لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الجمعة، 16 يونيو 2017

"القرش الفتيّ " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



القرش الفتيّ
   قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
     " 1 "
ـــــــــــــــــــ
    شفّ الماء ، في هذه الرقعة من أعماق البحر ، هذا ما لاحظه القرش الفتيّ ، وهو مازال يواصل تحركه ، دون أن يغفو لحظة واحدة ، لا ليلاً ولا نهاراً ، ولو غفا فإنه  سيهلك في الحال .
ورفع رأسه إلى الأعلى ، حيث الهواء والضياء ، يبدو أن الشمس قد أشرقت ، فوق سطح الماء ، وأن أحياء البحر عامة بدأت تحركها ، بحثاً عما تسكت به جوعها ، الذي قلما يسكت .
وقبل أن يبدأ القرش الفتيّ جولته اليوم ، كما قام بها يوم أمس ، لاحت له أمه قادمة من بعيد ، تحمل في فمها قطعة كبيرة من السمك ، ولبث يتحرك في مكانه متمتماً : آه من ماما . 
واقتربت أمه منه ، وقال بصوت بشوش : طاب يومك ، يا بنيّ .
وردّ القرش الفتيّ قائلاً : أهلاً ماما .
ودفعت أمه أمامه قطعة السمك الطازجة ، وقالت : اصطدتُ سمكة كبيرة قبل قليل ، آه ما ألذها ، تذوقها ، يا بنيّ ، وسترى ذلك بنفسك .
لم يلتفت القرش الفتيّ إلى قطعة السمك ، وقال : البارحة كنتُ ألمحكِ حيثما أذهب .
وقالت الأم بصوت حنون : أنتَ صغيري .
وردّ القرش الفتيّ : لم أعد صغيراً ، يا ماما .
وابتسمت الأم ، وقالت : هذا يسرني ، يا بنيّ .
ونظر القرش الفتيّ إلى أمه ، ثم قال : إذا كنت لم أصطد شيئاً البارحة ، كما تعرفين ، فسأصطاد اليوم ، وآكل مما أصطاده .
وقالت الأم : هذا ما أرجوه .
وتحرك القرش الفتيّ ، ثم مضى مبتعداً ، فقالت الأم : سأترك قطعة السمك هنا ، لعلك تحتاجها .
ومضى القرش الفتيّ ، دون أن يلتفت إلى أمه ، وظلت الأم تتابعه بنظراتها المحبة الحنونة ، حتى غاب ، وهو يتجه نحو الصخور المرجانية .




    " 2 "
ـــــــــــــــــ
    قريباً من الصخور المرجانية ، لاحت أنثى القرش الفتية ، وما إن لمحت القرش الفتيّ ، حتى انطلقت تشق الماء إليه ، وهي تهتف : طاب صباحكَ .
وتوقف القرش الفتيّ ، متحركاً في مكانه ، وردّ قائلاً : طاب صباحكِ .
واقتربت الأنثى الفتية منه ، وقالت : الجو اليوم رائع ، لنقضه متجولين معاً .
وقال القرش الفتيّ ، دون أن يكتم فرحته : هذا يسرني ، لنتجول أولاً بين هذه الصخور المرجانية .
وتحركت الأنثى الفتية بنشاط ، وقالت : هيا إذن ، النهار في أوله ، هيا نتجول .
وراحا يتجولان بين الصخور المرجانية ، وهما يتبادلان الحديث ، وتباطأت الأنثى الفتية ، حتى كادت تتوقف ، وأشارت قائلة : انظر إلى تلك السمكة .
وتوقف القرش الفتيّ ، ونظر حيث أشارت ، وقال : آه إنها أكبر من أن نستطيع اصطيادها .
فقالت الأنثى الفتية : سنصطاد أكبر منها ، لكن ليس الآن ، وإنما في المستقبل .
ومن بين الصخور المرجانية ، خرجت سمكتان صغيرتان ، واقتربتا من السمكة الكبيرة ، دون خوف أو تردد ، وفتحت السمكة الكبيرة فمها ، وقد بدت متضايقة ، فدخلت إحدى السمكتين فيه ، واندست الثانية بين خياشيمها .
وتمتمت الأنثى الفتية : يا للعجب .
وبعد قليل ، خرجت السمكة الصغيرة من فم السمكة الكبيرة ، وسرعان ما خرجت الأخرى من بين خياشيمها ، دون أن تصاب أيّ منها بأذى .
والتفت القرش الفتيّ إلى أنثى القرش ، وقال : قالت لي أمي ، إن أمثال هذه الأسماك تسمى الأسماك المنظفة ، وهي تخلص الأسماك الكبيرة ، وحتى القروش ، من الطفيليات المضرة .
واستدارت السمكة الكبيرة ، وقد بدت مرتاحة هذه المرة ، وسرعان ما غابت بين الصخور المرجانية ، وعادت السمكتان الصغيرتان من حيث أتيتا ، ولابد أنهما ستبحثان عن سمكة كبيرة أخرى ، لتقوما بتنظيفها ، وتسكتان جوعهما بما تجدانه فيها من طفيليات .
والتفتت الأنثى الفتية إلى القرش الفتيّ ، وقالت : تعال نبحث عما نأكله .
فردّ القرش الفتيّ قائلاً : هيا .



     " 3 "
ـــــــــــــــــــ
    توقف القرش الفتيّ ، وكاد يتراجع إلى الوراء ، حين رأى من بعيد ، قرشاً غاية في الضخامة ، فهمس للأنثى الفتية : توقفي .
وابتسمت الأنثى الفتية ، فقد رأت هي الأخرى ما رآه القرش الفتيّ ، فالتفتت إليه ، وقالت : لا داعي للخوف ، إنه القرش الحوت ، وهو رغم ضخامته ، من القروش الهادئة المسالمة .
وظلت عينا القرش الفتيّ معلقتين بالقرش الحوت ، وقال : فلنبتعد بسرعة عن طريقه ، إنه يستطيع أن يلتهمنا بلقمة واحدة .
وضحكت الأنثى الفتية ، وقالت : إن هذا القرش ، والقرش المتشمس ، الذي لا يقل ضخامة عنه ، لا يأكلان غير الأسماك الصغيرة ، والعوالق وهي كائنات ضئيلة جداً ، معلقة في ماء البحر ، عند سطحه .
وواصل القرش الحوت طريقه بتكاسل وبطء ، حتى غاب ، وقبل أن يتحركا ، ويستأنفا جولتهما ، لمحا قرشاً أصغر حجماً من القرش الحوت ، لكنه أنشط منه ، يشق الماء ، وزعنفته الظهرية تلوح كالسيف ، فقالت الأنثى الفتية خائفة : فلنهرب .
وتحرك القرش الفتيّ قلقاً ، لكنه لم يهرب ، وكذلك الأنثى الفتية ، لم تهرب رغم خوفها ، ومن حسن حظهما ، أن ذلك القرش ، غير اتجاهه نحو سمكة ، كانت تسبح وحيدة ، وراح يطاردها ، ويبدو أنها لن تفلت منه .
ونظرت الأنثى الفتية إلى القرش الفتيّ ، وقالت : أراك لم تهرب من ذلك القرش .
والتفت القرش الفتيّ إليها ، وقال : خفتُ أن يهاجمكِ ، ذلك القرش الشرس .
وهزت الأنثى الفتية رأسها ، وقالت : ذاك هو القرش الأبيض ، وهو من أشرس القروش ، وهو يهاجم حتى الإنسان ، ويفتك به ، ويفترسه .
ونظر القرش الفتيّ إليها ، وقال : أنتِ أيضاً لم تهربي ، رغم أنك تعرفينه جيداً .
وردت الأنثى الفتية قائلة : لم أستطع أن أهرب ، وأتركك وحدك مع ذلك القرش القاتل .
وتحرك القرش الفتيّ ، وراح يشق الماء ببطء ، ولحقته الأنثى الفتية ، وهي تقول : أشمّ رائحة دماء .
وتشمم القرش الفتيّ ما حوله ، وقال : أنا أيضاً أشمها ، فلنسرع إلى مصدر الرائحة .
وأسرعا يتسابقان نحو مصدر الرائحة ، ولاحظا أن أعداداً غير قليلة من القروش ، مختلفة الأنواع ، تتجه نحوها ، وقد أصابتها رائحة الدماء بالجنون .
ولاحت من بعيد بقايا حوت ضخم ، ربما كان من نوع  العنبر ، تنقض عليه القروش ، وقالت : يبدو أن حيتان الأوركا القاتلة قد فتكت به ، وأكلت منه حتى شبعت ، وتركت الباقي للقروش الجائعة .
وتوقف القرش الفتيّ ، وأشار إلى سمكة متوسطة الحجم ، تمرّ على مسافة منهما ، وقال : انظري ، هذه السمكة أفضل من بقايا الحوت .
ولمعت عينا الأنثى الفتية ، وقالت : أنا معك ، فلنطاردها معاً ، ونولمها لنا .
وعلى الفور ، راح القرش الفتيّ ، والأنثى الفتية ، يطاردان السمكة المتوسطة الحجم ، وقد أدارا ظهريهما لبقايا حوت العنبر .    


                                   2 / 9 / 2016
 
   

ليست هناك تعليقات: