحيد القرن : أنا أقوى منك ..
تحسس النمر طريقه ، ونكأ الجرح ، وغمز وحيد القرن قائلا : هل تسكت ؟!
ابتلع وحيد القرن الطعم ، فأرعد : أنا الأقوى ..
رسم النمر على وجهه علامات الدهشة والتعجب ، وهو يقول للفيل : أنت بلا شك أكبر حجما ..
استحسن الفيل هذه الملاحظة ، ولكنه لم يهنأ بها طويلا ، إذ التفت النمر إلى وحيد القرن ، وقال له : أنت بلا خرطوم يا خرتيت ..
حول وحيد القرن قول النمر إلى تعريض ساخر بالفيل حين ضحك ، وهو يقول : هذا صحيح .. ليس لي خرطوم .. ها . ها . ها . ها ..
وقف الفيل كمن كلف إحضار مخ بعوضة !!
صاح النمر : هل تسكت ؟!
قال الفيل ، وهو يعود لامتلاك زمام نفسه : أنا لي سنان من العاج .. أما أنت فوحيد السن ..
وجاء الدور على وحيد القرن ليصمت أمام هذه الحقيقة ..
تحرك الفيل ليغادر المكان منتشيا بالنصر الذي حققه ..
أسرع النمر يقول لوحيد القرن : أنت أسرع من الفيل إذا عدوت ..
تراجع الفيل إذ سمع النمر يقول أيضا : أقارب الفيل يشتغلون في السيرك .. رفع خرطومه بفخر في الهواء ، ووقف على قدم واحدة من أقدامه ، ثم اعتدل ، وقال بفخر : هذا شيء لا يعرفه جنس وحيد القرن .
عند هذا زمجر وحيد القرن ، ونفر ، وأخرج الزفير من منخاريه صارخا: أقاربك يا فيل خدم عند أصحاب السيرك ..
ابتعد النمر قليلا ، وأفسح للغريمين عند انتهاء وحيد القرن من تعريضه بسلالة الفيلة ، فهذا انتهاء لشيء ، وابتداء لشيء ، والنمر يعرف ..
التحم الفيل ووحيد القرن ، وعلا الغبار ، وكثر الجري والطعن ، فالزيت في العجين لا يضيع .. وهذا قول عرفه النمر وخبره ، لأنه دعا أصدقاءه النمور إلى وليمة طيبة من لحم الفيل ، ولحم وحيد القرن ، ظل النمر لمدة طويلة يقسم أن لحم الأحمقين أطيب لحم استمتع بطعمه واستلذه .


الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

"حكاية الغراب والحمامة" قصة للأطفال بقلم أحمد قرني

حكاية الغراب والحمامة
أحمد قرني محمد

اقترب موسم الشتاء
الطيور جميعها مشغولة ببناء أعشاشها , البرد سيهاجم الغابة لذلك فالطيور تنشط وتعمل بجد وحماسة , الكل يعمل ما عدا الغراب الكسلان الذي يقضي يومه في اللهو واللعب , يتنقل من شجرة إلى شجرة سعيدا بقوته, يفرد جناحيه في الهواء , وتارة يسير على الأرض . الغراب لا يفكر في العمل مثل بقية الطيور ولن يبني له عشا.
العش الجميل
الحمامة تصحو مع شروق الشمس لتعمل في بناء عشها الجميل لكي يحميها من
برد الشتاء القادم الطيور تتحدث عن جمال عش الحمامة وكيف صنعته بإتقان وفن رأوها تجمع القش من أطراف الغابة وتحضر الأوراق من أشجار بعينها ولأنها ماهرة في صنع الأعشاش فان عشها الجميل سيكون أحسن عش في الغابة يجلب الدفء في الشتاء الحمامة تصحو مع قدوم الشمس من أجل العمل وتفرد جناحيها على الهواء عندما تطل الشمس بوجهها على الأرض .. وتقول صباح الخير يا شمس .. وتملأ الغابة مع أصحابها بالسعادة والسرور ..
الطيور كلها تغنى في سعادة .. والحمامة معهم تحمل القش وتصنع العش الجميل
الشمس تقبل من بعيد تقول هيـا يا صــغار
هيا الى يـوم جديـد نسعـى بجـد واقتـدار
اشرقت من بعد المغيب اشرقت من حضن الكسل
اشرقت والصبح الحبيب هيـا الى وقت العمـل
هيـا الى الشباك طـل تلقاني بالنـور اطل
وغمرت كونك بالضياء ورحـت اعطي لا امل

شتاء وبرد
اقبل الشتاء وغطى الثلج الأبيض الغابة واختفت الغصون الخضراء ودخلت الطيور أعشاشها لتستمتع بالدفء وتنعم بالراحة وقد اصفرت أوراق الأشجار
وتساقطت على الأرض وسكتت الحياة في الغابة ..
صار الغراب وحيدا يتنقل على غصون الأشجار يبحث له عن مكان يقيه من البرودة الشديدة فلا يجد وقد مر على أصحابه جميعا فلا يستقبله احد وأصبح بمفرده يندم على كسله في العمل وقد رأى الطيور جميعا تعمل في بناء أعشاشها ما عدا هو .. فعرف انه أخطا في حق نفسه بعد أن فات الوقت واصفرت كل الأوراق ولا يمكنه الآن في هذا الجو أن يبني له عشا يسكن فيه مثل بقية الطيور وبدا ريشه يتساقط وجناحاه يضعفان وفكر كيف أن يتغلب على مشكلته
احتلال
سمع الغراب ما تردده الطيور عن جمال عش الحمامة الذي تعبت في بنائه أيام كثيرة ...وأحضرت له القش الجيد من أماكن بعيدة في أطراف الغابة , لكي تبطن به عشها ليمنع تسرب البرد إليه ويمتلئ بالدفء ,,,
الجميع يعرف أن الحمامة لها خبرة جيدة في اختيار الأوراق التي تصلح لبناء عش جميل .
جلس الغراب على غصن الشجرة وقال:
- لا بد أن استولى على عش الحمامة
- إنها طيبة ومسالمة ولن تقاومني ..
اخذ الغراب ينفذ خطته الشريرة في الاستيلاء غلى عش الحمامة . بدا يراقب الحمامة عن بعد وعندما خرجت الحمامة ذات يوم لإحضار بعض الطعام تلفت الغراب يمينا ويسارا وهبط على عش الحمامة المسالمة وعندما دخل أحس بالدفء يسري في جناحيه وقال في نفسه.... سأقضي الشتاء كله هنا أنعم بالدفء داخل عش الحمامة الذي تعبت في بنائه وأخذته أنا بلا تعب وابتسم الغراب لنفسه وقال : حقا إن الحمامة تجيد صنع الأعشاش كما يقولون عنها ...

المواجهة
عادت الحمامة متعبة مجهدة من عملها في جمع الحبوب اللذيذة طوال النهار .. حملت طعامها وهبطت على عشها قبل أن يحل الليل بظلامه ., ويشتد البرد عليها وكانت المفاجأة عندما رأت الغراب داخل العش صرخت الحمامة وبكت وهزت جناحيها الضعيفين إلا أن الغراب لم يتحرك ساكنا وظل راقدا في عش الحمامة تجمعت الطيور والحيوانات على صراخ الحمامة وعندما رأى القرد الطيب ذلك قال في أسف وهو يتعلق بيديه في غصن الشجرة العالية ...
- مسكينة الحمامة المسالمة الطيبة ماذا تفعل مع
الغراب المعتدي انه ذو مخالب وأجنحة قوية ليس أمام الحمامة إلا أن تستسلم ..
هدأت الحمام بعد أن رأت أن الغراب لن يخرج من العش ولن يستجيب لبكائها
وأنينها وفكرت فيما تفعل ... وعندما رآها الهدهد توقف عن ثقب الأرض بمنقاره بحثا عن الطعام , وقال للحمامة :
- أنصحك يا مسكينة ألا تواجهي الغراب الشرس لا
طاقة للطائر الضعيف مثلي ومثلك على المواجهة ..
- لكن الغراب استولى على عشي يا هدهد العش الذي تعبت في بنائه كما تعرف
- اعرف لكن هذا أمر واقع والغراب استولى عليه ولن تستطيعي أن تفعلي شيئا معه
عاد الهدهد يثقب الأرض , ومضت الحمامة حزينة لا تدري ماذا تفعل لتواجه هذا المعتدي وبعد دقائق من التفكير صاحت فجأة ..
- ليس أمامي إلا سيد الطيور النسر سوف اذهب إليه
وحتما سيساعدني
رفرفت الحمامة بجناحيها فحملها الهواء إلى أعلى وطارت إلى أن شاهدت قصر سيد الطيور . .. عشا ضخما يزينه الريش الجميل من كل جانب وتحيط به الورد ويقف على بابه الحراس بينما سيد الطيور النسر العظيم يجلس على عرشه بالداخل استأذنت الحمامة فآذن لها النسر بالدخول
واستمع إلى شكواها وما جرى لها من الغراب المعتدي الذي استولى على عشها وختمت الحمامة حديثها إلى سيد الطيور قائلة : وأنا جئت إليك يا سيد الطيور أيها النسر العظيم بعدما سمعت عن بطولاتك العظيمة في حماية الغابة من الأعداء وحياتك التي كلها كفاح حتى لقبك الجميع بسيد الطيور ..
- جئت إليك لتساعدني وتعيد إلي عشي
وقف النسر العظيم وحينها اهتز القصر وارتجف الجميع ونظر إلى الحمامة وقال:
- شكرا لك يا حمامة أنا فعلا قضيت عمرا طويلا في الكفاح
ضد الأعداء وقد تعلمت شيئا مهما جدا أريدك أن تعرفيه ..
ردت الحمامة المسالمة :
- وما هو يا سيد الطيور ؟
- انه لن يحمي عشك يا حمامة غيرك
-ماذا تقصد يا سيد الطيور ؟ هل يعني هذا أنك لن
تساعدني ؟
-يجب عليكِ أولاً أن تدافعي عن عشكِ وحقكِ وألا
تفرطي في عشك بهذه البساطة
- لكن أنا ضعيفة ومسالمة , والغراب طائر قوي وشرس
- أنتِ صاحبة العش وصاحب الحق أقوي من المعتدي
- أتقصد يا سيد الطيور أنه يمكنني التغلب على الغراب بمفردي
- كيف وأنا ضعيفة وهو قوي ؟
- كل مخلوق له نقاط ضعف ونقاط قوة , والقوة ليست في المخالب والأجنحة , القوة في العقل والتفكير , ابحثي عن نقاط قوتك
خرجت الحمامة من قصر سيد الطيور حزينة آسفة لأنه لم يساعدها , وتخلى عنها وتأكد لها أن العش قد ضاع إلى الأبد.
وفي الطريق قابلها القرد الطيب ولما سألها عما حدث بينها وبين سيد الطيور , حكت له ما حدث قفز القرد الطيب من على الأرض , وتعلق بالغصن ونظر إلى الحمامة الحزينة :
- سيد الطيور عنده حق يا حمامة , يجب أن تبحثي عن نقاط قوتك
فكرت الحمامة في معنى كلام القرد , ومن قبله كلام سيد الطيور , فوجدته معتدلاً وسليماً , وقررت أن تواجه الغراب المعتدي , ولكنها لم تكن تعرف من أين تبدأ وحين تذكرت شيئاً مهماً صاحت فجأةً :
- أنها فكرة عظيمة , سوف أذهب إلى مكان النبات الأحمر الذي
شممت رائحته ذات مرة فأصابني الدوار , وكدت أقع على
الأرض , أنه هناك في أطراف الغابة وسوف أحضر معي بعض
أوراقه , وألقيها في العش , وعندما يشمها الغراب دون أن يدري
يفقد وعيه ولا يقدر على مقاومتي ...
نفذت الحمامة ما فكرت فيه , ولم تنس أن تحيط أنفها ببعض أوراق الأشجار حتى لا تشم رائحة النبات الأحمر , وعندما شم الغراب رائحة النبات الأحمر الذي ألقته الحمامة في العش دار رأس الغراب ولم يعرف يمينه من شماله , ولم يستطيع أن يحرك مخالبه القوية أو منقاره , ولم يرفع جناحيه عندما رأى الحمامة تنقض عليه بمنقارها وقبضت على طرف من جناحه , وأخذت تجره إلى الخارج والغراب لا يقدر على مقاومتها .
وحينها تجمعت الطيور أمام عش الحمامة وقد أذهلهم ما رأوا , وتعجبوا مما يحدث , وقالوا
- الحمامة المسالمة أصبحت باسلة قوية , هزمت الغراب المعتدى
- رغم قوة مخالبه وأجنحته , فقد استعملت عقلها واستطاعت التغلب عليه

جرت الحمامة الغراب من جناحه , وألقته خارج العش , وهو ينظر إليها عاجزاً عن المقاومة إلا بالصياح والنعيق , والطيور جميعها تضحك مسرورة بما تفعله الحمامة الباسلة .
وعادت الحمامة إلى عشها وسط فرحة الطيور بها بعد أن أدرك الغراب أنه لن يستطيع أن يرفع رأسه بعد الآن في الغابة , ذهب بعيداً وسط صيحات الطيور بعد أن هزم من الحمامة...
وعلم الجميع أن طريق الظلم كله ندامة وطريق الحق كله سلامة ...